الأكراد في السباق الرئاسي… من الحرب أولاً إلى السلام أخيراً
بعد شهور من التوترات السياسية في البيت الكردي بشأن رئاسة بغداد عقب الجولة الخامسة من الانتخابات البرلمانية العراقية في 10 تشرين الأول 2022، شهدت الأيام القليلة الماضية تحركات بين الحزبين الرئيسيين لحل الخلافات وربما تسمية مرشح مشترك لرئاسة قصر السلام.
وفي هذا الصدد غادر نيجيرفان بارزاني رئيس اقليم كوردستان العراق الى السليمانية في 23 ايار 2022 لحل المشاكل بين الاكراد والتقى مع “بافل طالباني” زعيم الاتحاد الوطني الكوردستاني؛ و”صلاح الدين بهاء الدين” الامين العام للاتحاد الاسلامي الكردستاني، ومع عمر سيد علي الزعيم السابق لحركة التغيير وعلي بابير، رئيس الجمعية الاسلامية الكردستانية. كما عقد عضوا المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، اليوم الأربعاء 25 أيار / مايو، اجتماعا مشتركا في مدينة أربيل لحل الخلافات على رئاسة العراق. وهذه الخطوات مجتمعة، تمثل خطوة محتملة من قبل الأكراد نحو الاتفاق على مرشح مشترك لتولي رئاسة القصر الرئاسي في بغداد، وهو تخفيف حدة التوتر بين الحزبين عقب الانتخابات البرلمانية الجديدة. ومع ذلك، هناك نقطتان مهمتان حول إمكانية التوصل إلى اتفاق بين الحزبين الرئيسيين في إقليم كوردستان وآثاره المحتملة على السياسة والحكم في العراق.
الحزب الديمقراطي ولغز كسر القاعدة التقليدية لتقاسم السلطة
في جميع السنوات منذ عام 2005، عندما تم تشكيل الحكومة الوطنية الأولى في العراق، تولى الأكراد الرئاسة وفقًا للتقاليد السياسية. في عامي 2006 و2010، أُنتخب جلال طالباني رئيسا لقصر السلام دون أي عقبات جدية، وفق اتفاق استراتيجي بين الحزبين، الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي لكردستان العراق. في عام 2014، تم تعيين فؤاد معصوم في المنصب باتفاق الطرفين، ولكن في عام 2018، بعد وفاة الطالباني، حدث صراع كبير بين الجانبين، وبعد جدل سياسي كبير، تمكن أحمد برهم صالح أخيرًا ان يفوز بأغلبية الأصوات في البرلمان متغلباً على النائب عن الحزب الديمقراطي فؤاد حسين.
لكن بدء صراع جدي بين الحزبين الكرديين الرئيسيين على رئاسة قصر السلام جرى بعد انتخابات 10 أكتوبر 2021. في البداية، انضم الحزب الديمقراطي إلى التحالف، الذي سمي فيما بعد ائتلاف “إنقاذ الوطن”. بعد الجلسة الأولى لمجلس النواب العراقي في 9 كانون الثاني / يناير 2022، والتي تم خلالها انتخاب رئيس ونائبي رئيس مجلس النواب، بدا وكأنهم كانوا متأكدين من فوزهم في السباق على رئاسة قصر السلام. ومع ذلك، فإن حكم المحكمة الاتحادية العراقية في تفسير المادة 70 من الدستور الدائم للعراق (2005) في 3 فبراير 2022، والذي ينص على أن ثلثي المندوبين على الأقل (210 مندوبين) يجب أن يكونوا حاضرين لإضفاء الشرعية على جلسة انتخاب الرئيس البرلمانية، أدى إلى فرض قاعدة تقاسم السلطة وسط ريبة كبيرة وعرقلة من الطرفين. رشح الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، هوشيار زريباري، عضو القيادة، ووزير الخارجية ووزير المالية السابق، كمرشح له للرئاسة أمام مرشح الاتحاد الوطني برهم أحمد صالح.
لكن في 7 و8 تشرين الثاني (نوفمبر) 2022، فشلت محاولة إتلاف “إنقاذ الوطن” لانتخاب ممثله كرئيس جديد بسبب اكتمال النصاب القانوني لثلثي المندوبين على الأقل. وعقب صدور حكم المحكمة الاتحادية العراقية بشأن عدم كفاءة “هوشيار زيباري” في 13 شباط / فبراير 2022، وجهت ضربة قاصمة أخرى للحزب الديمقراطي في طريقه إلى رئاسة قصر السلام. عيّن الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي “ريبر أحمد خالد” عضو الكادر القيادي ووزير داخلية إقليم كوردستان ممثلا عنه لرئاسة قصر السلام. ومع ذلك، فشل الحزب في عقد جلسة برلمانية مع القوى المتحالفة معه، فصيل الصدر وائتلاف السيادة (المكون من العرب السنة بقيادة محمد الحلبوسي وخميس الخنجر) لانتخاب مرشحهم رئيسًا جديدًا للبلاد. وقد أدى هذا التوجه معًا إلى طرح موضوع إجراء انتخابات مبكرة في الساحة الإعلامية والسياسية العراقية مؤخرًا أكثر من أي وقت مضى. وكنتيجة لهذا وضع الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي مرونة سياساته على أجندة التفاوض مع الاتحاد الوطني الكردستاني.
فرضيات حول اتفاق كردي محتمل
في الوقت الحاضر، هناك فرضيتان حول المفاوضات بين الحزبين، الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي لكردستان العراق. الفرضية الأولى أن الطرفين لن يتوصلا في النهاية إلى اتفاق وسنشهد أزمة مستمرة بين الجانبين. مثل هذا السيناريو سيعني استمرار الوضع الحالي وتصعيد الأزمة على الساحة السياسية الكلية في العراق بشأن تشكيل الحكومة؛ بمعنى آخر، ستستمر الأزمة ولا يوجد أي أمل واضح لحل الخلافات. والفرضية الثانية أن الطرفين سيتوصلان إلى اتفاق على تمديد رئاسة برهم أحمد صالح أو اختيار مرشح جديد يتفق عليه الطرفان. لكن مثل هذا الوضع لن يضمن الانتقال من الأزمة؛ لان موضوع شلل تشكيل الحكومة الجديدة أصبح خارجا عن ارادة الاحزاب الكردية. هناك الآن توجه يقوم فيه ائتلاف بقيادة مقتدى الصدر، من جهة، بتشكيل حكومة أغلبية وطنية، من دون مشاركة جزء كبير من التيارات السياسية. في المقابل، هناك اتجاه إطار التنسيق الشيعي الذي يؤكد تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها كل التيارات السياسية. وتجدر الإشارة إلى أن كلا الحزبين، الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، قد دخلوا في تحالف مع أحد هذين القطبين (الحزب الديمقراطي مع ائتلاف إنقاذ الوطن وحزب الاتحاد الوطني مع إطار التنسيق الشيعي). لذا فإن السؤال هو، حتى لو كان هناك اتفاق، هل يمكن لحزب الاتحاد الوطني، من خلال انتقاله وخروجه من ائتلاف إطار التنسيق الشيعي، أن يرفع ائتلاف إنقاذ الوطن إلى عتبة الثلثين المحددة لانتخاب رئيس جديد؟ وحقيقة الأمر أن مثل هذا الأمر يعني دخول الاتحاد الوطني الكردستاني في تحالف بزعامة الصدر. ومع ذلك، من المرجح أن يتم تنفيذ مثل هذا السيناريو على الورق. لكن بالنظر إلى المعادلات السياسية، فإن تعقيد توحيد الاتحاد الوطني الكردستاني مع إطار التنسيق، وكذلك رغبة مقتدى الصدر في تشكيل حكومة أغلبية وطنية دون مشاركة الأحزاب الشيعية، يبدو مستبعدًا للغاية؛ وحتى لو تم التوصل إلى اتفاق بين الحزبين الرئيسيين، فما زالت هناك عراقيل أمام الأكراد لانتخاب رئيس جديد، وبعدها انتخاب رئيس وزراء جديد. في الأساس، كما في الماضي، الطريقة الوحيدة لحل الأزمة السياسية في العراق هي الدخول في تشكيل حكومة وحدة وطنية.
المصدر/ الوقت