التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 24, 2024

إعادة بناء العلاقات بين حماس وسوريا… الأبعاد والتداعيات الاستراتيجية 

بعد عقد من الأزمات التي خلقتها الجبهة الغربية – العبرية – العربية للإطاحة بالنظام السوري، لم تفشل هذه الجهود فحسب، بل حتى الدول العربية التي رفعت ذات يوم راية العداء لسوريا، تحركت نحو إعادة بناء العلاقات مع دمشق في انتكاسة واضحة، بحيث نری اليوم حراكاً سياسياً مکثفاً لإعادة العلاقات مع دمشق في العالم العربي.

لكن في غضون ذلك، على الرغم من أنه كان من المتوقع أن يكون الحلفاء السابقون للنظام السوري من الفصائل الفلسطينية هم أول الفاعلين العرب الذين يدعمون إعادة بناء التحالفات مع سوريا، بسبب وجود عدو مشترك ومصالح إقليمية إستراتيجية وتاريخ تعاون مشترك واسع، ولکن كان هذا مصحوبًا بتأخير لا داعي له.

تفيد الأنباء الآن أن الفصائل الفلسطينية في طريقها إلى المصالحة مع دمشق هذه الأيام. وفي هذا الصدد، أعلن مسؤول في حركة حماس الفلسطينية أن العلاقات بين هذه الحركة وسوريا تسير على طريق الانتعاش بعد 10 سنوات.

وقال المسؤول الفلسطيني إن الاتصالات مع سوريا تتحسن وإنها في طريقها للعودة، وإن قادة حماس قاموا بزيارات عديدة إلى دمشق. وقال مسؤول حماس إن سوريا تدعم القضية الفلسطينية وشعبها، وحماس معنية بعلاقاتها مع سوريا وجميع الدول العربية.

يُذکر أن قادة حماس بدأوا علاقات غير رسمية مع سوريا قبل ثلاث سنوات، والآن من المقرر أن يتم الإعلان عن هذه العلاقات.

وتأتي محاولة الفلسطينيين الاقتراب من الحكومة السورية بعد تدهور العلاقات بين حماس والنظام السوري منذ اندلاع الحرب الأهلية في البلاد عام 2011، ومنذ ذلك الحين اتخذت حركة حماس مواقف متعارضة ضد النظام السوري.

لقد نأت حماس بنفسها عن سوريا في بداية الأزمة السورية تحت تأثير الأنظمة العربية، ولا سيما تصرفات الحكومات الإخوانية في تركيا وقطر ومصر(في عهد محمد مرسي)، لكن بعد أن أدركت الأهداف الخفية للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، انفصلت عن جبهة دعم الإرهاب في سوريا وسعت في السنوات الأخيرة إلى إقامة علاقات مع دمشق.

وکان إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، قد قال قبل ثلاث سنوات، عندما انتشرت أنباء عن إقامة علاقات مع الحكومة السورية، إن الحركة قطعت العلاقات مع سوريا على أساس مبادئها المحددة، وقرار قطع العلاقات مع دمشق كان صائباً في وقته، وإذا أقيمت العلاقات مع دمشق فسيكون بناءً على شروط ومتطلبات الحاضر.

دعم سوريا القديم للفلسطينيين

لطالما كانت الحكومة السورية أحد الداعمين الرئيسيين للفصائل الفلسطينية ضد الکيان الصهيوني، وقدمت دعماً شاملاً لهذه الفصائل.

کما دعمت سوريا اللاجئين الفلسطينيين الذين فقدوا منازلهم نتيجة الاحتلال منذ قيام الکيان الصهيوني، واستضافت آلاف الفلسطينيين على أراضيها. حتى في الحروب العربية الإسرائيلية الأربع، لعبت سوريا دورًا رائدًا في محاولة إعادة الأراضي المحتلة إلى الفلسطينيين، وهي سياسة استمرت طوال العقود السبعة الماضية، وكانت دمشق دائمًا داعمًا رئيسيًا للشعب الفلسطيني.

وفي معركة سيف القدس، خصصت سوريا غرفة تنسيق مشتركة لقوات جبهة المقاومة، والتي لعبت دورًا مهمًا في هزيمة الجيش الصهيوني في هذه المعركة. ويمكن لسوريا، بسبب حدودها المشتركة مع الأراضي المحتلة، أن تلعب دورًا مهمًا في تقوية مجموعات المقاومة في كل من لبنان وفلسطين. وبما أن محور المقاومة يمتد من إيران إلى لبنان، تلعب سوريا دورًا محوريًا في هذا الحزام الأمني.

بدأت الحرب في سوريا بهدف إضعاف محور المقاومة، لكن بعد 11 عامًا على الأزمة السورية، لم يضعف الآن محور المقاومة فحسب، بل وصل إلى ذروة قوته مع هزيمة الجماعات الإرهابية، وفي السنوات الأخيرة أضيفت أطراف جديدة في العراق واليمن إلى محور المقاومة.

لذلك، يمكن لحماس أن تتمتع بدعم المقاومة في المنطقة، من خلال تحسين العلاقات مع سوريا. كما أنه في معركة سيف القدس التي دارت العام الماضي مع الجيش الصهيوني، قدمت غرفة المقاومة المشتركة في المنطقة الدعم اللوجستي والعسكري للفلسطينيين، وانتهت أخيرًا حرب الـ 11 يومًا مع انتصار فصائل غزة.

ويعتقد بعض المراقبين أن علاقات حماس القوية مع إيران من جهة، وتوتر علاقات الحركة مع السعودية، وتحول أردوغان غير المتوقع لإعادة بناء العلاقات مع إسرائيل، من جهة أخرى، سرّعت عودة علاقات حماس مع سوريا.

وبما أن سوريا هي نقطة ربط محور المقاومة من إيران إلى لبنان، فإن الفلسطينيين يدركون جيداً موقع سوريا الجيوسياسي المهم ودورها الاستراتيجي في ساحة التطورات الفلسطينية.

وبالنظر إلى أن ضغط الجبهة الغربية – العبرية – العربية على حماس قد ازداد في السنوات الأخيرة، وبمعنى آخر أصبح الحصار المفروض على فصائل غزة أكثر إحكامًا، فإن حل الخلافات مع سوريا يوفر الأساس اللازم لمواجهة هذه التهديدات، فضلاً عن تشكيل جبهة سياسية أكثر تماسكًا ضد الأعداء الخارجيين.

دور سوريا المحوري في إضعاف الکيان الإسرائيلي

من وجهة النظر الاستراتيجية، يمكن أن يلعب تآزر الفصائل الفلسطينية وسوريا دورًا رئيسيًا في تعزيز توازن التهديد بين جبهة المقاومة والکيان الإسرائيلي.

إن زيادة التحركات الأمنية والعسكرية للکيان الصهيوني في السنوات الأخيرة في المناطق الحدودية بين غزة وسوريا، تشير في الواقع إلى تزايد ضعف الکيان في مواجهة الأخطار المتزامنة من مختلف الجبهات.

ويمكن لمرتفعات الجولان التي احتلها الصهاينة منذ عقود، أن تلعب دورًا مهمًا في ضرب إسرائيل بسبب موقعها في محور المقاومة. ومع تحول الوضع الأمني ​​في مرتفعات الجولان من التوترات السلبية والكامنة إلى التوترات النشطة، فإن سوريا تتصل فعليًا بالضفة الغربية، مما يترك إسرائيل محاصرةً بالكامل من قبل المقاومة. لذلك، فإن تفعيل جبهة الجولان يتطلب وحدة وتضامن فصائل المقاومة، وخاصةً سوريا والفصائل الفلسطينية في غزة.

وإذا ارتبطت سوريا مباشرةً بالضفة الغربية، فإن الطريق لمساعدة حماس والجماعات الفلسطينية الأخرى في القتال ضد الصهاينة ستكون سهلةً، وفي هذه الحالة لن يتمكن الکيان الإسرائيلي من الإقدام بسهولة علی مغامرة عسكرية في غزة، رغم أن القوة العسكرية لمقاومة غزة قد سلبت بالفعل مثل هذه الإمکانية من الصهاينة إلى حد كبير.

الآن أيضًا، يمكن اعتبار سياسة التقارب الجديدة لحماس من سوريا على أنها استراتيجية لتقوية الجبهة المناهضة للصهيونية في المنطقة. لأن تزايد التهديدات على حدود الأراضي المحتلة وقلق الصهاينة من وقوع قتال على جبهات مختلفة، يجعل الفلسطينيين أقوى ضد إسرائيل.

وبالنظر إلى الانتصارات التي حققتها حماس على الکيان الصهيوني في السنوات الأخيرة، في حال إعادة العلاقات الرسمية للحركة مع دمشق، فإن ذلك سيحسِّن مكانة حماس في ساحة التطورات الداخلية في فلسطين، وحتى على الساحة الإقليمية.

بعد معركة سيف القدس، ازدادت علاقات حماس مع محور المقاومة بشكل كبير، وحظيت هذه الحركة، بالإضافة إلى الجانب العسكري، بمكانة مهمة على الصعيدين الإقليمي والدولي. لذلك، فإن قادة حماس يدركون جيداً أن إقامة علاقات مع جميع أطراف المقاومة، ولا سيما سوريا، هي سياسة استراتيجية.

إن أهم نقطة مشتركة بين حماس ومحور المقاومة هي العداء للکيان الصهيوني وتحرير الأراضي الفلسطينية، وإذا تم ربط جميع أعضاء هذا المحور في شكل سلاسل، فيمكنهم إضعاف الکيان ودفعه في النهاية إلى حافة الانهيار.

وبحسب المراقبين، فقد خلص مسؤولو حماس أيضًا إلى أن العلاقات القوية مع دمشق ضرورية كأحد المجالات الرئيسية للمقاومة في شكل خطة إستراتيجية، لإحباط مؤامرات الجبهة العبرية الغربية ضد فلسطين.

وبالنظر إلى نجاح سوريا في هزيمة السياسات العبرية والغربية وزيادة القدرات العسكرية لحماس، أدرك الطرفان أنهما بحاجة إلى بعضهما البعض للمضي قدمًا في خططهما ضد تهديد مشترك اسمه إسرائيل.

ولأن سوريا بوابة للمساعدات العسكرية لغزة، فإن الفصائل الفلسطينية في غزة تقف أيضًا باسم محور المقاومة ضد الصهاينة، وبتعزيز أذرع المقاومة في المنطقة سيكون الصهاينة محاصرين من جميع الجهات.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق