دومينو عمليات القتل الجماعي في الولايات المتحدة… قوة لوبيات الأسلحة تتغلب على السياسيين
المذبحة المأساوية التي وقعت في 24 مايو في مدرسة روب الابتدائية، على يد مراهق أبيض يبلغ من العمر 18 عامًا يُدعى سلفادور راموس، والذي قتل 19 من طلاب المدارس الابتدائية واثنين من المدرسين بعد قتل جدته، أعادت مرةً أخرى قضية حرية حمل السلاح المثيرة للجدل في الولايات المتحدة إلى ساحة التنافس الداخلي بين الفصائل السياسية، وأثار الصراع بين مؤيدي هذا القانون ومعارضيه.
يقع هذا الحدث المأساوي بعد وقت قصير من المذبحة المميتة في 26 مايو 2022، في متجر توب فريندلي ماركت في بلوك 1200 شارع جيفرسون في مدينة بوفالو بولاية نيويورك؛ وهي حادثة قتل فيها صبي مسلح يبلغ من العمر 18 عامًا 13 شخصًا بدافع عنصري، من بينهم 11 أسود، وفقًا للشرطة.
تقع مثل هذه الأحداث المروعة في الولايات المتحدة من وقت لآخر، ويمكن رؤية أمثلة أخرى لهذا النوع من إطلاق النار في المدارس في الحوادث التي وقعت في مدرسة كولومبين الثانوية (1999)، وجامعة فيرجينيا للتكنولوجيا (2007)، ومدرسة ساندي هوك الابتدائية (2012)، ومدرسة باركلاند الثانوية (2018)، وما إلى ذلك.
والآن، نظرًا للزيادة الكبيرة في عدد الهجمات المسلحة ذات الدوافع النفسية والعنصرية، فقد تسبب ذلك في قدر كبير من القلق للحكومة ورجال الدولة وأعضاء الكونغرس.
في أعقاب حادثة مدرسة روب الابتدائية، عبرت شخصيات سياسية أمريكية مختلفة عن آرائها بشأن تكرار مثل هذه الحوادث. حتى أن المواطنين الأمريكيين تظاهروا في 27 مايو لوقف انتشار الأسلحة النارية. وهتف المتظاهرون “احموا أطفالنا؛ لا البنادق”، وحملوا لافتات كتب عليها “ترفيهكم لا يساوي حياة أطفالنا”.
أمريكا مرکز الأسلحة النارية المدنية
لا شك أن أهم عامل وخلفية لحدوث وتكرار المآسي الكبرى المتمثلة في إطلاق النار وقتل المدنيين، يتعلق بوجود أسلحة عسكرية في أيدي مواطني هذا البلد بشکل خارج عن السيطرة.
بموجب دستور الولايات المتحدة، يمكن للأشخاص البالغين من العمر 21 عامًا شراء الأسلحة وحملها بشكل قانوني. ومع ذلك، فإن تاريخ إطلاق النار يظهر أن عدد الأحداث والقصر الذين يشترون الأسلحة ويحتفظون بها آخذ في الازدياد.
ووفقًا لصحيفة نيويورك تايمز، على الرغم من أن الأمريكيين يشكلون نحو 4.4 في المئة من سكان العالم، إلا أنهم يمتلكون 42 في المئة من جميع الأسلحة النارية المدنية في العالم. وفي الواقع، هناك نحو 120 بندقية لكل 100 أمريكي.
وذکرت الصحيفة نقلاً عن مسح أجرته مؤسسة “اسمال أرمز سروي” التي تتخذ من سويسرا مقراً لها، أن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة في العالم التي تمتلك أسلحةً مدنيةً أكثر من عدد سكانها.
أيضًا، حسب تقييم “اسمال أرمز سروي”، يمتلك الأمريكيون 393 مليونًا من أصل 857 مليون سلاح مدني في العالم، أو 46 في المئة من مخزون الأسلحة المدنية في العالم.
وفي حين أن الولايات المتحدة تمثل 4٪ من سكان العالم، فإن الانتحار بالأسلحة النارية في هذا البلد يمثِّل أكثر من 44٪ من جميع حالات الانتحار بالأسلحة النارية في العالم في عام 2019.
وبالنظر إلى الإحصائيات المتوافرة، يمكن القول إن الحيازة الجامحة للأسلحة المدنية في أيدي المواطنين، إضافة إلى كونها عاملاً في القتل الجماعي في المدارس والأماكن العامة، يمكن أن تؤدي إلى حرب أهلية في الولايات المتحدة في المستقبل غير البعيد.
من المؤكد أن تصاعد التوترات الداخلية بعد انتخابات 2020 لعب دورًا رئيسيًا في هذه القضية، ووفقًا للإحصاءات التي قدمها مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (FBI)، فقد وقع 61 حادث إطلاق نار في الأماكن العامة في عام 2021 في ولايات مختلفة.
لقد زادت عمليات إطلاق النار على المدنيين بنسبة 50٪ في عام 2021 مقارنةً بالعام السابق، حيث قُتل خلالها 103 أشخاص وجُرح 140 آخرين. وسيزداد هذا الاتجاه حتماً مع اقتراب الانتخابات النصفية في الكونغرس، لأن العنف والتطرف أصبحا جزءًا لا يتجزأ من النفسية الجماعية للمواطنين الأمريكيين.
دق أجراس الإنذار بشأن قتل المراهقين والأطفال بالأسلحة النارية
أثار حادث إطلاق النار في مدرسة روب قلق وسائل الإعلام والسياسيين والجمهور الأمريكي، في وقت أصبح فيه إطلاق النار هو السبب الرئيسي لوفاة المراهقين والأطفال الأمريكيين.
وفي هذا الصدد، كتبت صحيفة إندبندنت البريطانية في تقرير جديد عن الجرائم المتعلقة بحمل الأسلحة النارية في الولايات المتحدة، أن مذبحة 19 طفلاً واثنين من المدرسين في مدرسة ابتدائية في تكساس تظهر المخاطر المتزايدة على الصحة العامة.
ووفقًا لتحليل حديث أجراه المركز الأمريكي لمكافحة الأمراض والوقاية منها، في عام 2020، تجاوزت إصابات الأسلحة النارية حوادث المرور باعتبارها السبب الرئيسي للوفاة بين الأطفال والمراهقين الأمريكيين.
وبين عامي 2019 و 2020، بلغت الزيادة النسبية في الوفيات المرتبطة بالأسلحة النارية بين الأطفال، بما في ذلك القتل والانتحار وإطلاق النار غير المتعمد، 29.5 بالمئة. وهذا يعني أن 4368 أمريكيًا تحت سن 19 فقدوا حياتهم في عام 2020 نتيجة العنف المسلح.
في الواقع، في عام 2020، أي العام الأخير الذي توافرت فيه مثل هذه البيانات، كان هناك 19 ألفاً و 384 عملية قتل بالأسلحة في الولايات المتحدة، وهو أعلى رقم منذ عام 1968. وانتحر 24 ألفًا آخر بأسلحة نارية، ما يرفع العدد الإجمالي للقتلى بالأسلحة النارية إلى أكثر من 45 ألفًا.
إحباط بايدن من السيطرة على قوة لوبيات السلاح وخطة ترامب لتسليح المعلمين
في أعقاب حادثة إطلاق النار الكارثية في مدرسة روب، أعادت المقاربات المختلفة للحزبين السياسيين الأمريكيين الرئيسيين لقانون حرية حمل الأسلحة، مرةً أخرى زعماء الحزبين إلى النقاش الإعلامي.
وفي هذا الصدد، تفاعلت وسائل الإعلام والرأي العام بشكل خاص مع المواجهة الكلامية بين جو بايدن كزعيم للديمقراطيين ودونالد ترامب بصفته الشخصية الأبرز في الحزب الجمهوري.
في أعقاب إطلاق النار، دعا الرئيس الأمريكي جو بايدن الشعب الأمريکي إلى اتخاذ إجراءات “من أجل الله” ضد لوبيات الأسلحة النارية. وأضاف بايدن إن آباء هؤلاء الأطفال لن يروا أطفالهم في بلدة أوفالدي مرةً أخرى.
ووفقاً له، فإن فقدان الطفل هو بمثابة “فصل جزء من نفسية الإنسان”. وحسب بايدن، لا يوجد بلد آخر في العالم لديه مثل هذا العدد الكبير من عمليات القتل بالأسلحة النارية مثل الولايات المتحدة.
ولكن على عكس جو بايدن، كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أحد المتحدثين في الاجتماع السنوي لجمعية الأسلحة الوطنية (NRA) مساء الجمعة، 27 مايو، وهي أقدم وأكبر مجموعة مؤيدة لحيازة السلاح في الولايات المتحدة وأكثرها نفوذاً، ليثبت التزامه ودعمه لصانعي السلاح مرةً أخرى في ذروة الضغط الشعبي عليهم؛ وهي قضية اتسمت بنکهة الانتخابات، بسبب اللوبي القوي لمصنعي الأسلحة.
واتهم ترامب في هذا الاجتماع السياسيين الديمقراطيين بمحاولة استغلال “العائلات الباكية”، لتوسيع سلطتهم وتقييد الحقوق الدستورية للمواطنين.
وألقى ترامب باللوم في هذه الحوادث على المشاكل النفسية والانهيارات الأسرية، وقال إن طريقة التعامل معها تكمن في وجود ضابط مسلح في كل مدرسة، واستخدام تقنيات جديدة للتعرف على المسلحين غير المصرح لهم.
وشدد الرئيس الأمريكي السابق على ضرورة السماح لبعض المعلمين أيضًا بحمل السلاح. كما عرض تسليح بعض المعلمين في 2018 عندما كان لا يزال في السلطة، وواجه انتقادات شديدة.
وحول تكلفة القيام بذلك، وفي إشارة إلی تخصيص 40 مليار دولار لمساعدة أوكرانيا، قال دونالد ترامب إن الولايات المتحدة يجب أن تكون قادرةً على اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لحماية أرواح أطفالها، عندما تكون هذه المساعدة ممكنةً.
العقبة الرئيسية هي الخلافات بين الديمقراطيين والجمهوريين
على الرغم من إدانة عدد كبير من الديمقراطيين والجمهوريين في الكونغرس مثل هذه الحوادث في أعقاب تصاعد العنف وقتل المدنيين والأطفال بالأسلحة النارية، لكن الحقيقة هي أن عدم توافقهم في سن قوانين تمنع تكرار مثل هذه الكوارث، هو أحد أكبر العقبات الموجودة.
وقد أدت الخلافات بين الجمهوريين والديمقراطيين حتى الآن إلى فشل كل المبادرات والجهود المبذولة لمكافحة تصعيد قوانين الأسلحة في الولايات المتحدة. والجمهوريون الأمريكيون، على وجه الخصوص، يصرون على أن ملكية السلاح تظل مضمونةً في دستور الولايات المتحدة.
يقول الديمقراطيون إن الحزب الجمهوري لا يزال يتعرض لضغوط من جماعات الضغط القوية في سوق الأسلحة الأمريكية ومصنعي الأسلحة. في الواقع، من وجهة نظرهم، تمتلك الرابطة الوطنية للأسلحة (NRA) لوبيًا قويًا في الولايات المتحدة، منع لعقود من الزمن أي قيود قانونية كبيرة على شراء وحمل الأسلحة في الولايات المتحدة.
لقد حالت الخلافات بين الطرفين على الدوام دون سن قوانين الحد من التسلح. ويتطلب الأمر 60 صوتًا على الأقل في مجلس الشيوخ لتمرير أي تشريع، في حين أن الديمقراطيين لا يملكون حتى 50 صوتًا لفرض قيود قانونية على شراء المواطنين للأسلحة وحملها.
وعلى الرغم من أن عددًا قليلاً من الجمهوريين مستعدون هذه المرة للتوصل إلى اتفاق بشأن تقييد حمل السلاح، إلا أن الحزب الجمهوري يركز أكثر على إجراءات مثل “تعزيز” الأمن المدرسي ومعالجة الصحة العقلية للأفراد، وهذا يدل على عدم الاهتمام بإصلاحات الأسلحة الرئيسية في الولايات المتحدة.
بشكل عام، الوضع في الولايات المتحدة بعد كل حادث إطلاق نار مميت، هو حيث إن المعارضين والمؤيدين لقانون حمل السلاح يصطفون ضد بعضهم البعض. لكن بمرور الوقت، تُنسى جميع المطالب ولا يجري تغيير في القانون.
المصدر / الوقت