لماذا تفكر الرياض في إعادة فتح سفارتها في بيروت
كشفت بعض المصادر العربية، عن عودة العديد من الدبلوماسيين السعوديين الذين غادروا بيروت العام الماضي نتيجة التوترات بين السعودية ولبنان إلى بيروت لتمهيد الطريق لعودة السفير السعودي إلى لبنان. ويأتي ذلك في وقت تتزامن فيه الخطوة مع بدء خطة توزيع مساعدات إنسانية سعودية على لبنان.
ويأتي هذا الاتجاه في مجال خفض التصعيد في العلاقات بين السعودية ولبنان بعد تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي في 27 أكتوبر 2021 والتي أدان فيها اعتداءات تحالف العدوان على أبناء الشعب اليمني، وعلى رأسها السعودية وهذا الامر أدى إلى نشوب توترات في العلاقات بين الرياض وبيروت وفي ذروة هذه الأزمة استدعت الرياض سفيرها في لبنان في 29 تشرين الأول، وطردت السفير اللبناني، وأوقفت استيراد جميع البضائع من لبنان. وعلى الرغم من أن هذه التوترات اقتصرت في البداية على المملكة العربية السعودية ولبنان، إلا أن دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى (باستثناء عمان) أعربت تدريجياً عن ردود فعلها على النمط السعودي تجاه لبنان، ولقد تم طرد سفراء لبنانيين في دول مثل الإمارات والبحرين والكويت.
ولقد بذل رئيس الوزراء اللبناني “نجيب ميقاتي” جهودا كبيرة لنزع فتيل التوتر بعد قطع العلاقات بين السعودية وبعض الدول العربية الأخرى مع بيروت. حتى استقالة “جورج قرداحي” لم تستطع تطبيع العلاقات بين الطرفين.
وفي يناير 2021 قدمت الكويت خطة للمصالحة بين البلدين اشتملت على عدة شروط منها تنفيذ اتفاق الطائف لعام 1989 وتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي ولا سيما القرار الخاص بنزع سلاح الجماعات المسلحة في لبنان، وقرار عام 1980 حول السيادة، ومصداقية لبنان الإقليمية واستقلاله السياسي، والقرار 1701 بشأن وقف جميع الأعمال العدائية بين لبنان والكيان الصهيوني، وعلى الرغم من هذه الشروط وإصرار السعودية على مواصلة قطع العلاقات مع لبنان، يمكن التساؤل الآن عن سبب إرسال السعوديين دبلوماسييهم إلى بيروت دون أي إجراء مهم من قبل حكومة “ميقاتي” وعدم استيفاء الشروط التي وضعتها الكويت؟ وإلى جانب هذا السؤال، هناك سؤال آخر هو ما إذا كانت الرياض قد تراجعت عن مطالبها أم إن لديها خطة خاصة أخرى للبنان في الفترة التي ستسبق انتخابات الشهر المقبل.
فشل سياسة افتعال الأزمات في لبنان
في السنوات القليلة الماضية، كان التدخل السعودي في الشؤون الداخلية للبنان مسألة لا يمكن إنكارها. وفي السنوات الأخيرة، بذل السعوديون جهودًا كبيرة لتشكيل المشهد السياسي في لبنان من خلال التركيز على التكاليف الباهظة لدولارات النفط، مع التركيز على الهندسة الانتخابية. لكن نتائج الانتخابات، وكذلك المعادلات الميدانية في السياسة والحكم اللبناني، تتعارض بشكل صارخ مع مطالب السعوديين. وبعد فرض هزائم سعودية كبرى على المشهد السياسي اللبناني، انتهج النظام السعودي سياسة العرقلة وافتعال الأزمة خلال تشكيل حكومة جديدة في لبنان، ما أدى إلى فشل تشكيل حكومة جديدة لبنانية من قبل شخصيات سياسية مختلفة.
وعلى الرغم من كل الضغوط السياسية التي فرضتها الرياض ودعمها للفصيل التابع لها في عملية تشكيل الحكومة الجديدة، في 10 سبتمبر 2021 تم تشكيل حكومة جديدة برئاسة “نجيب ميقاتي”. لكن السعوديين، الذين يعتقدون أن الحكومة الجديدة طغت عليها قوة “حزب الله” وحلفائه، أغلقوا خططهم لمعارضة الحكومة الجديدة. لذلك، يمكن اعتبار قصة تصريحات وزير الإعلام اللبناني، “جورج قرداحي”، هي الذريعة الوحيدة لدخول الرياض في سياسة المعارضة و خلق أزمة في لبنان.
وفي هذا الصدد، وضع السعوديون على جدول أعمالهم سياسة الضغط الاقتصادي والعقوبات المالية على لبنان. في الواقع، كان السعوديون يعلمون أن لبنان كان البلد الأكثر مديونية في العالم لمؤسسات الإقراض الدولية وكان يخضع لعقوبات أمريكية وأوروبية تهدف إلى تحديد شبكة “حزب الله” وعلاقاته المالية والاقتصادية. لذلك حاولوا تشديد الضغط على هذا البلد، ومن جهة أخرى، سعى السعوديون إلى تصعيد الموقف من خلال تحريض الجماعات المتشددة ضد “حزب الله” للقيام بأعمال إرهابية ضده. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، يبدو أن فشل الخطة السعودية الرئيسية متعددة المراحل في زعزعة استقرار الوضع الاقتصادي (عقوبات وقطع المساعدات المالية) والسياسي (أمر سعد الحريري بالتنحي وقطع العلاقات مع لبنان بسبب جورج قرداحي) والاجتماعي (خلق نواة للاضطرابات والثورة، مثل ما فعلت ميليشيا سمير جعجع في اغتيال أنصار حزب الله وتلفيق الادعاءات الكاذبة حول تفجير مرفأ بيروت واتهام المقاومة والسيد حسن نصرالله)، أدى إلى تراجع السعوديين والسير في طريق إعادة فتح سفارة بلادهم في لبنان.
تصاعد المنافسة في الانتخابات النيابية
نقطة أخرى بارزة في استعدادات السعودية لإعادة فتح سفارتها في بيروت هي أنها تتزامن مع اقتراب انتخابات نيابية مبكرة في لبنان. وحسب مرسوم الرئيس اللبناني “ميشال عون”، ستُجرى الانتخابات النيابية في 15 أيار 2022. والآن، وبعد ما يقرب من 40 يومًا من الانتخابات، تبنى السعوديون بشكل كبير استراتيجية خفض التصعيد وإقامة علاقات دبلوماسية مع لبنان. وتأتي خطة السعوديين الجديدة لإعادة فتح السفارة وسط انقسامات متزايدة بين مؤيدي تيار المستقبل وتحالف 14 آذار حول مشاركتهم أو مقاطعتهم انتخابات مايو. وفي مثل هذه الحالة، يرى السعوديون أن موقفهم أكثر هشاشة من أي وقت مضى ويرون أن احتمال فوز تيار 8 مارس. لذلك، يبدو أن القادة السياسيين في الرياض فكروا في إعادة فتح مراكزهم الدبلوماسية للحيلولة دون هزيمة الاحزاب والجماعات التي تعيش تحت حمايتهم.
وتثير العودة السعودية علامات استفهام كبيرة، وخصوصاً على صعيد التوقيت، في ظل “شح” التغييرات الملموسة لبنانياً تجاه المملكة، بغض النظر عن موقف ميقاتي وهو غير جديد أصلاً، وإجراءات الداخلية اللبنانية التي مهما تكثفت لن تكون كفيلة بإبطال الاتهامات الموجهة لـ”حزب الله” بسيطرته على المعابر والحدود.
وفي هذا السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي قاسم يوسف، لـ”العربي الجديد”، إن السبب الأساسي يتمثل في الانتخابات النيابية. ويلفت يوسف إلى أنه “قيل للسعوديين بشكل مباشر إن غياب المملكة من شأنه أن يعطي حزب الله بين 67 و72 نائباً في البرلمان، وقد وصلتهم رسائل أوروبية أميركية وحتى مصرية بهذا الاتجاه تضغط لأجل عودتها إلى لبنان”.
إن السعودية حاليا ترى في ظل توتر العلاقة بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية، ان واشنطن تريد الذهاب باتفاق مع إيران، وبالتالي لخلق توازن مع هذه المعادلة، لا بد للسعودية أن تعيد الاهتمام بلبنان من بوابة الانتخابات، ومن بوابة استعادة الحضور، عبر تجميع الحلفاء بين بعضهم البعض للحضور على الطاولة لأن الأزمة اللبنانية كما اليمنية والسورية والعراقية لا يمكن ان تحل بلا اتفاق سياسي والاتفاق السياسي يحتاج إلى لحظة إقليمية أساسية عندما تحين هذه اللحظة لا بد لكل القوى الإقليمية أن تكون موجودة على الطاولة”.
إن السعودية تستعيد حضورها في لبنان من خلال عودة السفراء في المرحلة المقبلة، لتكون حاضرة بنقطتين أساسيتين: “في حال حصلت الانتخابات ستكون حاضرة مع حلفائها حتی لا يتمكن “حزب الله” من تحقيق الأكثرية النيابية الساحقة، كخطوة على طريق استعادة التوازن، ومن جهة ثانية في حال لم تجر الانتخابات ستكسب السعودية مزيدا من الوقت بعد عودتها لتجميع القوى الحليفة لها، وتعزيز الحضور بانتظار لحظة إقليمية ودولية تفرض عقد تسوية في لبنان تكون مشاركة فيها”.
المصدر/ الوقت