السعودية.. الجحيم المخفي لطالبي اللجوء والمهاجرين
سلط تقرير اخباري جديد الضوء على الوضع غير المواتي للمهاجرين والعمال في المملكة العربية السعودية. وفي هذا الصدد، كشفت جريدة “ميدل ايست 2” في تقرير ميداني أن المسؤولين السعوديين يتسترون عن انتهاكات تقع في مراكز المهاجرين، وفي الوقت نفسه قال المهاجرون الإثيوبيون إنهم تعرضوا للضرب على أيدي عملاء في المملكة العربية السعودية، وأنه تم تعذيبهم وابتزازهم في المملكة العربية السعودية وأنه تم وضعهم في غرف غير صحية ومزدحمة. ووفقًا للتقرير، يقوم المسؤولون السعوديون بإلقاء القبض على آلاف المهاجرين الأفارقة واليمنية ويقوم بتعريض اولئك المهاجرين لسوء المعاملة ووضعهم في مراكز احتجاز غير مناسبة وغير صحية.
وحسب ما أفاد مهاجرون إثيوبيون ينتظرون ترحيلهم من السعودية، فقد صادر المفتشون هواتفهم وأي جهاز يمكن استخدامه لنقل صور تعذيبهم إلى العالم الخارجي. وقالت المصادر إن الحملة كانت محاولة لمنع تسرب المعلومات إلى العالم الخارجي، وخاصة خلال شهر رمضان، الأمر الذي من شأنه أن يشكل تهديدا بالانتقاد والغضب ضد المسؤولين السعوديين خلال شهر رمضان بين الدول الإسلامية. بل يقال إن الشرطة السعودية تجبر المهاجرين على توقيع اتفاقيات قبل طردهم، ما يمنعهم من التحدث إلى الصحفيين عن تجاربهم السابقة في السعودية.
صمت الحكومات الموالية للرياض
يبدو أن المهاجرين الذين يصلون إلى المملكة العربية السعودية هم أساسًا من البلدان الضعيفة والصغيرة في منطقة شمال إفريقيا، وينتمي العديد من هؤلاء المهاجرين أيضًا إلى إثيوبيا. ومع ذلك، تجد هذه الدول نفسها معتمدة اقتصاديًا وسياسيًا على المملكة العربية السعودية لدرجة أنها لا تتفاعل بشكل حاسم مع انتهاكات حقوق الإنسان السعودية. وحتى الحكومة الإثيوبية اضطرت إلى دعوة السعودية لرعاية المهاجرين بعد ضغوط عامة ومطالب شعبية متكررة، ووقعت الحكومة الإثيوبية اتفاقية مع الرياض لإعادة المهاجرين، لكن موجة المهاجرين من شمال إفريقيا إلى السعودية لا تزال مستمرة ولا يزال الجيش السعودي مستمراً أيضا في انتهاكاته.
في الوقت نفسه، ورد أن السلطات السعودية تواصل تنفيذ اعتقالات واسعة النطاق، وفي مارس / آذار وحده، تم اعتقال 15000 لاجئ، جميعهم تقريبًا من الإثيوبيين واليمنيين. وقال متحدث باسم مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: “إضافة إلى الإصابات والأمراض الخطيرة الناشئة من السفر الطويل والخطير، فقد لوحظت وجود أمراض معدية مثل السل والأمراض الجلدية بين المهاجرين المحتجزين، ومن الممكن أن يقضوا فترات طويلة في مرافق مزدحمة وغير صحية وهذا الامر سوف يتسبب في انتشار هذه الأمراض”.
وحول هذا السياق، قال “علي”، وهو مهاجر كان محتجزاً في مركز الشامسي للاجئين في المملكة العربية السعودية: “لقد تركنا هنا لنتعفن. ومنذ أن أحضروني إلى هنا، رأيت دبلوماسيين من تشاد وغانا والصومال يأتون للاستفسار عن مواطنيهم. ولم يقم أحد من السفارة الإثيوبية بزيارتنا، على الرغم من أن الإثيوبيين يشكلون الأغلبية هنا، وبينما كان ضرب المهاجرين وسوء الصرف الصحي أمرًا شائعًا منذ فترة طويلة، فقد بدأت سلطات السجن في ابتزاز وأخذ الأموال من عائلات السجناء في الأشهر الأخيرة”. ويُقدر أن العديد من المهاجرين المحتجزين، بمن فيهم عشرات الآلاف، يسافرون عبر ممرات المهاجرين الخطيرة للغاية من شرق إفريقيا، إلى البحر الأحمر ثم إلى اليمن ومنها إلى المملكة العربية السعودية كل عام. ومع ذلك، فقد عاش بعضهم وعملوا في البلاد بشكل قانوني لسنوات قبل القبض عليهم.
المصير المجهول ينتظر آلاف المقيمين والمولودين في السعودية
في الوقت نفسه، لا يقتصر عدم الراحة وحالة الاحتجاز على المهاجرين الذين سافروا مؤخرًا إلى المملكة العربية السعودية، ولكن هناك بعض المعتقلين عاشوا في المملكة العربية السعودية لسنوات عديدة ولسبب ما غير قادرين الآن على تجديد وثائق عملهم، لذا فإن الشرطة السعودية تقوم باعتقالهم. وعلى سبيل المثال، قد يفقد أولئك الذين اعتادوا العمل بشكل قانوني في المملكة العربية السعودية وظائفهم الآن بسبب إفلاس أو إغلاق بعض الشركات، وفي هذه الحالة لن يتمكنوا من تجديد وثائق الهجرة الخاصة بهم. وتتغير عقود الحياة القانونية في المملكة العربية السعودية فجأة ولهذا لا يتمكن الكثير من المهاجرين من تجديد وثائق الهجرة الخاصة بهم وتبعا لذلك يتم القبض عليهم من قبل الشرطة السعودية.
كما أن بعض المعتقلين الآخرين هم في الواقع مِن من ولدوا في السعودية لأبوين هاجروا في الماضي إلى السعودية، لكنهم الآن يعيشون في أوضاع سيئة بسبب القوانين السعودية وليس لديهم وثائق هوية، وحكومة الرياض تعاملهم مثل المهاجرين غير الشرعيين. وعليه فإن وضع المهاجرين في السعودية، حتى مِن من ولدوا في هذا البلد، سيء للغاية. على الرغم من محنة المهاجرين وطالبي اللجوء ، لا يبدو أن الدول الغربية والمدافعين عن حقوق الإنسان في الغرب مهتمون بدخول هذا الوضع غير المواتي في المملكة العربية السعودية. ربما بالنسبة للغرب ، فإن الأولوية الرئيسية الآن هي الحفاظ على شراكة سياسية واقتصادية مع المملكة العربية السعودية بدلاً من معالجة حقوق الإنسان.
وتتعرض العمالة الأجنبية في السعودية لعمليات تصفية واسعة وكأنها المذبحة، فهناك تسريحات واسعة للعمالة الوافدة، وخفض في الرواتب، وامتدت يد التسريح والخفض إلى العمالة المحلية نفسها والتي باتت مهددة كالوافدة في السعودية. والأخطر من ذلك هو أن السعودية أعطت الضوء الأخضر للقطاع الخاص للقيام بعمليات تصفية واسعة للعمالة، وخفض كبير في الرواتب دون مراعاة الظروف الاجتماعية والمعيشية لملايين الأسر التي تعتمد على تحويلات ذويها العاملين هناك، ودون مراعاة أيضا للظروف الصعبة التي تمر بها سوق العمل في دول المنطقة والناتجة عن تلاشي فرص العمل وزيادة معدلات البطالة بسبب تفشي وباء كورونا وما أحدثه من خسائر فادحة. وكذلك أصدرت السلطات السعودية قراراً يتيح خفض رواتب العاملين في القطاع الخاص بنسبة تصل إلى 40% مع إمكانية إنهاء عقود العمل بحجة مواجهة التبعات الاقتصادية للفيروس. وصاحب الخطوة استغناء الشركات الكبرى عن مئات الآلاف من العمال، بل دخول الإعلام السعودي على الخط محرضاً السلطات على العمال الوافدين، ومطالباً بسرعة الاستغناء عنهم تحت مزاعم أن سيطرة هؤلاء على الاقتصاد أصبحت خطراً حقيقياً على الأمن الوطني وليس فقط على الجانب الاقتصادي.
الجدير بالذكر أنه تنشط في مواقع التواصل الاجتماعي هذه الايام العديد من الحملات التي تعادي الأجانب وتطالب بطردهم من السعودية باعتبارهم تهديدا للأمن القومي، وتحملهم مسؤولية تفشي البطالة في البلاد وتتهمهم بتشويه صورة البلاد. وعلى الرغم من أن هذه الحملات التي تحظى بتأييد آلاف الأشخاص من السعوديين، إلا أنها لا تحظى باهتمام السلطات السياسية ووسائل الإعلام ونادرا ما يتطرق لها الكتاب والصحفيون في السعودية. فوسم “السعودية للسعوديين” الذي لا يختلف كثيرا عن الشعارات العنصرية التي يرفعها المتشددون في الغرب، حافل بالتغريدات المعادية للأجانب والتي تروج لكراهيتهم وتبرر التمييز ضدهم بدون استثناء حتى لأبناء المواطنات السعوديات والمواليد وأبناء القبائل الذين لا يختلفون من ناحية الثقافة والعادات والتقاليد عن المواطنين. وحسب الحساب الخاص بالحملة على موقع تويتر فإن جماعة “السعودية للسعوديين” يطمحون إلى أن تكون السعودية “خالية من الوافدين” ويهدفون إلى إنهاء “احتلال” الأجانب للوظائف المهمة كما يتهمون الأجانب بتدمير السعودية.
وإضافة إلى الحملات التي تستهدف الأجانب بخطاب عنصري بغيض، هناك حملات تستهدف السعوديين الذين ينحدرون من أصول آسيوية أو إفريقية ويتركز وجودهم في منطقة الحجاز. فوسم “هوية الحجاز” على سبيل المثال، يقلل من شأن العادات والتقاليد لأهالي الحجاز كبعض الأزياء التي يرتديها الحجازيون ورقصة المزمار وانتماء البعض للطرق الصوفية ويشكك في وطنيتهم بدعوى أنهم وافدون ولا ينتمون إلى قبائل المنطقة. وبمتابعة الوسم على موقع تويتر يلاحظ أن هناك إصرارا من قبل أبناء القبائل الحجازية على أنهم الممثل الوحيد للتراث الحجازي وأن المكونات الحجازية الأخرى دخيلة ولا علاقة لها بتاريخ المنطقة ولا تراثها بطريقة استعلائية وتقليل من شأن الآخرين بأسلوب عنصري.
المصدر/ الوقت