تسريبات عكاشة و”الغُرف المظلمة” في القصر.. تحذيرات من انعكاس تصاعد خطاب الكراهية في تونس
يسيطر على تونس جو من القلق، بعد تسريبات صوتية منسوبة لرئيسة ديوان رئيس الجمهورية قيس سعيّد السابقة، نادية عكاشة، تكشف فيها كواليس الحكم وطبيعة العلاقات التي تدير البلاد.
حيث قالت إذاعة “موزاييك أف أم” إن مديرة ديوان رئاسة الجمهورية السابقة نادية عكاشة تقدمت عبر محاميها الأسعد العثماني، بتاريخ الجمعة 6 مايو 2022 بشكاية لدى وكالة الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس ضد ع.ح (مجهول المقرّ في تونس) حسب نص الشكاية وكل من سيكشف عنه وذلك بخصوص ما نسب اليها من تسجيلات صوتية.
وفق نفس المصدر فقد طالبت نادية عكاشة في شكايتها النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس بفتح بحث تحقيقي حول التسجيلات الصوتية المنسوبة اليها والاذن باجراء الاختبارات الفنية اللازمة على تلك التسجيلات والاستعانة بالقدرات العلمية والفنية للكليات التي يدخل في اختصاصها مجال فيزياء الذبذبات والتحليل الرياضي لمنحنيات الذبذبات الصوتية والخبرة في البرامج المعلوماتية المستعملة في مجال تركيب الأصوات والصور واستعمالها في مجال الخدع السينيمائية للوقوف على نسبة الشرائط الصوتية المستعملة الى صاحبها الحقيقي واحالة المشتكى به وكل من عسى أن يكشف عنه البحث على الهيئة القضائية المختصة.
وقال الأستاذ قيس المؤدي محامي مديرة الديوان الرئاسي السابقة نادية عكاشة في تصريح لراديو موزاييك مساء الجمعة أن كل تسريب صوتي ستتم معاينته.
وأضاف ” أثبتنا وجود تسريبات في صفحات معينة.. وتم اليوم تقديم شكاية للنيابة العمومية وطلبت هيئة الدفاع إجراء اختبارات على التسجيلات الصوتية للتعرف على البصمة الصوتية لمن قام بذلك.. وهذه المسألة تتطلب إجراءات فنية..”
وتابع في هذا الإطار ” طلبت منا الأستاذة نادية عكاشة إعلام الرأي العام بتكذيبها لما جاء في تلك التسريبات وتؤكد أنها مفبركة ومدلّسة.. حيث تمت فبركة صوتها (مونتاج) عن طريق هندسة الصوت وسيتم الكشف عن ذلك عن طريق الاختبارات..”
وحول الاسم الذي ضمّنته مديرة الديوان السابقة في شكايتها، قال ”كل شخص مسؤول عن الشكاية التي يقدمها.. وما يهمني هو إعلام الرأي العام بأن نادية عكاشة تنفي ما نسب لها وتؤكد أن رئيس الجمهورية قيس سعيّد عندما اختارها في ديوانه شرّفها بثقته وتحملت المسؤولية لأنها تثق بالرئيس كما أن ثقتها بمسار 25 جويلية مازالت قائمة ..”
وكانت عكاشة أرفقت شكايتها التي قدمتها بمحضر معاينة بواسطة عدل تنفيذ على التسجيلات الصوتية المنسوبة اليها.
وكشفت تسريبات عكاشة الجوانب المخفية من شخصية الرئيس قيس سعيد، وتحكّم عائلته، وخاصة شقيقة زوجته بالدولة، وهو ما أعاد الجدل حول حكم العائلة الذي كان سائدا في تونس.
إلى ذلك تحدث النائب السابق عن حركة النهضة، محمد القوماني عن وجود “غرف مظلمة في قصر قرطاج”، معتبرا أنّ “التسريبات الصوتية المنسوبة لنادية عكاشة مديرة الديوان الرئاسي السابقة أضاءت الفوضى داخل القصر”.
وأكد القوماني أن الرئيس قيس سعيّد لم يحصل على تفويض أو تكليف من أي طرف لتأسيس جمهورية جديدة، مضيفا “الجمهورية الجديدة التي يتحدث عنها قيس سعيد هي جمهورية الغموض والفوضى وتبين الى حد الان أنّ هذا الشخص لا يُشارك أحد معه، وهو يعتقد أن التاريخ ينطلق منه فقط ويريد تغيير تاريخ تونس وتاريخ العالم بأوهام الأفكار العظيمة والانفجار الثوري”.
من جانب آخر، أعلنت حركة النهضة أنها تقدمت بشكاوى قضائية المسؤولية عن صفحة اجتماعية “تحرض على استعمال السلاح و القتل والعنف والحرق ضد الحزب وقيادييه وأنصاره ومقراته”، مطالبة السلطات التونسية بـ”تحمل مسؤولياتها لحماية المواطنين والممتلكات العامة والخاصة لاسيما وانه قد سبق وتم استعمال نفس هذه الوسائل الإجرامية في مناسبات سابقة ومنها 25 جويلية (تموز) 2021”.
وكانت الحركة نفت أي علاقة لها بحوادث الحرق التي تشهدها مناطق عدة في البلاد، كما نفت علاقتها بحملة إلكترونية ضد الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي، تتهمه بالحصول على “شيك” (تبيّن أنه مزيف) من الإمارات.
وتعيش تونس على وقع تصاعد لخطاب “العنف السياسي” والتحريض على الكراهية، لا يغيب عن الخطابات الرسمية وفي مواقع التواصل الاجتماعي وسط تحذيرات من انعكاساته في الشارع والمجتمع.
وتزايدت الاعتداءات على معارضين لقرارات الرئيس قيس سعيّد بشكل مباشر في الساحات وخلال التظاهرات، وحتى في المقرّات وعند ممارسة هؤلاء لحياتهم الخاصة، متهمين الرئيس التونسي ببث خطابات تحريضية ضدهم وتعريض حياتهم وعائلاتهم للخطر.
وحذرت “جبهة الخلاص الوطني” المعارضة للرئيس سعيّد، من أحداث عنف محتملة، الأحد، في مسيرة منتظرة لأنصار الرئيس، محذرة من الاعتداء على مقرات حزبية.
وبيّن رئيس المكتب السياسي لـ”ائتلاف الكرامة” يسري الدالي، السبت، أنه “بالنسبة لمظاهر العنف والتعصب وخطابات الكراهية فإنّ هناك نمذجة لهذا العنف تُرى انعكاساتها في المجتمع”، مضيفاً إن “الوحيد الذي يمارس العنف الرمزي واللفظي والمادي هو رئيس الجمهورية، وهو يمارس شتى أنواع العنف، عنف الدولة عبر الاعتقالات وحملة الإقامات الجبرية والمحاكمات العسكرية، والعنف اللفظي الخطير في كل خطاب يلقيه يتضمن تحريضاً وفتنة وتفرقة وكراهية ودعوات لاستعمال العنف بصريح العبارة”.
من جانبه، لفت القيادي في تنسيقية “مواطنون ضد الانقلاب”، الصغير الشامخ، إلى أنّ “هناك عملية تحشيد وشحن للتونسيين بالخطابات العنيفة تصدر رأساً عن أعلى هرم الدولة من قصر قرطاج وعلى لسان القائم بأعمال رئاسة الجمهورية (قيس سعيّد) ومن داخل الثكنات العسكرية والأمنية ومن مقرات الوزارات الحاملة للسلاح، في دليل على استدعاء الأجهزة الصلبة والاحتماء بها لترويج هذا الخطاب العنيف”.
وتابع: “خلال الـ9 أشهر الماضية وكلما صدر خطاب مشحون عن القائم بأعمال رئاسة الجمهورية إلا وكان ضحاياه من معارضي هذا النظام”، مضيفاً إن “من ينشر الكراهية ومن يقسم التونسيين هو سعيد”.
ويعتبر المحلل السياسي، أيمن البوغانمي، أنه “بالنسبة لاستشراء العنف في الخطاب السياسي الرسمي، فإننا نتحدث عن خطاب الرئيس، باعتباره المؤسسة الرسمية الوحيدة في البلاد لأنه احتكر كل السلطات وأصبح كل من يتكلم خارج الأطر التي يرسمها يعتبر خارجاً عن الرسميات كما هو واضح بالنسبة للبرلمان (المنحل) وأما بالنسبة للحكومة فهي تقريباً لا تتكلم”.
وحذّر البوغانمي من أنّ “خطورة خطاب رسمي عنيف ورد فعل معارض عنيف تنعكس خطورته على الدولة وعلى المجتمع، وكلاهما مهدد ويُخشى منه من سيناريوهات الدفع نحو حرب أهلية، والنتيجة ستكون سيئة جداً على البلاد”.
وأمام انسداد الأفق بوجود إمكانية لحوار، بعد تأكيد سعيّد رفضه لأي حوار إلا مع مساندي مساره، تدخل تونس نفقاً مظلماً مفتوحاً على كل الاحتمالات، وخصوصاً مع تهاوي سعر الدينار وتصاعد الأزمة الاقتصاديّة.
ويصر سعيّد على تنفيذ برنامجه بحذافيره من دون أي تنازل، عبر لجنة تؤسس لجمهورية جديدة في غضون أيام، وإقرار دستور جديد وعرضه على الاستفتاء في 25 يوليو/تموز المقبل، وحوار لا أحد يعرف كيف ومتى ومع من سيتم، باستثناء إشارة مبهمة منه إلى “المنظمات الوطنية” وأنه لا حوار إلا مع “الصادقين” و”الوطنيين” كما يسميهم من مؤيديه.
المصدر/ الوقت