استثناء شمال سوريا من حظر عقوبات “القيصر”.. الأهداف والخطط
عاش الوضع الاجتماعي والسياسي في سوريا في ظل أزمات متعددة في السنوات الأخيرة، خاصة منذ بداية عام 2022، لكن في غضون ذلك، تواصل الحكومة الأمريكية التخطيط بالاتجاه المعاكس لمنع التوصل إلى حل نهائي للأزمة. وفي أحدث عمل للبيت الأبيض ضد سوريا أعلنته نائبة وزيرة الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند في 11 مايو 2022، في اجتماع للتحالف الدولي ضد داعش في المغرب، حيث أعربت أن واشنطن وعدت بالسماح بالاستثمار في شمال شرق سوريا؛ أي المناطق التي تسيطر عليها بشكل أساسي الميليشيات الكردية التابعة للولايات المتحدة.
ويتابع البيت الأبيض الخطة حيث تفرض الحكومة الأمريكية موجة كبيرة من العقوبات على الحكومة والشعب السوريين منذ عام 2011 وحتى الان. ويتجلى أكبر مظهر للعقوبات الأمريكية في تمرير قانون “القيصر” الهادف إلى فرض عقوبات على الحكومة السورية وداعميها والذي تمت المصادقة عليه من قبل مجلس النواب الأمريكي في كانون الثاني 2019. ومع ذلك، يبدو الآن أن واشنطن تسعى إلى رفع جزء من خطة العقوبات المشددة المفروضة على الحكومة السورية منذ أن وقعها دونالد ترامب في عام 2019. وما الذي يثير التساؤل هنا، هو عما تنوي واشنطن فعله بخطة الإعفاء للاستثمار في شمال شرق سوريا أو المناطق الخاضعة للسيطرة الكردية؟ ولمعالجة هذه القضية المهمة، يبدو أولاً أنه من الضروري فحص تفاصيل هذه الخطة بطريقة شفافة.
تفاصيل الخطة وردود الفعل
وفقًا لنائب وزيرة الخارجية الأمريكية “فيكتوريا نولاند”، فإن الهدف من رفع العقوبات في الشمال الشرقي السوري هو للمساعدة في إعادة اعمار المناطق التي احتلها سابقًا إرهابيو داعش. وحسب مصادر أمريكية، فإن هذا الترخيص مخصص فقط للاستثمار في الزراعة وإعادة الإعمار ولا يغطي قطاع النفط. وعلى صعيد آخر، من المهم الإشارة إلى أن المخطط يغطي كلاً من الاستثمار في منطقة تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، ومنطقة تسيطر عليها الجماعات المدعومة من تركيا.
ولقد أثارت خطة الولايات المتحدة لفرض عقوبات على شمال شرق سوريا، كما هو متوقع، رد فعل قوي من دمشق. وفي هذا الصدد، نرى أن الخارجية السورية أصدرت بيانًا في 14 أيار 2022، جاء فيه أن “مساعدة الجماعات الإرهابية في شمال شرق وشمال غرب سوريا من قبل الولايات المتحدة والوسائل الغربية هو ما يؤدي إلى تدمير إمكانات واقتصاد سوريا ونهب ثرواتها من القطن والنفط والقمح والآثار”. وأكد البيان أن سوريا عازمة على دحر هذه المؤامرة الجديدة وكل القوى التي تقف وراءها.
إلى جانب حكومة دمشق، عارضت أنقرة الخطة الأمريكية، التي احتلت عسكريًا جزءًا كبيرًا من شمال سوريا بذريعة مواجهة التهديدات الأمنية التي يشكلها وجود حزب العمال الكردستاني وأنشطته في هذه المناطق. وفي هذا الصدد، شدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في خطاب ألقاه في 14 مايو 2022: “أنقرة لا تقبل قرار إعفاء المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في سوريا من العقوبات الأمريكية”. كما قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووشولو في مؤتمر صحفي مشترك مع أردوغان ونظيره الكونغولي كريستوف لوتندولا أبالا في اسطنبول بشأن إعفاء شمال شرق وغرب سوريا من العقوبات الاقتصادية الأمريكية المسماة “القيصر” وقال، “محاولة لإضفاء الشرعية على جماعة حزب العمال الكردستاني الإرهابية “.
أهداف الولايات المتحدة في منح استثناءات من العقوبات لشمال سوريا
فيما يتعلق بنوايا واشنطن وعرضها خطة لإعفاء المناطق الشمالية الشرقية والغربية من سوريا من العقوبات الاقتصادية المعروفة باسم “القيصر” ، يمكن ذكر عدة نقاط مهمة:
استخدام الأكراد السوريين كأداة لدفع سياسة الإضعاف التي تنتهجها دمشق: بالنظر إلى استراتيجية السياسة الخارجية للولايات المتحدة في سوريا في السنوات التي أعقبت عام 2011 وموقع الأكراد في السياسة الخارجية لواشنطن، من الواضح أن الأمريكيين ليس لديهم خطة استراتيجية طويلة المدى تجاه الأكراد في سوريا. وفي السنوات الأخيرة، دعمت واشنطن الأكراد السوريين، باستخدامهم كقوات مشاة تابعة للتحالف، حتى أنه تم اقتراح من قبل البيت الأبيض لتقسيم سوريا. لكن الآن، بعد سنوات قليلة من الأزمة، من الواضح أن واشنطن فشلت في دفع خطة تفكيك سوريا، وأن الهدف الوحيد المتبقي لواشنطن هو العمل على إضعاف سياسة دمشق المتنامية. في الوقت الحاضر، يمكن أيضًا قراءة خطة الولايات المتحدة بما يتماشى مع هذه السياسة.
الاستفادة من الفرص الاقتصادية في الأيام الأخيرة من الأزمة السورية: رغم أن واشنطن أشارت صراحةً إلى القطاعات الزراعية والعمرانية كهدف لها في خطتها لإعفاء المناطق الشمالية الشرقية والغربية من سوريا من عقوبات “القيصر”، إلا أن الواقع هو أن حكومة الولايات المتحدة كما في جميع السنوات السابقة تسعى للاستفادة من أي أزمة لصالح شركاتها في مختلف المجالات. في الواقع، وفقًا لمبدأ عقيدة الصدمة، تسعى واشنطن إلى تعظيم الاستغلال الاقتصادي لعائدات النفط للقوات الكردية السورية. ومن ناحية أخرى، بالنظر إلى أن تركيا منعت تصدير النفط إلى المناطق الشمالية الشرقية من سوريا، يبدو أن الأمريكيين يبحثون عن فرصة للاستفادة من هذه الفرصة الاقتصادية القائمة بذريعة الاستثمار في القطاع الزراعي.
اللعب بالبطاقة الكردية في مشهد المعادلات السياسية في منطقة غرب آسيا: استخدمت الولايات المتحدة البطاقة الكردية في أوقات مختلفة لتنفيذ سياساتها في منطقة غرب آسيا. وفي غضون ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الأكراد لم يكونوا أبدًا حليفًا استراتيجيًا لواشنطن، لكن معظمهم لعب دور ورقة الدفع التي تضمن أهدافهم في منطقة غرب آسيا. عاجلاً أم آجلاً، يبدو أن تاريخ الخيانة الأمريكية وإدارتها للأكراد سيتكرر في مناطق شمال سوريا. وفي الوضع الجديد، يبدو أن هذه الجهات الفاعلة ستفشل في الساحة، كما في جميع السنوات السابقة. ويبدو أن الوعد بالاستثمار وتوسيع التعاون الاقتصادي في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في سوريا في الوقت الحالي، يتماشى بشكل أكبر مع الضغط التركي والتودد الامريكي.
وتحتوي المنطقة الواقعة في شمال شرق سوريا، المتاخمة لتركيا والعراق، على بعض احتياطيات النفط المحدودة في البلاد والأراضي الزراعية، وتطل على أحد جانبي نهر الفرات. ومع ذلك، قال دبلوماسي ناقش القضية باستفاضة مع المسؤولين الأمريكيين إن الترخيص سينطبق على الزراعة وأعمال إعادة الإعمار، وليس على النفط. كما تسيطر قوات المعارضة السورية المدعومة من تركيا على منطقة مجاورة في شمال سوريا تم الاستيلاء عليها من تنظيم الدولة الإسلامية. وقال الدبلوماسي إن أنقرة تعتبر قوات سوريا الديمقراطية جماعة إرهابية لكنها لن تعارض الترخيص لأنه يغطي الاستثمار في كل من المنطقة التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية والمنطقة التي تسيطر عليها الجماعات التي تدعمها. وفرضت الولايات المتحدة عقوبات صارمة على سوريا بسبب الحرب الأهلية التي اندلعت عام 2011 لكنها خصصت أموالا لأنشطة “تحقيق الاستقرار” في المناطق التي انتزعها حلفاؤها من تنظيم الدولة الإسلامية. وزعمت وزيرة الخارجية الامريكية إن الولايات المتحدة أنفقت العام الماضي 45 مليون دولار في تلك المناطق، وأبلغت أعضاء التحالف بأن واشنطن تريد جمع 350 مليون دولار لأنشطة تحقيق الاستقرار في شمال شرق سوريا هذا العام.
المصدر/ الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق