التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

ما بين تحول وتخل تاريخي… إسبانيا عام 1975 تعود للواجهة 

شكل الموقف الإسباني الجديد الداعم للطرح المغربي حول الصحراء الغربية تحولا لافتا في السياسية الإسبانية، التي التزمت نوعا من الحياد اتجاه هذه القضية.

حيث قررت إسبانيا، وبشكل لافت، التخلي عن موقفها التاريخي الملتزم بالحياد بشأن قضية الصحراء الغربية، لتعلن دعهما العلني وللمرة الأولى لموقف المغرب، معتبرة أن مبادرة الحكم الذاتي المقدمة في العام 2007 من جانب الرباط، “هي الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية لحل هذا النزاع” بين الحكومة المغربية وجبهة البوليساريو التي تطالب باستقلال الصحراء بشكل تام.

وتقترح الرباط التي تسيطر على ما يقارب 80% من هذه الأراضي الصحراوية الغنية بالثروات ومياهها المليئة بالأسماك، خطة حكم ذاتي تحت سيادتها بينما تدعو البوليساريو إلى استفتاء لتقرير المصير. كما يذكر أن الصحراء الغربية كانت سابقا تحت الاستعمار الإسباني، لذلك ارتأت مدريد تاريخيا التزام الحياد نظرا لحساسية القضية.

واعتبر زعيم جبهة “البوليساريو” الانفصالية، إبراهيم غالي، أن الموقف الجديد الذي أعلنت عنه مدريد بشأن الصحراء المغربية، هو تخل عن مسؤولياتها تُجاه إقليم الصحراء، وهو موقف يُشبه الموقف الإسباني في سنة 1975 عندما قررت الرحيل عن الصحراء والتخلي عن “الشعب الصحراوي”.

وأضاف إبراهيم غالي في حوار مع صحيفة “إلموندو” الإسبانية مُعلقا على موقف بيدرو سانشيز “من الواضح أنه تحول جذري غير متوقع من بلد قائم بحكم القانون بإدارة الصحراء” باعتبار أن إقليم الصحراء كان مستعمرة إسبانية سابقة وفق تعبير زعيم “البوليساريو”.

ووفق ذات المصدر، فإن زعيم الجبهة الانفصالية أعرب عن عدم فهمه لهذا التحول الجذري من طرف الحكومة الإسبانية، وخاصة أن إسبانيا حسب قوله لطالما “دافعت دوما عن الحل في إطار الأمم المتحدة، وتستند دائما على القرارات الأممية”.

واعتبر إبراهيم غالي في حديثه للصحيفة الإسبانية، أن موقف مدريد الجديد هو يُشبه أو أكثر سوءا مما حدث في سنة 1975، عندما قررت القوات الإسبانية الرحيل عن إقليم الصحراء، وتسليمه إلى المغرب بعد المسيرة الخضراء التي قام بها الشعب المغربي لاسترجاع هذا الإقليم، في الوقت الذي كان يحلم انفصاليو جبهة “البوليساريو” بتحقيق الاستقلال وتأسيس دولة مستقلة في الصحراء.

ووصف زعيم “البوليساريو” أن هذا الموقف الإسباني الجديد هو “خطير للغاية”، وجدد رفضه لهذا الموقف، مثلما طالب سابقا بضرورة تراجع مدريد عما أعلنت عنه في رسالة موجهة من رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز إلى الملك المغربي محمد السادس، بدعم مبادرة الحكم الذاتي للصحراء تحت السيادة المغربية.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا الموقف الإسباني شكل صدمة كبيرة لجبهة “البوليساريو”، أكثر من الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء، بالنظر إلى الأهمية التي تحظى بها إسبانيا في هذه القضية، باعتبارها الدول المستعمرة السابقة للصحراء.

وتخشى الجبهة التي تعمل حاليا على دفع مدعميها إلى القيام باحتجاجات في إسبانيا للضغط على لحكومة الإسبانية بالتراجع عن موقفها الجديد، بأن تسير على نهج إسبانيا دول أخرى مؤثرة، على غرار ما فعلته ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية..

و تزامنا مع عودة العلاقات بين المغرب وإسبانيا، والتأكيدات أن سفيرة الرباط لدى إسبانيا ستعود إلى مدريد، أشعل الموقف الإسباني أزمة جديدة مع الجزائر لحركة البوليساريو. فقد عبرت الحكومة الجزائرية عن غضبها بإعلانها سحب سفيرها لدى مدريد احتجاجا على دعم إسبانيا لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، رغم تأكيد السلطات الإسبانية إبلاغها مسبقا الجزائر موقفها الجديد والتشديد على أنه “بالنسبة لإسبانيا، الجزائر هي شريك استراتيجي ذو أولوية وموثوق نرغب في الحفاظ على علاقة مميزة معه”

في هذا الإطار، أشار أستاذ العلاقات الدولية عبد الرحمن مكاوي إلى أن “إسبانيا أعادت التفكير بسياستها اتجاه المغرب، وقد قدمت تنازلا للحكومة المغربية في ملفات حساسة، وهو ما ذهبت إليه أيضا ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة”.

وأوضح المكاوي أن إسبانيا تنظر إلى أن الصحراء الغربية تتحول إلى “منطقة اقتصادية مهمة”، إضافة إلى أن “مدريد تستفيد من الاستثمارات الضخمة التي ضخت وخاصة في إقليم وادي الذهب وملف الصيد البحري”. لذلك اعتبر مكاوي أن “الرهانات الاقتصادية لمدريد كانت أقوى في اتخاذ هذا القرار التي اعتبرت مفصلية في علاقتها مع المغرب”.

إلى ذلك، لفت المكاوي إلى أن الأزمة الأخيرة أدت إلى عدم التزام الطرف المغربي بمواجهة موجات الهجرة نحو إسبانيا، لكن عودة التوافق بين البلدين سيسمح بإعادة تفعيل التعاون الأمني وسيعود بقوة بوسائل تكنولوجية متطورة.

من جانبه، ربط عضو مؤسس مركز دراسات أحمد بابا مسكي بباريس د. محمد بن خروف الموقف الإسباني الجديد بالتطورات الأخيرة على الساحة الدولية خصوصا بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية، “التي تحتم على كثير من الدول أن تحدد قطبها”، معتبرا أن “واشنطن فرضت على بعض الدول الأوروبية أن تحدد موقفها إذا كانت إلى جانبها أو إلى جانب روسيا”.

كما رأى بن خروف أن “إسبانيا تحاول بدورها الضغط على الجزائر لتغير موقفها وتنضم إلى القطب الغربي، خصوصا بعد زيارة نائبة وزير الخارجية الأمريكي ويندي شيرمان إلى الجزائر، لبحث إعادة تشغيل خط أنابيب الغاز الذي يمر إلى إسبانيا عبر المغرب، وهو الأمر الذي لم تقبله الجزائر”، وفقا لخروف الذي فسر الموقف الإسباني على أنه ضغط أمريكي غير مباشر على الجزائر.

يذكر أن خطي غاز يربطان إسبانيا والجزائر: خط “ميدغاز” الذي يربط مباشرة بين البلدين، أما الثاني “خط غاز المغرب العربي – الأوروبي” فيمر عبر المغرب، وقد قررت الجزائر عدم تجديد عقد تشغيل هذا الخط مع المغرب الذي انتهى في 31 تشرين الأول.

ولفت بن خروف إلى أن “تداعيات الحرب الأوكرانية قد تنتقل إلى أماكن أخرى في العالم، قد تكون الصحراء الغربية واحدة منها”.

ويدور نزاع منذ عقود بين المغرب وجبهة بوليساريو المدعومة من الجزائر حول الصحراء الغربية، وهي مستعمرة إسبانية سابقة تصنفها الأمم المتحدة بين “الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي”. في أواخر 2020 قالت جبهة البوليساريو التي تسعى لاستقلال الصحراء الغربية إنها استأنفت الكفاح المسلح بعد وقف لإطلاق النار استمر من عام 1990 ولكن ليس هناك ما يشير إلى قتال جدي.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق