كيف انتصرت حماس بمعركة الوعي على “إسرائيل”
في الوقت الذي تؤكّد فيه فصائل المقاومة الفلسطينيّة وبالأخص “حماس” أنّها جاهزة لأي معركة مع الإسرائيليين ، ويدها على الزناد للتصدي بكل حزم للممارسات الإسرائيلية في الأقصى، نشر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي “INNS” دراسة من سلسلة تقارير “نظرة عليا” حول سعي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لهزيمة “إسرائيل” من خلال معركة الوعي والرواية، في الوقت الذي يصارع فيه الكيان لإثبات روايته للأحداث، في ظل الحديث عن أن إسرائيل تُظهر ضعفاً مستمراً أمام حماس حول كل ما يتعلق بروتين الحياة في قطاع غزة المحاصر منذ سنوات طويلة، وفقدان قوات الاحتلال الإسرائيلي الردع تماماً، حيث يعيش فيه العدو الصهيونيّ الغاصب مرحلة من الهزائم المتتاليّة، وبالأخص بعد الحرب الهمجيّة الأخيرة التي شنّتها الآلة العسكريّة للكيان على غزة قبل مدة، والتي تركت تل أبيب وقياداتها على كل المستويات في صدمة من نتائجها المختلفة بعد الرد الحازم للفصائل الفلسطينيّة، وتأتي تلك الدراسات الإسرائيليّة لتعبر بوضوح عن حجم الغضب الصهيونيّ من الانتصارات الفلسطينيّة في أكثر من مجال، والتي كانت حماس وقيادتها بطلها بامتياز.
روايّة إسرائيليّة مهزومة
مع حديث الحركة الفلسطينيّة المقاومة أنّه “إذا لم تستوعب إسرائيل رسائل المقاومة عبر الوسطاء، فإنها ستستوعبها عبر الصواريخ” بالاستناد إلى أنّ يغيب فيه الكيان الصهيونيّ القاتل كل القرارات الدوليّة بفرضه سياسة الأمر الواقع على الفلسطينيين واستباحته للدم الفلسطينيّ وخرقه الفاضح لكل القوانيّن والمواثيق الدوليّة المتعلقة بحقوق الإنسان، جاء في التقرير الذي نشره المركز، أن حركة حماس تعمل خلال العام الأخير، وخاصة خلال موجة العمليات الأخيرة على أن تقدم نفسها كحامية للقدس، وأنها هزمت “إسرائيل” على الأرض بينما يجد الكيان صعوبة في ترميم الأضرار التي تلحقها حماس بالرواية الإسرائيلية، كما يفشل الكيان في التعبير عن قوته العسكرية كما يجب أمام الجمهور الفلسطيني والإسرائيلي على حد سواء.
وتساءل معدو التقرير “كيف بالإمكان الانتصار في لعبة الوعي؟”، بالتزامن مع الحديث أن “إسرائيل انحنت على ركبتيها طوال عقد ونصف العقد أمام حركة حماس، التي تسيطر على قطاع غزة بأكمله”، وقد أشار مسؤول أمنيّ الإسرائيليّ للإعلام الإسرائيليّ، إلى أنّ حرب “إسرائيل” على غزة المحاصرة والعكس صحيح، مستمرة منذ أعوام بدأت خلال حكم السلطة الفلسطينية في القطاع فيما استمرت فترة أطول منذ سيطرة المقاومة على غزة في حزيران/يونيو 2007، ولم يعد من الممكن لا عملياً ولا قانونياً، الحديث عن سيطرة إسرائيليّة على قطاع غزة الذي لم يتمكن العدو من إرضاخه ولا إرضاخ المقاومين داخله.
ويأتي ذلك التقرير في ظل تأكيد من فصائل المقاومة الفلسطينيّة أنّها لن تسمح للكيان الصهيونيّ الغاشم بالاستفراد بفلسطين، وتشير إلى عدم وجود سلام أو وقف لإطلاق النار مع العدو، وخطاب مسؤول أمني بارز مؤخراً للإسرائيليين بقوله: “من المفيد تذكير الجميع كيف وصلنا إلى الوضع الحالي، وضع تنحني فيه إسرائيل على ركبتيها لمدة 15 عاماً، في مواجهة منظمة تعدّ 20 ألف مقاتل”، حيث استطاع قطاع غزة المحاصر الانتصار على الكيان الإرهابيّ في عدة حروب، وانتصر بشعبه العظيم ومقاومته التي تشكل حماس رأس حربتها، وأذل ناصية العدو الصهيونيّ المعتدي الذي أثقب مسامعنا بأنّه “لا يقهر” رغم كل الحصار الذي يفرضه الكيان الوحشيّ على غزة.
وبالفعل إن حماس وجناحها العسكري “كتائب القسام” شكلا رأس الحربة في معركة الدفاع عن غزة وإذلال العدو الغاصب، رغم مشاركة بقية قوى وفصائل المقاومة الفلسطينيّة في صناعة الإنجاز الفلسطينيّ الكبير، لكن في الواقع تبقى حماس الفصيل الفلسطينيّ الأكبر والأكثر تسليحاً وتنظيماً، والذي قاد مواجهات شرسة مع الكيان المستبد بكل قوة وحكمة واقتدار، وبالتأكيد فإنّ انتصاراتها التاريخيّة الكبيرة مع المقاومة والشعب الفلسطينيّ لا يمكن أن تُمحى من ذاكرة أبناء فلسطين ولا سيما أنّها أذهلت قادة الكيان المجرم.
ومن الضروري التذكير بضعف السياسة الإسرائيليّة وعدم فعاليتها، بالاستناد إلى تصريحات ضباط العدو حول أنّ جيش العدو الإسرائيلي نفذ 9 عمليات عسكرية ضد القطاع المحاصر، خمس منها بعد بداية عهد الحركة الإسلاميّة، منها حسب التسميات الإسرائيليّة: قوس قزح وأيام التوبة عام 2004، وأول المطر عام 2005، وأمطار الصيف عام 2006، وشتاء حار عام 2008، والرصاص المسكوب في عام 2009، وعمود السحاب في عام 2012، والجرف الصلب في عام 2014، وحارس الأسوار في عام 2021، لكن كل العمليات الإسرائيليّة كانت بمنزلة ردود سريعة ومحدودة الشدّة، ونتيجة عمليات بادرت إليها حركة “حماس” والمنظمات التي يعتبرها العدو الغاصب “إرهابية” ضدّ من احتل بلادهم وسرق أحلامهم ونهب أراضيهم وطردهم من منازلهم وقصف أطفالهم، كل هذه العمليات اكتفت بضرب جزئي للبنية التحتية وقدرات الفصائل الفلسطينيّة المعاديّة للاحتلال.
وبالمقابل، أبقت كل هذه العمليات حركة المقاومة “حماس” في السلطة من دون الإضرار بقوتها، بل العكس تماماً كان القلق ولا يزال من ارتفاع شعبيّة الحركة بما يشكل رعباً حقيقيّاً لتل أبيب وخاصة أنّها تعتبر حماس “العدو اللدود”، وإنّ الانتصارات الأخيرة لحماس في أكثر من منحى، يجعلها بالتأكيد صاحبة “قرارات مصيريّة” تستند بقوة إلى ثقلها الشعبيّ الذي أصبحت تتمتع به الحركة على الساحة الفلسطينيّة جمعاء، في ظل الواقع السيء والمتدهور الذي تعيشه السلطة الفلسطينيّة التي لم تمثل الأغلبيّة الساحقة من الفلسطينيين في يوم من الأيام.
كذلك، لم يخسر الإسرائيليون معركة الوعي فقط لكنهم فقدوا تماماً الردع على الأراضي الفلسطينيّة وفقاً لتصريحاتهم، فعلى الرغم من كل التجارب المرة للصهاينة مع فصائل المقاومة الفلسطينية، لم يفهموا بشكل كاف أن المقاومة لن تأبه أبداً من أيّ خطوة إسرائيليّة باعتبار أن الفصائل باتت تملك مفاتيح اللعبة وأصبحت في قوة رادعة للغاية، وقد شهدت الأشهر الماضيّة.
معركة وعيّ
تشدّد “حماس” دوماً على أنّ مدينة القدس المقدسة ستظل تقاتل حتى تطرد المحتل الغريب، ولن تستسلم لواقع الاحتلال البغيض، وتؤكّد أنّ الشباب الثائر سيواصل نضاله المشروع حتى انتزاع حريته وتحرير أرضه واسترداد مقدساته، وتحذّر سلطات الاحتلال الإسرائيليّ من الإقدام على ارتكاب جرائم جديدة في المسجد الأقصى المبارك، وتشير إلى أن الشعب الفلسطيني والمقاومة لن يسمحا بذلك، فيما يبين التقرير الإسرائيليّ أن معركة شرسة غير مسلحة تدور رحاها بين حماس والكيان، وهي معركة الوعي أو رسم “الرواية” التي تحدد الإنجازات لكل طرف على المستوى المحلي والإقليمي وحتى العالمي، “إذ تبذل حماس جهودًا كبيرة في إظهار نفسها أنها قوية أمام الكيان عبر الحديث عن عدة جوانب، ومنها أن الحركة تعرض نفسها كحارسة للقدس، وتهدد بإطلاق الصواريخ حال المساس بالأمر الواقع، كما توجه حماس الفلسطينيين في الضفة الغربية وداخل إسرائيل لتنفيذ العمليات، وتطلق الصواريخ من لبنان”.
إضافة إلى ذلك، لن تسمح الفصائل وحماس بكسر قواعد الاشتباك، والعودة لممارسات الاحتلال في القدس والمسجد الأقصى، وتضيف إن الممارسات التي يقوم بها المستوطنون المتطرفون تحت حماية الجيش والأمن ستدفع المقاومة للوقوف بحزم وإصرار ضد هذه السلوكات والمواقف التي تمس بمنجزات “معركة سيف القدس”، ويشير التقرير إلى أن “معركة الوعي التي تديرها حماس تضع إسرائيل أمام تحدٍ كبير، حيث ترسل حماس برسائل إعلامية للجمهور الفلسطيني تتناسب واستراتيجية الحركة، كما يقتنع الجمهور الإسرائيلي برسائل حماس ويعطيها وزنًا أكبر من قدرة حماس الفعلية على أرض الواقع، واستغلت الحركة العمليات لبث الرعب في صفوف المجتمع الإسرائيلي، وكان لها ذلك”، وبالتأكيد فإنّ انتصارات حماس التاريخيّة الكبيرة مع المقاومة والشعب الفلسطينيّ لا يمكن أن تُمحى من ذاكرة أبناء فلسطين ولا سيما أنّها أذهلت قادة الكيان المجرم.
وبالتزامن مع الاستهداف العلنيّ للهوية الفلسطينيّة المقدسيّة وللوجود الفلسطينيّ في المدينة المحتلة، إضافة إلى السلوك العدوانيّ العنصريّ الخطير والجرائم المستمرة التي تضاف إلى سجل العدو الأسود بحق أهالي القدس، مع غياب المواقف الحاسمة والمسؤولة للسلطة الفلسطينيّة تجاه هذه الاعتداءات الصهيونيّة المتصاعدة، تشير حماس إلى أنّ ساسة “إسرائيل” استوعبوا دروس الماضي جيدًا، وقد جاء في التقرير أن “المعركة على الوعي التي تديرها حماس منذ عملية حارس الأسوار (سيف القدس– مايو/ أيار 2021) معدة لتخدم عدة أهداف استراتيجية، الهدف الأول: تحويل مركز القتال من غزة في هذه المرحلة، وهي المنطقة التي تستطيع فيها إسرائيل إلحاق الضرر الكبير بحماس عبر عملية عسكرية مباشرة، إلى جبهات شرقي القدس وعمق إسرائيل، وهي خاصرة إسرائيل الضعيفة، وبالتالي ستشعل حماس الأوضاع دون أن تدفع الثمن في القطاع، وترى فيها إسرائيل محركة للعمليات في المنطقة”.
ولا يمكن أن ننسى تصريحات حماس الأخيرة التي أشارت إلى أن حكومة رئيس الوزراء نفتالي بينيت لا تريد ذبح مستقبلها السياسي من خلال الدخول في مواجهة مع المقاومة، حيث إنّ الحكومة السابقة بقيادة بنيامين نتنياهو تراجعت عن الكثير من المشاريع السياسية والخطط العسكرية تحت ضربات سلاح المقاومة، في تأكيد من الحركة على أنّ ثورة الشعب الفلسطيني ضد المحتل مستمرة، وأنّ تل أبيب ستعجز عن إخماد ثورته المتصاعدة،وقد بيّنت أن صواريخ المقاومة التي فرضت حظر التجوال في تل أبيب قادرة على فرضه أيضًا في جميع الأراضي المحتلة في الداخل الإسرائيليّ، لأنّها تُدرك جليّاً أنّ سلطات العدو التي تمنع أصحاب الأرض والمقدسات من ممارسة شعائرهم في عاصمة بلادهم وتحاول طردهم من ديارهم وترتكب بحقهم أبشع الجرائم، كما تسعى بكل ما أوتيت من قوة لتحقيق حلم الصهاينة بأن تكون القدس عاصمة لمستوطنيهم وكيان احتلالهم فقط، ولجعل ذلك حُلماً مستحيل المنال، لا بد من ردع الكيان الصهيونيّ عن ممارساته العنصريّة والإجراميّة بحق الفلسطينيين وأرضهم، من خلال كل الوسائل.
وحول تسمية حماس حرب أيار بـ”سيف القدس”، أشار التقرير إلى أن “إسرائيل ساعدت حماس في دعايتها عندما أطلقت على العملية “حارس الأسوار، حيث نجحت الحركة– وفقاً للتقرير– في تسويق روايتها على الجمهور بأن يدها كانت وستبقى العليا، وهكذا فقد عززت مكانتها كحامية للأماكن المقدسة في القدس”، أما على صعيد الرسائل الإعلامية التي ترسلها حماس؛ فذكر التقرير عدة رسائل منها “أن الحركة هي من تقف خلف سلسلة العمليات والمواجهات في الأقصى والضفة الغربية، ومن بينها تبني المسؤولية عن عملية “أرائيل”، وزيادة اللهب في الأقصى والتركيز على السيادة على المكان بهدف زيادة الضغط السياسي على اسرائيل، وتعزيز مكانة حماس كتنظيم يحرك ويوجه النضال الفلسطيني المباشر ضد إسرائيل، اضافة إلى التدخل في السياسة الداخلية الإسرائيلية عبر ممارسة ضغط مباشر على حزب القائمة العربية الموحدة بزعامة منصور عباس سعيًا لاقناعه بالانسحاب من الائتلاف الحكومي”.
وتكرر حماس دوماً أنّ ” مقاومة الشعب الفلسطينيّ ستظل مشرعة بكل الوسائل والأدوات ضد المحتل الصهيوني حتى تحقيق أهدافه المنشودة، وكنس الاحتلال عن مقدساته وكامل أراضيه”، هي بالفعل جاهزة دوماً لصد أي مساعٍ إسرائيليّة لسلب حقوق أصحاب الأرض والمقدسات، وخاصة أنّ قوات العدو القاتل ماضية في حملتها الإجراميّة المنظمة لتهجير ما تبقى من أبناء الشعب الفلسطينيّ، ونهب أرضهم وممتلكاتهم ومنازلهم، إضافة إلى استماتة العدو لتغيير معالم المدينة المقدسة وتهويدها، بهدف بسط السيطرة الصهيونيةّ الكاملة على المسجد الأقصى المبارك، والمقدسات التاريخيّة للشعب الفلسطينيّ، كما تسعى الحركة– وفقًا للتقرير الإسرائيلي– لإرسال رسائل قوة عبر ناطقيها وقادتها، ومن بينهم رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية الذي أكد أن القدس والأقصى هي لب الصراع، وأن حماس وحلفائها فرضت معادلة جديدة في المنطقة، بينما هدد قائد حماس في القطاع يحيى السنوار بأن اقتحام الشرطة الإسرائيلية للأقصى سيشعل حرباً دينية إقليمية، ووصف إسرائيل بأنها أوهن من بيت العنكبوت، وطلب من كل فلسطيني حمل بندقية او بلطة والخروج لقتل اليهود.
وتحدث التقرير عن أن الكيان “سقط في الحفرة والمصيدة التي رسمتها حماس، حيث ساهمت وسائل إعلام إسرائيلية وشبكات التواصل العبرية في إدخال الهلع في قلوب الإسرائيليين لتخدم بذلك دعاية حماس وتسهم في إضعاف الجبهة الداخلية الإسرائيلية”.، ويجب التذكير بالتصريحات الأخيرة التي قالت فيها حماس: “هذه المدينة المقدسة ستظل تقاتل حتى تطرد المحتل الغريب ولن تستسلم لواقع الاحتلال البغيض”، ويجب أن يفهم الإسرائيلييون بجديّة أكبر تلك العقيدة حيث إنّ القدس هي مركز الصراع مع العدو الصهيونيّ القاتل، وتعد أكبر مدن فلسطين التاريخيّة المحتلّة، من حيث المساحةً وعدد السكان وأكثرها أهميّة دينيّاً واقتصاديّاً، ومع استمرار المنهج العدوانيّ الإسرائيليّ تزداد قناعة فصائل المقاومة بعدم التخلي عن واجبها في الدفاع عن المسجد الأقصى ودعم جميع الفلسطينيين، كما تدعو حماس الفلسطينيين إلى تحرك عربي وإسلامي جاد لإنقاذ المسجد الأقصى ، رغم عدم قناعتهم بأن الكيان الصهيونيّ لن يهتم بالتصريحات التي تدين جرائمه من قبل مختلف الأطراف، وخاصة بعد أن دفع تطبيع بعض الدول وتحالفها مع المحتلين لمزيد من العدوان على الفلسطينيين والمسجد الأقصى.
ضعف إسرائيليّ
إنّ الحلول المقترحة التي ذكرها التقرير لمواجهة “حماس” أظهرت مدى ضعف العدو الذي يسعى لإسكات من يتدث بحقيقته، فحول الحلول المقترحة لمواجهة حرب الوعي التي تديرها حماس، أوصى معدو التقرير بعدة نقاط على رأسها تقييد عمل وسائل الإعلام والمحللين السياسيين والعسكريين حتى لا يخدموا رواية حماس بشكل مجاني، حيث ينسب هؤلاء لحماس وبشكل حصري المسؤولية عن موجة العمليات الأخيرة والمواجهات في الكيان.
وبدا الانزعاج الإسرائيليّ واضحاً من تغير المعادلات في الساحة الفلسطينيّة، حيث شدد التقرير على أن “ترديد رسائل الخصم دون فلترة وفهم معمق من شأنها مضاعفة قوة حماس التي تعول على غباء الإعلام الإسرائيلي في نقل رسائلها وتعظيم قوتها”، ويشير الإسرائيليون بغضب مؤخراً إلى أنّ فصيلاً قوامه نحو 20 ألف مقاتل، يسيطر على قطاع غزة بأكمله، ويحتجز “إسرائيل” بأكملها رهينةً، يجرّها عبر ردود احتوائيّة بعد مبادراته وهجماته.
والدليل الآخر، دعوة معدي التقرير إلى تنفيذ “هجمات دعائية مضادة لدعاية حماس تجاه الفئات المستهدفة من دعاية حماس؛ سواءً كانوا فلسطينيين أو إسرائيليين، ومهاجمة دعاية حماس وتفنيدها، إضافة إلى العمل على المستوى الدولي الذي يميل للرواية الفلسطينية، كما أوصى التقرير بزيادة النشاط الإعلامي الإسرائيلي، وخاصة عبر الوسائل الإلكترونية، وخلق نوع من الثقة في الرواية الإسرائيلية عبر طابور من المؤثرين الإسرائيليين على الجمهور في الداخل والخارج.
معادلة مستحيلة
في الختام لابد من التذكير بالمعادلة المستحيلة التي أشار إليها مسؤول أمنيّ إسرائيلي للإعلام العبريّ وأنّ حركة “حماس” تفهم المعادلة المستحيلة التي نشأت مع الصهاينة بموافقة (ضمنية)، وينص هذا الاتفاق على أمور يعتبرها سخيفة تماماً باعتقاده، وهي:
أولاً، إنّ “حماس” متحصّنة في حكم قطاع غزة المحاصر بشدّة، وليس هناك نية أو ربما قدرة على إطاحتها، فالحركة وقائدتها يدركون جيداً أنّ سلطات العدو التي تمنع أصحاب الأرض والمقدسات من ممارسة شعائرهم في عاصمة بلادهم، وتسعى بكل ما أوتيت من قوة لتحقيق حلم الصهاينة بأن تكون القدس عاصمة لمستوطنيهم وكيان احتلالهم، وتحاصر أبناء غزة وتمنع عنهم أبسط مقومات الحياة بل ترتكب مجازر جماعيّة بحقهم، لن تسمح للعدو الصهيوني بتحقيق مشروعه الإباديّ، حيث أوصل الإسرائيليون خلال سنوات احتلالهم رسالة للشعب الفلسطينيّ بأنّهم غير مستعدين سوى لانتهاك الحرمات وسفك الدماء وسلب الأراضي.
ثانياً، يستطيع قادة حماس العمل والتحرك بحريّة من دون التعرض لخطر استهدافهم في الأيام العادية ضمن القطاع، ويؤكّدون على أنّهم سيظلون يقاتلون حتى طرد المحتل الغريب، ولن يستسلموا لواقع الاحتلال البغيض، وأن الشباب الثائر الذي تصفه تل أبيب بـ “المشاغب” سيواصل نضاله المشروع حتى انتزاع حريته وتحرير أرضه واسترداد مقدساته، وأنّ إرهاب الكيان المنظم وفائض القوة العمياء، لن يفلح في ثني الفلسطينيين عن مواصلة نضالهم لتحرير أرضهم ونيل حريتهم.
ثالثاً، إن “حماس” لديها القدرة على تسليح نفسها وتعاظمها وبناء الأنفاق والاستعداد عسكريّاً للهجوم على “إسرائيل” التي تحتل أرضهم، من دون مواجهتها أيَّ ازعاج، في الوقت الذي يغيب فيه الكيان الصهيوني القاتل كل القرارات الدولية بفرضه سياسة الأمر الواقع على الفلسطينيين واستباحته للدم الفلسطيني والعربي وخرقه الفاضح لكل القوانين والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، إضافة إلى مخطط الضم امتداداً لعملية التوسع على حساب الأرض والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني الأعزل، في إصرار واضح من حكومة العدو على قتل آخر رمق للسلام الذي يتحدث عنه البعض.
رابعاً، بسهولة متناهية تقوم “حماس” بإطلاق صواريخ أو بالونات متفجرة وحارقة نحو ما يسمى “غلاف غزة”، من دون أن تتعرض لرد إسرائيلي قاسٍ، ومن المعروف أن “البالونات الحارقة” التي طورها الفلسطينيون لردع الكيان الصهيوني المجرم عن حصاره واعتداءاته، شكلت رعباً حقيقاً للعدو بسبب بساطة تصنيعها وسهولة إطلاقها وتسببها بحرائق كبيرة في الأراضي الزراعية، ولم تفلح قوات العدو بإيجاد منظومة ردع لهذا السلاح رغم محاولاتها الحثيثة والمستمرة، حيث إن إطلاق تلك البالونات على الأراضي المحتلة، يجبر الدفاع الجوي للكيان الصهيوني إلى استخدام صواريخ باهظة الثمن عبر “نظام القبة” الحديدية لاعتراضها، وقد رأينا في الماضي أن بعض المقذوفات قد مرت عبر الحاجز الدفاعي لهذا النظام الدفاعي وفي حالة وجود عدد كبير من إطلاق النار وعشرات من هذه البالونات أو الطائرات من دون طيار الحارقة، فإن نظام دفاع العدو لن يكون لديه صاروخ واحد للتعامل مع تلك التهديدات.
خامساً، قضية إطلاق الصواريخ على الأراضي التي تحتلها “إسرائيل”، والذي لا يعتبر خطاً أحمر ترد عليه “إسرائيل” على نحو محدود بقصد “احتواء” المواجهة ومنع التصعيد، وقد تابعنا تحذيرات حركتي المقاومة الإسلامية في فلسطين “حماس” و “الجهاد الإسلاميّ” مؤخراً، من عواقب وعمليات استهداف للمصلين واقتحام في المسجد الأقصى المبارك وتسخين الأوضاع في الضفة الغربية المحتلة بما يخالف القوانين الدوليّة والإنسانيّة، والصواريخ التي أطلقت على ما تُسمى منطقة “محيط غزة” أكبر شاهد على قدرتهم على إشعال المنطقة، وإنّ خشية الاحتلال الإسرائيليّ من صواريخ غزة تجسدت أولاً من خلال تعزيز منظومة القبة الحديديّة في الجنوب، وثانيّاً ما أفادت به القناة الـ12 العبريّة مؤخراً حول أنّ “إسرائيل” تريد احتواء حادثة إطلاق الصاروخ من قطاع غزة تجاه مستوطنات “غلاف غزة”، دون اللجوء لخيار التصعيد العسكريّ الذي زاد قليلاً حينها، موضحة أن العدو الإسرائيليّ “يتجنب سيناريو إطلاق الصواريخ من غزة”.
سادساً، تستمر حركة المقاومة الفلسطينيّة في العمل على تمويل “الخلايا” في الضفة الغربية، وتكون هي البديل الحكوميّ عن رئيس السلطة محمود عباس في كل مناطق السلطة الفلسطينية، في ظل تمادي قوات الاحتلال الإسرائيليّ بجرائمها ضد الفلسطينيين وثرواتهم ومقدساتهم، وارتكابها أبشع الجرائم الإرهابيّة في قتل وإعدام وتعذيب الفلسطينيين، حيث تعتبر المقاومة العمليات الفدائيّة تفعيلاً لوسائل المقاومة والمواجهة في الضفة الغربيّة المحتلة، بسبب مواصلة قوات العدو جرائم الإعدام بدم بارد بحق الفلسطينيين من قبل المحتل الأرعن.
المصدر/ الوقت