مطاردة قتلة اللواء سليماني في نيويورك لحظة بلحظة
بذل الأمريكيون محاولةً أخيرةً لخلق معادلة سياسية غامضة في محادثات فيينا.
إن شطب الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية مقابل فتح نافذة على اتفاق مستقبلي محتمل للمحادثات الإقليمية، وكذلك تراجع إيران عن متابعة قضية اغتيال اللواء قاسم سليماني، هو الخط الذي عملت عليه واشنطن هذه الأيام عبر عمليات نفسية في وسائل الإعلام.
اللافت أن البيت الأبيض كان له اليد العليا لبيع هذه المعادلة لإيران، مدعياً أن الكونغرس لن يخضع لمثل هذا التفاهم، وإذا أرادت إيران المزيد فعليها أن تعطي المزيد!
يأتي هذا الادعاء الأمريکي في حين أنه خلال زيارة إنريكي مورا لطهران، طلب المنسق الأوروبي لمفاوضات فيينا من المسؤولين السياسيين والدبلوماسيين الإيرانيين أن تتوقف طهران عن ملاحقة اغتيال اللواء سليماني من أجل مواصلة المحادثات ونجاحها.
وأوضحت الخارجية الإيرانية في تلك الاجتماعات صراحةً للجانب الأوروبي، أن موضوع الانتقام لدماء الشهداء في مطار بغداد ليس له علاقة بالملف النووي، وستتم ملاحقة قائمة الإرهاب قضائياً وقانونياً وميدانياً بالصيغة المنشورة، ولا يستطيع قتلة الشهيد سليماني النوم جيداً.
أثارت هذه الرسالة القاسية والحازمة من إيران ضجةً في واشنطن. وفي هذا الصدد، أرسلت سوزان ماستروس زوجة بومبيو الثانية، أحد الجناة الرئيسيين في اغتيال اللواء قاسم سليماني، رسالةً إلى المسؤولين السياسيين في طهران تفيد بخيبة أملها من تصرفات الحكومة الأمريكية، وطلبت من خلالها الأمان لنفسها!
کما قالت زوجة بومبيو في الرسالة إلى السلطات الإيرانية إن زوجها كان مخموراً، وهو کان في حالة غير متوازنة عندما تحدث ضد جمهورية إيران الإسلامية واغتيال اللواء سليماني.
رسالة زوجة بومبيو أهانت الجهاز الدبلوماسي ووكالات المخابرات الأمريكية، وبالتالي يحاول فريق العمليات النفسية التابع لإدارة بايدن استعادة هيبته السياسية، من خلال إنتاج عدد من السيناريوهات الغريبة، بما في ذلك شطب الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية في مواجهة محادثات ما بعد الاتفاق النووي في المنطقة.
وفي آخر التطورات، صرح المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس أنه إذا أراد الإيرانيون رفع العقوبات، فعليهم معالجة مخاوفنا في أعقاب الاتفاق النووي؛ وإيران هي التي يجب أن تقرر.
القصد من محادثات ما بعد الاتفاق النووي من قبل المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، هو مجموعة من الإجراءات التي قامت بها إيران أدت إلى مطاردة ومعاقبة منفذي اغتيال اللواء سليماني في العراق.
بحيث أنه في سلسلة من العمليات الفنية والاستخبارية، حصلت القوات الإيرانية على قائمة دقيقة لجميع العملاء الميدانيين لمرتكبي الاغتيال، وكذلك العملاء السياسيين المتورطين في تلك القضية الجنائية.
ومن المثير للاهتمام أن هذه الملاحقة قد تغلغلت في مركز البنتاغون أيضًا. بعض هذه الأسماء مدرجة في قائمة العقوبات من قبل وزارة الخارجية الإيرانية، وبعضها الآخر سري.
نصيحة ناياك: لا تفوِّت الفرصة!
يدرك جميع مراقبي محادثات فيينا تقريبًا الآن جيدًا، أن يد الولايات المتحدة في محادثات فيينا مغلقة، وأن الحلول المطروحة على الطاولة محدودة بالنسبة لهم.
في الجولة الأخيرة من المحادثات الفنية، طلب الغرب من طهران تقليص نطاق عملياتها حتی عام 2015. في المقابل، طلب الجانب الإيراني، بحذر ويقظة كبيرين، رفع العقوبات التي فرضت بعد عام 2015 وإزالة آثارها حتی ذلك الوقت.
في هذا الشكل من الحوار، لا يجب رفع العقوبات فحسب، بل يجب أيضًا جني آثار الاتفاق النووي(ثمرة الاتفاق النووي)؛ وبعبارة أخرى، فإن الاستفادة من الاتفاق النووي أهم من رفع العقوبات، وكذلك أهم من نص الاتفاق النووي.
في تلك المحادثات، لم يقبل مسؤولو وزارة الخارجية الإيرانية بأي التزامات تتجاوز الاتفاق النووي، وقد قوبلت مطالب الأمريكيين غير ذات الصلة، بما في ذلك المحادثات الصاروخية والإقليمية وحقوق الإنسان، والانتقام من دماء شهداء مطار بغداد، برد سلبي من السلطات الدبلوماسية الإيرانية.
خلال المحادثات، أخبر علي باقري كبير المفاوضين الإيرانيين في فيينا، مورا أنه لا يتحدث بما يتجاوز نص الاتفاق النووي، وأن الاتفاق النووي، وفقًا للرئيس الإيراني، ليس كل شيء بالنسبة لإيران.
ومن المثير للاهتمام أنه في المفاوضات التي أجرتها الحكومة الإيرانية السابقة(روحاني)، اقترح الجانب الإيراني رفع العقوبات المفروضة على الحرس الثوري من قبل الأمريكيين. وقد ورد هذا الطلب فقط في نص مسودة الجانب الإيراني(وليس المسودة النهائية)، ورفضه المبعوث الأميركي الخاص لإيران روبرت مالي؛ لكن في المسودة الجديدة المقدمة في الجولة السابعة من المحادثات(بقيادة علي باقري)، تم تضمين إزالة علامة FTO في المسودة النهائية.
تسبب هذا الحادث في توتر كبير في هيكل الفريق الدبلوماسي الأمريكي، لدرجة أن بعض الأشخاص مثل ريتشارد نيفيو قرروا عدم التعاون مع روبرت مالي!
هذا التراجع الکبير من الولايات المتحدة في فيينا، دفع الكونغرس لاستخدام حق النقض ضد النص النهائي. وتقرَّر أن إزالة الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب يجب أن يکون لها مقابل، مثل مفاوضات إقليمية وتراجع إيران من الانتقام.
هذا الطلب الجديد رفضته طهران في اجتماعها مع مورا، والآن الاتفاق النووي ينتظر قرارًا من الأمريكيين وليس طهران.
وفي هذا السياق، كتبت مجلة ناشيونال إنترست في تقرير مهم ولافت يصف حالة محادثات فيينا: من خلال إزالة الحرس الثوري الإيراني من القائمة الرمزية للإرهاب، يجب على بايدن، قدر الإمكان، تحييد إجراءات ترامب التي تضر المصالح الوطنية الأمريكية. لقد قاد ترامب الولايات المتحدة إلى حرب مدمرة مع إيران.
وجاء في التقرير الذي كتبه ريان كوستيلو المدير السياسي للمجلس الوطني الإيراني الأمريكي(NIAC): “كان إدراج الحرس الثوري الإيراني في القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية عملاً تم اتخاذه خلال إدارة ترامب (أبريل 2019)، والآن تصر إيران على وجوب إزالة اسم هذه المؤسسة من القائمة بأسرع ما يمكن من أجل التوصل إلى أي اتفاق نووي مع الغرب. وتجدر الإشارة إلى أن تصرف إدارة ترامب ضد الحرس الثوري كان خاطئًا إلى حد كبير ولا أساس له. وكانت حكومة بايدن قد أعربت سابقًا عن رغبتها في إزالة الحرس الثوري من القائمة، لكن يبدو الآن أنها تخشى التكاليف السياسية لفعل ذلك!”
وفي جزء آخر من المقال، يقول المسؤول الكبير في المجلس الوطني الإيراني الأمريكي، مشيرًا إلى الطبيعة الرمزية لعلامة FTO:
“كانت خطوة إدارة ترامب بوضع الحرس الثوري على القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية، خطوةً مثيرةً للجدل. في ذلك الوقت، كانت إيران تنفذ بالكامل الاتفاق النووي وتمتثل بصرامة لمتطلباته. وانسحبت إدارة ترامب من جانب واحد من الاتفاق النووي، رغم التزام إيران بشروط الاتفاق النووي، وفرضت سيلًا من العقوبات على طهران. وإزالة علامة FTO ليست ميزةً إستراتيجيةً لإيران، لأن الحرس الثوري الإيراني سيبقی تحت ضغط علامة SDGT (علامة دعم الإرهاب).
بالتزامن مع نصيحة المدير السياسي للمجلس الوطني الإيراني الأمريكي بمنع أي تحرك ورد فعل في رفع الحظر عن الحرس الثوري الإيراني، كتب أحد مستشاري وزير الخارجية الإيراني السابق(جواد ظريف) في مقال غريب، أنه يجب على الجانبين المرونة، قائلاً: لتشطب الولايات المتحدة الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية، ويتعهد الحرس الثوري بعدم مقاضاة ومعاقبة مرتكبي اغتيال اللواء سليماني!
إن النشر المتزامن لهذين المقالين يظهر أن قضية الانتقام من قتلة اللواء سليماني مهمة للغاية بالنسبة للجانب الأمريكي، وهم يحاولون الحصول علی الأمان مقابل رفع العقوبات عن الحرس الثوري.
أجواء محادثات فيينا دفعت الجانب الأمريكي إلی محاولة تعويض إخفاقه في دفع المحادثات إلى الأمام. وفي هذا السياق، هناك بعض النقاط المهمة:
1- أظهرت التجربة لجميع المراقبين أن الحرس الثوري الإيراني بصفته العامة هو بحيث لا يمکن فرض العقوبات عليه. فلا يؤثر حظر الحرس الثوري الإيراني إلا على العناصر الخارجية، لذا فإن شطب الحرس الثوري الإيراني من FTO ليس سوى مقدمة لإزالة العقوبات الثانوية بموجب قانون كاتسا(STGT).
2. التأكيد الأمريكي في التفاوض على ما بعد الاتفاق النووي على شطب الحرس الثوري من قائمة الجماعات الإرهابية الأجنبية، هو جزء من حربهم الإدراکية ضد عجزهم في فيينا، وکذلك الذكاء في التعويض عن يد إيران العليا في المحادثات.
3. المزيد من التكرار من قبل أكثر من مسؤول أمريكي، علامة على محاولتهم الفاشلة في “التفاوض المباشر”.
4. تعرف الولايات المتحدة أن “القوة الإقليمية” خط أحمر لن تتفاوض عليه إيران.
5. ليس من الصحيح الادعاء بإغلاق القوس المتعلق بإزالة علامة FTO من الحرس الثوري الإيراني في الجولة الأخيرة من المفاوضات برئاسة عباس عراقجي.
التحليل الدقيق للهجة المسؤولين الأمريكيين يُظهر أنهم يميلون إلى جعل البيئة التفاوضية ثنائية القطب. وکلما كان الغرب أكثر نجاحاً في ذلك، قلَّ انتفاع إيران بالاتفاق النووي. وخلق جو ثنائي القطب يستهدف الآن الداخل الإيراني.
إن هدف الولايات المتحدة من الآن فصاعداً ليس خلق فرصة جديدة في أجواء الحوار مع الحكومة الإيرانية، بل خلق فجوة اجتماعية في بنية إيران. ولذلك نصح المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في الاجتماع الأخير مع مسؤولي النظام، بعدم ربط قضايا البلاد بالمفاوضات. وهذا التأکيد الاستراتيجي ممكن من خلال زيادة العمليات الاقتصادية الداخلية.
المصدر/ الوقت