التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 23, 2024

مدينة الرقة.. إعادة قراءة الجريمة الكبرى 

دعت وزارة الخارجية السورية مؤخراً الأمم المتحدة إلى التحقيق في تدمير مدينة الرقة التاريخية والمذابح التي قتل فيها آلاف السوريين، مؤكدة أن التقارير الأمريكية عن هذه المدينة غير صحيحة وكاذبة تماماً. وبعثت وزارة الخارجية السورية، مساء الاثنين، 18 نيسان / أبريل، برسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن بخصوص جرائم الحرب التي ارتكبها التحالف المناهض لتنظيم داعش بقيادة الولايات المتحدة في الرقة شمال سوريا.

وهنا تجدر الاشارة إلى أن دمشق أحالت مراراً وتكراراً قضية الجرائم اللاانسانية التي ارتكبها المحتلون الأمريكيون في عدد من المدن السورية إلى الأمم المتحدة ولكن هذه الاخيرة لم تحقق في تلك الجرائم. ولقد أكدت وزارة الخارجية السورية أن “قضية تدمير مدينة الرقة وقتل آلاف الأبرياء فيها من قبل “التحالف الدولي” غير الشرعي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية لم تحظ حتى اليوم بالاهتمام الدولي المطلوب”، مشددةً على أن “هذه الممارسات تعتبر من أفظع الجرائم التي لم يكن المجتمع الدولي على دراية تامة بتفاصيلها”.

ولفتت الخارجية في رسالة رسمية وجهتها إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن الى ان “العملية العسكرية الأمريكية التي شنتها قوات التحالف على الرقة في الفترة ما بين حزيران، وتشرين الأول عام 2017 أدت إلى تدمير هذه المدينة بشكل شبه كامل وإبادة الآلاف من المدنيين من سكانها الذين دفنت جثامينهم تحت الأنقاض”. وشددت على أن “العملية العسكرية الهمجية لقوات “التحالف الدولي” على مدينة الرقة وأهلها كانت قائمة على التدمير المتعمد والممنهج للبنى التحتية والأملاك العامة والخاصة في الرقة ومحيطها وعلى حصار المدنيين واستهدافهم بشكل عشوائي عبر ضربات جوية ساحقة وقصف صاروخي كثيف غير متناسب مع حجم الخطر وكذلك عبر هجمات أرضية شنتها ميليشيات “قسد” لم تميز فيها بين إرهابيين من “داعش” وبين مدنيين يحاولون الفرار من حصار قوات التحالف”.

وأشارت إلى أن “ذات التقييم ينطبق على جرائم الحرب التي ارتكبتها قوات ما يسمى “التحالف” وميليشيات “قسد” التابعة لها في قرية الباغوز بريف مدينة الزور في العامين 2018 و2019 حيث جرى تدمير البلدة بشكل كامل في جريمة حرب موصوفة إلى جانب المجزرة التي ارتكبتها طائرات هذا التحالف غير الشرعي بتاريخ الـ18 من آذار 2019 ضد قافلة من سكان هذه القرية الذين كانوا يحاولون النجاة بأرواحهم والذين بلغ عددهم 80 شخصاً أو ما يزيد على ذلك حين ألقت طائرات حربية من طراز أف 15 قنبلتين بلغ وزن الأولى 225 كغ والثانية 907 كغ ما أدى إلى إبادة القافلة بمن فيها من نساء وأطفال”.

وبينت الوزارة أن مصادر أمريكية كانت حتى تشرين الثاني 2020 غير منشورة اعترفت بمقتل وإصابة 240 مدنياً 178 قتيلاً و62 جريحاً في الرقة من 38 حادثة مختلفة بسبب العمليات العسكرية الأميركية ثم اعترفت ذات المصادر أنه ونتيجة المقابلات الميدانية وصور الأقمار الصناعية وبيانات ضربات التحالف فقد قدرت منظمات غير حكومية وتقارير مستقلة عديدة مصرع وإصابة 744 قتيلاً و30 جريحاً بسبب “التحالف الدولي” على الأرجح ومن 108 حوادث.

وتابعت: “لكن البيانات والأرقام التي توصلت إليها منظمات غير حكومية أخرى والتي وردت في تقارير منشورة تشير إلى أن العدد الحقيقي للضحايا من المدنيين بسبب عمليات قوات “التحالف” في الرقة هو أكثر من 1600 مدني”

الأبعاد المختلفة لتدمير مدينة الرقة التاريخية

تؤكد شكوى سوريا الجديدة للأمم المتحدة أن التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة ضد داعش دمر مدينة الرقة وقتل الآلاف من الأبرياء، لكن هذه الشكوى على الرغم من أنها على المستوى الدولي، إلا أنها لم تلق أي اهتمام. ومن وجهة نظر حكومة دمشق، يشير حجم الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية والمنشآت الحكومية والخاصة، وعدد الضحايا في الرقة ومنطقة عين العرب والباغوز، إلى ارتكاب الولايات المتحدة وحلفائها جرائم حرب ضد الإنسانية.

في الأساس، يمكن تقييم الدمار الذي حدث في الرقة إلى جانب مستوى الدمار الكبير الذي لحق بأجزاء مختلفة من البلاد. ووفقًا للبنك الدولي في عام 2017، تم تدمير نحو 7٪ من منازل السوريين وتعرض نحو 20٪ من المنازل لأضرار بالغة ولقد تم الإبلاغ عن ما بين 400000 و 470.000 حالة وفاة، واضطر أكثر من نصف سكان سوريا إلى الفرار من بلادهم منذ عام 2010 وحتى الان.

في غضون ذلك، تشير جميع الأدلة إلى أن محافظة الرقة هي إحدى المحافظات السورية التي تأثرت بشكل مباشر بالحرب. وتعتبر مدينة الرقة في الأساس ذات أهمية تاريخية وحضارية كبيرة، ما أدى إلى اختيارها كعاصمة لأبي بكر البغدادي الإرهابي. في الواقع، ينظر تنظيم الدولة الإسلامية إلى هذه المحافظة على أنها أرض الميعاد. في الواقع، كانت مدينة الرقة تاريخيًا مكانًا لحكم الخلفاء العباسيين، ومن بين الأراضي الإسلامية، وكانت المعالم التاريخية لهذه المدينة مهمة جدًا، لكن خلال هجوم قوات سوريا الديمقراطية على المدينة في عام 2017، بدعم جوي من قوات الاحتلال المعروفة باسم التحالف المناهض لداعش، تم تدمير جميع البنى التحتية والمعالم التاريخية للمدينة بشكل كامل. وعلى الرغم من أن قوات سوريا الديمقراطية تمكنت في تشرين الأول / أكتوبر 2017 من تحرير مدينة الرقة من سيطرة داعش بدعم من المحتلين الأمريكيين، إلا أنها خلفت خرابًا انتهى بتدمير كل البنى التحتية المدنية والتاريخية والثقافية لهذه المدينة.

نهاية الحرب.. فرصة لإلقاء نظرة فاحصة على الأداء الأمريكي في الرقة

شدد البيان الصادر عن الخارجية السورية على أن أفعال ما يسمى التحالف المناهض لداعش في الرقة كانت من أبشع الجرائم التي لم يكن المجتمع الدولي على دراية كاملة بها، لكن حان الوقت لمواجهة إنسانية وقانونية المجتمع الدولي. وفي هذه الفقرة من البيان، تمت الإشارة صراحة إلى مسألة الوقت، وبالتالي فإن تحليل حسن التوقيت في إحالة هذه المسألة إلى الأمم المتحدة يتسم بأهمية خاصة.

حقيقة الأمر هي أنه من خلال تهيئة الظروف للاستقرار في سوريا، فإن الحكومة المركزية لديها فرصة أكبر للنظر عن كثب في الدمار الذي خلفته الحرب في هذه المدينة. وفي غضون ذلك، تعتبر الرقة، كعاصمة للخلافة المزعومة لتنظيم الدولة الإسلامية، والتي تخضع لسيطرة الميليشيات الكردية التابعة للولايات المتحدة، واحدة من أكثر المدن المدمرة في سوريا، ويرجع ذلك أساسًا إلى استمرار القصف الأمريكي الأعمى على هذه المدينة التاريخية. وعلى الرغم من الأدلة الموضوعية الوافرة على الجرائم اللاإنسانية التي ارتكبها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش في الرقة ومناطق أخرى مثل الباغوز، لم تخضع واشنطن حتى الآن للمساءلة أمام الحكومة السورية والرأي العام الدولي والمؤسسات الدولية. ومع ذلك، يبدو الآن أن الوقت قد حان لأن يتخذ المجتمع الدولي مقاربةً عادلةً للجرائم الأمريكية في سوريا، ولا سيما في مدينة الرقة، في أعقاب عودة الاستقرار إلى بلاد الشام.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق