لماذا قام الحرس الثوري الإيراني بالقضاء علی وکر التجسس الصهيوني
دمرت الوحدات الصاروخية التابعة لسلاح الجو في الحرس الثوري الإيراني مركزين عملياتيين تابعين للموساد، بمعلومات استخبارية دقيقة ومراقبة كاملة للتحركات في المنطقة.
واعتبر الحرس الثوري في بيان، أن الهدف من العملية هو تفكيك المركز الاستراتيجي الصهيوني للمؤامرة والشر.
يشار إلى أن هذه العملية تم تخطيطها وتنفيذها في تمام الساعة الواحدة والعشرين دقيقة فجراً، تزامناً مع توقيت الحادث الإرهابي والدامي في مطار بغداد واستشهاد اللواء قاسم سليماني. تزامن هذه العملية الصاروخية الخاصة مع توقيت استشهاد القائد الشهيد في فيلق القدس الإيراني، له تداعيات مهمة على من يهمه الأمر والإرهابيين المتمركزين في المنطقة.
صُممت عملية الحرس الثوري في كردستان العراق ونُفذت في وضع زاد فيه الأمريكيون منذ فترة طويلة من مستوى سلوكهم الاستفزازي والعدواني، بالتعاون المباشر مع الكيان الصهيوني.
وهدفهم من شن “العدوان دون مستوى الحرب” هو خلق يد متفوقة(زيادة الهيمنة) وتغيير ميزان الردع لتغيير حسابات إيران وإجبارها على قبول اتفاقية جديدة من جهة، وتطبيع العلاقات مع الدول العربية وترسيخ الوجود التجاري والسياسي والعسكري للکيان الإسرائيلي في منطقة غرب آسيا من جهة أخری.
وكانت الهجمات على بعض قواعد المقاومة في المنطقة، وإطلاق مشروع حرب السفن، ورفع الضغط والتوتر في المنطقة بعد هروب الجيش الأمريكي من أفغانستان، جزءًا من خطتهم لزيادة هيمنتهم في الأشهر الأخيرة.
وفي هذه الظروف، كان من الضروري أن ترد المقاومة بشكل مناسب على الاستفزازات. وبالتالي، يجب اعتبار العملية الصاروخية التي قام بها الحرس الثوري الإيراني في أربيل على أنها رد المقاومة علی إجراءات الأمريكيين والکيان الصهيوني في المنطقة.
طبعاً، لفهم درجة النجاح في هذا النوع من العمليات الاستراتيجية، يجب النظر في اعترافات قائد صهيوني رفيع المستوى. حيث كتب اليعاز شني ماروم القائد السابق للبحرية الإسرائيلية في مقال في صحيفة “إسرائيل هيوم”: خسرنا الحروب لصالح إيران!
عملية الحرس الثوري في تدمير مرکز الموساد بالقرب من القنصلية الأمريكية، أظهرت مرةً أخرى ثلاث ميزات فريدة: إظهار الإشراف الاستخباراتي تجاه مراكز الکيان الإسرائيلي وتحرکاته؛ تغيير الاستراتيجية في رد الفعل المفاجئ والسريع بدلاً من الصبر الاستراتيجي، وأخيرًا، الدقة العالية للصواريخ الدقيقة وعدم قدرة الأنظمة الدفاعية للمنطقة على اعتراضها. خلال العملية الصاروخية في أربيل، تم عرض قدرات المقاومة بشكل متزامن.
نظرة علی عملية خاصة في أربيل
في ديسمبر من هذا العام، بدأ الجيش الإسرائيلي ثلاث مناورات تدريبية ذات أهداف محددة في نفس الوقت.
في إحدى هذه العمليات الثلاث، تم إجراء تمرين تكتيكي أطلق عليه اسم “سفينة نوح”، حيث سافر جزء من جيش العديد من الحكومات الغربية إلى تل أبيب للمشاركة فيه.
القوات المسلحة التابعة للکيان الصهيوني دعت شركاءها إلى تحديث خطتهم لإجلاء مواطنيهم من لبنان، من أجل احتمال وقوع مواجهة عسكرية مع المقاومة الإسلامية.
في الوقت نفسه، استضاف الصهاينة أيضًا تدريبات جوية. في ذلك التمرين التكتيكي، تدربت المقاتلات الإسرائيلية والأمريكية فوق صحراء النقب. وبعد ذلك بوقت قصير، كانت المناورة الثالثة محاكاةً لإمكانية اندلاع حرب مفاجئة على الحدود مع لبنان لقوات الاحتياط الإسرائيلية.
في ذلك الوقت، كتبت صحيفة “فرانكفورتر العامة” الألمانية في تحليل أن ثلاث تدريبات إسرائيلية قد تم تصميمها بمساعدة الموساد. وتابعت الصحيفة إن طهران إذا لم تتوصل إلى اتفاق نووي مع الغرب، سيكون لهذه العملية معنى خاص!
وكان التحليل الأخير لأجهزة المخابرات الأمريكية والصهيونية، هو أنه إذا لم تدخل إيران في عملية تسوية، فيجب أن نجرهم إلى حافة الحرب.
إن هذه الضربة الليلية المفاجئة على إحداثيات جغرافية محدودة في أربيل، قد أخلت بحسابات أعداء إيران. لدرجة أن شبكة كان نيوز الإسرائيلية قد نقلت عن صحفي محلي في أربيل قوله عن الضربة الصاروخية للحرس الثوري الإيراني: “هناك مخاوف من أن لا يكون هذا هو الهجوم الأخير”.
كما أن تصميم وتنفيذ هذه العملية كان لافتاً أيضاً. ففي هذه العملية، حددت الصواريخ الدقيقة مكان التجمع الصهيوني بدقة عالية، واستهدفت العقل المدبر للمناورات الصهيونية الثلاث في ديسمبر.
كان مرکز تجسس أربيل يقع في فيلا بالقرب من القنصلية الأمريكية، وكان بؤرةً لجمع المعلومات الاستخبارية والأعمال الشريرة للصهاينة. وبحسب التقديرات، فإن احتمال إعادة بناء هذين المركزين الاستخباراتي والتدريبي يقترب من الصفر.
قبل هذا استطاعت المقاومة الإسلامية في لبنان بذكائها وإبداعها أن تستخدم صواريخها لإغلاق سماء الكيان الصهيوني لأيام متتالية وإبراز ضعف الکيان.
إن عملية أربيل هي المرحلة الهجومية من عملية مدتها اثني عشر يومًا. وأظهرت أن القوى المعادية لإيران ضعيفة من الداخل والخارج، وأن عواقب التآمر حول حدود المقاومة هي وصول الرد المناسب إلى المراکز الإسرائيلية الرئيسية للتصميم والتخطيط.
بعد العملية الناجحة للحرس الثوري الإيراني، ذكرت صحيفة هآرتس أن الحرس الثوري الإيراني أطلق النار على عقول الصهاينة. ويضيف تقرير الصحيفة أنه تم إطلاق ما لا يقل عن 12 صاروخًا على مراكز استراتيجية إسرائيلية.
موجة الهجمات مستمرة!
لفهم أعمق لخصائص العمليات الخاصة للحرس الثوري الإيراني في إقليم كردستان؛ علينا أن ننظر إلى العملية من العين الإسرائيلية.
في مايو 2019، توقع يوفال شتاينتس، وزير الطاقة الإسرائيلي وعضو مجلس الوزراء الأمني ، أنه إذا تصاعدت التوترات مع إيران، فإن تل أبيب ستتلقى رداً قوياً.
كان يوفال شتاينتس مسؤولاً عن ملف إيران في الموساد لسنوات عديدة. وقال في تحليله إنه إذا كان الضغط عالياً وصار الصراع صعباً، يصبح من الصعب على أجهزة المخابرات رصد خطط الإيرانيين. وبعد أسبوع من توقع المسؤول الصهيوني، أطلقت حماس 700 صاروخ على الأراضي المحتلة!
عملية الوحدات الصاروخية التابعة للحرس الثوري بأعلى درجة من الإشراف الاستخباراتي من العدو، أظهرت أن حدود ونوعية الضربات قد تغيرت، وإمكانية التنبؤ برد الفعل قريبة من الصفر.
وإضافة إلى استهداف مراکز الکيان الإسرائيلي وضربها، فإن هذه العملية لها أيضًا تداعيات مهمة. بحيث أنه مع تصاعد الحرب في أوروبا، ستجتاز المقاومة قريبًا “نقطة التحول التاريخية” وتقوي “محور المقاومة” ضد القوى الكلاسيكية.
الردود السياسية علی عملية باليستية
بالتزامن مع تعليق محادثات فيينا، اعتقدت بعض وكالات الاستخبارات في الغرب أنه من خلال زيادة الضغط على إيران، يمكن الحصول على تنازلات منها في المستقبل. وقد لعب الموساد دوراً رئيسياً في ذلك.
وفي هذا الصدد، كتب ستيف هندريكس كبير مراسلي واشنطن بوست في إحدى مقالاته الأخيرة أن “الحكومة الإسرائيلية تحث إدارة بايدن على اتخاذ نهج أكثر تشدداً تجاه برنامج إيران النووي، وفي الوقت نفسه تتجنب المواجهة مع البيت الأبيض، على غرار ما حدث أحيانًا في عهد بنيامين نتنياهو”.
وتابع التقرير إن مسؤولي البنتاغون والکيان الصهيوني سيعملون بشكل أوثق معًا لتعزيز التعاون الاستخباراتي والعسكري. وقد خلص كاتب التقرير إلى أن التعاون الأمني والعسكري بين الکيان الصهيوني والولايات المتحدة، من شأنه أن يقود إيران إلى طاولة المفاوضات.
لکن عملية الوحدات الصاروخية للحرس الثوري الإيراني قد عطلت الحسابات السياسية لأعداء إيران. حيث أظهر تدمير مراكز استخبارات الموساد أن جمهورية إيران الإسلامية لا تخضع للضغط الأمني الأقصى، وتعتبر مكونات زيادة القوة جزءًا من “الاتفاق الجيد” في المستقبل.
زيارة رئيس شاباك للولايات المتحدة
اللافت للنظر أنه بعد عملية الحرس الثوري في القاعدة الأمريكية في عين الأسد، أعلن الکيان الصهيوني أنه لا دور له في قضية اغتيال اللواء قاسم سليماني!
إن حدة تلك الضربة كانت شديدةً لدرجة أن تل أبيب قررت إخفاء تورطها مع الأمريكيين في حادثة مطار بغداد الدموية، حتى لا تقع في دائرة الانتقام الإيراني. والآن، أظهر الرد الأمريكي على ضرب الموساد في أربيل، أن بايدن مستعد فقط للإدلاء بتصريح سطحي تضامني مع الکيان الصهيوني، مفضِّلاً ضمان حياة إرهابيي القيادة المركزية على الصهاينة.
کما أظهرت تجربة الخلاف بين حليفين استراتيجيين في الظاهر، أنه حتى في عملية روتينية وبسيطة، إذا قررت المقاومة يومًا ما رفع مستوى الضغط، فسوف ينکشف ضعف العدو ويصاب بالوهن والخلل من الداخل والخارج.
بعد هذه العملية الصاروخية، ردَّ بعض المسؤولين العراقيين وعدد من الحكومات التابعة في المنطقة نيابةً عن بايدن! بالطبع، كتابة مثل هذه التصريحات ليس لها تأثير على إرادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في تدمير أوكار الشر. فإذا كانوا قلقين بشأن سيادتهم الوطنية والسلام في المنطقة، فعليهم القضاء علی الجماعات والعصابات الإرهابية التابعة للولايات المتحدة والکيان الإسرائيلي علی أراضيهم.
کما أن تنفيذ هذه العملية الصاروخية يحمل رسالةً خاصةً لسلطات إقليم كردستان أيضًا، تقول مفرداتها أن طهران لن تقف مکتوفة الأيدي أمام المؤامرات الإسرائيلية بالقرب من حدودها. ويمكن إرسال هذه الرسالة إلى حكام الدول الخليجية أيضًا. عملية الحرس الثوري الإيراني في أربيل تشبه إلى حد بعيد عملية استهداف مقر إرهابيي الحزب الديمقراطي الكردستاني في سبتمبر 2018.
يشار إلى أن تدمير قواعد الموساد ليس سوى جزء صغير من التدريبات التكتيكية لمدن الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية، رداً على الأعمال العدوانية للکيان الإسرائيلي في الأشهر الأخيرة لدفع إيران إلى التسوية. وعندما تنبت بذور المواجهة في مرتفعات الجولان، سيدرك الکيان حينها الحجم الحقيقي للنيران التي تستهدفه.
عندما يتفاقم الضغط الاجتماعي داخل الأراضي المحتلة وتتصاعد الهجرة العكسية من الملاجئ تحت الأرض إلى الخارج، سيفهم الصهاينة تداعيات الضربة الشديدة التي وجَّهها الحرس الثوري الإيراني عبر عملياته الأخيرة في أربيل.
المصدر/ الوقت