التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

الحيرة الأردنية إزاء الوصاية على المسجد الأقصى… بين الدعم والمخاوف 

وضع فشل أمريكا في الالتزام بوعودها، بضمان حرية الصلاة من دون اعتداءات من الشرطة الإسرائيلية أو المستوطنين اليهود، الأردن، في مأزق محاولة المواءمة بين الوصاية الهاشمية على المسجد الأقصى وحاجته للمساعدات الأميركية المرتبطة فعلياً بتوسيع التطبيع مع الكيان الصهيوني.

وفيما الملك عبد الله الثاني في الولايات المتحدة الأمريكية ويبدأ زيارة رسمية واجتماعات لها علاقة بما سمّاه وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي التهدئة في القدس، يجد الأردن نفسه في مواجهة الاستحقاق الاستيطاني الجديد، حيث حسابات نفتالي بينت في الصمود والبقاء تطلبت تمكين عشرات أو مئات المستوطنين صباح الخميس من تحدي الوصاية الأردنية.

الوضع أردنياً وسياسياً محرج مجدداً؛ فما فعلته حكومة بينت صباح الخميس من تمكين الاقتحامات مجدداً وتدنيس ساحات المسجد الأقصى وبمعاونة قوات الأمن والجيش الإسرائيلي يعني تماماً إلقاء كل المحاذير والاتهامات والملاحظات الأردنية في الرف الاحتياطي. والعمل على تصعيد في مواجهة الأردن سياسياً خلافاً طبعاً لمواجهة أهل القدس والشعب الفلسطيني، وخصوصاً أن المرابطين في المسجد الأقصى يمكن القول إنهم وحدهم إلى حد بعيد.

وبالتالي، الإحراج السياسي يزيد ويتراكم وخصوصاً في الجزء الذي تنتجه أو تسببه للوصاية الأردنية، حيث إجراءات تمس بالأمر الواقع برعاية الخط المتشدد في اليمين الإسرائيلي، الذي وصفه رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة سابقاً بأنه يمين متصهين ويعمل على تدنيس المواقع المخصصة للمسلمين في الحرم المقدسي.

صحيحٌ أنّ عمّان كانت قلقة من انفجار فلسطيني واسع، لكنّ صاحب القرار الأردني يعي أن ما حدث من اقتحامات وسقوط جرحى وخطف قوات الشرطة الإسرائيلية عشرات الفلسطينيين ساهم في تثوير الوضع الفلسطيني، رغم أنّنا لم نرَ “انتفاضة أقصى” شاملة، فالانتفاضة الكبرى أصبحت أقرب.

حين عبّر رئيس الوزراء الأردني، بشر الخصاونة، في لحظة ضيق أمام النواب عن تأييده حملة الحجارة من المصلين، لذلك قوبل باستنكار مهين من المسؤولين الإسرائيليين، فهم يعتقدون أنّ على الأردن الرسمي الصمت والخنوع ليس إلّا، لكنّ كلمات الخصاونة عكست غضب الملك عبد الله الثاني، فالاستهتار بأهمية الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وأهمية إبقاء أفقٍ للعملية السياسية، هو استهتار باستقرار الأردن والنظام، وهو مؤشّر خطير للأردن.

وقد ألمح وزير شؤون القدس في السلطة الفلسطينية إلى أن ما يجري هو ما يتفق مع اللهجة الأردنية عملياً من تحويل المسجد الأقصى إلى ثكنة عسكرية باعتبارها خطوة تؤدي إلى تغيير الوضع القائم. أغلب التقدير أن الإجراءات الإسرائيلية التي عادت على الرغم من كل الحراك الدبلوماسي الأردني والتحذيرات العربية، بما في ذلك التحذيرات الأمريكية، هي رسالة متشددة من حكومة اليمين الإسرائيلي لا تفلح مؤسسات الأذرع العميقة في كيان الاحتلال في ضبطها أو تحجيمها أو بناء أي تصور حقيقي للتهدئة على أساسها.

ولذلك دلالة على الإحراج في هذا السياق، يبدو أن الأردن جدد مطالبته إسرائيل بالكف عن الممارسات والانتهاكات بحق المسجد الأقصى، وفقاً لبيان رسمي صدر عن الخارجية الأردنية بعد ظهر الخميس، وهو بيان استخدم اللغة التي تتحدث عن مطالبة إسرائيل في هذا السياق وليس وجود طريقة محددة لمنعها من تلك الممارسات أو لوقف تلك الانتهاكات.

ولكن الأردن مقيّد، بل كبّل نفسه، فمنذ فوز جو بايدن بالرئاسة في الولايات المتحدة ومغادرة دونالد ترامب، والقصر يتعامل وكأن الإدارة الأميركية معنيةٌ بإحياء العملية السياسية، ولا تريد إغلاق الباب أمام مفاوضات “سلام” مستقبلية.

ويبدو أنّ القصر لم يقرأ أو لم يهتم بمسار واشنطن التي تراهن على عملية تطبيع تحالفية مبنية على الاتفاقيات الإبراهيمية لعزل الفلسطينيين ودفعهم إلى الاستسلام النهائي. لقد أغفل وتغاضى عن كلّ المؤشّرات والتصريحات الأميركية الواضحة بتحديد أولويات فرض “تهدئة” أو منع انتفاضة فلسطينية، لضمان استقرار الحكومة الإسرائيلية، وتوسيع عمليات التطبيع العربية – الإسرائيلية، التي أصبحت المرتكز الأساسي للتحرّك الأميركي، فمن وجهة نظر أميركية، أصبح الوقت مواتياً لدمج إسرائيل وترسيم قيادتها المنطقة، وبالتالي تصفية القضية الفلسطينية.

من غير الواضح ما إذا كان الأردن الرسمي مستعدّاً لاتخاذ خطوات حقيقية تزعج تل أبيب، لكنّ القصر اعتمد على علاقاته مع وزير الدفاع بيني غانتس، لدرء خطر اليمين الإسرائيلي المتطرّف، غير أن المذكور، وإنْ يخشى تهوّر رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينت، لن يساهم في تقويض حكومته المهتزّة بالخلافات الداخلية.

من جهتهم أشار مراقبون إلى إن “حكومة نفتالي بينيت الإسرائيلية، وضعت الأردن ووصايته على المقدسات في مدينة القدس المحتلة أمام اختبار وتحدٍّ جديد، يتمثل بتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى”.

وقال الكاتب والمحلل السياسي الأردني منذر الحوارات، إن “الاحتلال يسعى لتغيير الوضع التاريخي القائم بالمسجد الأقصى، وتثبيت تقسيمه الزماني والمكاني كمقدمة للاستيلاء عليه، كما حصل في المسجد الإبراهيمي”.

وأكد الحوارات أن “الحكومة الإسرائيلية تسعى لإضعاف الوصاية الأردنية، وتعمل جاهدةً على إحراجها بهذا الملف، من خلال إظهار عجزها عن عمل أي شيء لوقف الممارسات الإسرائيلية، خصوصاً ما يجري من اقتحامات للمصلى القبلي، وما رافق ذلك من اعتقال للمرابطين والاعتداء عليهم”.

ولفت الحوارات إلى أن “الاتصالات مع حكومة الاحتلال عديمة الجدوى، والحل الوحيد ما يفرضه المرابطون في القدس من أمر واقع على الأرض، بمنعهم قوات الاحتلال من السيطرة على المشهد”.

بدوره طالب رئيس لجنة فلسطين بالبرلمان الأردني، النائب محمد الظهراوي، سلطات بلاده بطرد السفير الإسرائيلي من عمان. وقال الظهراوي “لا يهم ما يتم من اتصالات وما يعقد من اجتماعات، والمطلوب أن نجد خطوات حقيقية على الأرض”.

وأوضح أن “العدو الصهيوني لا عهد له، والمتطرفون الصهاينة على أرض فلسطين لا يحترمون الاتفاقيات”. وتابع أن “الأردن كان وما يزال يولي القضية الفلسطينية جل اهتمامه”، مُشيرًا إلى أن الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف تاريخية وليست وليدة اللحظة، وحافظت على الوضع القائم فيه، ولن تفلح المحاولات الإسرائيلية في تغيير هذا الواقع. وأكد أن “محاولات الاحتلال الخبيثة لإقصاء الأردن، وتهميش دوره في الوصاية على المقدسات ستفشل”.

وكان ملك الأردن عبد الله الثاني، قد التقى قادة الاحتلال قبل شهر رمضان، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في لقاءات منفصلة، لتخفيض التوتر بالأراضي الفلسطينية، إلا أن الجهود لم تفلح في لجم الاحتلال من الاعتداء على المصلين والمعتكفين في المسجد الأقصى.

وتمتلك “أوقاف القدس”، 80 بالمئة من الوقف الإسلامي والمسيحي في البلدة القديمة، وتعمل تحت وصاية ورعاية العاهل الأردني، ويتبع لها 115 مسجدا، بالإضافة إلى المسجد الأقصى المبارك، وخمسة لجان زكاة تعمل مع مديرية لجنة الزكاة.

وتشرف “الأوقاف” على المتحف الإسلامي وقسم المخطوطات، وثلاث مكتبات تضم 3500 ألف كتاب ومراجع تاريخية، ومديرية المسجد الأقصى التي تضم: الخطباء، والأئمة، والحراس، والسدنة ودائرة الإعمار.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق