هل ستستمر المصالحة بين أردوغان وبن سلمان
في 7 أبريل 2022، قرر القضاء التركي إحالة قضية مقتل “جمال خاشقجي”، الصحفي السعودي الناقد الذي قُتل بوحشية على يد أجهزة الأمن السعودية في القنصلية السعودية في اسطنبول في أكتوبر 2018. وقال قاضٍ في محكمة اسطنبول حيث بدأت محاكمة 26 متهمًا سعوديًا في قضية مقتل جمال خاشقيشي غيابيًا في يوليو / تموز 2020: “قررنا إحالة القضية إلى المملكة العربية السعودية”. ويأتي الحكم في الوقت الذي فاجأ فيه طلب المدعي العام التركي غير المتوقع في أواخر مارس 2022 العديد من المراقبين السياسيين. وعلى الرغم من أن هذا القرار القضائي قد يبدو قرارًا مستقلاً، إلا أنه يشير إلى أن قرار “رجب طيب أردوغان” بتحسين العلاقات مع الدول العربية المطلة على ضفاف الخليج الفارسي كان السبب الرئيسي للحكم الأخير. وبالإضافة إلى التشكيك الكامل في عدالة حكومة “أردوغان” في قضية مقتل “خاشقجي”، فقد تعزز هذه الخطوة المزاعم الداخلية والخارجية بعدم استقلالية القضاء التركي.
أردوغان يبتسم للعدو اللدود
شهدت علاقات “رجب طيب أردوغان” توتراً كبيراً مع الدول العربية في السنوات التي تلت 2011، في أعقاب الثورات الشعبية في بعض الدول العربية في غرب آسيا وشمال إفريقيا، بسبب اختلاف وجهات النظر حول تلك الثورات. وفي هذه الأثناء، وبعد تعيين محمد بن سلمان وليًا للعهد للسعودية، أصبح هذا الزعيم السياسي السعودي الشاب أكبر أعداء أردوغان، وفي عام 2018، أصبحت قصة اغتيال “جمال خاشقجي” أداة في أيدي أنقرة للضغط على ولي العهد السعودي. ومما لا شك فيه أن الدعاية والضغوط الإعلامية لـ”أردوغان” شكلت أكبر قدر من الضغط على “محمد بن سلمان”، مما أضعف موقع بن سلمان كولي للعهد وطموحاته. ومع وضع ذلك في الاعتبار، يمكن اعتبار إحالة قضية “خاشقجي” من تركيا إلى المملكة العربية السعودية رمزًا كبيرًا للتحول السياسي في المواقف التركية، فضلاً عن فصل جديد في العلاقات بين أنقرة والرياض. ولكن يمكن رؤية سبب هذا التحول في العامل السياسي والاقتصادي التركي:
السياقات الاقتصادية لـ”أردوغان”: كانت الأزمة الاقتصادية أكبر كعب أخيل لأردوغان في السنوات الأخيرة. حيث يدرك هو وقادة حزب العدالة والتنمية جيدًا أنه إذا استمر الوضع الاقتصادي الحالي في البلاد، فلن يكون لهم مكان في المستقبل السياسي لتركيا. في الواقع، في السنوات التي تلت عام 2002، تم تقديم الأداء الناجح لحزب العدالة والتنمية في وزارة الداخلية التركية من خلال تنفيذ خطط مفصلة واتخاذ بعض المواقف الصحيحة. وكانت أهم نجاحات أردوغان وحزب العدالة والتنمية في العقد الأول من حكمه في تركيا هي الزيادة الهائلة في النمو الاقتصادي، وزيادة نصيب الفرد من الناتج القومي، وزيادة الاستثمار الأجنبي في تركيا، والسيطرة على التضخم، وزيادة فرص العمل وانخفاض معدل البطالة. وفي الأيام الأولى، نجحت حكومة أردوغان أيضًا في كبح جماح التضخم، حيث حولت معدل التضخم المكون من رقمين فوق 70٪، والذي عانت منه تركيا لسنوات، إلى واحد من أدنى معدلات التضخم في المنطقة (إلى 7٪ عام 2008).
ولقد أدى مزيج هذه العوامل إلى بقاء أردوغان وحزب العدالة والتنمية البالغ من العمر 15 عامًا في السلطة، لكن في السنوات الأخيرة ظهرت العديد من المشاكل للرئيس التركي. ففي الآونة الأخيرة، تراجعت قيمة الليرة، وزاد معدل التضخم الذي يقارب 20 في المائة، وأصبح هناك عدم استقرار في القرارات الاقتصادية لقادة حزب العدالة والتنمية، أكثر من أي وقت مضى، وواجهت تركيا قضية مهمة وهي خروج الأجانب إلى الخارج. وفي السنوات القليلة الماضية، أدى التضخم في تركيا الذي تجاوز 15٪ إلى تراجع المستثمرين الأجانب عن الاستثمار في البلاد. وفي الوقت نفسه، يبدو أن الانخفاض إلى 15 في المائة أدى أيضا إلى هروب المستثمرين الأجانب.
وفي ظل هذه الظروف، يبدو أن أردوغان يحاول تحسين علاقات أنقرة المتوترة مع الدول العربية مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لتخفيف الضغط الاقتصادي. وأصبح من الواضح أن محاولة أردوغان الأخيرة تتمثل في تغيير وجهة نظر محمد بن سلمان بالإشارة إلى أهم قضية أمنية في تاريخ الحياة السياسية لولي العهد السعودي، حيث يأمل أرودغان أن تنقذ الرياض حزب العدالة والتنمية من الأزمة بعائدات الدولارات النفطية وكذلك الاستثمارات في اقتصاد البلاد وصناعتها.
السياق السياسي لـ”أردوغان”: عامل مهم آخر في تغيير موقف أردوغان تجاه العلاقات مع الرياض مرتبط بالقضايا السياسية الداخلية وإمكانية إلحاق الهزيمة بحزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة. في الواقع، دفعت الأزمات الاقتصادية أحزاب المعارضة، وكذلك قطاعات كبيرة من المواطنين، إلى المطالبة باستقالة أردوغان لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة. ووفقًا لـ 15 استطلاعًا جديدًا أجرته وسائل الإعلام ومعاهد البحوث التركية، انخفض دعم حزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي يتولى السلطة منذ عام 2002 ، من 42٪ في انتخابات 2018 إلى 36٪. ووفقًا لاستطلاعات الرأي، سيصل حزب العدالة والتنمية وجميع حلفائه، وخاصة حزب الحركة الوطنية على 45٪ من الاصوات فقط، وهو ما لا يكفي بأي حال من الأحوال لتشكيل حكومة جديدة. ويأمل أردوغان الآن في استخدام التهدئة مع دولة مثل المملكة العربية السعودية للهروب من هزيمة الانتخابات.
التهدئة التي يمكن أن تكون توقيعا على نهاية طريق أردوغان!
على الرغم من أن أردوغان يأمل في تخفيف موقفه من السعودية، ويمهد الطريق لإحياء حزب العدالة والتنمية وإبقائه في السلطة، إلا أن الحقيقة هي أنه في الوضع الحالي، يعترف جزء كبير من المواطنين الأتراك وكذلك المسلمين في الدول الإسلامية بمحمد بن سلمان باعتباره مجرمًا وطاغية يأمر بقتل خصومه بطرق غير معتادة في مختلف البلدان، ويقصف الأبرياء في اليمن منذ 8 سنوات. وفرض أشد الحصار اللاإنساني على اليمنيين وحوّل السعودية إلى سجن لخصومه في الداخل. لذلك، فإن تقارب أردوغان من محمد بن سلمان قد يكون له تأثير عميق وخطير على صورته، وقد يكون للمواطنين الاتراك في هذا البلد موقف معارض لرئيس تركيا أكثر من أي وقت مضى. وعلى صعيد آخر، وعلى عكس افتراضات أردوغان، لم يكن للين في قضية اغتيال جمال “خاشقجي تأثير كبير في مساعدته على تجاوز المشاكل الاقتصادية والسياسية في تركيا. لأن القادة السعوديين والإماراتيين لا يرغبون في بقاء أردوغان في السلطة. لأنهم ينظرون إليه على أنه تهديد دائم قد يعيد رسم خارطة طريق المنطقة في المستقبل، وذلك لكونه زعيم التيار السياسي المعارض الأهم (الإخوان المسلمين) في المنطقة والعالم الإسلامي.
ويعتزم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زيارة السعودية في الشهر المقبل وفق ما أعلن الاثنين، فيما ستأتي الزيارة بعد سنوات من التوتر تأجج خاصة في أكتوبر من العام 2018 على خلفية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في سفارة بلاده باسطنبول وهي القضية التي حاول أردوغان ذاته استثمارها سياسيا لابتزاز المملكة سياسيا. ويمَني الرئيس التركي نفسه بأن ينجز المصالحات واعادة تطبيع العلاقات التركية الخليجية قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في 2023 والتي يخوضها برصيد من النكسات الاقتصادية والسياسية، ما اضعف شعبيته وشعبية حزبه العدالة والتنمية. ويكابد حزب العدالة والتنمية في مواجهة انقسامات داخلية وانشقاق قاده قادة كبار في الحزب بينهم رئيس الوزراء الأسبق احمد داود أوغلو والوزير السابق علي باباجان وكلاهما أسس حزبا لخوض الانتخابات.
المصدر/ الوقت