كوشنر وراء اعتقال محمد بن نايف.. ومحمد بن سلمان يدفع له الفاتورة
نشرت الصحفية الاستقصائية الأمريكية فيكي وارد، تحقيقاً يتناول “السبب الحقيقي” لإعطاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ملياري دولار لجاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ومستشاره.
وقالت وارد في التحقيق الحصري لها، الذي نشرته على مدونتها الخاصة، إن استثمار ابن سلمان في مؤسسة كوشنر مخالفاً رأي صندوق الاستثمار السعودي بمدى جدوى هذا الأمر يأتي لأسباب لم تكشف سابقاً.
وكانت وارد تحدثت عن سببين، هما: “امتنان” ابن سلمان لدور كوشنر في التقارب السعودي الأمريكي خلال عهد ترامب، والمراهنة على أن الأخير سيعود إلى البيت الأبيض في انتخابات الرئاسة المقبلة.
إلا أنها أوضحت في التحقيق الثاني لها، أن هذين السببين ليسا فقط ما يقف خلف حقيقة الأمر، وإنما هناك سبباً أكبر حقيقياً دفع ولي العهد السعودي إلى ألا يتردد في دفع هذا المبلغ لكوشنر، وهو مكافأته على دوره في إزاحة محمد بن نايف من طريق ابن سلمان.
بعد نشرها للمقالة الأولى وصلت إليها معلومات تشير إلى أن كوشنر وحلفاءه هم الذين قطعوا الطريق على دعم حكومي أمريكي على أعلى المستويات لابن عم محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي السابق محمد بن نايف – والذي كان لمدة طويلة ذخراً للولايات المتحدة في مجال الاستخبارات ومحاربة الإرهاب، وذلك عندما حاول محمد بن نايف القيام بانقلاب قانوني في المملكة العربية السعودية في عام 2017. وكان محمد بن نايف يعتقد حينها أنه يتمتع بما يكفي من المساندة داخل ما يسمى مجلس الوزراء لكي يحصل على دعم في إحداث تغيير في نظام الحكم.
كوشنر وراء اعتقال محمد بن نايف
لو أنه نجح في مسعاه لتمكن من الإطاحة بالملك سلمان وبمحمد بن سلمان (الذي كان حينها نائباً لولي العهد) ولكان محمد بن نايف قد حل محلهما. وحسب بعض المصادر الخاصة فإن كوشنر وحلفاءه في البيت الأبيض هم الذين وشوا لمحمد بن سلمان وأطلعوه على خطط ابن نايف، فتم التدخل على عجل لإحباط المخطط. (مسبقاً نفى متحدث باسم كوشنر أن يكون هو الذي باح بالمعلومات الاستخباراتية إلى السعوديين).
ولكن وفقاً لثلاثة مصادر مطلعة، فقد كان ذلك التدخل في شؤون العائلة الملكية السعودية هو الذي أسخط المسؤولين في المخابرات الأمريكية، وجعلهم يحظرون على كوشنر الحصول على تصريح أمني يتيح له الاطلاع على الأسرار العليا.
لا يوجد أي أخبار عن محمد بن نايف منذ إلقاء القبض عليه في آذار/ مارس 2020، عندما سجن في مكان ما داخل السعودية. وما يرد من حين لآخر من تقارير حول وضعه الصحي لا يبشر بخير، في أقل تقدير.
وطبقاً لما يقوله بروس ريدل، الضابط السابق في وكالة المخابرات المركزية والزميل المخضرم في بروكنغز المتخصص في شؤون المخابرات وفي سياسة الشرق الأوسط والذي كان يعرف محمد بن نايف، من الوارد جداً أن يكون كوشنر قد حصل على المبلغ مكافأة له على دوره في إزاحة محمد بن نايف من الطريق.
وهذا الرأي كذلك كان يتردد من قبل ثلاثة مصادر أخرى داخل قطاع المخابرات تتمتع بخبرة جيدة في شؤون المنطقة وتعاملت هي ذاتها مع كوشنر.
محمد بن نايف بطل قومي في نظر الأمريكيين
يقول ريدل: “على الرغم من أنه يقبع في السجن منذ ثلاث سنين إلا أن محمد بن نايف يبقى الخليفة المحتمل فيما لو أزيح محمد بن سلمان من الطريق. فهو بطل قومي حقيقي، إذ خاطر بحياته أكثر من مرة في الحرب ضد القاعدة، وحقق إنجازات. وأظن أنه كان يعارض الحرب في اليمن. وبالطبع تعتبر حرب اليمن بصمة السياسة الخارجية لمحمد بن سلمان. لطالما تساءلت لماذا كانت الوكالة مترددة في منح جاريد تصريحاً أمنياً يمكنه من الاطلاع على الأسرار العليا. كان السبب هو الخشية من أن يسرب المعلومات الاستخباراتية {حول محمد بن نايف} إلى السعوديين.”
ما هو معروف حالياً من السجلات والتقارير المتاحة للعموم أن وزارة الداخلية السعودية (التي كان يحمل حقيبتها محمد بن نايف) قامت في أيار/ مايو من عام 2017 بتكليف شركة في واشنطن يملكها روبرت ستريك، لتعمل مقابل رسم قدره 5.4 ملايين دولار لصالح محمد بن نايف وتقدم “خدمات استشارية واسعة بما في ذلك العلاقات العامة والتواصل مع الإعلام والاستشارات الخاصة بالشؤون العامة والتسويق والتواصل داخل الولايات المتحدة”. (وكان ستريك قد قدم كشفاً بالمعلومات امتثالاً لأحكام قانون فارا – قانون تسجيل حقوق الأجانب).
كان ذلك فقط بعد أسابيع قليلة من قيام محمد بن سلمان – والذي كان حينها مجرد نائب لولي العهد – بزيارة إلى البيت الأبيض في مارس، حيث التقى كما ورد حينها مع ترامب، ثم بشكل منفصل مع كوشنر. وكان ذلك قبل أسابيع فقط من إقدام الملك سلمان على تجريد محمد بن نايف من منصب ولي العهد ومنحه بدلاً من ذلك لابنه محمد بن سلمان.
الاستخبارات الأمريكية تخلت عن محمد بن نايف في اللحظات الأخيرة
ولكن ما لم ينشر آنذاك أنه خلال تلك الفترة من الزمن أبلغ محمد بن نايف بعض الناس أنه يعتقد بأن كوشنر ومحمد بن سلمان شكلا تحالفاً من نوع ما يهدف إلى التخلص منه. ويقال بأن محمد بن نايف شعر بالحاجة لأن يستبق الحدث، وأنه كان يريد التأكد من أنه مازال يحظى بدعم الحكومة الأمريكية على أعلى المستويات فيما لو أقدم على انقلاب لانتزاع الحكم من الملك سلمان، الذي كان يعتقد بأنه فاقد للأهلية من الناحية العقلية، ومحمد بن سلمان، الذي كان يعتقد بأنه شخص بالغ الخطورة.
وطبقاً لشخص مطلع على تفكير محمد بن نايف “كان في الأساس يريد من الولايات المتحدة أن تقول للسعوديين إنهم فيما لو عبثوا معه فإنهم بذلك يعبثون بجميع الاتفاقيات الثنائية بين الولايات المتحدة والسعودية.”
كان محمد بن نايف يعلم بأنه يحظى بمساندة قطاع الاستخبارات في الولايات المتحدة، فقد كانوا يحبونه. بل لقد قام مايك بومبيو، مدير وكالة المخابرات المركزية، في عام 2017 بتقليده وساماً تكريماً له على مساهماته في إنقاذ حياة الأمريكيين. إلا أن محمد بن نايف كان يعتقد بأن كوشنر ومحمد بن سلمان كانا يعملان معاً ضده. بل لقد أخبر بعض الناس إنه توصل إلى وجود نوع من الترتيب المالي بين كوشنر ومحمد بن سلمان سوف يتم الكشف عنه في نهاية المطاف فيما لو تمكنا من تنفيذ ما يخططان.
وزعم محمد بن نايف أن جهوده لعمل انقلاب في نظام الحكم تمت إعاقتها حتى قبل أن تبدأ. يبدو كما زُعم بأن الملك سلمان ومحمد بن سلمان بلمح البرق علما بالخطة – تؤكد المصادر أنهما علما بذلك من كوشنر أو من أشخاص مقربين منه. وقال أحد هذه المصادرً: “بدأت آلة كوشنر في العمل.” ولم تفعل الولايات المتحدة شيئاً لتساعد محمد بن نايف عندما أطيح به وتم استبداله بعد شهر بمحمد بن سلمان.
ثم فيما بعد ألقي اقبض في السادس من آذار/ مارس 2020 على محمد بن نايف ووجهت له تهمة الخيانة (الأمر الذي نفاه) ولم يُسمع عنه أي خبر منذ ذلك الحين. الذي حدث معه حرفياً هو أنه تعرض للإخفاء القسري، بينما فر كبير مساعديه سعد بن خالد الجبري إلى كندا.
يقول بروس ريدل إن معاملة شخصية ملكية كبيرة بهذا الشكل أمر غير مسبوق حتى في المملكة العربية السعودية، ويضيف: “وردت تقارير {حول معاملة محمد بن نايف} تحتوي على تفاصيل فظيعة بما في ذلك استخدام السكاكين والتعذيب. وذلك كله لا ينسجم مع طبيعة المملكة العربية السعودية التي وجدت خلال المئة سنة الماضية، ولا تحضرني حالة واحدة لأمير ملكي ألقي القبض عليه ووضع في السجن، ولا واحد. لربما وجد واحد أو اثنان من صغار الأمراء الذين تورطوا في مشاكل بسبب المخدرات أو شيء من ذلك ووضعوا رهن العلاج وإعادة التأهيل.
ولكن فكرة أن يوضع أحد أفراد العائلة الملكية – ناهيك عن أنه ولي العهد السابق – في السجن ثم يختفي من الحياة عن وجه الأرض … ليس هكذا تدار الأمور داخل العائلة الملكية”.
وليس طبيعياً كذلك إزاء ما يُزعم أنه حدث أن تدار الأمور بهذا الشكل داخل الحكومة الأمريكية، وذلك ما يفسر إلى حد ما لماذا حال كبار مسؤولي المخابرات دون أن يحظى كوشنر برخصة أمنية تمكنه من الاطلاع على الأسرار.
على النقيض من محمد بن سلمان، كان محمد بن نايف زخراً استخبارياً كبيراً بالنسبة للولايات المتحدة. كان ينظر إليه باعتباره معتدلاً – وشخصاً ترغب “الدولة العميقة” في الولايات المتحدة في التعامل معه كحاكم للمملكة العربية السعودية.
قال لي ريدل: “لقد زودنا بخطة الطيران وبشفرات قنابل كانت قيد الإرسال إلى الولايات المتحدة من قبل قطاعات تجارية. لا تحظى أجهزة المخابرات بتعاون أكثر من ذلك. أقصد رقم الرحلة التي كانت القنابل قادمة على متنها. هذا أفضل ما يمكن أن يحصل عليه المرء من تعاون.”
إضافة إلى ذلك، كان محمد بن نايف محبوباً داخل مجلس الوزراء، على العكس من محمد بن سلمان. وكان معتدلاً.
وفي إشارة إلى ما قام به محمد بن سلمان من إلقاء القبض على رجال الأعمال وبعض أفراد العائلة الملكية وعدد من الوزراء السابقين وحبسهم في فندق ريتز كارلتون في الرياض في عام 2017، يقول ريدل: “لم تكن المملكة العربية السعودية يوماً مكاناً لطيفاً. لم تكن يوماً بلداً ديمقراطياً، ولكنها لم تكن دولة بوليسية قمعية كما هي الآن. والمؤكد هو أنه لم يسبق أن تعرض أفراد في العائلة الملكية للسجن ولا كذلك كبار الشخصيات في عالم التجارة والأعمال. أقصد أن مثل هذه الأمور لم تكن تحدث من قبل.”
إذاً كان المال مقابل رأس بن نايف والإطاحة به وربما من قام بعملية الاعتقال هم من الشركات الأمنية الأمريكية التي تديرها عصابات ترامب وصهر كوشنر.
هي خطة مدروسة ومرسومة بشكل كبير ليبدو الأمر أنه مكافحة فساد ولكن حقيقة الأمر أنه تصفية وانقلاب وعلينا أن ننتظر نبأ ما عن وفاة محمد بن نايف في قادم الأيام لأن محمد بن سلمان لن يترك المجال أمام ابن نايف للعودة حتى ولو كلفه الأمر جريمة أخرى كجريمة خاشقجي.
المصدر/ الوقت