التحديث الاخير بتاريخ|الثلاثاء, نوفمبر 19, 2024

المساعي السعودية تفشل في إقناع الطائفة السنية بخوض الانتخابات اللبنانية 

تشير الدلائل إلى أن رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري لا ينوي اتباع أوامر المملكة العربية السعودية بدعوة الطائفة السنية إلى المشاركة في الانتخابات النيابية اللبنانية ولا يزال ملتزماً بمقاطعة الانتخابات. كما أن العملية الهجومية التي نفذتها الصحافة السعودية ضده لم تنجح، وأعلنت دوائر مقربة من الحريري أنه لن يأتي إلى لبنان قبل 15 مايو من موعد الانتخابات النيابية. كما تظهر نتائج استطلاعات الرأي بين السنة أن جهود السفير السعودي في بيروت وليد البخاري لإقناع السنة للذهاب إلى صناديق الاقتراع باءت بالفشل. ومن جهة أخرى، اشتكى رئيس الوزراء اللبناني الأسبق فؤاد السنيورة، الذي حصل على تمويل حملته الانتخابية من السعودية ويحظى بدعم كامل من هذا البلد في أوساط المكون السني، من سوء أوضاع المرشحين على قائمته في الدائرة الثانية ببيروت.

وتظهر استطلاعات الرأي في الأيام التي سبقت الانتخابات النيابية أن الاستثمار السعودي وتشكيل الائتلافات والاتفاقيات بين الموالين للسعودية في لبنان لم تتمكن من جلب المكون السني إلى صندوق الاقتراع، وأن المرشحين في هذا المكون ليسوا في مكانة جيدة في الانتخابات. وهذه الظروف جعلت فؤاد السنيورة والسعودية يشعران بخطر حقيقي، ولهذا السبب استدعى السنيورة، “أحمد هاشمية” رئيس جمعية بيروت للتنمية الاجتماعية. وحول هذا السياق، أفادت جريدة “الأخبار” بأن أحد حراس السفارة السعودية في بيروت كان حاضراً أثناء لقاء فؤاد السنيورة وأحمد هاشمية بزي مدني، وأفاد بأن السينورة هدد سراً أحمد هاشمية لدعوة أهل السنة للمشاركة في الانتخابات، لكن الهاشمية رد بأن المهمة كانت من مسؤولية الحريري.

وقالت مصادر مقربة من سعد الحريري لـ “الأخبار” إن الحريري لن يأتي إلى لبنان قبل الانتخابات ولن يلقي أي خطابات، لكن مصادر في تيار المستقبل، كشفت أنه رغم قرار الحريري بتعليق نشاطاته السياسية والانتخابية الشخصية، وكذلك تيار المستقبل، إلا أن بعض أقاربه بدأوا سراً بدعم بعض القوائم الانتخابية. وحسب أحد قادة تيار المستقبل، فقد دعا البعض في التيار منسقي الانتخابات، وخاصة في شمال لبنان ، إلى دعم قوائم معينة. وعلى سبيل المثال، طلب أحمد الحريري، من كبار أعضاء تيار المستقبل التنسيق في منطقة الجبل اللبنانية لإطلاق حملة انتخابية لمصلحة قائمة محددة، لكن لا يوجد دعم جاد للمرشحين السنة ما لم يكن هناك أمر مباشر من سعد الحريري.

وفي انتخابات 2018، شارك في الانتخابات نحو 49٪ من اللبنانيين السنة وكان لهم 27 نائباً، 15 منهم ينتمون إلى حزب المستقبل. لكن هذه الطائفة سوف تقاطع الانتخابات الحالية وهذا الامر سيكون له اثر كبير على مستوى تمثيل السنة في البرلمان المقبل. لهذا السبب قررت السفارة السعودية التدخل علنا ​​في الانتخابات اللبنانية، بعد أن أدركت أنها لا تستطيع التأثير على موقف السنة للمشاركة في الانتخابات بشخصيات مثل السنيورة وسمير جعجع، ولهذا فقد بعثت برسالة إلى سعد الحريري لتشجيع السنة على المشاركة في الانتخابات وتغيير مواقفهم السابقة.

وكان السفير السعودي قد بعث خلال الأيام الماضية برسائل إلى سعد الحريري عبر أصدقائه يحثه فيها على الدعوة إلى مشاركة سنية كبيرة في الانتخابات النيابية، لكن الحريري لم يستجب بعد لهذا الطلب ولا يبدو أنه ينوي التراجع والقبول بهذه الدعوة. وبما أن التصويت السني اللبناني يمكن أن يؤثر على مصير المرشحين في مختلف الدوائر وخاصة بيروت، فمن المرجح أن القوائم المدعومة من قبل فؤاد السنيورة لن تتمكن من تحقيق النتيجة المرجوة في الانتخابات ولهذا يمكن القول إن موقف المكون السني سوف يصبح في خطر في البرلمان المقبل.

وتشير الدوائر المطلعة على عمل النظام الانتخابي اللبناني إلى أنه حسب استطلاعات الرأي، لن تتجاوز أصوات السنة في الانتخابات ما بين 8000 و 10000 صوت. وحتى أولئك الذين يديرون الآن حملات انتخابية سنية مدفوعين بالمال، لا يعتبرون أنفسهم مضطرين للتصويت. ومن جهة أخرى أفادت مصادر مطلعة بأن سفير المملكة العربية السعودية في بيروت وليد البخاري اطلع على هذا الجو الانتخابي السني اللبناني من قبل شخصيات مقربة من السعودية. وهؤلاء بدورهم أبلغوا البخاري أن سعد الحريري قد يلقي خطابا عاما في اليوم السابق للانتخابات يحث فيه أنصاره على مقاطعة الانتخابات. لكن البخاري رد بالقول إن الحريري سواء فعل ذلك أم لم يفعل فهو خاسر.

ولقد صرحت شخصيات مقربة من الرياض في لبنان أن استياء السعودية من الحريري سيزداد إذا دعا إلى مقاطعة الانتخابات مرة أخرى. ومن ناحية أخرى، أفادت مصادر مطلعة بأنه بعد أيام قليلة من لقاء الشخصيات اللبنانية مع السفير السعودي، كرر البخاري تصريحاته بشكل أوضح وأعلن أن السعودية قد تطلب من الإمارات إبلاغ الحريري قبل الانتخابات بضرورة مشاركته. ولهذا فقد انتشر أنصاره في الانتخابات ولكن المضحك أن أنصار سعد الحريري مزقوا صور المرشحين السنة في بيروت بعد أيام قليلة من تصريحات وليد البخاري.

لقد لجأت المملكة العربية السعودية الى رفع سقف خطابها الاعلامي ضد الحريري، بعدما لمست ان مفتاح النجاح في الانتخابات النيابية عند السنة في جيب “الشيخ سعد”. وعرف السفير السعودي في لبنان وليد البخاري الواقع الانتخابي السني، وسط التوجه الى مقاطعة واسعة تضامناً مع الحريري. رغم كل الاشارات السعودية، يتصلب الناخبون السنة رفضاً لاختيار لوائح تضم مرشحي حزب القوات، ايضاً لشعورهم ان رئيس القوات سمير جعجع “طعن الحريري سياسياً”. لم تستطع الرياض اقناع السنة بغير ذلك. ثمة حقيقة واضحة يجب على السعودية ان تعترف بها، وهي ان مسار الانتخابات النيابية عند السنة رهن موقف الحريري، فإذا استمر صمته ستنخفض نسبة الاقتراع، واذا ادلى بموقفه جذب الناخبين الى قراره.

ويعتبر المحلل السياسي منير الربيع أن أزمة السنة في هذه المرحلة ليست أزمة اقتصادية ومعيشية ومالية فحسب، على الرغم من خطورة هذه الأزمات. لكن الأزمة الحقيقية تتجلى في الضياع السياسي، وفي انعدام القدرة على تكوين رأي سياسي، أو موقف قادر على استعادة تشكيل محور سياسي للمرحلة المقبلة. ويعتبر الربيع أن تجربة سعد الحريري تحتاج إلى مراجعة قاسية، منذ ما قبل تسوية 2016 وبعدها، وسوء إدارته لكل مقدرات الدولة العميقة وتسليمها للتيار الوطني الحر، بدءاً من التخلي عن تعيينات الدرجة الأولى والثانية مروراً بالموافقة على قانون الانتخابات الذي يتحمل المسؤولية المباشرة عن إقراره. فلو رفضه لما نجح الآخرون في تمريره، وبعد أن راجعته شخصيات كثيرة، قال لهم الحريري: “لا ينتظر مني أحد منكم أن أختلف مع ميشال عون، أو أن أقدم على ما يزعجه”.

ويعتبر الربيع أنه لا يمكن للسنة الركون إلى مثل هذه الحملات التي يقوم بها بعض “الطفوليين” في تيار الحريري، والذين يحصرون معركة سياسية بجوانب شخصية أو مصلحية. وعلى من يقول إن المعركة الانتخابية لن تؤدي إلى تغيير كبير، ويمكن الرد بأن هناك فرصة حقيقية لحرمان حزب الله من حصوله على الأكثرية النيابية. وهذا يرتبط بمدى مشاركة السنة الكثيفة في التصويت. والأهم أن لبنان مقبل على توازنات جديدة. وهناك أهمية قصوى لعدد المقاعد النيابية من حلفاء حزب الله ومعارضيه، ليس في سبيل تغيير سريع، بل لحجز المقاعد الأساسية لحين اقتراب موعد أي تسوية سياسية. فحزب الله يخوض هذه المعركة الانتخابية وجودياً، ليقول للجميع إنه نجح في فوزه على السنة والدروز والمسيحيين، وإنه بعد كل ما جرى لا يزال يتمتع بأكثرية تمنحه الشرعية.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق