مقتل قائد الموساد في أربيل… من الإشراف الاستخباراتي لقوی المقاومة إلى تقاعس حكومة الكاظمي
بينما تصدرت الاشتباكات الأمنية الإسرائيلية والتيارات المتنافسة عناوين الأخبار منذ أشهر، وكل يحاول تضييق المجال علی الآخر في هذه الحرب الخفية، أصبح إقليم کردستان في شمال العراق إحدی المناطق الرئيسية لهذه المواجهة الاستخباراتية.
وفي الاتجاه نفسه، فإن استهداف عملاء الموساد(وكالة التجسس الإسرائيلية) خلال هجوم انتحاري بطائرة دون طيار في منطقة بيرمام في أربيل، عاصمة حكومة إقليم كردستان العراق، بالقرب من قنصليات ألمانيا والولايات المتحدة والإمارات في 8 يونيو 2022، أصبح في صدارة نشرات الأنباء في الأيام الأخيرة.
على الرغم من عدم إعلان أي جماعة أو مجموعة رسميًا حتى الآن مسؤوليتها عن هذه العملية المناهضة للصهيونية، لكن من المؤكد أن تصور الدوائر السياسية في المنطقة سيكون على أساس تأثير دومينو هجمات مجموعات المقاومة على أنشطة التجسس للکيان الصهيوني في شمال العراق.
وجاءت هذه الضربة الجوية في وقت سبق أن حذر فيه مقاتلو محور المقاومة من وجود عناصر من الموساد في إقليم كردستان العراق. کما وقع الهجوم الأخير أيضًا في وضع استُهدفت فيه عدة مرات مدينة أربيل ومطارها والمناطق المحيطة بالقنصلية الأمريكية في المدينة من قبل، وكذلك مصفاة كورجوسك لتكرير النفط.
الإشراف الاستخباراتي والميداني للمقاومة علی التحركات الصهيونية في العراق والمنطقة
على الرغم من أن المسؤولين الأمنيين في حكومة إقليم كردستان قد زعموا أنه لم يُقتل أحد في غارة 8 يونيو/حزيران بطائرة دون طيار، بل أصيب ثلاثة مدنيين فقط، لكن حقيقة الأمر أنه خلال هذا الهجوم الدقيق، كشفت معظم المصادر الميدانية عن مقتل ضابط مخابرات يُدعى (إيلاك رون) آسا فلاتس، وهو قائد وحدة الاغتيالات في الموساد.
وفي هذا الصدد، فإن حساب “إنتل سكاي” علی تويتر – الذي يتعامل مع تحليل المخاطر الدولية وتتبع الرحلات الجوية العالمية وأخبار الأزمات – زعم أن مسؤولاً رفيعاً في الموساد قُتل في الهجوم.
وكتب خالد اسكيف، مراسل قناة الميادين اللبنانية، على حسابه على موقع “تويتر”، أن “مصادر عراقية تقول إن رئيس فرقة الاغتيالات في الکيان الصهيوني إيلاك رون، قد قتل في الهجوم”.
وفي وقت سابق، أعلن الأمين العام لكتائب سيد الشهداء في العراق، أن للصهاينة أكثر من عشرين مركزاً استراتيجياً وتكتيكياً في إقليم كردستان العراق.
مقتل قائد وحدة الاغتيالات في الموساد في أربيل، كشف مرةً أخرى الإشراف الاستخباراتي لقوی المقاومة على تحركات الکيان الصهيوني في العراق ومنطقة غرب آسيا بأكملها. وأظهر الهجوم كيف نجحت المقاومة في مراقبة ورصد التحركات الصهيونية في المنطقة، واتخاذ الإجراءات اللازمة في الوقت المناسب.
ويمكن ملاحظة مثال واضح آخر لهذا الإشراف الاستخباراتي والقدرة الخاصة للمقاومة على تدمير القواعد التجسسية للموساد في 13 مارس 2021، في هجوم شنه الحرس الثوري الإيراني على مركزين متقدمين للتدريب تابعين للموساد في أربيل بعشرات الصواريخ والقذائف.
بينما دفع الهجوم الصاروخي للحرس الثوري الإيراني الصهاينة إلى إعادة تنظيم وجودهم الاستخباراتي والعملياتي في هذه المنطقة بمشاركة القنصلية الإماراتية، فإن نجاح وحدات المقاومة في تحديد واغتيال قائد الموساد، يشير إلى فشل الجهود الإسرائيلية أمام الإشراف الاستخباراتي للتيار المنافس.
ارتباك أربيل في إخفاء الضربة التي نفذها محور المقاومة
النقطة الأخرى التي تجب ملاحظتها حول هجوم الطائرات دون طيار على الجواسيس الإسرائيليين في أربيل، هي ارتباك المسؤولين المحليين لإخفاء الحقيقة والتستر على مقتل ضابط إسرائيلي.
على الرغم من أن قوى المقاومة حذرت مرارًا وتكرارًا من وجود الصهاينة في إقليم كردستان العراق، إلا أن مسؤولي هذه المنطقة في كل مرة ادعوا أن وجود عملاء الموساد کذب.
وعلى صلة بالحادثة الأخيرة، ألقى مجلس أمن إقليم كردستان في 9 يونيو 2022، في بيان، باللوم على كتائب حزب الله العراقية في هجوم الطائرة دون طيار على أربيل مساء الأربعاء الماضي.
وأشار مجلس أمن إقليم كردستان العراق، إلى أن وسائل الإعلام في إحدى دول المنطقة قد روجت شائعات بعد الهجوم على أربيل عن استهداف سيارة للموساد الإسرائيلي ومقتل شخص واحد، ووصفها بأنها “شائعات لا أساس لها من الصحة”.
وشدد البيان الصادر عن مجلس أمن إقليم كردستان العراق، على أن إقليم كردستان لن يكون أبداً مكاناً يهدد أي دولة في المنطقة، وأن هذه الدول يجب أن تحترم سيادة العراق وإقليم كردستان العراق.
وفي البيان، ألقى مجلس الأمن التابع لحكومة إقليم كردستان باللوم على حركة كتائب حزب الله العراقية في الحادث، وشدد على أن هذه الحركة نقلت طائرةً مسيرةً انتحاريةً من منطقة “ألتون كوبري” إلى أربيل.
ورداً على محاولات التستر هذه من قبل مسؤولي الإقليم، نفى أبو علي العسكري، القائد الأمني لكتائب حزب الله العراقية، هذه المزاعم وقال إنه لم يكن على علم بالحادث.
وكتب العسكري في رسالة على صفحته على تويتر: “نحن عشية ذكرى استشهاد مجموعة من المؤمنين نتيجة جريمة الکيان الصهيوني بقصفه مقرات الحشد الشعبي في القائم”.
بشکل عام، يمكن اعتبار رد الفعل الأخير للمسؤولين الأمنيين في إقليم كردستان، بمثابة الموجة الثانية من فزعهم في التستر على ضربات قوات المقاومة على خلايا الموساد السرية في شمال العراق.
ورغم أن مسؤولي هذه المنطقة ينفون أي وجود لعملاء الکيان الصهيوني، إلا أن تحركات عملاء الموساد بالتأكيد لم ولن تبقى مخفيةً عن أعين قوى المقاومة.
رد فعل حكومة الكاظمي الملفت للنظر
البعد المهم الآخر لضربة الطائرات دون طيار على مقرات الموساد وقواته في أربيل، هو رد الحكومة العراقية الغريب على الحادث.
حيث أعلن مكتب رئيس الوزراء العراقي في بيان، أن الكاظمي قال في اتصال هاتفي مع رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني، إن “الحكومة تعارض أي ترهيب للمواطنين وانتهاكات للقانون واعتداء على البلاد، وتواصل الحكومة العراقية وبالتعاون مع حكومة الإقليم ملاحقة الأطراف التي تسعى لزعزعة الاستقرار، والضربة الجوية على مدينة أربيل تعكس إصرار بعض الأطراف على تكثيف الفوضى وضرب مفاهيم الحكومة”.
إضافة إلى الكاظمي، أصدر الرئيس العراقي برهم صالح بيانًا على تويتر، قال فيه: إن الهجوم الذي استهدف مدينة أربيل عمل إجرامي مدان ومرفوض، استهدف إجراءات وطنية داعمة لأمن البلاد وحماية أرواح المواطنين”.
يأتي تبني القيادات العراقية لهذا النهج، في وضع لم يعيروا فيه أي اهتمام بطبيعة الحادث والأعراف القانونية في هذا الصدد.
إن أداء حكومة الكاظمي في الحوادث المتعلقة بتحركات وأنشطة الموساد التجسسية في إقليم كردستان، والاتصالات غير الشرعية لعائلة بارزاني بالقادة الصهاينة، کان دائماً مصحوباً بشكل رئيسي بإصدار بيان يدين العمليات المعادية للصهيونية، دون البحث عن الأبعاد الظاهرة والخفية للقضية وتجاهل مسألة الحفاظ على مبدأ السيادة الوطنية وملاحقة تحركات الکيان الصهيوني في مناطق شمال العراق، والتي تحدث بإذن من قادة الإقليم، وهذا في الأساس ضد الإرادة العامة للشعب العراقي وقانون هذا البلد.
هذا في حين أنه وفقاً لقرار مجلس النواب العراقي في 26 مايو 2022 تحت عنوان “تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني” والمتمثل في 10 مواد رئيسية، فإن أي اتصال شخصي أو تنظيمي مع الكيان الصهيوني يعاقب بالإعدام.
وتجدر الإشارة إلی أن وجود قوات الموساد يتجاوز القانون أعلاه، لأن القانون مشروط بالعمل في المستقبل، بينما قوات الموساد موجودة حالياً في الإقليم وتشارك في أنشطة مناهضة للأمن.
لکن على الرغم من صدور هذا القانون، إلا أننا نرى الآن أن حكومة الكاظمي، وخلافًا لواجبها القانوني بتشكيل لجنة تحقيق لاحتواء ومعاقبة العناصر الصهيونية والمتواطئين معهم داخل إقليم كردستان العراق، تدين مقتل عملاء الموساد وهي خطوة مثيرة للتأمل.
لا شك أن موقف مصطفى الكاظمي المخالف للقانون وإرادة الشعب العراقي، قد يزيد الضغط عليه في الأشهر المقبلة، لأن العمل العقلاني للحكومة في الوضع الراهن يجب أن يقوم على تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، وليس إدانة قتل الصهاينة.
المصدر/ الوقت