رعب إسرائيليّ من المنهج التعليميّ المقاوم.. دلالاته وأبعاده
في سياق المنهج الإسرائيلي المعتدي على حقوق الشعب الفلسطيني ومقدساته وثرواته، ومواصلة العدو الغاصب قتل واعتقال وتعذيب وتشريد الفلسطينيين وتدمير وسرقة وتخريب الآثار الفلسطينية، والاعتداء على الهوية الثقافية والحضارية لفلسطين، تدعي تل أبيب في الوقت الحاليّ بشكل أكبر أنّ المناهج الدراسية الفلسطينية تمارس ما أسمته “التحريض” على تنفيذ الهجمات الفدائية من جهة والتي تأتي كرد على الاعدامات الميدانيّة والاقتحامات المتكررة وغيرها، ومن جهة أخرى تربي الأجيال الفلسطينية على رفض العدو الذي احتل أرضهم وسلب منازلهم وطردهم وشردهم، وتدفع نحو كراهيته أكثر وعدم الاعتراف به، من خلال ما يدرس لها في الكتب المنهجية، وجميع البرامج الدرسيّة.
على الرغم من أنّ الإسرائيليين أنفسهم يؤمنون بحقيقة إجرامهم وعنصريتهم المقيتة بحق الفلسطينيين، ويتعلمون في مدارسهم أنّ “اليهود هم الذين على حق وهم الذين يدافعون عن أنفسهم دائما، والفلسطينيون فقط مخربون”، وأنّ المناهج الدراسية التابعة للعدو زاخرة بالكلمات التحريضية والمفاهيم العنصرية وتعج صفحاتها بالأوصاف السيئة والمشينة ضد الفلسطينيين والعرب والمسلمين، دون أن تحظى بأيّ إدانة دولية، تتحدث دراسة أكاديمية إسرائيلية جديدة أجراها معهد أبحاث IMPACT-SE وهو معهد يحلل مضمون الكتب المدرسية التي تطبعها وزارة التعليم التابعة للسلطة الفلسطينية والأونروا، زعمت تزايد معدلات ما قالت إنّه “تحريض على العنف” في المناهج الفلسطينية بما يحطم الأرقام القياسية، سواء من خلال تمجيد منفذي الهجمات ضد العصابات الصهيونية إضافة إلى الحث على واجب الجهاد من أجل تحرير فلسطين من المحتل الغاشم.
وعلى اعتبار أنّ طريقة تفكير الصهاينة منفصلة عن الواقع وفقاً لبعض كتابهم، ويؤمنون بأنهم “شعب الله المختار” ويتهمون كل شخص لا يتفق معهم بأنه “معاد للسامية”، يتحدث المركز البحثي أنّ معاني مقاومة الاحتلال منتشرة في جميع البرامج الدرسيّة، الجغرافيا والتاريخ والرياضيات والفيزياء واللغة العربية والتربية الدينية، بما يعزز مسألة استهداف الإسرائيليين –وكأن الفلسطينيين هم المحتلون-، وزيادة المستويات الأكثر ثوريّة من الكتب المدرسية السابقة، بزعم أن استعراض أكثر من 10 آلاف صفحة من المناهج الجديدة الفلسطينية يكشف عن مزيد من الدروس التي تدعو إلى الجهاد، وتروج “لمعاداة السامية بصورة علنية”، وهو الشيء الذي أثقبت “إسرائيل” مسامعنا به.
ومع تزايد الجرائم الصهيونيّة الممنهجة بحق الفلسطينيين –أصحاب الأرض والمقدسات-، بسبب غياب محاسبة قادة الاحتلال على ما يقترفونه من جرائم ضد الإنسانيّة، يورد البحث الإسرائيلي أن طلاب الصف العاشر في المدارس الفلسطينية يتلقون تعليمات تدعو لمهاجمة الاحتلال، انطلاقا من مبدأ أن “الجهاد من أجل تحرير فلسطين واجب شخصي على كل مسلم”، أما طلاب الصف السابع فيأخذون في درس الرياضيات طريقة للإحصاء تتعلق بحساب أعداد الشهداء الذين ماتوا في الانتفاضات ضد الكيان الإسرائيليّ، في حين يتعلمون نظرية “الجاذبية” للعالم نيوتن من خلال استخدام فكرة مقلاع رشق الحجارة، وكيف يكون أكثر سرعة إذا تمت مضاعفة قوته.
وكأن الكيان الإسرائيليّ الذي يُتهم على الساحة الدوليّة بـ”العنصريّة”، ويتعرض لانتقادات لاذعة حول خروقات حقوق الإنسان التي تتم في الأراضي المحتلة الموجهة ضد الفلسطينيين، بما يشبه نظام “أبرتهايد” أو الفصل العنصريّ، واستمراره في مسلسل الإجرام بحق أبناء هذه الأرض، يرغب الإسرائيليّ على ما يبدو أن يسرق منزلاً دون زراعة حقد أو أن يقتل والداً أمام طفله وينسى أو أن يشرد عائلات بأكملها ويرتكب مجازر جماعية وتمحى، ما هذا الكيان الأحمق!، ربما تناسى لوهلة أنّه “العدو المحتل”، ونهايته الأكيدة كعين الشمس باعتراف الصهاينة أنفسهم عنوانها العريض المقاومة والوحدة.
وبما أنّ الفلسطينيين واضحين للغاية فيما يخص هذا الموضوع، يؤكدون باستمرار أن المقاومة هي “اللغة الوحيدة” التي يفهمها العدو الإسرائيليّ الغاصب، كما أنّ العمليات الفدائية التي تزلزل الكيان توصل رسالة مفادها بأنّ الدم الفلسطينيّ ليس رخيصاً، وأنّ العدو كلما صعد سيدفع ثمن جرائمه بحق الأبرياء وبطرق مختلفة، وإنّ رصد المركز الإسرائيلي للطلاب الفلسطينيين يتعلمون قوانين “الاحتمالات الرياضيّة” من خلال الاستعانة بعمليات إطلاق النار على السيارات الإسرائيلية، ولا سيما تلك الخاصة بالمستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، وعند الحديث عن “المعادلات” يلجأ الكتاب المدرسي لـ “مذبحة الحرم الإبراهيمي” التي قام فيها جنود الاحتلال الإسرائيلي في الحرم بعد إغلاق أبواب المسجد لمنع المصلين من الهرب، ويُطلب من الطلاب حساب عدد الشهداء والجرحى في المجزرة، كي يعرفوا أن عدد الجرحى يبلغ خمسة أضعاف عدد الشهداء، وكأن الإسرائيليّ يرغب في أن ينسى الفلسطينيّ دماء شهدائه.
وإنّ الشيء الذي يعتبره الإسرائيليون تحريضاً يؤمن الفلسطينيون بأنّه “مقاومة تحرير”، ولا يخفى على عاقل أنّ الكيان الصهيونيّ المستبد يستبيح أرواح الفلسطينيين دون أيّ رادع أخلاقيّ أو إنسانيّ، في جريمة تاريخيّة مستمرة تؤكد بما لا شكل فيه ضرورة توجيه الرأي العام الفلسطينيّ وبالأخص العقول الفتية نحو مقاومة سارق الأرض ومهجر الشعب وقاتل الأبرياء وضرورة التحام كل أبناء فلسطين وقواهم، لمواجهة العدو الصهيوني الذي لا يرحم صغيراً ولا كبيراً ولا رجلاً ولا امرأة، وتحتم على الكل الفلسطينيّ إبقاء جمرة المقاومة مشتعلة، إضافة إلى الاشتباك مع الاحتلال بكل الوسائل وخاصة عند حواجز الموت التي تملأ أرجاء الضفة والقدس المُحتلتين، كما أنّ جرائم الاحتلال تتطلب استراتيجيّة وطنيّة شاملة للسير نحو النصر المؤزر على كامل التراب الفلسطينيّ وإعادة الحق إلى أصحابه.
في النهاية، إنّ “إسرائيل” الدولة اللقيطة ستطالب بالتأكيد الاتحاد الأوروبي بإزالة المحتوى الذي يعتبرونه “يحض على كراهية الاحتلال” من الكتب المدرسية الفلسطينية كشرط لاستمرار الدعم الذي يقدر بأكثر من 200 مليون يورو، فيما أبناء فلسطين بمختلف توجهاتهم، على أنّهم لا يمكن أن يتخلوا عن قضيتهم العادلة ولن ينسوا دماء شهداء فلسطين وسيقاومون بكل الوسائل كي لا تذهب تضحياتهم هدراً، بل ستزيد نار المقاومة اشتعالاً، وستجعل جرائم العدو وجناياته واعتداءاته الفلسطينيين أكثر تصميماً على مواصلة طريق المقاومة حتى تحرير أرضهم وإزالة الاحتلال عن كل شبر من أراضيهم المسلوبة.
المصدر/ الوقت