التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

التحول شرقاً… استراتيجية إيرانية تزدهر عبر الهند 

استراتيجية جمهورية إيران الإسلامية، التي تم تحديدها في السنوات الأخيرة تحت عنوان التحول شرقاً، دفعت الحكومة الإيرانية الثالثة عشرة إلى العمل أكثر لتطوير العلاقات مع الدول الآسيوية.

ولهذه الغاية، وصل وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى نيودلهي يوم الأربعاء الماضي، لإجراء اجتماعات ومشاورات استراتيجية مع كبار المسؤولين الهنود.

خلال هذه الزيارة التي تمت بدعوة رسمية من “سوبرامانيام جايشانكار” وزير خارجية الهند، إضافة إلى المحادثات رفيعة المستوى مع المسؤولين الهنود في نيودلهي، سيزور وزير الخارجية الإيراني أيضًا مدينتي مومباي وحيدر أباد.

وخلال إقامته في الهند، سيجري أمير عبد اللهيان محادثات ولقاءات مع السلطات، فضلاً عن اجتماعات مع علماء دين ومسؤولين وشخصيات محلية، وکذلك رجال أعمال وإيرانيين يعيشون في الهند.

الهدف المهم والرئيسي لهذه الزيارة التي تتم على المستوى السياسي والاستراتيجي، هو تحقيق خارطة طريق لتطوير وتوسيع العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات الثنائية والإقليمية والدولية.

يمكن دراسة زيارة أمير عبد اللهيان إلى الهند في ظل الوضع الراهن من زوايا مختلفة. وبما أن الهند تعتبر من أقوى الدول في المجال الاقتصادي، فإن إيران تحاول تعميق علاقاتها السياسية والاقتصادية مع هذا البلد.

تصدير النفط إلى الهند على رأس الأولويات

بالنظر إلى أن الهند كانت أكبر مشترٍ للنفط الخام الإيراني بعد الصين خلال العقد الماضي، فإن قضية الطاقة كانت دائمًا جزءًا رئيسيًا من العلاقات بين البلدين.

مع زيادة إمدادات النفط الإيرانية إلى الأسواق الدولية في الأشهر الأخيرة، تحاول إيران بيع المزيد من النفط للهند من خلال تطوير العلاقات معها.

هذا في حين أنه منذ بدء الحرب في أوكرانيا، وبسبب العقوبات الغربية ضد روسيا، انخفضت أسعار النفط في هذا البلد، وتعمل الحكومة الهندية بشكل مطرد على زيادة مشترياتها من موسكو وتستخدم خصومات كبيرة لخفض الأسعار. ولذلك، لكي تستمر الهند في شراء النفط الإيراني، وهو ما فعلته في السابق، تحاول إيران الحفاظ على سوقها النفطية الثانية.

كانت إيران ثاني أكبر مورد للنفط للهند حتى سنوات قليلة مضت، لكنها خفضت وارداتها النفطية من إيران بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، والتي شددت العقوبات على إيران. وحتى مع الضغط المتزايد من واشنطن، سرعان ما خفضت الواردات من إيران إلى الصفر وبحثت عن بدائل أخرى، أحدها كان العراق الذي يزوِّد الهنود الآن بجزء من احتياجاتهم النفطية.

وتظهر البيانات أن واردات الهند من النفط الخام من العراق زادت منذ أوائل عام 2022، لتصل إلى ذروتها بنحو 1.3 مليون برميل يومياً، وهو ما يمثل نحو 28٪ من إجمالي واردات النفط الخام لثالث أكبر اقتصاد في آسيا.

وبالنظر إلى أن النفط الإيراني يمثل ميزةً للهند نظرًا لقربه وفاعليته من حيث التكلفة، فإن السلطات الهندية تنتظر عودة النفط الإيراني إلى الأسواق العالمية.

وحسب التقارير، فقد تعرضت الهند لضغوط مالية من ارتفاع أسعار النفط الخام، لكن مصافيها تأمل في عودة أسرع للخام الإيراني لتهدئة الوضع بدلاً من اللجوء إلى الخام الروسي بتخفيضات كبيرة، لأن العديد من هذه المصافي ليست معتادةً على معالجة هذه الدرجة على نطاق واسع.

ومع ذلك، فإن شراء كميات كبيرة من الشحنات الروسية الرخيصة قد لا يكون من الحكمة بالنسبة للعديد من المصافي الهندية. إذ تأخذ معظم المصافي في الاعتبار خطط توليد الوقود وكذلك النماذج الخطية لتخطيط المصفاة، قبل تغيير تراكيب النفط بشكل كبير.

وعلى الرغم من زيادة واردات الهند من النفط من روسيا في الأشهر الأخيرة، فإن هذه الكمية أقل بكثير من شراء النفط من الدول الخليجية. وكما أقر وزير النفط الهندي قبل شهرين، يحتاج هذا البلد إلى ما مجموعه 5 ملايين برميل يوميًا من النفط الخام، يأتي نحو 60 في المئة منها من الخليج الفارسي و 2 في المئة فقط من روسيا.

وعلى الرغم من فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على النفط الروسي وحديث الروس أنهم سيجدون عملاءً جدداً في آسيا، فمن نافلة القول إن جزءًا كبيرًا من صادرات النفط الروسية إلى أوروبا يتم نقله عبر خطوط الأنابيب، ويتطلب تغيير مسار براميل النفط هذه إلى الأسواق الآسيوية بنيةً تحتيةً جديدةً مكلفةً، وسيستغرق بناؤها سنوات.

ولذلك، ستواجه الهند العديد من الصعوبات في تلبية احتياجاتها النفطية عبر روسيا، وفي الوضع الحالي، يعتبر طريق إيران هو أقصر الأسواق وأكثرها اقتصاداً للهنود، والمسؤولون في هذا البلد يدركون جيداً هذه المسألة.

وبالتالي، تحاول السلطات الإيرانية في لقاءاتها مع مسؤولي نيودلهي إنعاش السوق الهندية في حال رفع العقوبات، وهذه المرة لتصدير كميات كبيرة من النفط إلى هذا البلد.

لقد زادت احتياجات الهند من الطاقة بسبب النمو الاقتصادي السريع، وارتفاع الطبقة الوسطى وزيادة مشتريات السيارات. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أنه بحلول عام 2040، ستستهلك الهند ربع إنتاج الطاقة في العالم، وبالتالي، يمكن لإيران تلبية الكثير من احتياجات الهند من الطاقة في المستقبل.

لطالما كانت المصافي الهندية من كبار المشترين للنفط الإيراني، وأعلنت عن استعدادها لاستئناف الواردات الضخمة من إيران إذا تم التوصل إلى اتفاق لإحياء الاتفاق النووي.

ونظرًا لأن هذه المصافي قد استخدمت النفط الخام الإيراني من قبل، فإنها لا تحتاج إلى اختبار النفط في منشآتها، ويمكن شراء النفط من إيران بسرعة.

حقيقة أن المسؤولين الهنود أقنعوا الأمريكيين مرارًا وتكرارًا بإعفائهم من شراء النفط من إيران في السنوات الأخيرة، تظهر أن النفط الإيراني له أهمية خاصة للهنود، الذين يمكنهم بسهولة دخول الأسواق الإيرانية إذا تم رفع العقوبات.

الهند، مثل الصين، لم تقطع وارداتها النفطية من إيران خلال فترة العقوبات، وواصلت مشترياتها إلى حد محدود ولا تريد أن تفقد هذا السوق المربح، وهي الآن تنتظر نتائج الاتفاق النووي بين إيران والغرب لزيادة واردات النفط بسرعة من إيران، إذا تم رفع العقوبات.

وعلى الرغم من أن الهند قد انحازت في الماضي إلى سياسات الولايات المتحدة في المنطقة والعالم بسبب علاقاتها الواسعة معها، إلا أنها اتبعت في السنوات الأخيرة سياسات مستقلة لا تتماشى مع خطط الولايات المتحدة.

أصبح الهنود، مثل الصين، يعتقدون أن المصالح الوطنية والاقتصادية هي أولوية بالنسبة لهم، ويحددون علاقاتهم مع الدول الأخرى على أساس المصالح الوطنية، وليس على أساس رغبات الغرب.

لذلك، نظرًا للتوسع الاقتصادي للهند، سيتخذ هذا البلد المزيد من المواقف المستقلة في المستقبل، وتعميق العلاقات الاقتصادية مع إيران يتم في نفس الاتجاه.

حجم التبادل التجاري الكبير بين الهند وإيران

إضافة إلى صادرات النفط، فإن العلاقات الاقتصادية بين إيران والهند مهمة في مجالات أخرى، والسلع بين البلدين مكملة لبعضها البعض.

حتى ما قبل ثلاث سنوات، كان التجار والشركات الإيرانية يعتمدون بشكل كبير على النفط فقط للتجارة مع الهند، ولكن الآن هناك مجموعة واسعة من التبادلات بين البلدين، بحيث يلبي كل منتج احتياجات سوق الآخر.

ووفقًا لآخر إحصائيات وزارة التجارة الهندية، وصل حجم العلاقات التجارية بين البلدين في عام 2018 إلى أعلى مستوى وهو 17 مليار دولار. ومع ذلك، مع بدء العقوبات الأمريكية وتراجع مشتريات النفط والمنتجات البتروكيماوية الإيرانية، تراجعت العلاقات التجارية الثنائية إلى مليارين و 106 ملايين دولار في عام 2020.

من ناحية أخرى، وضع البلدان حلولاً مختلفةً على جدول الأعمال من أجل إزالة القيود ومحاولة تطوير التجارة بين البلدين. ومن بين هذه الاستراتيجيات، توقيع اتفاقية تعاون تجاري للمساعدة في حل الخلافات التجارية بين الفاعلين الاقتصاديين، وتسهيل وتسريع التعاون، وإبرام العديد من وثائق التعاون الأخرى. والعلاقات الاقتصادية بين البلدين مهمة للغاية، لدرجة أنه تم إنشاء غرفة تجارة مشتركة بين طهران ونيودلهي.

تشمل العلاقات التجارية بين إيران والهند النفط والمنتجات الزراعية والبتروكيماويات والآلات والمرافق. من ناحية أخرى، استثمرت الهند في أجزاء استراتيجية من إيران، مثل ميناء شهيد بهشتي في تشابهار، من أجل الوصول إلى أفغانستان بالإضافة إلى إيران.

تريد الهند توسيع نفوذها الاقتصادي ليشمل دول آسيا الوسطى وأفغانستان، وتعتبر تشابهار بوابةً لهذه الدول، وتريد إيران تطوير هذا الميناء الاستراتيجي وتوسيع العلاقات الاقتصادية مع الهند.

من الناحية الاقتصادية، سيسمح ميناء تشابهار للهند بإقامة علاقات تجارية مع أفغانستان عبر تجاوز باكستان. وسيساعد تطوير تشابهار في تنفيذ مشروع “ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب”، وهو ممر يربط دول شمال أوروبا وروسيا عبر إيران وبحر قزوين بدول المحيط الهندي وجنوب الخليج الفارسي وجنوب آسيا.

في هذه الأثناء، يمكن لميناء تشابهار، كميناء استراتيجي، أن يلعب دورًا مهمًا في طريق العبور السريع هذا، وأن يكون بوابةً للتجارة بين شرق إيران وآسيا الوسطى، وقد استثمر الهنود في هذا الميناء بناءً على الحسابات الاقتصادية والاستراتيجية نفسها.

وفي حال رفع العقوبات عن إيران وتطوير العلاقات بين طهران ونيودلهي، ستتوسع أيضًا أنشطة الشركات الهندية في ميناء تشابهار، ويمكن أن تحول هذه المنطقة إلى مركز اقتصادي في المحيط الهندي وبحر عمان.

إلى جانب القضايا الاقتصادية، أصبحت قضية أفغانستان إحدى ركائز التعاون المشترك بين إيران والهند. وبالنظر إلى تزايد التهديدات وانعدام الأمن في أفغانستان خلال العام الماضي ووجود المخاوف من انتشارها إلى دول المنطقة، تعمل طهران ونيودلهي على إحلال السلام والاستقرار في أفغانستان في أقرب وقت ممكن، كما ازداد التعاون بين الجانبين في سياق الاجتماعات الأخيرة بشأن أفغانستان.

نظرًا للزيادة الكبيرة في واردات النفط والغاز، تفكر الهند بشكل متزايد في أمن الطاقة وبناء تحالفات استراتيجية مع أصحاب موارد الطاقة. ويمكن لإيران، نظرًا لإمكانياتها الاقتصادية وموقعها الجغرافي الملائم، أن تكون خيارًا أفضل لتلبية احتياجات الهند من الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى، والحكومة الهندية تعترف بذلك أيضًا.

إن سياسة تطوير علاقات إيران مع الهند تندرج في إطار سياسة التطلع إلى الشرق، ويمكن لمسؤولي الحكومة الإيرانية الثالثة عشرة الاعتماد على الهند كواحدة من أكبر اقتصادات المنطقة، في بيع الموارد النفطية وزيادة صادرات السلع غير النفطية.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق