الأقصى يُغلق أبوابه في وجه المستوطنين حتى نهاية شهر رمضان.. ما الذي تغير؟
“إسرائيل لا تفهم سوى لغة القوة”، هذا ما يمكن فهمه من الخبر الذي أفادت به وسائل إعلام عبريّة حول انسحاب قوات الاحتلال الصهيوني وقرارها إغلاق المسجد الأقصى المبارك أمام الصهاينة من يوم الجمعة القادم حتى نهاية شهر رمضان، عقب التحذيرات الشديدّة اللهجة من فصائل المقاومة الفلسطينيّة من عواقب وعمليات استهداف المصلين واقتحام المسجد الأقصى المبارك بما يخالف القوانين الدوليّة والإنسانيّة، وإنّ الصواريخ التي أطلقتها المقاومة على ما تُسمى منطقة “محيط غزة” أشعرت تل أبيب بالاحتماليّة الكبيرة لانفجار الأوضاع في الساحة الفلسطينيّة التي تعيش أوضاعاً متوترة للغاية، وإنّ خشية الاحتلال الإسرائيليّ من صواريخ غزة تجسد أولاً من خلال تعزيز منظومة القبة الحديديّة في الجنوب، وثانيّاً ما أفادت به القناة الـ12 العبريّة مؤخراً حول أنّ “إسرائيل” تريد احتواء حادثة إطلاق الصاروخ من قطاع غزة تجاه مستوطنات “غلاف غزة”، دون اللجوء لخيار التصعيد العسكريّ الذي زاد قليلاً في اليومين الأخيرين، موضحة أن العدو الإسرائيليّ يتجنب سيناريو إطلاق الصواريخ من غزة، وهذا ما حدث فعلاً بعد استشعاره خطر اقتراب معركة جديدة.
“لن يتمكن المستوطنون اليهود من دخول المسجد الأقصى من يوم الجمعة وحتى نهاية شهر رمضان” في فترة هي الأطول لمنع التصعيد الذي يمكن أن يجر الساحة الفلسطينيّة إلى حرب شعواء، وبالتالي رغبة إسرائيليّة صريحة بتهدئة الأوضاع في القدس عقب معلومات أكّدت أنّ القيادتين العسكريّة والسياسيّة في حكومة العدو تريدان احتواء الوضع، بعد تشدّيد قادة حماس والجهاد الإسلامي أنه لا يوجد وقف لإطلاق النار مع الكيان الصهيوني المحتل وأن المقاومة مستعدة لخوض الحرب للدفاع عن الفلسطينيين ومقدساتهم إذا اشتدت جرائم العصابات الصهيونيّة، وإنّ القرار الإسرائيليّ الأخير ينبع من قلقهم من الجديّة الفلسطينيّة للرد على أبواب جهنم التي فتحتها تل أبيب من خلال منهج تسخين الأحداث ورفع مستوى الإجرام.
وبالاستناد إلى تلك الوقائع، فإنّ الإسرائيليين لا يرغبون أبداً بأن يؤدي تصعيدهم المستمر إلى جولة تصعيد جديدة مع المقاومة الفلسطينيّة في غزة، ليست حُباً بالفلسطينيين أو خوفاً على أرواحهم بل الخشية الصهيونيّة من إطلاق الصواريخ من القطاع نحو الداخل المحتل، لأ التصعيد في المسجد الأقصى يمكن أن تكون بالفعل الفتيل في إشعال التوتر مجدداً على الساحة الفلسطينيّة ويقود إلى جولة أخرى من الحرب، قد تدهور الأوضاع بأكملها وتُبعثر كل الأوراق السياسيّة والأمنيّة، وبالأخص عقب تصعيد الجرائم الصهيونية بحق الفلسطينيين والذي قوبل بردود فعل عديدة من دول كثيرة، وتحذيرات فصائل المقاومة في فلسطين من أن استمرار هذه الجرائم سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع ويصل إلى حد مرحلة خطيرة للغاية، إضافة إلى أنّ التصعيد الأمنيّ في القدس والضفة الغربية حذر منه مسؤولون إسرائيليون تحسسوا خطر تصرفات حكومتهم الطائشة والسياسية الصهيونيّة العدوانية.
وباعتبار أنّ الأيام الأخيرة شهدت للمرة الأولى إطلاق الصواريخ من قطاع غزة تجاه الأراضي الفلسطينيّة المحتلة بعد 6 أشهر من الهدوء التام، مع تأهب شديد من قبل قوات العدو الإسرائيلي وقرار تل أبيب رفع حالة التأهب القصوى في المنطقة الجنوبيّة لفلسطين المحتلة عبر تعزيز منظومة القبة الحديدية، يبدو أنّ الإسرائيليين شعروا باقتراب حدوث المعركة وانفجار الأوضاع وعودة إطلاق الصواريخ من قطاع غزة رداً على العنصريّة الإسرائيليّة، وإنّ رسائل الفصائل الفلسطينيّة التحذيريّة مؤخراً بشأن أوضاع غزة وفلسطين بشكل عام، أحدثت فرقاً كبيراً في الوضع داخل المسجد الأقصى المبارك ولقنت العدو درساً بأنّ عدوانه المتمثل في القتل والاقتحام وانتهاك المقدسات والحصار ومنع الإعمار، لا يمكن أن يمر بدون رد.
وفي هذا الخصوص، إنّ استعداد وزارة الحرب الإسرائيليّة لاحتمال إطلاق صواريخ على الأراضي الفلسطينيّة المحتلة التي يسيطر عليها العدو، مع إجراء تغيير في تصميم أنظمة القبة الحديدية منذ 10 أيام، يؤكّد أنّ الإسرائيليين لم ينسوا بعد الحرب الأخيرة التي شنّتها قوات احتلالهم على القطاع والتي تركت العدو في صدمة من نتائجها على مختلف المستويات بعد الرد الحازم للفصائل الفلسطينيّة، وإنّ محاولة العدو القاتل فرض عنصريته في هذه الأيام المباركة دفع فصائل المقاومة التي تملك أوراقاً قويّة كثيرة، إلى التهديد بنتائج وخطورة ما يقوم به الاحتلال بل وإطلاق صواريخ تحذيريّة على ما يبدو، على اتبار أن القوى الفلسطينيّة تجمع على أنّ صبرهم على التطاول والاعتداء الإسرائيليّ، بدأ ينفذ ما يعنى اقتراب معركة “سيف القدس” الجديدة، والتي اعتبرها الصهاينة حتى نصراً كبيراً للمقاومة، على الرغم من محاولة إخفاء ذلك من بعض المسؤولين، حيث حمل الانتصار رسائل تحدٍّ كبيرة.
وبعد أن تصاعدت حالة التوتر والغليان في العاصمة الفلسطينيّة القدس عقب اقتحام الاحتلال المسجد الأقصى المبارك واعتقال مقدسيين، ناهيك عن اقتحامات المستوطنين الصهاينة لساحات المسجد الأقصى شرقي القدس بحراسة مشدّدة من شرطة العدو، رغم تحذيرات الفصائل الفلسطينيّة بأنّ “المسجد الأقصى خط أحمر، وأنّ الاحتلال يتحمل مسؤولية اعتدائه على المصلين”، ظل المستوطنون يدنسون ساحات المسجد طوال أيام الأسبوع الفائت صباحاً ومساءاً، لتفهم “إسرائيل” ولو متأخراً أنّ الهمجية والدمويّة في التعاطي مع الشعب الفلسطينيّ ربما تشعل الساحة الفلسطينيّة في أي لحظة، بعد أن أوصل الإسرائيليون خلال سنوات احتلالهم رسالة للشعب الفلسطينيّ بأنّهم غير مستعدين سوى لانتهاك الحرمات وسفك الدماء وسلب الأراضي.
من ناحية أخرى، لا شك أنّ للوسطاء دور في اتخاذ هذا القرار الإسرائيليّ، حيث وجهت الفصائل الفلسطينيّة لكل الوسطاء رسالة مفادها أنه إذا لم يتوقف العدوان الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس المحتلة والمسجد الأقصى، فإن هذا الوضع سيؤدي إلى “معركة حقيقية وصعبة”، خاصة أنّ التحرر من استعباد المحتل الأرعن لا يكون إلا بالمقاومة ولو بأبسط الوسائل، والحل الوحيد حاليّاً هو وقوع “ثورة غضب” عارمة بوجه الاحتلال وعصاباته، بالاستناد إلى أنّ التصدي لهجمات المستوطنين وعربدتهم المتصاعدة هو السبيل الوحيد لردعهم ولحماية فلسطين وشعبها، وقطع يد قوات الاحتلال ومنعها من العربدة والتغول في أراضي الفلسطينيين عبر مخطّطات العدو الاستيطانيّة الرامية لإنهاء الوجود الفلسطينيّ السياسيّ والسكانيّ في الضفة الغربيّة ومدينة القدس.
“تل أبيب خضعت بالفعل” فهي من تعطي دروساً للعالم بأنّ البقاء للأقوى، ومقاومو فلسطين يؤكّدون أنّهم لن يتخلوا عن وواجبهم في الدفاع عن المسجد الأقصى ودعم جميع أبناء شعبهم، كما يدعون إلى تحرك عربي وإسلامي جاد لإنقاذ المسجد المبارك، رغم عدم قناعتهم بأنّ أن الكيان المجرم سيهتم بالتصريحات التي تدين جرائمه من قبل مختلف الأطراف، خاصة بعد أن دفع تطبيع بعض الدول وتحالفها مع المحتلين لمزيد من العدوان على الفلسطينيين والمسجد الأقصى.
في الختام، إنّ رجال المقاومة الفلسطينيّة أصحاب “قول وفعل” فهم لم يسمحوا للكيان الصهيونيّ الغاشم بالاستفراد بفلسطين، وأشاروا إلى عدم وجود سلام أو وقف لإطلاق النار مع العدو في ساحة القدس والمسجد الأقصى، وجددوا عهدهم بأنّ الفلسطينيين يمتلكون الحق في الصلاة والاعتكاف في المسجد الأقصى، وأبدوا استعدادهم للدخول في أيّ سيناريو لمواجهة المستوطنين الصهاينة وداعميهم ومنع اعتداءاتهم، وأظهروا بالفعل أنّه في حال لم يتوقف الصهاينة عن سلوكهم الإجراميّ في المسجد الأقصى سنشهد بلا شكل حرباً كسيف القدس، وهذا بالطبع لا تريده حكومة العدو التي تعاني إلى اليوم من صواريخ الأمس.
المصدر / الوقت