التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

قضية فلسطين وازدواجية سياسات تركيا 

رافق تحرك تركيا في قبول رئيس الكيان الصهيوني والترحيب والالتقاء به، ردود أفعال كثيرة. فقد كانت تركيا ذات يوم موضع ثناء للشعب الفلسطيني والعالم الإسلامي لإرسالها مساعدات إنسانية للشعب الفلسطيني عندما هاجمتها البحرية الإسرائيلية وقُتل العديد من المواطنين الأتراك في الهجوم، لكن هذا الجو سرعان ما انتهى. حيث أعادت أنقرة علاقاتها مع الكيان الصهيوني وأعادت فتح سفارتها في تركيا. وتتواصل جهود الحكومة التركية لإعادة العلاقات مع الكيان الصهيوني رغم معارضة الشعب التركي ، ولقد ندد “رجب طيب أردوغان” في اتصال هاتفي مع رئيس الكيان الصهيوني بالعمليات الاستشهادية الفلسطينية الأخيرة التي أسفرت عن مقتل 11 صهيونيًا! ولقد دخل تحول “أردوغان” باتجاه الكيان الصهيوني مرحلة جديدة مع إدانة العمليات الاستشهادية ضد الصهاينة من قبل جبهة المقاومة والشعب الفلسطيني.

لا ينبغي الاستخفاف بموقف تركيا، حيث تسعى تركيا إلى توسيع العلاقات السياسية والاقتصادية العميقة مع الكيان الصهيوني بالتحول الحاد الذي أظهرته. وفي المجال الاقتصادي، تبحث تركيا عن عقد اتفاقيات تتعلق بالغاز مع الكيان الصهيوني، لكن هناك عقبات لن تسمح بحدوث ذلك بسرعة. إن أنقرة عالقة عند مفترق طرق إسرائيلي فلسطيني، وسياسة تركيا “إزدواجية المعايير” فاشلة.

إن تركيا تريد أن تكسب قلوب الشعب الفلسطيني وأن تكون لها علاقات عميقة مع الكيان الصهيوني وهذان الأمران يتعارضان مع بعضهما البعض ولا يمكن الجمع بينهما. ومن الآن فصاعداً، لا يمكن للمرء أن يأمل في سياسة تركيا الداعمة لفلسطين، وربما حتى سياساتها تجاه الشعب الفلسطيني. وتواصل تركيا القول إنها ملتزمة بأجندتها الفلسطينية، لكن انحيازها للكيان الصهيوني قد يؤدي إلى انعدام الثقة بها بين أبناء الشعب الفلسطيني. حتى العلاقات الأعمق بين أنقرة والكيان الصهيوني يمكن أن يكون لها تأثير سلبي على علاقات تركيا مع الدول المجاورة. ومع مزيد من النفوذ الصهيوني في تركيا، سيحاول الصهاينة تنفيذ سياسة تقسيمية داخل المجتمع التركي.

ويمضي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نحو التطبيع مع إسرائيل بحماس شديد هذه المرة، ودون أي انتقادات لها، ودون شعارات مثل السابق، فقط يريد من الفلسطينيين أن يصدقوا أن هذا التطبيع “لن يكون على حسابهم”، وألا يخونوه.

وقال وزير الخارجية التركي قبل زيارة رئيس إسرائيل إلى تركيا إن أنقرة لن تتجاهل التزامها بقيام دولة فلسطينية من أجل إقامة علاقات أقوى مع إسرائيل. ويرى مراقبون فلسطينيون أن مبررات تركيا للتطبيع مع إسرائيل جاهزة، في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة، وأن “أردوغان” لن يجد من الفلسطينيين أي انتقادات كتلك التي دأبوا على توجيهها إلى أي دولة عربية تقترب بشكل أو بآخر من موضوع السلام، وأنهم لن يخرجوا إلى الشوارع للتظاهر ضده أو يحرقوا صوره.

وأشار المراقبون إلى أن “أردوغان” لن يجد انتقادات ولا حملات، سواء من السلطة الفلسطينية أو من حركة حماس؛ فـ”عباس” لن يُغضب تركيا لعلاقته المباشرة بها وكذلك لكي لا يستعدي عليه قطر التي سبق أن لجأ إليها لنجدة سلطته التي تعاني من أزمة مالية خانقة. كما أنه بات يراهن على محور تركيا – قطر بعد أن خسر ثقة المحور العربي التقليدي الداعم للقضية الفلسطينية. ويبيح الأتراك لأنفسهم ما يرفضونه للآخرين في ما يتعلق بالموضوع الفلسطيني، حيث تقيم أنقرة علاقات قديمة مع إسرائيل، وكانت تبيع للفلسطينيين بعض الشعارات والمواقف العامة الهادفة إلى تحسين صورتها في العالم الإسلامي وخاصة بعد موجة الربيع العربي، لكنها لم توقف تعاونها مع تل أبيب عسكريا واستخباريا واقتصاديا، وهي تبحث عن مكاسب أوسع في الوقت الرهان في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها.

لم تكن التحولات الأخيرة في السياسة الخارجية التركية، بلا أثمان، بل إن أنقرة لم تتوان عن لحْس كل ما كانت ترفعه من شعارات رنانة، مقابل تطبيع علاقاتها مع أطراف إقليمية عديدة. وبعدما تخلت عن اتهاماتها القاسية للإمارات بالانخراط في انقلاب 2016، وطوت صفحة مطالبها المتصلة بالقضية الفلسطينية، جاء الدور على السعودية، لتسامحها بدم جمال خاشقجي، وتطوي ملف قضية صدّعت رؤوس العالم وهي تتحدّث عنها. بدأت تظهر الأثمان التي كانت تركيا مستعدّة لدفعها، مقابل تحسين علاقاتها مع دولٍ، أخرجتها للتوّ من خانة الأعداء والخصوم، ليُثبت ما فعلته مع العديد من الأطراف الإقليمية، مثل إسرائيل والسعودية وقبلهما الإمارات، تقدم المصالح السياسية والاقتصادية، وحتى الشخصية، على منظومات القيم الأخلاقية في العلاقات الدولية.

ومنذ نحو سنة، مع وصول جو بايدن إلى سدة الرئاسة الأمريكية، ازداد التوجّس لدى الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، جرّاء توعّد بايدن بالإطاحة به، ومن هنا فقدْ بدأ بعملية التغيير انطلاقاً من مصر، ومروراً بالإمارات.

إلا أنه حتى الآن، ليست ثمة نتائج ملموسة للمحادثات مع مصر، ولاسيما أن شروط الأخيرة لا تزال متشددة بشأن ضرورة اعتراف إردوغان بأخطائه، والاعتذار، والوقف الكامل لدعمه الإخوان المسلمين المصريين.

أما الخطوة الثانية في تحولات السياسة الخارجية التركية، فقد تمثلت في المصالحة مع الإمارات؛ إذ غض إردوغان النظر عن اتهاماته للدولة الخليجية ومسؤوليها بأنهم وراء محاولة الانقلاب الفاشلة، في 15 تموز 2016، في مقابل تعهد الإمارات باستثمار ما يُقارب عشرة مليارات دولار في الاقتصاد التركي، بهدف إنعاشه ولجم التراجع المخيف في سعر صرف العملة المحلية أمام الدولار الأمريكي.

ووسط جهود التقارب بين الطرفين، تتعالى أصوات إسرائيلية داعية إلى “الحذر الشديد من أردوغان”، مثلما فعل السفير الإسرائيلي الأسبق في مصر، إسحاق ليفانون، في مقال له نشره الموقع الإلكتروني لصحيفة “معاريف” الإسرائيلية حيث قال إنه “بدلا من زيارة هرتسوغ لتركيا، فإن من المفيد أن يبدأ التقارب من خلال خطوات صغيرة، كإعادة سفيري البلدين مثلا”.

وقال ليفانون: “لا أعتقد أن ثمة مشكلة لإسرائيل مع الدولة التي تسمى تركيا، فوزنها الاستراتيجي ودورها الإقليمي واضحان. لكن لدى إسرائيل مشكلة مع من يقف على رأس هذه الدولة، الرئيس أردوغان”، وأضاف: “لكن السؤال المطروح هو: هل يعتزم الرئيس التركي بمغازلاته العلنية لإسرائيل تغيير سياسته وتصريحاته أيضاً؟ فالأصوات التي تصل إلينا من تركيا على لسان مسؤولين كبار على غرار وزير الخارجية التركي تفيد بأن أردوغان لا يعتزم تغيير سياسته في منطقة الشرق الأوسط”.

وأوضح إسحاق ليفانون أن “الصعوبة تكمن في أن أردوغان غير متوقع، كما أنه عندما يوجه انتقاداً لإسرائيل فإنه يفعل هذا بتطرف كبير ترافقه أكاذيب وإهانات، هذا ما كان في الماضي ولا توجد أي مؤشرات إلى أنه لن يكرر هذا حتى بعد تطبيع العلاقات بين الدولتين”.

وحول دعوة أردوغان لتصدير غاز شرق المتوسط بشكل مشترك مع إسرائيل، حذر ليفانون تل أبيب من “التضحية بعلاقات” مع دول أخرى “لمصلحة أردوغان”، وقال: إسرائيل جزء من منظمة الغاز الشرق أوسطية التي تضم اليونان وقبرص ومصر وبيننا تعاون استراتيجي مهم للغاية، فأيّ منطق يكمن في التضحية بعلاقات ممتازة مع اليونان وقبرص أثبتت نفسها، لمصلحة أفكار أردوغان؟”.

وفي الختام يمكن القول إنه لم يسجل التاريخ قيام رئيس تركيا، في اتصال هاتفي مع رئيس الكيان الصهيوني، بالإعراب عن تعازيه لمقتل الصهاينة، وإدانته للعملية الاستشهادية الفلسطينية. وهذا ليس بالشيء الجيد في السياسة الخارجية التركية، سواء بالنسبة لهذا البلد أو للعالم الإسلامي والشعب الفلسطيني.

وفي الختام يمكن التساؤل هل تستطيع تركيا أن تنسى ضحايا سفينة “مرمرة” التي استهدفتها البحرية الإسرائيلية؟ وهل يتسامح الشعب المسلم في تركيا مع تطبيع حكومته مع إسرائيل ؟!
المصدر : الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق