التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

مدريد تتحدث عن عودة سفير الجزائر.. والأخيرة ترهن ذلك بشروط 

لم تمض سوى ساعات على تعليق رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، حول عودة سفير الجزائر بمدريد، حتى خرجت الجزائر عن صمتها لتضع شروطا ترهن عودة سفيرها لإسبانيا، مؤكدة على أن الأمر لن يكون في وقت قصير”.

وقالت الجزائر إن عودة سفيرها إلى مدريد مرهونة بتقديم الحكومة الإسبانية “توضيحات مسبقة” بشأن الأسباب التي جعلتها تغير موقفها من قضية الصحراء المغربية وتدعم مقترح المملكة للحكم الذاتي.

وأوضح المبعوث الجزائري الخاص إلى بلدان المغرب الكبير، عمار بلاني، أن عودة السفير الجزائري إلى مدريد “سيتقرر سياديا من قبل السلطات الجزائرية في إطار إيضاحات مسبقة وصريحة لإعادة بناء الثقة المتضررة بشكل خطير على أسس واضحة ومتوقعة ومطابقة للقانون الدولي”.

وأكد بلاني، حسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء الجزائرية، أن الأمر ليس مسألة “غضب مؤقت للجزائر” سيزول مع مرور الوقت.

وأتى تصريح المسؤول الجزائري بعد إعراب رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام متفرقة، عن أمله في أن يتمكن “من حل هذه المشكلة الدبلوماسية خلال فترة زمنية قصيرة” وأن تتمكن بلاده “من الحفاظ على علاقة إيجابية واستراتيجية مع المغرب والجزائر”.

وقال المبعوث الخاص المكلف بقضية الصحراء الغربية ودول المغرب العربي، إن عودة السفير الجزائري إلى مدريد مرهونة بشروط تعيد الثقة بين الجانبين.

وعلّق المبعوث الخاص، على تصريح رئيس الحكومة الإسبانية، قائلاً: “هذته الأقوال صيغت بخفة محيرة، وهي تتوافق مع إرادة الإعفاء من المسؤولية الشخصية الجسيمة في تبني هذا التغيير المفاجئ في مسألة الصحراء الغربية الذي يشكل خروجاً عن الموقف التقليدي المتزن لإسبانيا”.

ويشير بلاني بحديثه إلى مقارنة رئيس الوزراء الإسباني لموقف بلاده الجديد مع فرنسا والولايات المتحدة اللتين تدعمان مبادرة الحكم الذاتي المغربية. وهنا، قال الدبلوماسي الجزائري: “ومن خلال تبرئة نفسه (سانشيز)، بهذه الطريقة الصريحة، أشار ضمنياً إلى أن الموقف الجديد للحكومة الإسبانية بشأن مسألة الصحراء الغربية يتوافق مع قرارات مجلس أمن الأمم المتحدة، وأن ذات الموقف إنما يتوافق أيضاً مع موقف الدول الأخرى”.

وبالتالي -يضيف بلاني- “يبدو أنه قد نسي أن إسبانيا تتحمل مسؤولية خاصة، أخلاقياً وقانونياً، بصفتها سلطة مديرة (وهو الوضع الذي تم التذكير به سنة 2014 من قبل أعلى هيئة قضائية في إسبانيا) وبصفتها عضواً في مجموعة أصدقاء الصحراء الغربية لدى الأمين العام للأمم المتحدة”.

وأشار الدبلوماسي الجزائري إلى أن الإدارة الأمريكية تتحدث عن الحكم الذاتي باعتباره “مقاربة محتملة” بينما تشير فرنسا إلى أنه “قاعدة” وأن الحكومة الألمانية عبرت عن هذا الخيار من خلال اعتباره “قاعدة محتملة”. ومن ثم – يتابع بلاني: “نحن بعيدون عن التأكيد القطعي بشأن الحكم الذاتي الذي سيكون أخطر أساس واقعي وموثوق به، وهو ما يعادل الاعتراف غير المبرر بمغربية الصحراء الغربية، وهي إقليم لا يتمتع بالحكم الذاتي بحيث لم يحدد بعد وضعه نهائياً، وهو مؤهل لتقرير مصيره وفقاً للشرعية الدولية”.

في المقابل، تبدو إسبانيا متشبثة بموقفها وتحاول إيجاد بدائل ممكنة لتعويضها عن الاعتماد على الغاز الجزائري. وأوضحت صحيفة “أوكي دياريو” الإسبانية في هذا السياق، أن كميات الغاز الأمريكي المصدر إلى إسبانيا ارتفعت لتصل إلى 43 في المئة بينما كمية الغاز الجزائري المستورد من إسبانيا تمثل 30 في المئة.

وأبرز تقرير الصحيفة أن الغاز الأمريكي رغم تكلفة نقله عبر المحيط الأطلسي، فإنه أقل سعراً في نهاية المطاف من نظيره الجزائري.

وأوضح مصدر قريب من الملف للصحيفة أن الولايات المتحدة تنتج الغاز الصخري، وهو غاز تكلفة إنتاجه رخيصة جداً ما يسمح ببيعه بثمن أقل من الغاز المسال، ما يجعل استيراده أرخص. أما استيراد الغاز من الجزائر فيواجه، وفق التقرير، صعوبات خاصة بعد إغلاق الأنبوب المار على المغرب إضافة إلى نية الجزائر رفع السعر. وما يؤكد ذلك أن الجزائر تقوم حالياً بإعادة التفاوض حالياً مع الشركات الإسبانية مع وجود مؤشرات قوية تدل على ارتفاع متوقع في الأسعار. وتحسباً لذلك، قام بعض المسوقين الإسبان بإبرام عقود طويلة الأجل مع المنتجين الأمريكيين للحصول على الغاز.

وقبل أسابيع، ذكر الرئيس المدير العام لمجمع سوناطراك توفيق حكار، أنه لا يستبعد مراجعة أسعار الغاز مع الشريك الإسباني في ظل ارتفاع أسعار هذه المادة في السوق الدولية. وأوضح حكار في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية أن الجزائر قررت منذ بداية الأزمة في أوكرانيا التي أدت إلى انفجار أسعار الغاز والبترول الإبقاء على الأسعار التعاقدية الملائمة نسبياً مع جميع زبائنها. غير أنه لا يستبعد، حسبه، إجراء عملية مراجعة حساب للأسعار مع زبوننا الإسباني”.

ومن الواضح أن المواقف الدبلوماسية في الجزائر أصبحت المحرك الرئيسي لتجارة الغاز الطبيعي. ذلك ما عكسته المعاملة التفضيلية لإيطاليا التي تتوافق الجزائر معها بشكل كبير في القضايا الإقليمية، في مقابل استجابة بطيئة للطلبات الإسبانية منذ تدهور العلاقات بين البلدين.

وفي هذا الصدد، أكدت الجريدة الإسبانية “إيل موندو” الإسبانية في تقرير لها، أن إيطاليا ابتعدت بشكل كبير عن إسبانيا كأكبر شريك أوروبي للجزائر في مجال الغاز”، وأضافت إنه “بهذا الاتفاق المهم والتحالف الطاقوي بين البلدين فإن الجزائر تتطلع إلى إيطاليا كحليف طاقوي أوروبي كبير”.

واستبعدت أن يحظى سانشيز في حال زار الجزائر بالقدر نفسه من الحفاوة التي استقبل بها دراغي بعد التغير المفاجئ في موقفه من مسألة الصحراء الغربية دون إبلاغ مورده الرئيسي للغاز، في خضم الأزمة الطاقوية الحالية.

لا تبدو الانفراجة قريبة في أزمة الجزائر وإسبانيا، فقد ترك تحول موقف مدريد التاريخي من قضية الصحراء الغربية أثراً بالغاً في العلاقات بين البلدين، ما دفع الجزائر للتشبث بقرارها في سحب السفير والتأكيد على أنه ليس موقفاً وليد “غضب مؤقت”. في مقابل ذلك، تتجه إسبانيا لتعويض الغاز الجزائري بنظيره الأمريكي الأقل تكلفة، في ظل تلويح الجزائر بزيادة الأسعار.

وتأتي هذه التطورات بعد زيارة رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز إلى المغرب، الخميس 7 أبريل الجاري، بدعوة من الملك محمد السادس، وذلك بعد طي مرحلة الخلاف الذي كان بين البلدين، بعد اعتراف إسبانيا بمبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب منذ سنة 2007، واعتبرتها إسبانيا “الحل الأكثر واقعية و جدية و مصداقية”، لحل نزاع الصّحراء المَغربيّة.

ومدريد التي لطالما التزمت الحياد بخصوص مسألة الصحراء الغربية، أعلنت في 18 مارس على لسان رئيس وزرائها دعمها لخطة الحكم الذاتي المغربية، معتبرة إياها “الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية لحل النزاع”.

والحكومة الإسبانية التي لم يحظ موقفها الجديد بإجماع في مدريد وقوبل باعتراض شديد في الجزائر، الداعم الرئيسي لجبهة بوليساريو، أكدت أنها لم تغير موقفها بل اتخذت مجرد “خطوة إضافية” من أجل المساهمة في حل النزاع الدائر بين المغرب وجبهة البوليساريو منذ رحيل الإسبان عن المستعمرة السابقة عام 1975.

وكانت البوليساريو ردت على الموقف الإسباني هذا بقطع علاقتها مع مدريد، معتبرة أن “الدولة الإسبانية لها مسؤوليات تجاه الشعب الصحراوي والأمم المتحدة في الوقت نفسه باعتبارها القوة المديرة للإقليم، وأن مسؤولياتها تبعا لذلك لا تسقط بالتقادم”.

وتعتبر مدريد أن الهدف الرئيسي من عودة العلاقات مع الرباط هو ضمان “تعاونها” في مكافحة الهجرة غير الشرعية من المغرب حيث يغادر معظم المهاجرين إلى إسبانيا. ويعتبر مراقبون أن المغرب يستخدم الهجرة غير الشرعية وسيلة للضغط على إسبانيا.

ويتنازع على الصحراء الغربية، وهي منطقة صحراوية شاسعة غنية بالفوسفات والثروة السمكية، المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر.

وتقترح الرباط التي تسيطر على ما يقرب من 80 بالمئة من هذه المنطقة، منحها حكما ذاتيا تحت سيادتها، بينما تدعو بوليساريو إلى استفتاء لتقرير المصير نصت عليه اتفاقية لوقف إطلاق النار ابرمت في 1991 لكنها بقيت حبرا على ورق.

وتم انتهاك وقف إطلاق النار في نوفمبر 2020 بعد انتشار القوات المغربية في أقصى جنوب الإقليم، ومنذ ذلك الحين تقول البوليساريو إنها “في حالة حرب دفاعا عن النفس” وتنشر نشرة يومية عن عملياتها.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق