التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 24, 2024

خيانة أردوغان الجديدة لفلسطين.. الموافقة على نهاية مسار المقاومة 

في الآونة الأخيرة، جذبت العديد من العمليات الاستشهادية في الأراضي الفلسطينية المحتلة انتباه الأمة الإسلامية ولقد اتسعت رقعت هذه العمليات بحيث حدثت خلال الأسبوع الماضي وحده أربع عمليات استشهادية، وفي العملية الأخيرة، التي تم تداولها على نطاق واسع في وسائل الإعلام، في 7 أبريل 2022، أعلنت مصادر فلسطينية عن إجراء عملية استشهادية ناجحة في شارع ديزنغوف، أحد أكبر شوارع تل أبيب وقتل تسعة صهاينة واصابة اثنين اخرين في هذه العملية.

ولقد أثارت هذه العملية موجة خوف وذعر كبيرة بين الصهاينة وابهجت الفلسطينيين. وفي غضون ذلك، كانت الحكومة التركية من الدول التي ردت بغرابة على هذه العملية الاستشهادية. حيث كتبت السفارة التركية في تل أبيب في بيان على صفحتها على تويتر في 8 أبريل 2022: “ندين الهجوم الإرهابي الذي وقع ليلة 7 أبريل في تل أبيب”. واضاف “نحن قلقون من تصعيد مثل هذه الهجمات”. وقال البيان “نقدم تعازينا لأسر الضحايا ومجلس الوزراء والشعب الإسرائيلي ونتمنى الشفاء العاجل للمصابين”.

أردوغان من منقذ الشعب الفلسطيني إلى أقصى قدر من الخيانة

لطالما كان لدى الحكومة التركية، بقيادة حزب العدالة والتنمية، لمحة عن قيادة الدول الإسلامية في جميع السنوات منذ وصولها إلى السلطة في عام 2002، إضافة إلى التطلع إلى قيادة البلاد في الداخل، وإضافة إلى تصوير نفسه كبطل قومي، سعى أردوغان دائمًا إلى الاعتراف به كزعيم ديني في المجتمعات الإسلامية. وحتى دوافع القيادة التركية في هذا الاتجاه تسببت في مستوى كبير من الصراع الأيديولوجي بين أنقرة والدول العربية وخلقت توتراً في العلاقات بين الجانبين.

وفي غضون ذلك، حاول أردوغان دائمًا استخدام قضية فلسطين كأهم أداة لكسب شعبية في المجتمعات الإسلامية. والواقع أنه حاول في السنوات الأولى من حكمه إقناع الشعب الفلسطيني بأنه الداعم الأكبر للقضية الفلسطينية وأنه يمكن تحقيقها بالاعتماد عليه.

وفي أوقات مختلفة، قدم بطل الشعب الفلسطيني المظلوم بإثارة خلافات مثل ترك الاجتماع مع رأس الكيان الصهيوني، والاعتداء اللفظي على قادة الكيان الصهيوني، وإدانة الاحتلال الصهيوني في الأمم المتحدة وصحافته وفي المؤتمرات. وكان هذا الاتجاه لدرجة أنه حتى يوم 19 مايو 2021، قال رجب طيب أردوغان، في مقابلة مع الشباب التركي، إنه كان يقاتل ضد إسرائيل منذ 40 عامًا وادعى قائلا: “لقد دخلت مع هؤلاء المحتلين في حرب سياسية طوال اربعين عاما وعندما يتعلق الأمر بفلسطين، يبدو أن رئتي تقصفان. وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة، أوضحت على الخريطة كيف أن دولة إسرائيل الإرهابية هذه احتلت الأراضي الفلسطينية منذ عام 1947”.

لكن من المهم أن نلاحظ أن هناك فجوة بين سياسة أنقرة المعلنة وأفعالها بشأن القضية الفلسطينية، وأن أردوغان وحزب العدالة والتنمية لم يكونا أبدًا داعمين للقضية الفلسطينية كما يدعيان. وعلى الرغم من تراجع العلاقات بين إسرائيل وتركيا إلى أدنى مستوى ممكن في السنوات الأخيرة بسبب طموحات أردوغان للتنقيب عن الغاز في البحر الأبيض المتوسط​​، فقد بذل أردوغان في العام الماضي جهودًا خاصة لتهدئة التوترات مع إسرائيل. وآخر التجليات هنا وصف الإرهاب بأنه عملية استشهادية للفلسطينيين ضد الكيان الصهيوني المغتصب. ويمكن القول بشكل أساسي إن الإجراء الأخير الذي قامت به الحكومة التركية بإدانة العملية الاستشهادية كشف الوجه الحقيقي لزعيم حزب العدالة والتنمية للمواطنين الفلسطينيين.

عندما ينتحر أردوغان سياسيًا متجاوزًا المرتزقة من زعماء العرب!

أظهرت إدانة استشهاد المواطنين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، والتي يمكن اعتبارها مظهراً من مظاهر المقاومة المشروعة، مدى الخطأ في الاعتماد على المقاومة الفلسطينية حتى عهد رجب طيب أردوغان. ولقد جاء البيان الصادر عن سفارة أنقرة في القدس في وقت رفض فيه حتى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي يتمتع بأعلى مستويات القيادة على الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، إدانة العملية الاستشهادية، حتى لو كان ولي العهد السعودي فظًا وأقل خبرة وهذا بالتأكيد عامل خارجي في تصوير أردوغان كخائن لتطلعات الشعب الفلسطيني.

وعلى صعيد آخر، رعى البيان الأخير الصادر عن حكومة أردوغان الداعم للكيان الصهيوني دخوله في انتحار سياسي كبير. وقد سلك طريق المرونة والسلام مع منافسيه من أجل التخلص من الأزمة الاقتصادية واحتمال خسارة الانتخابات التركية المقبلة.

الرئيس التركي، الذي اعتنق كل القيم الأخلاقية الجيدة والسيئة، احتضن الصداقة مع الكيان الصهيوني وخان المثل الفلسطينية. إضافة إلى إصدار بيان يدين العملية الاستشهادية، أصدر القضاء التركي مؤخرًا حكمًا مثيرًا للجدل في 7 أبريل 2022، بضغط من أردوغان، يتعلق بقضية قتل الصحفي السعودي المعارض “جمال خاشقجي” الذي قُتل في القنصلية السعودية بإسطنبول، في إشارة إلى المملكة العربية السعودية.

إن مثل هذه القرارات المثيرة للجدل من قبل أردوغان يمكن أن تكون بلا شك عاملاً في انتحاره. وستكون أخطاء أردوغان الاستراتيجية في إدارة ظهره للأخلاق والمثل السياسية الإسلامية عاملاً مهماً في هزيمته في الانتخابات التركية المقبلة. لأنه من الواضح أن مواطني تركيا المسلمين لا يمكنهم أن ينسوا قتلة مثل محمد بن سلمان والكيان الصهيوني الغاضب، والنتيجة ستكون نهاية بقاء أردوغان في السلطة.

بشكل عام، يمكن القول إن أردوغان ينهي حكمه بيديه. إن تركيا تريد أن تكسب قلوب الشعب الفلسطيني وأن تكون لها علاقات عميقة مع الكيان الصهيوني وهذان الأمران يتعارضان مع بعضهما البعض ولا يمكن الجمع بينهما. ومن الآن فصاعداً، لا يمكن للمرء أن يأمل في سياسة تركيا الداعمة لفلسطين، وربما حتى سياساتها تجاه الشعب الفلسطيني. وتواصل تركيا القول إنها ملتزمة بأجندتها الفلسطينية، لكن انحيازها للكيان الصهيوني قد يؤدي إلى انعدام الثقة بها بين أبناء الشعب الفلسطيني. حتى العلاقات الأعمق بين أنقرة والكيان الصهيوني يمكن أن يكون لها تأثير سلبي على علاقات تركيا مع الدول المجاورة. ومع مزيد من النفوذ الصهيوني في تركيا، سيحاول الصهاينة تنفيذ سياسة تقسيمية داخل المجتمع التركي.

لم تكن التحولات الأخيرة في السياسة الخارجية التركية، بلا أثمان، بل إن أنقرة لم تتوان عن لحْس كل ما كانت ترفعه من شعارات رنانة، مقابل تطبيع علاقاتها مع أطراف إقليمية عديدة، وبعدما تخلت عن اتهاماتها القاسية للإمارات بالانخراط في انقلاب 2016، وطوت صفحة مطالبها المتصلة بالقضية الفلسطينية، جاء الدور على السعودية، لتسامحها بدم جمال خاشقجي، وتطوي ملف قضية صدعت رؤوس العالم وهي تتحدث عنها.

بدأت تظهر الأثمان التي كانت تركيا مستعدة لدفعها، مقابل تحسين علاقاتها مع دولٍ، أخرجتها للتو من خانة الأعداء والخصوم، ليُثبت ما فعلته مع العديد من الأطراف الإقليمية، مثل إسرائيل والسعودية وقبلهما الإمارات، تقدم المصالح السياسية والاقتصادية، وحتى الشخصية، على منظومات القيم الأخلاقية في العلاقات الدولية.

وفي الختام يمكن القول إنه لم يسجل التاريخ قيام رئيس تركيا، في اتصال هاتفي مع رئيس الكيان الصهيوني، بالإعراب عن تعازيه لمقتل الصهاينة، وإدانته للعملية الاستشهادية الفلسطينية. وهذا ليس بالشيء الجيد في السياسة الخارجية التركية، سواء بالنسبة لهذا البلد أو للعالم الإسلامي والشعب الفلسطيني. ويمكن التساؤل هل تستطيع تركيا أن تنسى ضحايا سفينة “مرمرة” التي استهدفتها البحرية الإسرائيلية؟ وهل يتسامح الشعب المسلم في تركيا مع تطبيع حكومته مع إسرائيل ؟!
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق