بعد مغادرة باشاغا طرابلس.. ماذا يحدث في ليبيا وهل يلجأ الطرفان إلى لغة العنف
أعلن مكتب رئيس الوزراء الليبي المكلف من قبل البرلمان فتحي باشاغا أنه غادر العاصمة طرابلس الثلاثاء، بعد ساعات من محاولته دخول المدينة لمباشرة أعمال الحكومة، فيما أدى وصوله إلى اندلاع اشتباكات بين مجموعات مسلحة. يأتي ذلك في وقت ترفض فيه الحكومة التي يترأسها عبد الحميد دبيبة التخلي عن السلطة.
وأعلن مكتب رئيس الوزراء الليبي المكلف باشاغا أنه غادر طرابلس بعدما أثارت محاولة لدخولها اشتباكات.
وكانت الحكومة الليبية المعيّنة من البرلمان أعلنت ليل الإثنين الثلاثاء دخولها إلى العاصمة طرابلس، مقر حكومة منافسة برئاسة عبد الحميد دبيبة والتي ترفض التخلي عن السلطة.
وأعلن المكتب الإعلامي للحكومة الموازية في وقت سابق “وصول رئيس وزراء الحكومة الليبية السيد فتحي باشاغا برفقة عدد من الوزراء إلى العاصمة طرابلس استعدادا لمباشرة أعمال حكومته منها”.
واندلعت مواجهات بين مجموعات مسلّحة في طرابلس بعد وقت قصير من دخوله، وفق مراسل وكالة الأنباء الفرنسية.
وتواصل إطلاق النار الكثيف في العاصمة الليبية نحو الساعة 07,00 بالتوقيت المحلي (05,00 ت غ).
وقال رئيس الوزراء المكلف من البرلمان الليبي فتحي باشاغا، الثلاثاء، إن حكومته ستشرع في العمل انطلاقا من مدينة سرت الساحلية.
وذكر باشاغا، في خطاب ألقاه بعد الأحداث التي شهدتها طرابلس صباح الثلاثاء، أن حكومته ستعمل انطلاقا من سرت اعتبارا من يوم غد الأربعاء.
من جهته، قال مدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الليبي، اللواء خالد المحجوب، الثلاثاء، إن دخول رئيس الوزراء الليبي المكلف من قبل البرلمان إلى طرابلس كان “سلميا”.
وذكر المحجوب: “كان دخول باشاغا بشكل سلمي، لكن بعد الهجوم عليه، قرر الانسحاب حفاظا على الأرواح.. وبالتالي، لم تكن هناك أي مواجهة أو معركة”.
وحاول باشاغا مرارا تولي رئاسة الحكومة في طرابلس، لكن الحكومة المنتهية ولايتها برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ترفض تسليم السلطة إلا لحكومة تأتي عبر برلمان منتخب، تنفيذا لمخرجات ملتقى الحوار السياسي الليبي.
وقال الدبيبة، في كلمة متلفزة، إن “مشروع التمديد والانقلاب انتحر سياسيا، واليوم صدرت شهادة وفاته رسميا”. وأكد أن “الانتخابات هي الحل ولا مستقبل إلا بالانتخابات”.
وحول السماح لباشاغا بالخروج من طرابلس، قال الدبيبة: “وافقت على فتح ممر آمن لفرارهم من طرابلس لسبب بسيط، وهو أن قطرة دم واحدة ليبية أغلى من سلطتهم وأطماعهم”.
وشدد على أن “الحكومة مستمرة في أداء مهامها كضمان وحيد لليبيين من أجل إجراء انتخابات (..) الحكومة مستمرة لغاية تنفيذ الانتخابات”.
وطمأن الدبيبة البعثات الدبلوماسية الأجنبية بأن “الأوضاع الأمنية مستقرة في طرابلس ويمكنهم أداء مهامهم بالشكل الطبيعي”.
فيما قال باشاغا، خلال مؤتمر صحفي بمدينة سرت (450 كم شرق طرابلس) مساء الثلاثاء: “حفاظا على الأرواح ودون أن تسقط أي ضحية رأينا أنه يجب أن نخرج وخرجنا (من طرابلس)”.
وتابع: “لم نحرك أي قوة ولم نستخدم السلاح، ولكن قصدنا أن نذهب لوحدنا دون أي مرافقين”.
وأردف: “لا نريد دماء، وبالنسبة لي فمن المستحيل أن أتقبل حكما بالدماء ولكننا سنكافح ونستمر حتى نصل لهدفنا لكن بالطرق السلمية”. وزاد بأنه دخل إلى “طرابلس في سيارتين مدنيتين، وليس معنا من يحمل أي قطعة سلاح واحدة”.
وأكد تمسكه بدخول طرابلس قائلا: “من حقي كرئيس وزراء منتحب (مطلع مارس/ آذار الماضي) من السلطة التشريعية أن أذهب للعاصمة”.
وأردف: “الحكومة ستباشر من الغد مهامها من سرت، وسننتقل لطرابلس في حال تأكدنا أن دخولنا لن يتسبب في سقوط قطرة دم واحدة”.
الى ذلك أعلن رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا خالد المشري رفضه محاولة رئيس الحكومة المكلّفة من مجلس النواب فتحي باشاغا الدخول إلى طرابلس.
واعتبر المشري في لقاء مع قناة “ليبيا الأحرار” أنّ حكومة باشاغا “محل نزاع”، ودخولها طرابلس من دون توافق هو “محاولة فرض أمر واقع مرفوض”.
ونصح المشري باشاغا بـ”تقديم استقالته”، ودعا رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة إلى “قبول التغيير”.
وقال: “الحكومتان لا تريدان الذهاب إلى الانتخابات حتى بعد 5 سنوات، وحكومة الدبيبة لا تستطيع إجراءها، لأنّ نفوذها مقتصر على طرابلس وبعض المدن. لذلك، علينا التوافق على قاعدة دستورية وحكومة مصغّرة هدفها إجراء الانتخابات فقط”.
وفي شباط/فبراير الماضي، عيّن البرلمان في شرق ليبيا وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا رئيساً للوزراء.
تأتي هذه الأحداث بالتزامن مع اجتماعات اللجنة الدستورية المشكلة من المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب. وتدور الاجتماعات برعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وباستضافة مصرية في القاهرة، وانطلقت منذ الأحد الماضي.
وتبحث اللجنة كيفية صياغة إطار دستوري للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة منذ كانون الأول/ديسمبر الماضي.
وفي المواقف، دعت المبعوثة الأممية ستيفاني ويليامز إلى الحفاظ على الهدوء وحماية المدنيين وإلى ضبط النفس والامتناع عن الأعمال الاستفزازية والخطاب التحريضي.
بدورها، حثت الولايات المتحدة الجماعات المسلحة على الامتناع عن استخدام العنف، لافتة إلى أن على القادة السياسيين إدراك أن الاستيلاء على السلطة أو الاحتفاظ بها عن طريق العنف لن يؤدي إلا إلى الضرر بشعب ليبيا.
وفي ظل هذه التطورات، تنعقد جولة الحوار الثانية في العاصمة المصرية القاهرة بين ممثلي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة بهدف الوصول إلى رؤية موحدة بشأن القاعدة الدستورية.
وفي هذا الإطار، أشار رئيس المكتب السياسي لحزب التغيير حازم الرايس إلى وجود العديد من القوات المسلحة في طرابلس، بينها من يعمل تحت إدارة حكومة الوحدة الوطنية وأخرى تابعة لحكومة باشاغا والتي ربما نسقت مع الأخير ذلك الصباح بشأن زيارته.
وأوضح بأن هناك قوى عسكرية أخرى في العاصمة التقت بكل من الدبيبة وباشاغا في الأشهر الماضية حيث أبلغتهما بأنها ليست مستعدة للدخول بأي صراع مسلح، داعية إلى بقاء الصراع بين الحكومتين ضمن الإطار السياسي.
وقال إن “باشاغا ربما نسق مع بعض القوى في طرابلس من أجل الدخول إلى العاصمة بشكل مفاجئ فجرًا، إلا أن قوى تابعة لحكومة الوحدة الوطنية دافعت عن العاصمة لمنع زعزعة استقرارها”.
من جهتها، رأت الباحثة السياسية ليلى بن خليفة أن حكومة الوحدة الوطنية فشلت في تنفيذ هدفين رئيسين يتمثلان بإجراء الانتخابات وتوحيد المؤسسات الليبية، لافتة إلى أن هذه الحكومة باتت متشبثة بالسلطة وأحد أطراف الصراع.
ولفتت إلى أن الاشتباكات التي دارت في العاصمة خطأ يتحمله كل من باشاغا والدبيبة، معتبرة أنه كان من المفترض أن يحصل حوار وتفاوض رغم الانقسامات والخلافات.
بن خليفة التي رأت أن دخول باشاغا وحكومته إلى طرابلس هو حق لا يمكن لأي كان منعهم منه، رفضت تمادي هذا الأمر إلى مرحلة الاقتتال بين الطرفين.
وأعربت عن اعتقادها بوجود مؤشرات دفعت بباشاغا للتوجه إلى العاصمة، متحدثة عن اتجاه للوصول إلى الانتخابات بأسرع من المتوقع.
وشدد أستاذ العلوم السياسية في جامعة صقريا خيري عمر على أن المؤشرات الإقليمية والدولية لا تساعد على حل الأزمة السياسية في ليبيا.
ورأى أن اعتراف الأمم المتحدة بالحكومتين لا يسهم في إيجاد حل بالبلاد، مشيرًا إلى أن ستيفاني وليامز كانت في الماضي منحازة لباشاغا ومجلس النواب، إلا أنها عدلت موقفها بعد الحرب في أوكرانيا.
عمر الذي اعتبر أن ليبيا أمام خيارات صعبة، لفت إلى أنه إذا لم يتم التوافق حول سلطة ما في الشهر المقبل، فقد تُفتح الاحتمالات على حرب أهلية.
وأعرب عن اعتقاده بأن باشاغا كان يرغب من خلال خطوته اليوم في توسيع سلطته وبمزيد من السيطرة على المنطقة الغربية.
المصدر/ الوقت