كيف تطيح حرب أوكرانيا بإمبراطورية الدولار
لقد مرَّ أكثر من شهر على حرب أوكرانيا، وكان للأزمة المستمرة في العلاقات بين روسيا والغرب هذه الأيام تأثير كبير على حالة الاقتصاد العالمي.
وتشمل بعض المشاكل التي تأثر بها الاقتصاد العالمي بسبب الحرب في أوكرانيا، قضايا مثل ارتفاع أسعار الوقود والغذاء العالمية وتراجع معدلات النمو في الأسواق المالية.
وعلى الرغم من أن الجزء الأکبر من هذا التحدي كان مرحلياً وملموسًا للغاية، إلا أن الخبراء توقعوا آثاراً حتميةً ومهمةً للغاية على المدى الطويل لحرب أوكرانيا، ولعل أحد أهم هذه الآثار هو تسريع تراجع هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي.
ومن أهم العوامل ذات الصلة هي العقوبات الاقتصادية الغربية ضد روسيا، والتي تم فرضها بشكل خاص من خلال تقييد المعاملات المالية لموسكو من خلال نظام سويفت(جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك).
ونتيجةً لهذه العقوبات، أصدر بوتين أمرًا تنفيذيًا أعلن فيه أن الدول غير الصديقة(وخاصةً الاتحاد الأوروبي)، يجب أن تدفع من الآن فصاعدًا ثمن الغاز المشتری من روسيا بالروبل(العملة الوطنية لروسيا). خطوةٌ قد تجبر الدول الغربية على الالتفاف على عقوباتها الخاصة وإجراء المبادلات المالية مع البنك المركزي الروسي.
لكن روسيا سعت منذ فترة طويلة إلى تقليل اعتمادها على الدولار، وهو اتجاه تسارع بشكل حاد منذ فرض العقوبات الأمريكية رداً علی ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014.
کما حوَّلت هذه الدولة احتياطياتها من العملات الأجنبية إلى ذهب، ووفقًا لوکالة سبوتنيك، كان البنك المركزي الروسي أكبر مشترٍ للذهب على مدار السنوات السبع الماضية.
وأعلن مجلس الذهب العالمي في تقرير، أن البنك المركزي الروسي اشترى أكثر من 92 طنًا من الذهب في الربع المنتهي في سبتمبر 2018، محطمًا الرقم القياسي البالغ 2000 طن من احتياطي الذهب لما يقرب من ثمانين عامًا.
في غضون ذلك، لا يبدو أن العقوبات الغربية تؤثر على التجارة بين روسيا وأكبر زبائنها النفطيّين، أي الصين والهند. وتظهر إحصاءات شرکة كبلر أن صادرات النفط الروسية إلى الهند زادت منذ بداية مارس، في نفس الوقت الذي امتنع فيه التجار الأوروبيون عن شراء النفط الروسي.
وقد صرح مسؤول هندي لصحيفة “هندوستان تايمز” في وقت سابق من هذا الشهر، أن الهند تدرس الحفاظ على التجارة مع روسيا من خلال أنظمة الدفع البديلة باستخدام حساب مصرفي.
من ناحية أخرى، في حين أن تطوير البنية التحتية لتجارة النفط والغاز بين الصين وروسيا كان مكثفًا للغاية في السنوات الأخيرة، يبدو أن بكين لن تضطر إلى العمل الجاد للالتفاف على العقوبات وغيرها من المشاكل في شراء النفط الخام من روسيا.
لدى الصين عقود من الخبرة في الالتفاف على العقوبات الغربية. وقد أظهرت تجربة التجارة مع إيران أن بكين لديها الكثير من المهارة في الالتفاف على العقوبات، وقد سهلت الولايات المتحدة ذلك في حالة روسيا بعدة طرق، بما في ذلك خلق ثغرات في عقوباتها يمكن للصين وروسيا استغلالها.
أولاً، لا توجد حاليًا عقوبات مباشرة من الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي على صادرات النفط والغاز الروسية.
وعلى الرغم من إعلان الجانب الغربي عدة مرات عن عقوبات مختلفة ضد عدد من البنوك الروسية، فإن أحد البنوك الذي غاب بشكل كبير عن القائمة الأمريكية هو ثالث أكبر مقرض روسي، أي غاز بروم بنك، الذي يخدم عملاق الغاز الروسي.
في الواقع، فإن “غاز بروم بنك” و”سبير بنك”، مثل عمالقة البنوك الروسية الأخرى المملوكة للدولة، ليسوا على قائمة الممنوعين من جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك(سويفت).
وثانيًا، في السنوات القليلة الماضية، بنى الروس والصينيون البنية التحتية المالية لتجارتهم الثنائية بغير الدولار.
وفي هذا الصدد، قال ليونيد ميكلسون، الرئيس التنفيذي لشركة نوفاتك الروسية، في سبتمبر 2018، إن روسيا تجري محادثات لتحويل تركيزها من التجارة المرتكزة على الدولار الأمريكي إلى أكبر شركائها التجاريين، مثل الهند والصين، وحتى العالم العربي. وأضاف: “إذا تسببت (الولايات المتحدة) في مشاكل لبنوكنا الروسية، فكل ما علينا فعله هو استبدال الدولار”.
في نفس الوقت تقريبًا، أطلقت الصين بورصة شنغهاي مع عقود النفط باليوان(عملة رنمينبي). وقد تم اختبار تنفيذ هذه الاستراتيجية على نطاق واسع لأول مرة في عام 2014، عندما حاولت شركة “غازبروم” تداول النفط الخام باليوان الصيني والروبل مع الصين وأوروبا.
وبناءً على ذلك، أقرت جيتا جوبيناث، نائبة المدير العام لصندوق النقد الدولي، مؤخرًا بأن العقوبات الغربية الواسعة النطاق ضد روسيا، بما في ذلك القيود المفروضة على البنك المركزي، يمكن أن تشجع على ظهور كتل عملات صغيرة على أساس التجارة بين مجموعات منفصلة من البلدان، وهذا يهدد بتقليص هيمنة الدولار تدريجيًا وإنشاء نظام نقدي دولي أكثر تشتتًا.
وأشارت جوبينات إلى أن حصة الدولار من الاحتياطيات الدولية، انخفضت من 70 في المائة إلى 60 في المائة خلال العقدين الماضيين.
ويعتقد المحللون في مؤسسة “مورجان ستانلي” أن حصة الصين من الاحتياطيات العالمية قد تصل إلى 5 إلى 10 في المائة بحلول عام 2030، على حساب عملات الاحتياطيات الأخرى(وخاصةً الدولار)، ومع ارتفاع اليوان إلى موقع العملة الاحتياطية العالمية، سيفقد الدولار الكثير من نفوذه العالمي.
وفي ظل هذه الظروف، فإن القضية التي يمكن أن تسرع من هبوط الدولار هي قلق الدول الأخرى في العالم، والتي تدرك تدريجيًا أن احتياطياتها من العملات الأجنبية(الدولار) ليست آمنةً كما كانت تعتقد سابقًا، ونتيجةً لذلك بدأت في تنويع احتياطياتها من العملات الأجنبية.
بالنظر إلى هذه الإجراءات، بعد 70 عامًا من اتفاقية بريتون وودز وفكرة جعل الدولار الأمريكي العملة المرجعية العالمية، لم يعد يُنظر إلى الدولار على أنه الاحتياطي المالي العالمي الأكثر أمانًا، وموقعه آخذ في الانحدار.
المصدر/ الوقت