التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

إسرائيل وعقدة اغتيال السنوار والضيف.. هل ترتكب تل أبيب تلك الحماقة 

اغتيال السنوار ما زال قائماً”، هذا ما قاله جيش العدو الإسرائيليّ حول اغتيال رئيس حركة “حماس” في قطاع غزة يحيي السنوار، وقائد كتائب القسام الجناح العسكري للحركة محمد الضيف، عقب تصاعد المطالبات الصهيونيّة باغتيال زعيم الحركة الذي وُصف من قبل الإعلام العبريّ بأنّه يشكل خطراً حقيقياً على مستقبل “إسرائيل”، ودعوة نواب ومسؤولين سابقين وصحفيين إلى اغتيال السنوار، وتأتي تلك التصريحات في الغالب ضمن سياق التغطية الإعلامية للإعلام العبريّ الذي يتحدث أنّه من الضروريّ تنفيذ عمليّة الاغتيال في أقرب وقت ممكن.

خيارٌ قائم

إنّ قيام تل أبيب بتلك التصريحات حول أنّ الجيش الإسرائيلي يعتبر أن اغتيال السنوار والضيف ما زال خيارا قائما، لكن يجب الأخذ في الحسبان أن ذلك سيؤدي إلى ردود فعل دون مزيد من التفاصيل، يعبر عن الحالة التي أوصلت المقاومة الكيان الصهيونيّ إليها، حيث أُطلق سراح السنوار من السجون الإسرائيلية عام 2011 وتسبب ذلك في تغييرات جذرية على الساحتين الفلسطينية والإقليمية بطريقة ليست في مصلحة العدو، وذلك بعد أن وصفت مسؤولو العدو الصهيونيّ المجرم رئيس المكتب السياسيّ لحماس في القطاع بالذكيّ والمر الذي حقق للحركة إنجازات غير مسبوقة باستخدام أبسط الأدوات، ولم يكن مستغرباً ما يطالب به الإسرائيليون وما يصرح به مسؤولوهم، لأنّهم يعتبرون أنّ السنوار يتلاعب بهم، ويشددون على ضرورة اغتِياله حتّى لو جاء ذلك على حساب خوض حرب، وبالأخص عقب الحرب الأخيرة التي شنّتها الآلة العسكريّة للكيان على غزة قبل أشهر، والتي تركت تل أبيب في صدمة من نتائجها على مختلف المستويات بعد الرد الحازم للفصائل الفلسطينيّة، حيث اعتبر الإعلام العبريّ أنّ “إسرائيل” فشلت في قتل المئات من مقاتلي المقاومة الإسلاميّة حماس بـ”سلاح سرّي”، وفي تقارير أخرى أشار إعلام العدو إلى أنّ ما فعله رئيس حركة “حماس” في غزة، يُشكل صفعة قاسية على وجه الإسرائيليين.

على المقلب الآخر ورغم عدم توافر معلومات حول الحياة الاجتماعية للضيف، الذي تطارده القوات الإسرائيليّة منذ عام 1992 أو عدد أولاده ومكان إقامتهم، يطالب ويسعى الإسرائيليون لاغتيال السنوار بشكل صريح وعلنيّ، ويؤكدون أنّ الاخير كشف الضعف الأمني ​​والسياسي لحكومة بينيت لابيد غانتس، ويهدد “إسرائيل” بشكل صارخ بدافع كبير من الشعور بالقوة، بعد قولهم السابق: “لا يُوجد خِيارٌ آخَر.. إنّه عدوٌّ لدود يتلاعب بِنا بقسوة”، ما يعبر من جديد عن حجم الغضب الإسرائيليّ من الانتصار الفلسطينيّ الأخير والذي كان السنوار بطله بامتياز، وفي ذلك الحين وعلى الرغم من تصاعد نبرة التهديد الصهيونيّة بالاستمرار في سياسة الاغتيالات للتخفيف من حجم الهزيمة المدويّة، قام السنوار وقتها بزيارة بيوت الشهداء وأحياء القطاع، واعتبر معلّقون صهاينة تلك الزيارة ترسيخاً للنصر الذي حقّقته المقاومة الفلسطينية.

وإنّ خطاب السنوار الأخير في الضفة والمناطق العربية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ودعوته إلى شنّ هجمات بالأسلحة النارية والبيضاء إن تعذر ذلك، ردا على الانتهاكات الإسرائيلية في المسجد الأقصى، أثار غضب الإٍسرائيليين الذين يرتكبون الجرائم التي لا وصف لها بحق الأبرياء، ما صعد من الدعوات من قبل نواب ومسؤولين سابقين وصحفيين إسرائيليين إلى اغتيال السنوار، بدعوى تحريضه على هجوم أسفر عن مقتل 3 إسرائيليين في مدينة إلعاد قرب تل أبيب في 5 مايو/أيار الجاري.، بينما يرى صحفيون إسرائيليون أن زعيم حركة حماس في قطاع غزة عندما يتحدث، يذكر الجميع أن الهدوء على الساحة الفلسطينية مؤقت، وأن حماس منشغلة بتكديس القوة والسلاح والتدريبات، وعندما تشعر أن الوقت مناسب فإنها ستشن هجوماً، ما يدل على أن العدو كلما حاول إخفاء هزيمته في غزة أكّد بشكل أكبر حجم ضعفه وانهياره.

وفي الوقت الذي حذّرت فيه “كتائب القسام”، إسرائيل من المساس بـ”السنوار”، أو “قادة المقاومة”، يمكن اعتبار التهديدات الإسرائيلية الأخيرة كما سابقاتها، ذات دلالات ضعف كبيرة، لأنّ العدو يعتقد أنّه في حال استطاع أن يقضي على بعض القيادات البارزة يمكنه أن ينهي منهجاً مقاوماً لا يمكن أن يميل قيد أنملة عن أهدافه في القضاء على الاحتلال البغيض والعنصريّ، وإنّ المقاومة واضحة وضوح الشمس في خياراتها، ولن تأبه أبداً من أيّ خطوة إسرائيليّة لأنّها وباعتراف العدو باتت تملك مفاتيح اللعبة وأصبحت قوة رادعة للغاية، وقد شهدت المعركة الأخيرة ذلك.

ولا يخفى على أحد أنّ “إسرائيل” معروفة بوحشيتها غير المسبوقة واتباعها سياسة الاغتيال وبالأخص خلال السنوات الماضية، حيث نفذت العشرات من العمليات بحق القادة الفلسطينيين من مختلف الفصائل، وراح ضحيتها معظم قادة الصف الأول في حركة حماس، ومن ضمنهم مؤسسها الشيخ أحمد ياسين عام 2004، لكن رئيس حركة حماس في قطاع غزة، لم يأبه أبداً، بل دعا مؤخراً الشعب الفلسطيني، أن يتجهز لمعركة كبيرة إذا لم يكف الاحتلال عن الاعتداء على المسجد الأقصى، مشدداً على أن العدو يريد تحويل المعركة إلى معركة دينية، قائلاً: “نحن لها وقبلنا التحدي”، حيث إنّ معركة “سيف القدس” التي ألحقت هزيمة عسكريّةً ومعنويّة غير مسبوقة في جميع الأوساط الإسرائيليّة وأدت بشكل كبير إلى إسقاط حزب الليكود وزعيمه نِتنياهو من الحكم، دفعت أجهزة الأمن التابعة للعدو الغاصب لأن تعمل بشكل مستمر لجمع المعلومات عن البطل السنوار وشريكه المهم في حرب غزة، زعيم كتائب “القسام”، المُجاهد محمد الضيف، ولكن تل أبيب فشلت فشلاً ذريعاً في خططها العدوانيّة لسبين، الأول لأنّها فشلت في الوصول إليه، وثانيّاً لأنّ القيادتين العسكريّة والأمنيّة للكيان القاتل تعلم جيداً أنّ تلك الغلطة ستكون ذات تأثير أبعد مما يتخيلون وأنّ الرد سيكون مُؤلماً ومُدمراً.

وتتناسى تل أبيب إلى حد ما أنها في حال ارتكبت غلطة تاريخيّة كبرى وتجرأت على اغتيال السنوار رغم شبه استحالة ذلك، لا شك أنّها ستدفع ثمن فعلتها بأضعاف، وستذوق أمر من طعم الهزيمة التي ذاقتها في معركة “سيف القدس” على كل المستويات، لذلك من المستبعد جداً أن تقدم القيادة الصهيونيّة على هذه المُقامرة الخطيرة، في ظل اعتراف قيادات صهيونيّة مراراً بأنّ السنوار هو شخص مذهل ومقاتل مرّ وذكي وحكيم، ومنذ أن تسلم قيادة حركة المقاومة الإسلاميّة “حماس” في قطاع غزة، شرعت المسيرات عند السياج الحدودي وبدأت عمليّات إطلاق البالونات والطائرات الورقية و وحدات الإرباك الليليّ، وإنّ السنوار يعرف الإسرائيليّين جيدًا، و يقرأ صحفهم العبريّة مثل (يديعوت أحرونوت) و (معاريف)، وهو على درايةٍ جيّدة بالمجتمع الصهيونيّ.

وعلى ما يبدو فإن الإسرائيليين لم يفهموا بعد التجربة الاحتلاليّة الطويلة في فلسطين، ولم يدركوا بأنّ رجال محور المقاومة لو كانوا يأبهون بالتهديدات والاغتيالات، لما تحركوا بكل حرية وسهولة وشجاعة، وإنّ تهديدات العدو جوفاء ولا قيمة لها بالمطلق، في وقت تؤكّد فيه فصائل المقاومة الفلسطينيّة أنّ محاولة فرض أيّ معادلات جديدة من قِبَل الاحتلال على غزة باتت وراء ظهور الفلسطينيين، ليبقى المجاهدون الكُثر كالسنوار أبرز عناوين القلق والارتِباك والرّعب والهزائم للعصابات الصهيونيّة الإجراميّة، وعنوانهم العريض “المقاومة أقوى.. ومستمرة”.

مشكلة إسرائيليّة

المشكلة تكمن في أنّ الإسرائيليين يعتقدون أنّ “زعيم حماس في غزة، دعا إلى قطع الرؤوس بالفؤوس”، متناسين الأفكار الصحيحة التي أطلقها بعض الصهاينة يوماً حول أنّه “لا يوجد زعيم فلسطينيّ من الممكن أن يتنازل عن حق العودة”، وإنّ تهديدات السنوار في رسالته للإسرائيليين خلال لقاء السنوار مع النخب الفلسطينية في ضوء تطور الأوضاع على صعيد القضية الفلسطينية، والانتهاكات الإسرائيلية في القدس والضفة، ويوم القدس العالمي، كانت رسالة صريحة للإسرائيليين وهي: “كفوا عن جرائمكم واعتداءاتكم، لأنّنا لن نصمت”، وقد أوضح أن “صورة اعتداء جنود الاحتلال على المسجد الأقصى ممنوع أن تتكرر”، مُهدداً بأنّ من سيأخذ تكرار صورة اعتداء الاحتلال على المسجد الأقصى فهو نفسه من أخذ باستباحة آلاف الكنائس والمعابد اليهودية على امتداد العالم.

وإنّ الإجماع الذي تشهده وسائل الإعلام الإسرائيليّة، بما في ذلك أبواق الحكومة، على ضرورة اغتيال علي يحيى السنوار، لم يكن حديث اللحظة بل بدأت عقب الخطوة الجريئة –كما يصفها الصهاينة- التي أقدم عليها رئيس المكتب السياسيّ وقائد حركة حماس في قطاع غزة، في عملية “سيف القدس”، والتي غيرت “قواعد اللعبة” في مواجهة “إسرائيل”، وقيام “حماس” بشنّ معركة مضادة ضد الكيان الصهيونيّ لأوّل مرّةٍ في تاريخها، وذلك بسبب الاعتداءات على الفلسطينيين ومنازلهم في القدس، ومن دون أيّ احتكاك سابق في قطاع غزة، وقد تُركت تل أبيب في صدمة إلى الآن من نتائج الحرب الأخيرة التي شنّتها الآلة العسكريّة للكيان على غزة قبل مدة، وعلى مختلف المستويات بعد الرد الحازم لفصائل المقاومة الفلسطينيّة، يطالب السنوار كل فصائل المقاومة في قطاع غزة أن تكون على أهبة الاستعداد والجهوزية، بعد التأكيد على أنّ “المعركة لم تنته بانتهاء رمضان بل ستبدأ بانتهائه”.

كذلك، إنّ الدعوة الصريحة لاغتيال السنوار، تأتي بعد ما وصفه محللون صهاينة بأنّه “نقطة تحوّل جديدة” تستوجب وضع يحيى السنوار في “معادلة الدم”، وفي الوقت الذي يغيب فيه الكيان الصهيوني القاتل كل القرارات الدولية بفرضه سياسة الأمر الواقع على الفلسطينيين واستباحته للدم الفلسطيني والعربي وخرقه الفاضح لكل القوانين والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، إضافة إلى مخطط الضم امتداداً لعملية التوسع على حساب الأرض والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني الأعزل، في إصرار واضح من حكومة العدو على قتل آخر رمق للسلام الذي يتحدث عنه البعض، في ظل تأكيد من السنوار بأن العمليات البطولية الأخيرة في الداخل المحتل أثبتت أن الكيان الصهيونيّ “أوهن من بيت العنكبوت”.

ومن الجدير بالذكر، أنّ رئيس حركة حماس بغزة كشف مؤخراً عن تفاصيل جديدة حول الرقم 1111 الذي أعلنه العام المنصرم بعد معركة “سيف القدس”، قائلاً إنّ الرقم يحمل اسم رشقة الشهيد الراحل ياسر عرفات وستكون البداية في الحرب المقبلة، فيما قررت المقاومة أن تكون الضربة الأولى في حال استدعى الأمر الدفاع عن الأقصى، هو إطلاق 1111 صاروخا، وهذا الرقم يرمز لذكرى استشهاد قائد الثورة الفلسطينية ياسر عرفات، وسيكون اسم الرشقة رشقة الشهيد أبو عمار”، وخاصة في ظل ما تشهده العاصمة الفلسطينيّة القدس من التصعيد والإصرار على مواصلة المحاولات لكسر روح الشعب الفلسطينيّ وتثبيت الاحتلال العسكريّ الإسرائيليّ من خلال اقتحام جنود الاحتلال الأقصى وإلقاء القنابل الغازية والصوتية داخله، والاعتداء على المصلين من مسنين ونساء وصحفيين.

وفي حال ارتكبت تل أبيب غلطة تاريخيّة كبرى وتجرأت على اغتيال السنوار رغم شبه استحالة ذلك، لا شك أنّها ستدفع ثمن فعلتها بأضعاف، وستذوق أمر من طعم الهزيمة التي ذاقتها في معركة “سيف القدس” على كل المستويات، لذلك من المستبعد جداً أن تقدم القيادة الصهيونيّة على هذه المُقامرة الخطيرة، ويجب أن تضع في باله مسألة “الفرق بين صاحب الأرض والمحتل”، وأن تذكر نفسها بأنها هي من تحتل الأرض وتغتصبها، وهي من تصنع المكائد في واشنطن وتطبقها، لأن الغباء الأعمى أن يرتدي الوحش المضرج بدماء الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء، ثوب الضحيّة، وإن المقاومين سيفعلون كل ما بوسعهم لإنهاء وحشيّة عدوان الاحتلال المتزايد والمستمر، وهكذا فعل كل من سُلبت أراضيهم تاريخيّاً.

ومع وصول الوقاحة الإسرائيلية إلى “إعلان إرهاب الدولة” ناهيك عن الإجرام والاستخفاف الصهيوني بأرواح الفلسطينيين لحد لا يمكن السكوت عنه أبدا، لا يُخفي الفلسطينيون أنّ أيّ محاولة من قبل الكيان الصهيوني لاغتيال السنوار هي “لعب بالنار” وأنّهم لا يهتمون بتهديدات العدو الصهيوني وقادته، فيما يثبت التاريخ والواقع بأن الصهاينة يتمادون أكثر فأكثر في عدوانهم الذي لا يمكن أن توقفه إلا القوة والوحدة والمقاومة.

في الختام وكما قال السنوار فإنّ خطة الاحتلال التي رسمتها استخباراته لقطع رأس المقاومة في غزة ذهبت هباء منثوراً، وإنّ فصائل المقاومة مصممة على أنّ مدينة القدس المقدسة ستظل تقاتل حتى تطرد المحتل الغريب، ولن تستسلم لواقع الاحتلال البغيض، وأن الشباب الثائر الذي تصفه تل أبيب بـ “المشاغب” سيواصل نضاله المشروع حتى انتزاع حريته وتحرير أرضه واسترداد مقدساته، وأنّ إرهاب الكيان المنظم وفائض القوة العمياء، لن يفلح في ثني الفلسطينيين عن مواصلة نضالهم لتحرير أرضهم ونيل حريتهم، بالتزامن مع الإجرام المتصاعد لـ”إسرائيل” التي لا تكف عن ارتكاب أشنع الجنايات بحق هذا الشعب.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق