النكبة ومراحل ترحيل الفلسطينيين قسراً واشتداد عود المقاومة
أحيا عشرات الآلاف من الفلسطينين، يوم أمس الأحد، الذكرى الـ74 للنكبة في مهرجان مركزي حاشد، نظم وسط مدينة رام الله.
وأحيت محافظة قلقيلية، ذكرى النكبة الـ74، بوقفة صمت حداداً على أرواح الشهداء، كذلك نظمت فعاليات أريحا وقفة لمناسبة الذكرى الـ74 للنكبة، بمشاركة رجال دين وممثلين عن القوى الوطنية.
وأكّد المشاركون أن كل إجراءات الاحتلال وممارساته لن تنال من عزيمة وصمود الشعب الفلسطيني.
وتنظم فعاليات النكبة لهذا العام تحت شعار “كفى 74 عاماً من الظلم والكيل بمكيالين”، الذي يجسد الظلم المزدوج للشعب الفلسطيني الذي يشكّله الاحتلال الإسرائيلي في جرائمه والمجتمع الدولي بعجزه عن تنفيذ قراراته.
وتم تنظيم معرض صور بمشاركة 120 رساماً فلسطينياً لرسم صورة العودة، إضافة إلى فعاليات ووقفات ومسيرات ستنظم على مداخل المخيمات الفلسطينية في لبنان، وفي مخيمات الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، بالإضافة إلى وقفات ستنظمها الجاليات الفلسطينية بالتنسيق مع سفارات دولة فلسطين.
كما انطلقت حملة إلكترونية في 13 من الشهر الجاري وتستمر حتى تاريخ 17/5، لإرسال رسالة يشرح من خلالها للعالم استمرار النكبة والحق المقدس في العودة.
والنكبة مصطلح يرمز إلى التهجير القسري الجماعي عام 1948 لأكثر من 750 ألف فلسطيني من بيوتهم وأراضيهم.
وقبل 74 عاما من الآن، نجحت الحركة الصهيونية -بدعم من بريطانيا– في السيطرة بقوة السلاح على القسم الأكبر من فلسطين وإعلان قيام إسرائيل.
تختزل الذكرى مراحل من التهجير اقتلعت الفلسطينيين من 20 مدينة ونحو 400 قرية غدت أملاكها ومزارعها جزءا من دولة الاحتلال. تعيد النكبة ذكرى 10 آلاف فلسطيني على الأقل لقوا مصرعهم في سلسلة مجازر وعمليات قتل ما زال معظمها مجهولا، فيما أصيب 3 أضعاف هذا الرقم بجروح.
لم تبدأ النكبة الفلسطينية عام 1948، وإنما قبل ذلك بكثير، ففي عام 1799 خلال الحملة الفرنسية على العالم العربي نشر نابليون بونابرت بيانا يدعو فيه إلى إنشاء وطن لليهود على أرض فلسطين تحت حماية فرنسية بهدف تعزيز الوجود الفرنسي في المنطقة.
لم تنجح خطة نابليون في ذلك الوقت إلا أنها لم تمت أيضا، حيث أعاد البريطانيون إحياء هذه الخطة في أواخر القرن الـ19، وتجسد ذلك بداية من 1897 حين دعا المؤتمر الصهيوني إلى إنشاء وطن للشعب اليهودي في فلسطين.
بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918) وقيام الانتداب البريطاني في فلسطين بدأت قوى الاستعمار البريطانية بتنفيذ مخططها لبناء دولة صهيونية على أرض فلسطين.
عام 1917 أعلن وعد بلفور الدعم البريطاني لإنشاء “وطن قومي للشعب اليهودي” في فلسطين، وجاء الوعد في رسالة كتبها وزير خارجية بريطانيا السابق آرثر بلفور إلى البارون روتشيلد -وهو أحد زعماء الجالية اليهودية في بريطانيا- لإحالته إلى الاتحاد الصهيوني في بريطانيا العظمى وأيرلندا.
توالى توافد الصهاينة إلى فلسطين بدعم من البريطانيين، كما اشترى اليهود عددا من الأراضي الفلسطينية لبناء مستوطنات صهيونية عليها، مما أدى إلى تهجير عشرات آلاف الفلسطينيين من بيوتهم، وكل هذا تم بدعم كامل من البريطانيين.
لم يستسلم الفلسطينيون أمام هذه التحركات، وأدت جهود المقاومة في 1936 إلى قيام ثورة عربية ضد الإمبريالية البريطانية والاستعمار الاستيطاني الصهيوني.
وعام 1939 سحق البريطانيون الثورة العربية، ووجد الفلسطينيون أنفسهم في مواجهة عدوين؛ قوات الاستعمار البريطاني والعصابات المسلحة الصهيونية التي تزايدت أعدادها لتصل إلى 40 ألف شخص في ذلك الوقت.
في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947 أقرت الأمم المتحدة خطة لتقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية. شكل اليهود في فلسطين وقتها ثلث السكان، أغلبيتهم قدموا من أوروبا خلال السنوات القليلة التي سبقت هذا التاريخ.
كان اليهود يسيطرون على مساحة تصل إلى أقل من 6% فقط من دولة فلسطين التاريخية، إلا أن الخطة المقترحة من قبل الأمم المتحدة خصصت لهم 55% من المساحة.
رفض الفلسطينيون وحلفاؤهم العرب الخطة المقترحة، بينما وافقت عليها الحركة الصهيونية، خاصة أنها أضفت صفة الشرعية على فكرة بناء دولة يهودية على أرض فلسطين العربية إلا أنها لم توافق على الحدود المقترحة، ولذلك أطلق الصهاينة حملات مكثفة للاستيلاء على المزيد من أراضي فلسطين التاريخية.
وعام 1948 سيطر الصهاينة على عشرات المدن والقرى الفلسطينية وطردوا سكانها الفلسطينيين من بيوتهم بالقوة، وذلك تحت أعين سلطات الانتداب البريطاني.
وفي 14 مايو/أيار 1948 قرر البريطانيون إنهاء فترة انتدابهم لفلسطين، وفي اليوم نفسه -الذي انسحبت فيه قوات الانتداب البريطاني رسميا من فلسطين- أعلن رئيس الوكالة الصهيونية ديفيد بن غوريون إقامة دولة إسرائيل. وخلال دقائق قليلة اعترفت أكبر قوتين من قوى العالم -وهما الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي– بإسرائيل، وأصبح الفلسطينيون بلا دولة.
توالت بعد ذلك خطط الصهاينة لتطهير أرض فلسطين من سكانها، وبذلوا قصارى جهدهم لمسح التراث والثقافة الفلسطينية من الوجود، وأفرز هذا الوضع معاناة ممتدة لملايين اللاجئين الفلسطينيين.
يصف مركز المعلومات الوطني الفلسطيني (حكومي) النكبة بأنها “شكلت أكبر عملية تطهير عرقي شهدها القرن العشرين”، ويوثق على موقعه الإلكتروني أبرز المعطيات المتعلقة بها.
وفق المركز فإن “النكبة شردت قسرا وبالقوة” نحو 800 ألف فلسطيني، من أصل نحو مليون و400 ألف، إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة.
في “النكبة” أقيمت إسرائيل على أكثر من 85 بالمئة من مساحة فلسطين التاريخية البالغة قرابة 27 ألف كيلومتر مربع، وجرى تدمير 531 من أصل 774 قرية ومدينة فلسطينية.
نفذت العصابات الصهيونية أكثر من 70 مجزرة بحق الفلسطينيين، ليقدر عدد ضحاياها من الفلسطينيين بنحو 15 ألفا، وقرابة 3500 ألف عربي، إضافة إلى تشريد قرابة 200 ألف فلسطيني. في حينه تعرض قرابة 4700 فلسطيني للاعتقال، يضاف إليهم نحو 500 أسير عربي.
رغم التدمير والقتل والتشريد، بقي نحو 150 ألف فلسطيني فقط في المدن والقرى العربية داخل إسرائيل، ارتفع عددهم ليصل نحو مليون و700 ألف حتى نهاية 2021، وفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
خلال النكبة وفي الصراع المستمر منذ عام 1948 فقد ما يزيد عن مائة ألف فلسطيني حياتهم، بينهم 11 ألفا و358 منذ انطلاق انتفاضة الأقصى (سبتمبر 2000) وحتى 30 أبريل/نيسان 2022.
وفق المعطيات، فإن عدد الأسرى في سجون اسرائيل يقدر اليوم بنحو 4,450، من بين قرابة مليون حالة اعتقال منذ عام 1967.
وفق الإحصاء بلغ عدد الفلسطينيين في أنحاء العالم 14 مليونا نهاية 2021، وهو ما يعني تضاعف عدد الفلسطينيين نحو 10 مرات منذ 1948.
يتوزع الفلسطينيون كالتالي: 3 ملايين و200 ألف في الضفة الغربية، منهم 477 ألفا منهم في القدس الشرقية.
كما يوجد مليونان و100 ألف في قطاع غزة، فيما يتواجد العدد المتبقي في الشتات (خارج فلسطين التاريخية).
يشكل الفلسطينيون اليوم نحو 49.9 بالمئة من السكان المقيمين في فلسطين التاريخية، فيما يشكل اليهود ما نسبته 50.1 بالمئة، لكنهم يستغلون أكثر من85 بالمئة من المساحة الكلية لفلسطين التاريخية، وفق الإحصاء.
لم يكن مسيحيو فلسطين بمنأى عن النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني عام 1948، فقد تعرضوا للتشريد والتهجير والملاحقة أسوة بالمسلمين.
وفق أمين عام الهيئة الإسلامية المسيحية حنا عيسى، فإن من بين الفلسطينيين الذين تعرضوا للتهجير وعاشوا تجربة اللجوء -قبل 65 عاما- ما بين 40 و50 ألفا من المسيحيين العرب، الذين كانوا يشكلون أكثر من ثلث السكان المسيحيين في فلسطين عام 1948.
وقال عيسى في بيان إن عدد السكان المسيحيين كان يتجاوز 30 ألف مسيحي في القدس عام 1944، ثم تراجع عددهم تدريجيا ليصبح اليوم أقل من 5 آلاف نسمة.
في عام 1948 صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي جاء في المادة 13 منه أن لكل إنسان الحق في العودة إلى بلاده.
وأكدت على ذلك أيضا اتفاقية جنيف الرابعة وقرار الجمعية رقم “194 – د” الصادر في 11 ديسمبر/كانون الأول 1948 الفقرة رقم 11 والتي تنص على وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وعن كل مفقود أو مصاب بضرر، عندما يكون من الواجب، وفقا لمبادئ القانون الدولي والإنصاف، أن يعوض عن ذلك الفقدان أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة.
على مدار السنوات الماضية لا يزال الشعب الفلسطيني يحيي الذكرى، لتبقى في ذاكرة الأجيال المتعاقبة، حتى استعادة الحقوق كاملة، وتحرير الأرض من الاحتلال، وردا على قادة الاحتلال الذين يرفعون شعار “الكبار يموتون والصغار ينسون”.
ومن الفعاليات التي يحيي بها الشعب الفلسطيني؛ مسيرات العودة وكسر الحصار، التي انطلقت في مارس/آذار 2018، ولا تزال مستمرة إلى الآن، مطالبة بالعودة إلى الأرض المحتلة، وكسر الحصار المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من 12 عاماً.
أما جيل التحرير من أهل الضفة الغربية وغزة الصمود حَمَلَة راية التحرير، فقد أصبح واضحاً للعيان حجم ثقتهم وعزيمتهم الكبيرة وقدراتهم في حرب التحرير القادمة، وقد وثقت أحداث المسجد الأقصى مؤخراً العديد من الشواهد على ذلك.
غزة الصمود والبطولة والتي تمنَّى زوالها المقتولُ إسحاق رابين، رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، عام 1992، قائلاً: “أتمنى أن أستيقظ يوماً من النوم فأرى غزة وقد ابتلعها البحر”، فقد أصبحت رمزاً للصمود في العالم ومحور الاهتمام، من خلال صمودها أولاً ومن ثم قدراتها العسكرية التي تطورت وأصبحت تحمل راية التحرير بمعنى الكلمة.
هذا التجانس الفلسطيني الشعبي من الشمال إلى الجنوب مروراً بمدن الوسط، والشتات، رغم كل العوائق التي أحدثها الاحتلال داخل فلسطين وصعوبات التنقل، هو أبرز مكتسبات الأحداث الحالية التي تدور ذروتها الرئيسية بالقدس وتجسدت في جنازة شيرين، من حيث الإيمان الشعبي الفلسطيني بأنهم تعلَّموا من التجارب السابقة ولا ينتظرون كثيراً النصرة من غيرهم، ويعتمدون على أنفسهم في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
إن الاحتلال الإسرائيلي أصبح هشاً أكثر من أي وقت مضى، وحالة الرعب من جثة شيرين ورؤية علم فلسطين مُحلِّقاً بسماء القدس في جنازتها ليست سوى شاهد على ذلك، وقد فشلت قياداته بكل ما توفَّر لها من إمكانات، في تكوين مجتمع يهودي متجانس من قوميات متعددة، أغلبها تعاني من الفقر والاضطهاد وقد جاؤوا أغلبهم إلى فلسطين؛ من أجل البحث عن مكتسبات مادية وحياة أفضل، ليس ذلك فحسب، فقد قام الكيان على مبادئ الفصل العنصري بين اليهود أنفسهم حسب أصولهم الشرقية والغربية.
أتت ذكرى نكبة فلسطين في عامها الرابع والسبعين، والقضية الفلسطينية تأبى النسيان، فالشعب الفلسطيني اصبح اصلب عوداً وأجرأ على المطالبة والنضال من اي وقت مضى، ومع مرور كل يوم عليه في الشتات أو تحت الاحتلال، يؤكد ان لا مكان للاحتلال، والمقاومة التي تمتلك اليوم السلاح والعتاد اللازم المتطور ستدافع عن كافة المقدسات، وستقاوم حتى تحرير الوطن المحتل أسوة بما فعل الشهداء السابقون، ومع مرور الاعوام يزداد تشبث الفلسطيني بحقوقه التي لا تسقط بالتقادم رغم تكالب الظروف والمؤامرات المتعددة الجنسيات، وستثبت الايام ان من بين الاشياء التي يعتز بها الشعب الفلسطيني ذاكرته التي يكتنز فيها الكثير من الذكريات التي لا يغيبها الا الموت.
المصدر/ الوقت