التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 22, 2024

تونس بلا قضاة .. “إجراءات سعيد” إصلاح أم ضربة لاستقلال القضاء 

بدأ القضاة إضرابا عاما في كل المحاكم التونسية اعتبارا من يوم أمس ولمدة أسبوع قابلة للتجديد بدعوة من جمعية القضاة التونسيين، في حين دعا الرئيس قيس سعيّد إلى اقتطاع أيام العمل من القضاة المضربين.

وأضرب القضاة احتجاجا على قرار سعيد عزل 57 قاضيا، وهو ما اعتبرته جمعية القضاة التونسيين ضربا لاستقلالية القضاء وانتهاكا لحقوق القضاة.

وأوضح رئيس الجمعية أنس الحمادي أن نسبة المشاركة في الإضراب العام للقضاة بلغت 99%، متهما الأجهزة الأمنية بالتنصت على القضاة خارج آليات القانون، وقال -في تصريح لإذاعة محلية- إنه تم إعفاء قضاة ظلما بناء على تقارير أمنية لا أساس لها من الصحة، حسب تعبيره.

وكشف الحمادي أن عددا من القضاة الذين شملهم الإعفاء تصدوا للفساد ورفضوا لعب دور في تصفية خصوم الرئيس سعيد، وأن ذنبهم الوحيد أنهم طبقوا القانون، كما قال.

وفي تعليقه على إضراب القضاة، دعا الرئيس سعيّد -خلال اجتماع بوزيرة العدل التونسية- إلى اقتطاع أيام العمل من القضاة المضربين، وطالب باتخاذ جملة الإجراءات الأخرى المنصوص عليها في القانون حتى لا يتكرر المساس بمصالح المتقاضين، حسب تعبيره.

ونقل بيان للرئاسة التونسية عن قيس سعيد قوله إن المرفق العمومي للدولة لا يمكن أن يتوقف، في إشارة إلى إضراب القضاة.

وفي السياق ذاته، اعتبرت مجموعة من المنظمات والهيئات المدنية، بينها الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، إضافة إلى عدد من النشطاء والجامعيين -في بيان- أن انتهاج المسلك الانفرادي المتسلّط لإعفاء القضاة هو ضرب لسلطة الدستور واستمرار في نهج الاستبداد وتوجه خطير نحو الدكتاتورية، وفق تعبير البيان.

واستنكر البيان عمليّة الإعفاء، مشددا على أن هدفها الأساسي ترهيب القضاة وتخويفهم، على غرار ما قامت به حكومة الترويكا عام 2012، على حدّ وصفه.

وأشار البيان إلى أن إصلاح القضاء يجب أن يكون في إطار دولة القانون الحامية للحق في المحاكمة العادلة دونما تضليل أو تحصين للأوامر الرئاسية من الطعن فيها.

كما دعا البيان الشخصيات الوطنية والمنظمات والأحزاب السياسية إلى الوقوف ضد ما وصفه بالحملة الممنهجة التي يتخذها رئيس الدولة من أجل تركيع القضاء، حسب البيان.

من جهة أخرى، قالت حركة مشروع تونس إن إعفاءات القضاة تناقض الدستور والقانون بسبب تحصينها من الطعن.

وأضافت الحركة -في بيان نشرته عبر صفحتها على فيسبوك- إن القضاء مثل غيره من القطاعات يتطلب إصلاحات جوهرية، لكن المرسوم والأمر الرئاسي المذكورين يعارضان مقومات استقلال القضاء ومقومات المحاكمات العادلة.

واعتبر البيان أن العديد من الإعفاءات إضافة لتضاربها مع الدستور والقانون بسبب تحصينها من الطعن، تقوم على شبهات سياسية.

من جانبها، استنكرت حركة النهضة التونسية بشدة ما وصفتها بسياسة التشويه والترهيب الممنهج للقضاة، واعتبرت هذه الخطوة محاولة من الرئيس سعيد لوضع اليد على القضاء وإنهاء استقلالية السلطة القضائية.

بدوره، قال الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي إن إصدار مرسوم رئاسي لعزل 57 قاضيا في هذا التوقيت لا يخلو من ترهيب وتخويف حسب تعبيره. وأضاف الطبوبي في تجمع عمالي لنقابات قطاع النقل بالعاصمة التونسية أن وزيرة العدل مارست ضغوطا عن طريق تدخلها في عدة قضايا.

وفي وقت سابق، أصدر سعيد أمرا رئاسيا يقضي بإعفاء 57 قاضيا من مهامهم، على خلفية اتهامات وُجهت لهم من بينها تغيير مسار قضايا، وتعطيل تحقيقات في ملفات إرهاب وارتكاب فساد مالي وأخلاقي.

وقوبل هذا القرار برفض داخلي من نقابات وأحزاب، إضافة إلى انتقاد دولي حاد، ولا سيما من جانب الولايات المتحدة ومنظمة العفو الدولية.

وعن الإضراب، قالت عضو جمعية القضاة التونسيين عائشة بلحسن، إن “الإضراب متواصل في مقر الجمعية وفي غالبية المحاكم لليوم الثاني وهو ناجح بنسبة عالية”، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن “اجتماعاً سيعقد مساء اليوم في إطار الهيئة التنسيقية للهياكل الجمعية حيث ستقرر التحركات القادمة”.

أوضحت بلحسن أن “الإضراب حدد بـ7 أيام ولكن التصعيد وارد”، مبينة أن “خطوة رئيس الجمهورية باقتطاع أيام الإضراب لن تقود إلى حل، بل عليه الرجوع في قراره القاضي بإعفاء عدد من القضاة”، مشيرة إلى أن “الظلم المسلط على القضاة كبير”.

وأوضحت أن “هناك غياباً للضمانات، والقاضي في مثل هذا الوضع لا يمكنه الجلوس في قاعة المحكمة بأمان”، مشيرة إلى أن القاضي لا يمكنه الحسم في الملفات وهو لا يشعر بالأمان من أي انتقام قد يطاوله”.

وأكدت أن “الإضراب ناجح بنسبة مائة بالمائة في عديد من المحاكم”، مشيرة إلى أن “الإضراب لا يزال قائماً والاعتصام المفتوح مستمرا وتعليق العمل بالمحاكم متواصلا، وسيتم نشر الإحصائيات الخاصة بالإضراب في جل الدوائر مساء اليوم ضماناً للشفافية، ولكنه وبحسب المؤشرات ناجح جداً”.

وتعاني تونس منذ 25 يوليو/تموز 2021 أزمة سياسية حادة حين بدأ سعيد فرض إجراءات استثنائية منها إقالة الحكومة وتعيين أخرى وحل البرلمان ومجلس القضاء وإصدار تشريعات بمراسيم قضائية.

كما قرر إجراء استفتاء شعبي على دستور جديد للبلاد في 25 يوليو/ تموز المقبل وتبكير الانتخابات البرلمانية إلى 17 ديسمبر/ كانون الأول القادم.

وتعتبر قوى تونسية هذه الإجراءات “انقلابا على الدستور”، بينما ترى فيها قوى أخرى “تصحيحا لمسار ثورة 2011″، التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987-2011).

أما سعيد، الذي بدأ في 2019 فترة رئاسية تستمر 5 أعوام، فاعتبر أن إجراءاته هي “تدابير في إطار الدستور لحماية البلاد من خطر داهم”.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق