سدود إقليم كردستان… ساحة جديدة لصراعات العراق الداخلية المستقبلية
في الآونة الأخيرة، غرقت المنطقة في عواصف ترابية كبيرة، يرتبط معظمها بسياسة تركيا ببناء سدود كبيرة على نهري دجلة والفرات. ولقد أصبحت هذه القضية مشكلة كبيرة للعديد من الجهات الإقليمية الفاعلة، وقد تحرك إقليم كردستان نحو إنشاء المزيد من السدود في منطقة حكمه الذاتي.
وفي هذا الصدد، وحسب مصادر إخبارية في إقليم كوردستان العراق، فقد وقع الإقليم عقدا مع شركة PowerChina لبناء أربعة سدود جديدة في الإقليم، وذلك في إطار مشروع دون تنسيق مع الحكومة المركزية. يأتي هذا الاتفاق في سياق خطة مجلس الوزراء التاسع لحكومة إقليم كردستان لبناء ثلاثة سدود، ومع الاتفاقية الجديدة، هناك 7 سدود قيد الإنشاء عمليًا على نهر دجلة.
وأثار ذلك ردة فعل جديدة من السياسيين في وسط العراق، وردوا على تداعيات مثل هذا المشروع. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ما هي عواقب سياسة سدود أربيل إذا تم تنفيذها، وإلى أي مدى يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الأزمة بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان العراق؟
أزمة جفاف خطيرة في المناطق الجنوبية العراقية
دون شك، ستكون النتيجة الأولى والأكثر واقعية لبناء سد إقليم كوردستان، في حالة تنفيذها، حدوث أزمة جفاف في المحافظات الوسطى والجنوبية من العراق. في الوضع الحالي، يعتبر السدان “دربندخان” و “دوكان” المصدر الرئيسي لتدفق مياه شمال العراق إلى المناطق الدنيا من البلاد. ومع ذلك، فقد واجهت هذه المناطق دائمًا أزمة ندرة المياه والجفاف على مدار السنوات القليلة الماضية، لكن هذا التهديد حالياً زاد أكثر من أي وقت مضى، ووصلت أزمة الجفاف في المناطق الجنوبية والوسطى إلى نقطة خطيرة.
إضافة إلى ذلك، فإن بناء سد على مياه نهري دجلة والفرات سيؤدي إلى أزمة سكانية كبيرة وهجرة في المناطق الداخلية من العراق في المستقبل القريب. في السنوات القليلة الماضية، أصبح نقص المياه والجفاف أزمة كبيرة للمواطنين العراقيين، بل أدى إلى احتجاجات شعبية في المحافظات الجنوبية والوسطى من العراق ضد الحكومة المركزية.
لذلك، من المتوقع بشكل واضح أن بناء السدود في المستقبل على نهري دجلة والفرات سيعرض جزءًا كبيرًا من سكان المحافظات الجنوبية والوسطى من العراق لخطر الهجرة السكانية. حتى إمكانية الهجرة القسرية وهجرة السكان من مناطق مختلفة أمر يمكن التنبؤ به. مثل هذا الحدث هو بالتأكيد حقيقة لا يمكن إنكارها في المستقبل غير البعيد ويمكن أن يصبح قضية رئيسية في السياسة والحكم العراقيين. لذلك، من الآن فصاعدا، على بغداد أن تولي اهتماما جادا لهذه القضية وتحلها مع أربيل.
كيف يمكن أن يكون بناء سد أربيل عاملا في خلق أزمة سياسية في العراق؟
على الرغم من أن بناء السدود في كردستان العراق على نهري دجلة والفرات يبدو مسألة بيئية وغير سياسية، إلا أنه في العصر الجديد، تعد السياسة البيئية من أكثر المجالات السياسية الفعالة، ليس فقط داخل الحدود الداخلية للبلدان، بل تم أخذها في الاعتبار في العلاقات بين الجيران الإقليميين وحتى على الساحة الدولية. فيما يتعلق بالعراق، يمكن اعتبار قضية المياه وبناء السدود في إقليم كردستان كقضية سياسية مهمة للغاية في مجال المعادلات المستقبلية لهذا البلد.
فيما يتعلق بالأهمية السياسية الخاصة لسد إقليم كوردستان على نهري دجلة والفرات، من الضروري الانتباه إلى حقيقة أنه في الوضع الحالي في أربيل، قد لا يتم استغلال قضية المياه سياسياً. لكن في المستقبل، يمكنه بسهولة اتخاذ خطوات للضغط على بغداد وحتى التحرك باتجاه تقسيم البلاد. في جميع السنوات منذ عام 2003، كانت هناك مجموعة واسعة من الخلافات السياسية والقانونية والاقتصادية، وما إلى ذلك بين حكومة إقليم كردستان والحكومة المركزية في العراق. الآن يمكن أن تتبلور أزمة المياه في شكل خلافات حول سدود الإقليم في الشمال وتصبح قضية جديدة للتوتر بين الجانبين.
خلال الاستفتاء على استقلال إقليم كوردستان في سبتمبر 2017، ذكر خبراء الإقليم والسياسيون مرارًا وتكرارًا البطاقة الرابحة كضامن لضمان الاستقلال. في الواقع، كانوا يعتقدون أنه إذا خفضت بغداد ميزانية الإقليم أو أغلقت الحدود عليها، فلن تقوم أربيل بإرسال المياه إلى الأجزاء الوسطى والجنوبية من العراق.
في الفترة الجديدة، إذا تم بناء سدود جديدة، يمكن لإقليم كوردستان بسهولة استخدام مسألة المياه كأداة للضغط والحصول على امتيازات من الحكومة المركزية. أهمية هذه القضية كبيرة لدرجة أنه إذا لم يتم تناولها بجدية في الوقت الحاضر، فمن الممكن أن تصبح مياه نهري دجلة والفرات عاملاً من عوامل تفكك العراق، والنتيجة هي على الأرجح حرب أهلية في البلاد.
المصدر/ الوقت