أوروبا قلقة حيال الشتاء القادم.. هل ينوب الغاز الجزائري عن الغاز الروسي
بات ملف الغاز الروسي الذي يزود أوروبا بـ40 بالمائة من احتياجاتها الطاقية منه بين الملفات المطروحة على طاولة التكتل لمعاقبة موسكو إثر الهجوم على أوكرانيا. لكن عقبات كبيرة تجعل الاتحاد الأوروبي غير قادر على تعويض السوق الروسية من الطاقة في الأمد القريب. فيما تهدد روسيا من جهتها بقطع إمدادات الغاز عبر خط الأنابيب نورد ستريم 1 إلى ألمانيا.
في خضم المخاوف التي أطلقها الهجوم الروسي لأوكرانيا على الأمن الطاقي الأوروبي، قال مسؤول سياسة المناخ بالمفوضية الأوروبية إن الاتحاد الأوروبي قد يتوقف عن الاستعانة بالغاز الروسي في غضون سنوات ويمكنه الشروع في الحد من اعتماده عليه في غضون أشهر.
وستقترح المفوضية الأوروبية خططا لتنويع إمدادات الوقود الأحفوري في أوروبا بعيدا عن روسيا والتحول بشكل أسرع إلى الطاقة المتجددة
وقال رئيس سياسة المناخ في الاتحاد الأوروبي فرانس تيمرمانس إن الخطط “ستقلل بشكل كبير من اعتمادنا على الغاز الروسي بالفعل هذا العام، وفي غضون سنوات ستجعلنا نتوقف عن استيراد الغاز الروسي”.
خطة أوروبية لتنويع مصادر الطاقة
ستسعى خطة المفوضية، التي اطلعت رويترز على مسودتها، إلى خفض هذا الاعتماد عن طريق زيادة واردات الغاز والغاز الطبيعي المسال من دول أخرى والتشغيل التدريجي للغازات البديلة مثل الهيدروجين والميثان الحيوي.
ومن بين أهداف الخطة بناء مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية بشكل أسرع، وضمان قيام البلدان بملء مخزون الغاز قبل الشتاء لتخفيف صدمات الإمداد.
من جانبها، قالت وكالة الطاقة الدولية إن أوروبا يمكن أن تخفض وارداتها من الغاز الروسي بأكثر من النصف في غضون عام، لكن القيام بذلك سيتطلب مجموعة من الإجراءات السريعة، من تبديل غلايات الغاز بمضخات حرارية، إلى زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال.
الغاز الجزائري قد يكون بديلا للروسي
مع استمرار الحرب في أوكرانيا وبحث أوروبا عن بدائل للغاز الروسي، يدور الحديث عن الجزائر. فهل تستطيع الجزائر تعويض أوروبا وإنهاء اعتمادها على الغاز الروسي؟ وهل زيادة كميات الغاز المستوردة من بلدان أخرى تحل المشكلة؟
في هذا الإطار يجري الحديث عن إحياء مشروع خط أنابيب الغاز “ميدكات MidCat” لنقل الغاز الجزائري من إسبانيا إلى فرنسا، وهو ما يمكن أن يساهم في استغناء أوروبا عن الغاز الروسي. وألمانيا التي تستورد حوالي 55 بالمائة من حاجتها للغاز الطبيعي من روسيا، تدعم بشدة استكمال مشروع خط أنابيب الغاز من إسبانيا إلى جنوب فرنسا الذي توقف عام 2019.
وقال السفير الألماني في مدريد، فولفغانغ دولد، في مقابلة مع صحيفة “لا فانغارديا” الإسبانية نشرت يوم الثلاثاء (29 مارس/ آذار 2022) ، إن “ألمانيا تدعم تماما خط أنابيب ميدكات MidCat”.
وقد توقف مشروع خط الأنابيب هذا والذي تبلغ طاقته السنوية 7,5 مليار متر مكعب قبل ثلاث سنوات لأنه كان يعتبر غير ذي جدوى اقتصادية آنذاك، وبسبب إمدادات الغاز الطبيعي الأرخص من روسيا.
لكن مع غزو أوكرانيا وبحث أوروبا عن بدائل للغاز الروسي، تغير الموقف من هذا المشروع، الذي لا يزال هناك 226 كيلومترا منه ويحتاج عامين من العمل ليكتمل. وتريد إسبانيا من الاتحاد الأوروبي أن يمول المشروع. وأكد دولد على أهميته بالقول إننا “نعتقد أن شبه الجزيرة الإيبيرية تقدم بديلاً ويمكن أن تساهم في تنويع” مصادر الغاز.
بعض الصعوبات السياسية مع الجزائر
وتعد الجزائر أهم مورد غاز (حوالي 40 بالمائة) للسوق الإسبانية منذ سنوات. وبعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، اقترحت الحكومة الإسبانية الجزائر كشريك تجاري يعتمد عليه ويمكن أن يساعد في استغناء أوروبا عن الغاز الطبيعي الروسي على المدى الطويل.
لكن بالنسبة للجزائر أيضا لا يتعلق الأمر بالمال فقط؛ إذ لديها اعتباراتها السياسية في العلاقات التجارية، خاصة عندما يتعلق الأمر بنزاع الصحراء الغربية. وبالتالي فإن الموقف من هذه القضية يمكن أن ينعكس على توريد الغاز وسعره. وهذا ما حدث بعدما غيرت مدريد موقفها من قضية الصحراء الغربية وأنهت حيادها بعد 40 عامامن أجل إنهاء الأزمة الدبلوماسية مع المغرب.
وقد اعتبرت الجزائر الموقف الإسباني الجديد “خيانة” بالنسبة إليها، وربما تدفع مدريد ثمن موقفها غاليا برفع الجزائر لسعر الغاز، وهو ما أشار إليه توفيق حكار، رئيس مجموعة النفط والغاز الجزائرية العامة “سوناطراك”، في تصريحه لوكالة الأنباء الجزائرية (وأج) بأنه “منذ بداية الأزمة في أوكرانيا، انفجرت أسعار الغاز والبترول.
وقد قررت الجزائر الإبقاء على الأسعار التعاقدية الملائمة نسبيا مع جميع زبائنها. غير أنه لا يُستبعد إجراء عملية مراجعة حساب للأسعار مع زبوننا الإسباني”.
تملك الجزائر مخزونا كبيرا من الغاز الطبيعي يُقدر بـ150 تريليون قدم مكعب، وهي تحتل الرتبة 11 عالميا بفضل ذلك المخزون.
كما أنها تخطط لاستثمار 40 مليار دولار بين 2022 و2026 في استكشافات النفط والإنتاج والتكرير، وكذلك استكشاف الغاز واستخراجه. وبالنظر لقرب المسافة بين جنوب أوروبا والسواحل الجزائرية، يمكن أن تُصبح الجزائر شريكا استراتيجيا لأوروبا، خاصة أنها تُؤمن لها حاليا 42 مليار متر مكعب من الغاز، أي 11 في المئة من حاجاتها إلى الغاز.
العقبات التي تؤخر تدفق الغاز الجزائري إلى أوروبي
لكن هذه البدائل غير ممكنة في الوقت الراهن، إذ هناك عقبتان تُؤخران تدفق الغاز الجزائري بكميات أكبر على أوروبا، والأولى هي أن الغاز الروسي يُنقل إلى البلدان الأوروبية عبر أنابيب، بينما ستحتاج الجزائر إلى محطات تسييل قبل شحن الغاز. أما العقبة الثانية فهي أن إجمالي المعروض الجزائري الحالي لا يمكن أن يُعوض الصادرات الروسية من الغاز، فموسكو تُؤمن حاليا 55 في المئة من المستوردات الغازية لأوروبا. أما الجزائر فيُقدر الخبراء أن يتضاعف حجم منتوجها في غضون أربع سنوات إذا ما بدأ الإنتاج فعلا في الآبار الجديدة.
ويُنقل الغاز الجزائري حاليا إلى إسبانيا بواسطة أنبوب «ميدغاز» الذي ينطلق من السواحل الجزائرية إلى مدينة المرية على الساحل الجنوبي لإسبانيا. غير أن الأزمة الحادة التي اندلعت يوم 18 آذار/مارس الماضي بين الجزائر وإسبانيا، في أعقاب إعلان مدريد دعمها للحل الذي تُريده الرباط لتسوية النزاع على الصحراء الغربية، سمم العلاقات الثنائية وحمل الجزائريين على رد الفعل بالترفيع من سعر الغاز المُصدر لاسبانيا.
وعلى الرغم من أن الجزائر لن تقبل بسهولة الحلول محل حليفتها روسيا في تأمين الغاز لأوروبا، فإن زيادة العرض في الأسواق، ستُعزز مكانتها بوصفها لاعبا إقليميا قويا قادرا على لعب أدوار أهم من الأدوار السابقة.
مع ذلك، يمكن القول إن الفرصة التي تُتيحها للبلدان المغاربية مقاطعةُ أوروبا للغاز الروسي، ستكون فرصة أخرى ضائعة، فقد كان بالامكان أن يُعالج هذا الملف في إطار جماعي، وبرؤية تكاملية، أسوة بمد أنبوب «ترانسميد» نحو إيطاليا وأنبوب «ميدغاز» العابر للأراضي المغربية إلى إسبانيا، في ثمانينات القرن الماضي، وكان ذلك في ظل تقارب أدى إلى قيام الاتحاد المغاربي (تأسس في 1989 بمراكش). واليوم بات إطلاق مثل هذه المشاريع الإقليمية حلما مضى، منذ آخر قمة مغاربية في 1994 التي توقف فيها مُحرك السيارة، ويبدو أن الغاز غير مُفيد لمعاودة تشغيله.
المصدر/ الوقت