تونس.. بين خطر الانهيار الاقتصادي والجمود السياسي
تواصل الأزمة السياسية في تونس إلقاء ظلالها على اقتصاد البلاد، ما جعل جميع المؤشرات الاقتصادية بتونس تتراجع وتنذر بدخول البلاد في انهيار اقتصادي وشيك، حيث سلطت صحيفة نيويروك تايمز الأمريكية، في مقال لها، الضوء على الأزمة السياسية و الاقتصادية التي تشهدها تونس، ذلك البلد الذي كان يوصف لسنوات خلت بأنه تجربة ديمقراطية لا مثيل لها في العالم العربي.
وذكرت الصحيفة الأمريكية أن تونس كانت لعقد من الزمان، قصة نجاح شهدها العالم بعد ثورة شعبية ناجحة أطاحت بنظام الرئيس زين العابدين بن علي، وامتدت لدول أخرى لما عرف باسم “الربيع العربي”، لكن حاليا يلوح في الأفق انهيار اقتصادي تزامنا مع استمرار تفكك الديمقراطية الناشئة وسط حالة من الجمود السياسي في البلاد.
كما ذكّرت الصحيفة بأن التجربة الديمقراطية في تونس نجت خلال عامي 2013 و2014 من الأزمة السياسية واستمرت في التقدم بثبات بينما تلاشت ثورات عربية أخرى ودخلت في حروب أهلية أو انقلابات أو حملات قمع.
ولفتت إلى أن الدستور الجديد والانتخابات الحرة النزيهة فشلت في توفير الخبز والوظائف والكرامة التي هتف بها التونسيون، لتندفع البلاد نحو كارثة، فاقتصادها منهك بسبب سوء الإدارة والوباء والحرب في أوكرانيا.
وفي 25 تموز/ يوليو، أقال الرئيس التونسي، قيس سعيد، رئيس الوزراء وعلق البرلمان الذي تسيطر عليه حركة النهضة ذات الخلفية الإسلامية، ومنذ ذلك الحين عزز حكم الرجل الواحد، حيث ألغى سعيد الدستور والسلطة التشريعية واستقلال القضاء والنظام الانتخابي في البلاد.
وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن تلك الأحزاب والمنظمات التي قادت البلاد إلى الخروج من الأزمة السياسية الكبيرة الأخيرة لم تفعل شيئًا أكثر من إصدار بضع بيانات تحذيرية.
وفي تموز/ يوليو، قال الكثير من التونسيين إن “الدكتاتورية لا يمكن أن تحدث” في البلاد، وفقا للصحيفة.
وقالت أستاذة سياسة الشرق الأوسط بجامعة نيويورك في أبوظبي والمتخصصة بالشؤون التونسية، مونيكا ماركس، إن “المجتمع المدني حيوي للغاية، لكن ذلك حدث بسرعة كبيرة”.
وأشارت إلى أن الأمر يتجاوز أن تكون الديمقراطية مهددة في تونس، بل “إن الديمقراطية التونسية أصيبت في الرأس”، متسائلة: “لماذا لا يفعلون أي شيء الآن؟”.
وقال رئيس تحرير موقع “نواة” الإخباري، ثامر مكي، الذي كان معارضا للنظام القديم: “لم يكن الأمر كما لو كنا نعيش في نوع من الجنة الديمقراطية”.
وقبل الاستفتاء المقرر إجراؤه في تموز/ يوليو، سيسعى سعيد للحصول على الموافقة الشعبية على إعادة صياغة دستور 2014 وتعزيز الرئاسة، حيث هدد بحل الأحزاب السياسية بالكامل، ما أثار بعض أشد الانتقادات حتى الآن من قبل هيئات الرقابة المدنية والمعارضة.
وقال مكي: “لا أحد يريد العودة إلى 24 تموز/ يوليو، ولا أحد يريد الذهاب إلى 26 تموز/يوليو، بعد كل ما فعله قيس سعيد”.
إلى ذلك، دعا الاتحاد العام التونسي للشغل، سعيّد “للشروع فورا” في إجراء حوار وطني اعتبر أنه “قارب النجاة الأخير” لتجاوز الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعيشها البلاد.
وحذّر الأمين العام للاتحاد، نور الدين الطبوبي، خلال خطاب بمناسبة عيد العمال الأسبوع الماضي من أن “حالة الضبابية والتفرد السائدة حاليا” تهدد بأن “تزيد الوضع سوءا وانسدادا للآفاق وتسارعا لحالة الانهيار”، وفق ما نقل عنه موقع جريدة “الشعب” الصادرة عن المنظمة.
وبعد يوم واحد، قرر سعيّد تشكيل لجنة تُسند إليها مهمة إدارة حوار وطني، استثنى منه الأحزاب المعارضة. ومن خلال هذه الخطوة، يحاول رئيس تونس الخروج من مأزق سياسي تشهده البلاد، إذ يرى خصومه السياسيون في الإجراءات الأخيرة التي قام بها “استبدادا وانقلابا على الدستور”.
ووسط كل هذه الاضطرابات السياسية، أصبحت الحكومة غير قادرة بشكل متزايد على دفع رواتب موظفي القطاع العام، بينما توقفت المفاوضات بشأن خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي.
وأدى نقص المواد الغذائية الأساسية مثل الدقيق، الذي تفاقم بسبب الحرب في أوكرانيا إلى دفع الأسعار إلى ما هو أبعد مما يستطيع الكثيرون تحمله.
وأعلنت الحكومة مؤخرا أنها سترفع أسعار الوقود للمرة الثالثة هذا العام وذلك بعد ارتفاع أسعار النفط في الأسواق الدولية.
وقالت نزيهة كرير، 44 سنة، عاملة تنظيف منزلي، “نحن نأكل نصف كمية الخبز الآن”، مضيفة إن “البلاد أصبحت أسوأ وأسوأ” في عهد سعيد.
وتظهر استطلاعات الرأي أن نسبة تأييد الرئيس سعيد تتراجع على الرغم من أنه لا يزال حتى الآن أكثر زعيم موثوق به في تونس، وفقا للصحيفة الأميركية.
وقالت الناشطة الحقوقية، نورس الزغبي الدوزي، “لا توجد حكومة حقيقية ولا برلمان.. من هو الذي نذهب إليه الآن؟ من يمكننا أن نحاسب؟”.
ويتطلع أحمد نجيب الشابي، وهو زعيم معارض علماني، إلى بناء تحالف مناهض لسعيد بالشراكة مع حركة النهضة.
وقال الشابي: “أحاول إيجاد أرضية مشتركة مع النهضة لأننا يجب أن نتطلع إلى الأمام وليس إلى الوراء”.
وأشار إلى أن التونسيين سيضطرون على الأرجح إلى قبول مشاركة النهضة في أي نوع من الحل السياسي.
وتوقع أنه إذا كانت الكارثة الاقتصادية تلوح في الأفق، “فلن يكون أمام الناس الكثير من الخيارات”.
من جهتهم تجمع أنصار للرئيس التونسي قيس سعيد في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة الأحد لدعوته إلى المضي قدما في الإصلاحات السياسية والتسريع بمحاسبة “الفاسدين”.
وتجمع نحو ألف متظاهر إلى حدود منتصف النهار في الشارع ، وفق ما عاينه مصور وكالة الأنباء الألمانية.
وكان “حراك 25 يوليو” الداعم للرئيس سعيد قد دعا إلى الوقفة الاحتجاجية عبر وسائل التواصل الاجتماعي لمطالبة الرئيس قيس سعيد بتنفيذ مطالب المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع في 25 تموز/يوليو الماضي والتي أعقبها إعلان سعيد التدابير الاستثنائية المستمرة في البلاد حتى اليوم.
وردد محتجون ، أمام المسرح البلدي في الشارع الرئيسي شعارات معارضة للتدخل الأجنبي من بينها “السيادة الوطنية حق مش مزية (ليست منة)” ، كما رددوا “اضرب يا قيس والشعب معك”.
ورفعت في الوقفة صور الرئيس سعيد ولافتات كتبت عليها “لا رجوع إلى الوراء يا عصابة الغلاء” و”المحاسبة أولوية” و”لماذا البطء”.
وقال مناصر لسعيد قدم من مدينة المهدية إلى العاصمة لـ(د. ب. أ) :”يتعين على سعيد الإسراع في تطبيق مطالب الشعب في 25 تموز/يوليو وإلا أعاد الفاسدون تنظيم صفوفهم”.
بدوره دعا الرئيس التونسي الأسبق، المنصف المرزوقي، المواطنين إلى التسريع في إنهاء “الفاصل المضحك المبكي” من تاريخ البلاد، مطالبا الجيش بـ “رفع الحماية” عن الرئيس الحالي قيس سعيد الذي وصفه بالمنقلب.
جاء ذلك في تدوينة للمرزوقي على حسابه في موقع “فيسبوك”، دعا خلالها التونسيين إلى “الخروج للشارع طوال الشهرين المقبلين للتعجيل بأمر محتوم”، في إشارة إلى إسقاط نظام قيس سعيد.
وقال المرزوقي: “حتى ولو أنني لا أقرأ في الفنجان فإن السيناريو الأكثر احتمالا وقد أصبح الملك عاريا هو كالآتي والله أعلم: مسألة وقت قصير قبل أن يأخذوه للسجن”.
وأضاف: “إبان المحاكمة سيحاول محاموه إثبات عدم المسؤولية مستندين على شهادات طبية تثبت مرضه العقلي”، مضيفا: “قد يقتنع القضاة فيبعثوه للرازي (مستشفى للأمراض العقلية، يوجد بمنوبة غربي مدينة تونس) وقد لا يقتنعوا فيقضي بقية عمره في السجن”.
ودعا المرزوقي إلى ضرورة “التسريع في إنهاء هذا الفاصل المضحك المبكي من تاريخنا فالدولة تتفكك والاقتصاد ينهار وتونس تغرق ولم يعد هناك مجال لمواصلة هذه التراجيديا الكوميدية”.
وقال إن “الجيش والأمن مطلبان برفع الحماية عن المنقلب لأنهما في خدمة الوطن لا في خدمة رئيس غير شرعي غير سوي غير كفء بصدد تهديم الدولة ورمي التونسيين في أعناق بعضهم البعض”.
وختم المرزوقي تدوينته بدعوة من سماه “الشعب الحقيقي” إلى “الخروج للشارع طوال الشهرين المقبلين للتعجيل بأمر محتوم”، مطالبا النخب السياسية “بالتنسيق ونبذ الخلافات والمطامع الشخصية وإعداد البديل”.
ويواجه الرئيس ضغوطا من الداخل ومن قبل شركاء تونس في الخارج من أجل إطلاق حوار وطني يشمل الأحزاب والمنظمات والنقابات للتوافق حول الإصلاحات السياسية والدستورية والاقتصادية.
ويرفض سعيد الجلوس مع خصومه ممن كانوا في الحكم طيلة العقد الأخير منذ بدء الانتقال السياسي في البلاد عام 2011 بدعوى تورطهم في إشاعة الفقر والفساد والانهيار الاقتصادي.
وقال عبد المجيد بلعيد شقيق السياسي الراحل شكري بلعيد، الذي يشارك في الوقفة كداعم للرئيس سعيد :”الوقفة لدعم الرئيس حتى يتخذ خطوات إلى الأمام.. وهي تمثل رسالة للداخل وللعملاء ومن يتشدقون بحماية الحرية.. ورسالة إلى الخارج بأننا نرفض التدخل الأجنبي ونحن قادرون على تسيير بلدنا”.
وكان سعيد قد عرض خارطة طريق سياسية شملت استشارة وطنية إلكترونيا واستفتاء شعبيا مقررا في 25 تموز/يوليو المقبل وانتخابات برلمانية نهاية العام الجاري، وكثيرا ما يردد سعيد في خطابه “لا رجوع إلى الوراء”. وترفض المعارضة خارطة سعيد وتتهمه بالانقلاب على الدستور.
المصدر/ الوقت