ممر إيران هو الحلقة المفقودة بين الصين وأوروبا
في أعقاب العقوبات الغربية ضد روسيا، يبحث الصينيون عن أكثر الطرق فعالية من حيث التكلفة لنقل بضائعهم إلى أوروبا، ويمكن أن يلعب الممر البري الإيراني باعتباره طريقًا سريعًا يربط بين الشرق والغرب دورًا مهمًا. وفي أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، أغلقت دول أوروبا الشرقية حدودها في وجه الروس، تاركه البضائع العابرة الصينية، التي كانت تُنقل سابقًا إلى أوروبا من الشمال، في وضع صعب، ولم يتمكن الصينيون من عبور الطريق. وتحقيقًا لهذه الغاية، وضع الصينيون طرقًا بديلة على جدول الأعمال حتى لا يعطلوا عملية تصدير بضائعهم إلى أوروبا، والآن أصبح للطريق من آسيا الوسطى إلى تركيا نصيب كبير.
إن خط سكة حديد “قارص” بين أذربيجان وجورجيا وتركيا، والذي تم بناؤه في السنوات الأخيرة، ينقل البضائع عن طريق بحر قزوين ثم بالسكك الحديدية إلى تركيا ثم إلى أوروبا. ولهذا فقد قام الصينيون، الذين يتاجرون بمئات المليارات من الدولارات سنويًا مع أوروبا، بإيجاد مكانًا خاصًا لهم بين الدول التي يمكن أن تتحمل مسؤولية نقل هذه البضائع إلى معظم الدول الأوروبية. وتبلغ سعة الحاويات في ممر السكك الحديدية الشمالي، الذي يمر عبر روسيا، حوالي 1.5 مليون حاوية سنويًا، في حين أن القدرة السنوية الحالية لنقل الحاويات على خطوط السكك الحديدية من الصين وكازاخستان وبحر قزوين وأذربيجان وجورجيا وتركيا إلى أوروبا هي يقدر بحد أقصى 100 ألف حاوية. لذلك، يحاول الصينيون تعزيز نقل البضائع إلى أوروبا في أسرع وقت ممكن من خلال تعزيز هذه الطرق الاستراتيجية.
دور إيران في ربط الصين بأوروبا
على الرغم من أن الصينيين ينقلون حاليًا بعض بضائعهم إلى أوروبا عبر بحر قزوين وتركيا، يمكن لإيران أيضًا أن تكون مفيدة للصينيين، نظرًا لقدراتها في النقل بالسكك الحديدية. وبحسب الإحصاءات، بلغت كمية البضائع العابرة من إيران العام الماضي نحو 11 مليون طن، كما أن الطرق البرية الإيرانية لديها القدرة على نقل 20 مليون طن من البضائع سنويًا. ويمكن أن يكون ممر “شمال – جنوب” الإيراني، الذي لعب دورًا مهمًا في علاقات العبور بين إيران وآسيا الوسطى في السنوات الأخيرة، أكثر نشاطًا في الفترة الحالية، ويمكن للصين نقل البضائع إلى إيران عبر آسيا الوسطى ثم التدفق إلى أوروبا. ونظرًا لحقيقة أن ممر بحر قزوين وتركيا لا يلبي احتياجات الصين، فإن الممرات البرية لإيران ستحظى بتقدير كبير من قبل الصينيين.
ونظرًا لوجود أكثر من 30 مليار دولار في التجارة السنوية بين إيران والصين، فإن الجانبين حليفان جيدان يمكنهما تعزيز هذه العلاقة. وقد وقعت الصين وإيران أيضًا اتفاقية اقتصادية مدتها 25 عامًا، مما يدل على أن الصينيين على دراية بدور إيران في المنطقة. وعلى الرغم من أن هذه الاتفاقية تركز بشكل أكبر على الاستثمار الصيني في المناطق الجنوبية الإيرانية وقطاع الطاقة، إلا أن حالة التوتر الحالية بين الغرب وروسيا تجعل الصين تولي اهتمامًا خاصًا لممرات العبور والنقل الإيرانية.
لذلك، يمكن لإيران، خلال العقوبات الغربية ضد روسيا، الاستيلاء على جزء من عبور الصين إلى أوروبا ونقل هذه البضائع إلى الوجهة المطلوبة في أقصر وقت وبإجراءات أمنية مشددة. لقد حاول الصينيون، المنقطعون عن روسيا لبعض الوقت، في الأشهر الأخيرة اعتبار المسار الإيراني طريقًا بديلًا، ويقال إن مسؤولي بكين قدموا مطالب لإيران في هذا الصدد. وعلى الرغم من أن قدرة طرق العبور الإيرانية لا يمكن مقارنتها مع تركيا، يمكن لإيران إقناع الصينيين باستبدال الطريق الجنوبي بالطريق الروسي من خلال تطوير البنية التحتية للسكك الحديدية وأسطول النقل.
ومن ناحية أخرى، سيؤدي وجود إيران والصين في منظمة شنغهاي للتعاون إلى تطوير العلاقات الثنائية في شكل تعاون إقليمي. وهذا أمر مؤثر في تطوير العلاقات مع بكين، حيث وضعت إيران نظرتها للشرق على جدول الأعمال في سياستها القيادية وتسعى لزيادة تفاعلاتها الاقتصادية مع الدول الآسيوية، وخاصة الصين. ومثلما اشترى الصينيون النفط الإيراني خلال فترة العقوبات دون الاستجابة لتحذيرات الولايات المتحدة، يمكنهم الآن توسيع تفاعلهم مع طهران، ولهذا يمكن القول أن طرق عبور إيران ستحل بعض المشكلات الصينية.
وفي السنوات الأخيرة، وسعت إيران خطوط سكك حديدها إلى الحدود التركية، كما قامت تركيا ببناء سكة حديدية داخل حدودها لتسهيل العبور بين البلدين. وعلى الرغم من أن هذا الطريق لم يتم استغلاله بعد، إلا أنه بسبب إغلاق الطريق الشمالي، يمكن استغلال هذا الطريق وسيكون مفيدًا في جلب البضائع الصينية إلى أوروبا. إن طريق السكك الحديدية هذا، يقع على طول الممرات الشمالية والجنوبية لإيران، والذي يبدأ من آسيا الوسطى، سيكون فعالًا في نقل البضائع الصينية، ويمكن للصينيين نقل بضائعهم إلى أوروبا في أقصر وقت ممكن.
إن طريق بحر قزوين إلى أذربيجان وتركيا، والذي جذب الآن المزيد من الاهتمام الصيني، سيفرض مزيدًا من الوقت والمال على مالكي السلع، لكن الطريق الإيراني فعَال من حيث التكلفة بالنسبة للصينيين نظرًا لقدرته الكبيرة وقصر وقته وهذا الامر يؤدي إلى تقليل تكاليف نقل البضائع وتحقيق المزيد من الأرباح. وعلى الرغم من أن العديد من الدول قطعت بعضا من جوانب علاقاتها التجارية مع إيران بسبب العقوبات الغربية، وهذا الأمر أثر على تقليص علاقات الدول الأخرى مع إيران، لكن بالنظر إلى إمكانية إحياء الاتفاق النووي والجهود الغربية لإيجاد مصادر طاقة بديلة، فإن دور إيران سيصبح أكثر وضوحا، وستكون الدول قادرة على استخدام الممرات الإيرانية بثقة أكبر.
إحياء طريق الحرير
عمل الصينيون طوال العقد الماضي على تنشيط طريق الحرير القديم من خلال إضافة طرق جديدة، وقد تؤدي حرب أوكرانيا وإغلاق الطريق الروسي أمام البضائع الصينية إلى وضع هذا البرنامج على جدول الأعمال بشكل أكبر. ويمكن أن يكون نقل البضائع الصينية عبر تركيا وإيران مقدمة لتحقيق خطة الصين “حزام واحد وطريق واحد”. ونظرا بأن الغربيين يدعون أن حرب أوكرانيا ستستمر خلال السنوات القليلة المقبلة، فهذه فرصة جيدة للصينيين لتنفيذ خططهم الطموحة للحفاظ على العلاقات مع أوروبا.
ونظرًا لأن إيران كان لها موقع مهم على طريق الحرير في الماضي، فيمكنها في هذا المشروع الجديد استعادة مكانتها ولعب دور مهم في ربط الممرات الأوروبية بالصين. وحتى سنوات قليلة ماضية، كانت إيران هي الأمل الرئيسي للصين في إحياء ممر مبادرة “الحزام والطريق”، ولكن نظرًا لعدم تطوير السكك الحديدية الإيرانية، تم استبداله في النهاية بطريق آسيا الوسطى للوصول إلى روسيا أو القوقاز. وإذا تمكنت إيران من تطوير طرق عبور وأسطولها من السكك الحديدية، فلا شك أن الصينيين سيعطون الأولوية لإيران.
ووفقًا لبعض الخبراء، كان من المفترض أن يؤدي إحياء الاتفاق النووي الإيراني والاتفاقية الصينية الإيرانية التي مدتها 25 عامًا إلى توسيع دور ممر آسيا الوسطى – شرق آسيا، وهنا يمكن القول أن حرب أوكرانيا ستعزز هذه العمليات وتحسن وضع هذا الرواق. كما أن المركزية الجغرافية لإيران بالنسبة للصين وجاذبية النفط والغاز الإيراني للاتحاد الأوروبي كبديل لروسيا يمكن أن تعزز دور إيران الجغرافي الاقتصادي في السياق الحالي.
ومع بدء حرب أوكرانيا والعقوبات الغربية ضد روسيا، يمكن لممرات العبور الإيرانية أن تلعب دورًا مهمًا في نقل البضائع الصينية إلى أوروبا بسبب مسافاتها الاقتصادية وقصرها. وهذا، إلى جانب جهود روسيا للتحايل على العقوبات على الطرق الجنوبية، سيعزز موقع إيران في تبادلات الترانزيت ويجعلها مركزًا تجاريًا في المنطقة.
المصدر/ الوقت