الحرب في أوكرانيا تضرب المصالح الجيوسياسية بين روسيا والكيان الصهيوني
الحرب بين روسيا وأوكرانيا تظهر بوضوح تباين المصالح الجيوسياسية في منطقة أوروبا الشرقية، ولكن يمكن استخدام نفس الحدث كمسرح مهم وفعال لتحليل التوجهات والتحركات الدولية فيما يتعلق بالعديد من البلدان الداخلة في الصراع بشكل مباشر أو غير مباشر. من أوضح الأمثلة على تغيرات المعادلة السياسية في منطقة غرب آسيا هي فيما يتعلق بالعلاقات بين موسكو والكيان الصهيوني.
في بداية الحرب ومحاولة الغرب تشكيل جبهة دولية مشتركة ضد روسيا، اتخذ الكيان الصهيوني، الذي يعتبر أهم حليف للغرب في المنطقة، موقفًا غير متعاطف مع المطالب الغربية. على سبيل المثال، في حين أبدت كييف اهتمامًا بشراء مجموعة من بطاريات القبة الحديدية الإسرائيلية الصنع للدفاع الصاروخي لتعزيز ترسانتها الدفاعية، سعت الحكومة الأمريكية على مدى شهور لإقناع تل أبيب بالموافقة على بيعها، ولكن يبدو أن حكومة نفتالي بينيت رفضت القيام بذلك بسبب مخاوف بشأن الإضرار بالعلاقات مع موسكو. يمكن ملاحظة نفس السلوك بخصوص عدم إدانة الهجوم الروسي على بابين يارشوا، أحد المواقع الرئيسية التي تدعي أوكرانيا قيام روسيا فيها بارتكاب جرائم حرب ضد الاوكرانيين، مع الاخذ بنظر الاعتبار أن نفتالي بينيت ينتمي الى اليمين المتطرف واليهود الأرثوذكس.
ما لا شك فيه أن الاهتمامات الأمنية للكيان الصهيوني في الوضع الحالي المعقد في المنطقة، والذي ترافق مع جمود أميركي لتقليل دوره ومسؤولياته في غرب آسيا، وأيضاً استقرار الوجود الإيراني في سوريا وتقوية جماعات المقاومة في لبنان وفلسطين واليمن، كان لها التأثير الأكبر على رغبة المحافظين المبكرة للانضمام إلى الضغط الغربي على موسكو وخصوصاً بعد تثبيت الوجود العسكري الروسي في سوريا، والذي جعل من موسكو عمليًا الجار الشمالي للأراضي المحتلة، وفتح للصهاينة حسابات أُخرى بخصوص التهديدات الأمنية الناشئة عن الأزمة السورية، والاعتماد على ضمانات والتزامات الكرملين.
كما كان يعتقد في البداية، أن مثل هذا السلوك الحذر يمكن أن يعود إلى الوجود القوي للجماعات اليهودية الناطقة بالروسية في الأراضي المحتلة، حيث إن 1.3 مليون من سكان إسرائيل البالغ عددهم نحو 8 ملايين نسمة يتحدثون الروسية. في عام 2015، قدرت CBS أن 53٪ من المهاجرين إلى الأراضي الفلسطينية يأتون من الاتحاد السوفيتي السابق، ومعظمهم من روسيا وأوكرانيا (في التسعينيات وحدها، هاجر 900000 شخص إلى إسرائيل من الاتحاد السوفيتي السابق).
لكن هذا النهج المحافظ لم يستمر طويلا، حيث قال وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد في بيان حاد اللهجة مؤخرًا: “هجوم روسيا على أوكرانيا انتهاك خطير للنظام الدولي وإسرائيل تدينه”. كما أعلن الصهاينة قبول اللاجئين الأوكرانيين وصوتوا لمصلحة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يدين الغزو الروسي في 2 و24 مارس، نتج عن هذا التغيير في الموقف رد فعل حاد من جانب الروس وتصاعد التوتر في العلاقات الثنائية في الأسابيع والأيام الأخيرة. حيث أدان السفير الروسي في الأراضي المحتلة يوم الجمعة تصريحات إسرائيل “المعادية لروسيا” بعد أن صوتت تل أبيب لصالح تعليق عضوية موسكو في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. ووصفت وزارة الخارجية الروسية تصريح لابيد بأنه “مؤسف” واتهمت إسرائيل، ردا على ذلك، باستخدام الصراع الأوكراني كعامل في صرف الانتباه العالمي عن الاحداث في فلسطين.
كما أدانت موسكو موقف الكيان الصهيوني المتشدد وغير المسبوق باحتلال الضفة الغربية والحصار المفروض على قطاع غزة. وقال البيان “من اللافت للنظر أيضا … أن أطول احتلال في تاريخ العالم منذ الحرب العالمية الثانية تم بتواطؤ ضمني من الدول الغربية وبدعم حقيقي من الولايات المتحدة”. وفي وقت سابق، في 23 فبراير، وردًا على الصهاينة أيضاً، استدعت روسيا على الفور السفير الإسرائيلي لدى موسكو، وأدانت خلال جلسة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة احتلال مرتفعات الجولان.
توضح هذه المواجهة حقيقة أن الاتفاقات التي تبدو مفيدة للطرفين كانت غير فعالة بشكل متزايد في ردع تل أبيب عن دعم الجهود الأمريكية في أوكرانيا بشكل كامل. على سبيل المثال، منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، أعلن الكرملين مرارًا وتكرارًا عن إمكانية إلغاء الاتفاقيات الأمنية وإغلاق الأجواء السورية أمام الطائرات الإسرائيلية.
يبدو أنه في سياق المواجهة المتزايدة بين روسيا والغرب مع استمرار حرب أوكرانيا، فإن حالة سياسات بوتين تجاه النزاعات والأزمات في منطقة غرب آسيا، وخاصة العلاقات والتعاون الروسي الصهيوني حول سوريا ستتغير.
المصدر/ الوقت