التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

في ظل الانقسامات.. ماذا ينتظر ليبيا 

حاولت الأطراف الدولية والفاعلين المحليين في ليبيا خلال الـ24 ساعة الماضية، احتواء مأزق الحكومتين الذي بات يهدّد بالعودة إلى مربع الانقسام في ليبيا، حيث أجرى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش اتصالًا هاتفيًّا برئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة.

وأجرى المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، سلسلة من الاتصالات الهاتفية مع الدبيبة، ورئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب فتحي باشاغا، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، بينما تلقي الأخير اتصالا من السفيرة البريطانية كارولاين هرندل.

ونقل غوتيريش خلال اتصاله مع الدبيبة، رسالة قلق عميق إزاء الاستقطاب السياسي الحاد الحالي في ليبيا، معتبرا – وفق بيان للأمم المتحدة – أن ذلك يحمل مخاطر كبيرة على الاستقرار الليبي الذي تحقق بشق الأنفس، مؤكدًا أن المأزق الحالي يتطلب حوارًا عاجلًا لإيجاد طريقة توافقية.

وتأزم الموقف السياسي في البلاد، مع تأدية حكومة باشاغا، اليمين القانونية أمام مجلس النواب الخميس المضي، في وقت لا يزال الدبيبة، متمسكًا بموقفه الرافض لتسليم السلطة إلا لحكومة منتخبة، ووصف إجراءات منح الثقة لحكومة باشاغا بالمزورة.

وخلال اتصال غوتيريش مع الدبيبة، بعث برسالة مهمة إلى الأطراف السياسية الليبية شدد فيها على «ضرورة التزام جميع الجهات الفاعلة بالهدوء، مع التأكيد على رفض الأمم المتحدة القاطع لاستخدام العنف والترهيب وخطاب الكراهية».

واعتبر الأمين العام أن ما وصفه بالمأزق الحالي في ليبيا يتطلب حوارًا عاجلًا لإيجاد طريقة توافقية للمضي قدمًا، وأكد دعمه الكامل لجهود الوساطة، التي تقوم بها مستشارته الخاصة بشأن ليبيا، ستيفاني ويليامز.

والجمعة، اقترحت وليامز على مجلسي النواب والأعلى للدولة تشكيل لجنة مشتركة بينهما تتكون من 12 عضوا، وتهدف إلى وضع قاعدة دستورية توافقية. وحسب الاقتراح، فإن هذه اللجنة تتشكل من ستة أعضاء من مجلس النواب، ومثلهم من المجلس الأعلى للدولة، وتجتمع في 15 مارس الجاري في مكان يتم التوافق عليه بعد موافقة المجلسين، للعمل لمدة أسبوعين لوضع القاعدة الدستورية. وفي أحدث تغريدة عبر «تويتر»، بينت وليامز، أن مبادرتها تهدف إلى «تفعيل وتثبيت التوافق بين مجلسي النواب والدولة من خلال لجنتي خارطة الطريق».

ورغم تسارع الأحداث والترقب الشديد لمصير الدبيبة وباشاغا إلا أنه إلى الآن هناك أطراف لم تُعرف مواقفها، ولم تحدد بعد موقعها بشكل أوضح “من مع من ضد من”.

فأطراف الانقسام السياسي المتوقع في ليبيا لا يزالون يلتزمون الصمت، والمجلس الرئاسي، أولهم، رغم أنه انبثق عن ذات جولات الحوار في جنيف، والتي أفرزت حكومة الدبيبة، بل كان بشخوصه الثلاثة الرئيس (محمد المنفي) والنائبين (موسى الكوني وعبد الله اللافي) مع الدبيبة، في ذات القائمة المنتصرة الواصلة للحكم قبل عام.

ويأتي قبل ذلك فاعلية مجلس الدولة، الذي تتذبذب مواقفه، ففي حين أعلن في بيان رسمي في 24 فبراير/شباط المنصرم رفض التعديل الدستوري، بعد التصويت عليه، وتغيير السلطة التنفيذية الصادرين عن البرلمان، أوضح أن ذلك الرفض “لأن البرلمان خالف الاتفاق السياسي وروح التوافق بين المجلسين”.

ما يعني تحول الأمور لصالح باشاغا، في حالة جرت صفقة توافق بين المجلسين، وهو ما طرح فعلا في مبادرة للمستشارة الأممية بشأن ليبيا ستيفاني وليامز، الخميس، والتي نصت على البدء الفوري بإجراء مشاورات بين المجلسين لوضع أساس دستوري ينقل البلاد إلى الانتخابات في أقرب وقت.

وقبل أيام، اعتبر المشري، عبر منشور له على فيسبوك، التشكيلة الوزارية لباشاغا، “بمثابة إدخال للمعتدين إلى طرابلس من النافذة، بعد فشلهم في دخولهم بالقوة”، في إشارة إلى وجود عدد من الوزراء ممن لهم ولاء لخليفة حفتر، قائد قوات الشرق، الذي قاد هجوما فاشلا على العاصمة طرابلس في 2019.

لكن المشري، وخلال ذات المنشور، قال “أتمنى على أخي وصديقي فتحي باشاغا، الذي كان له الدور الأبرز في الدفاع عن العاصمة، الانتباه لهذا الأمر جيدًا”.

وفي حين أن مجلس الدولة والمجلس الرئاسي، الجسمان الذين من الممكن أن يحددا معالم الانقسام كونهما أكبر الأجسام السياسية مقابل مجلس النواب في طبرق، هناك أجسام أخرى اقتصادية يحدد موقفها معالم الانقسام الاقتصادي في البلاد.

ومن بين أهم تلك المؤسسات المصرف المركزي، المنقسم بين غرب وشرق البلاد، والذي من المحتمل أن تساهم خطوة مجلس النواب في طبرق في تجميد جهود توحيده، التي تقودها الأمم المتحدة.

ومع وجود مصرفين، قد ينحاز كل واحد لطرف، إلا أن المصرف الذي يعمل من طرابلس برئاسة الصديق الكبير، الأكثر فاعلية فهو المتحكم في إيرادات البلاد، واصطفافه لجانب أحد الرجلين (الدبيبة/ باشاغا) سيحدد من سيحكم البلاد فعليا.

وتبقى أيضا مؤسسة النفط في عداد المؤسسات مجهولة الصف، والتي من الممكن أن تحافظ على حيادها هي الأخرى، وربما تصطف مع الدبيبة، وترفض التعامل مع حكومة باشاغا، لا سيما وأن رئيسها مصطفى صنع الله، لا تربطه أي علاقات أو تعامل مع مجلس النواب في طبرق، وهي أيضا المؤسسة التي تُدخل الإيراد الرئيسي وشبه الوحيد لميزانية الدولة.

أما على صعيد الانقسام الجغرافي، فاصطف معظم غرب البلاد خلف الدبيبة، وخاصة طرابلس التي خرج الآلاف من سكانها دعما للدبيبة، بينما أيد شرق البلاد حكومة باشاغا.

والانقسام الجغرافي لم يطل جغرافيا ليبيا (الأقاليم) كما كان الحال في انقسام السلطات عام 2014، حيث اصطف غرب البلاد مع حكومة الإنقاذ، بعدها حكومة الوفاق، بينما اصطف الشرق مع الحكومة المؤقتة “الموازية”، والتي تمركزت في شرق البلاد، بل انقسام اليوم وقع حتى داخل المدينة الواحدة.

فمدينة مصراتة (200 كلم شرق طرابلس) التي ينحدر منها الرجلين (الدبيبة وباشاغا) مثال لذلك، حيث انقسمت بين كيانات اجتماعية مؤيدة لاستمرار الدبيبة في الحكم، وبين نظائرها في ذات المدينة ممن يؤيد تولي باشاغا رئاسة الحكومة.

وتقف ليبيا أمام خيار الانقسام السياسي والاقتصادي والجغرافي، أو الخيار الآخر المتوقع هو نشوب حرب أهلية قد تأتي على ما تبقى من الدولة الواقعة في شمال إفريقيا، لا سيما وأنها تعرضت في السابق لحربين الأهليتين الأولى عام 2011، والثانية في 2019.

وما يجعل السيناريو الثاني أكثر قربا هو الاصطفاف العسكري والتحركات المسلحة المصاحبة لقرار البرلمان الأخير، والتي كان أبرزها دخول تشكيلات مسلحة من مصراتة ومدن أخرى إلى طرابلس دعما للدبيبة.

كما أن بيانا مصورا أصدره قبل أيام قيادات أقوى وأكبر التشكيلات المسلحة في غرب ليبيا بينهم غنيوة الككلي، رئيس جهاز دعم الاستقرار، أعلنوا فيه رفضهم لحكومة باشاغا، ودعمهم لبقاء الدبيبة.

وقبل ذلك وفور تكليف باشاغا، برئاسة الحكومة قبل أسبوعين، أعلنت 65 كتيبة وتشكيلا مسلحا في مصراتة، رفضها اختيار باشاغا، رئيسا للحكومة، بينما أصدرت في المقابل 118 كتيبة مسلحة بيانا أيدت فيه تولي باشاغا الحكومة.

وضمن ارتفاع التصعيد بلغة السلاح أيضا أصدر الدبيبة، تعميما بصفته وزيرا للدفاع، بالتعامل مع أي تشكيلات أو سيارات مسلحة تتحرك دون إذن مسبق من الوزارة.

وجاء ذلك بعد خطاب متلفز للدبيبة، أشار فيه لحفتر، قائلا “ما أسموه حكومة لن تعمل يوما في الواقع ولن يكون لها مكان (…) إن من نشأ في الحرب لا يمكن إلا أن يعيش فيها ولا يعرف إلا لغة البارود والنار، وللأسف لا توقفه إلا الهزيمة العسكرية”.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق