حقوق إيران المائية رهينة لدى طالبان
بعد وصول طالبان إلى السلطة في أفغانستان، أصبحت قضية حقوق إيران المائية من نهر هلمند تحدياً كبيراً بين الجانبين، وعلى الرغم من عقد 25 اجتماعاً في البلدين، لم يتم التوصل إلى اتفاق جدي حتى الآن.
وفي اجتماع عقد مؤخراً في طهران الأسبوع الماضي بين وفد من طالبان ومسؤولين إيرانيين معنيين، ادعى الأفغان أنه تم التوصل إلى اتفاق. وحسب مسؤولي طالبان، اتفقت طهران وكابول على بناء منشآت مشتركة ومحطات لقياس المياه، بهدف حل مشكلة حقوق إيران المائية.
وعلى الرغم من أن المتحدث باسم طالبان قال إن قضية حقوق إيران المائية قد تم حلها بين الجانبين، إلا أنه قال إنه إذا توافرت لأفغانستان ما يكفي من المياه، فإن إيران ستستفيد منها أيضًا وستستمر إمدادات المياه لإيران كما في السنوات السابقة.
كما قال نائب المتحدث باسم طالبان، إن أفغانستان تفي بجميع التزاماتها السابقة تجاه إيران. كما أعلنت وزارة الطاقة والمياه التابعة للحكومة المؤقتة لطالبان، أن بناء سد “كمال خان” على نهر هلمند بهدف إدارة مياه أفغانستان، سيكتمل قريبًا.
وأعرب الجانب الإيراني في لقاء أخير مع وفد طالبان عن احتجاجه الشديد على عدم استلام الحقوق المائية خلال العامين الماضيين، وعبَّر عن أمله في أن تتعاون السلطات الأفغانية في هذا الصدد.
على الرغم من تصريحات مسؤولي طالبان، يتضح من مضمون تصريحات المسؤولين الإيرانيين أنهم غير راضين تمامًا عن مسار المحادثات، ويبدو أنه لا تزال هناك خلافات جوهرية في هذا الصدد.
وفي هذا الصدد، وبشأن تفاصيل اللقاء الأخير مع طالبان، قال نائب وزير الطاقة الإيراني إنه في الاجتماع الأخير، طلب الوفد الإيراني زيارة محطة قياس المنبع لسد “كاجاكي” بناءً على الآلية المنصوص عليها في اتفاقية عام 1972، للتحقق من الإحصائيات التي قدمها الجانب الأفغاني عن السنة المائية الحالية وكمية المياه، ولکن لم يتم توفير ذلك لإيران حتى الآن.
وحسب المسؤول الإيراني، أدى التحرك الأفغاني إلى حرمان إيران من حقوقها المائية القانونية، فضلاً عن جفاف منطقة هامون الرطبة والمشاكل البيئية في محافظة سيستان وبلوشستان.
وقد أعربت إيران مرارًا عن استيائها من أداء المسؤولين الأفغان في تأمين حقوقها المائية، ودعت العام الماضي حكومة طالبان المؤقتة إلى الالتزام باتفاقية هلمند.
وعلى الرغم من أن الأفغان يقولون إن بناء سد كمال خان لن يمنع دخول المياه إلى إيران، إلا أن إيران قلقة من أن بناء هذا السد سيعطل تدفق المياه من هلمند، أحد موردي المياه الرئيسيين لبحيرة هامون، ويؤدي في نهاية المطاف إلی تجفيفها؛ حدثٌ يمكن أن يعطل إمدادات المياه للمدن الرئيسية في مقاطعة سيستان وبلوشستان الإيرانية.
خلال العام الماضي، صرحت إيران مرارًا وتكرارًا أن حقوقها المائية من هلمند لم يتم توفيرها، وقد خلق ذلك تحديات لمقاطعات إيران الشرقية على الحدود مع أفغانستان، والتي تعتمد على مياه هلمند.
طالبان وعلى الرغم من مزاعمها بتزويد إيران بالمياه، لم تتخذ عمليًا أي إجراء لحصول إيران علی موارد هلمند، وقامت بطريقة ما بتسييس القضية لعلها تقنع إيران بهذه الطريقة بالاعتراف بحكومتها. لکن إيران صرحت بأنها ستقدم شكوى إلى السلطات الدولية إذا لم تسلم أفغانستان حقوقها المائية.
أحكام معاهدة هلمند
تم التوقيع على معاهدة نهر هلمند بين حكومتي إيران وأفغانستان في مارس 1972، والتي تم بموجبها الاتفاق على منح الحقوق المائية الإيرانية للأغراض الزراعية في المدن الحدودية الإيرانية.
ظلَّ هذا الاتفاق ساري المفعول بشكل أو بآخر حتى العام الماضي، عندما شكَّل صعود طالبان للسلطة تحديًا خطيرًا في هذه القضية، وحاولت طالبان تقليص حصة إيران من مياه هلمند بذرائع مختلفة.
ينبع نهر هلمند من مكان بالقرب من كابول ويدخل في سد يسمى كاجاكي، وفي الواقع فإن مسافة 700 كيلومتر من النهر إلى الحدود الإيرانية هي المكان الذي تقاس فيه الحقوق المائية الإيرانية.
وفقًا لمعاهدة هلمند، تم تحديد الحقوق المائية الإيرانية في السنوات المائية العادية، وتحديد السنة المائية العادية يتم في محطة منبع سد كاجاكي وتعادل 820 مليون متر مكعب من المياه سنوياً ونحو 26 متراً مكعباً في الثانية، وهي بالطبع تختلف باختلاف المواسم والأشهر.
حسب الاتفاقية، تعهدت الحكومة الأفغانية بعدم اتخاذ أي إجراء لحرمان إيران من إمدادات المياه في هلمند، لكن تصرفات الحكومة الأفغانية في السنوات الأخيرة كانت مخالفةً لبنود هذا الاتفاق وانخفضت حصة إيران من إمدادات المياه عاماً بعد عام، وفي العام الماضي كانت قريبةً نوعًا ما من الصفر.
ووفقًا لمسؤولين في وزارة الطاقة الإيرانية، تدفقت أقل من 4 ملايين متر مكعب من المياه إلى إيران منذ وصول طالبان إلى السلطة، وهو عدد ضئيل مقارنةً بـ 820 مليون متر مكعب. وبعبارة أخرى، فإن أقل من واحد بالمئة من حقوق إيران المائية وصل وفقاً للاتفاقات.
كارثة في محافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية
نظرًا لأن نهر هلمند يتدفق عبر المناطق القاحلة وندرة المياه في منطقة سيستان وبلوشستان، فهو مهم جداً لجنوب شرق إيران لتوفير مياه الشرب والزراعة، وإذا تم تخفيض حصة إيران من المياه، فقد يكون لذلك عواقب اقتصادية وبيئية على المناطق الجنوبية الشرقية من إيران.
بعد سيطرة طالبان على أفغانستان ودعوتها الشركات الأجنبية لبناء سد في منطقة كمال خان على نهر هلمند، دخلت الخلافات مرحلةً جديدةً. وبسبب أزمة المياه في المناطق الشرقية من إيران، بما في ذلك 140 ألف هكتار من الأراضي في زابل، واجهت إيران حكومةً وشعباً العديد من المشاكل.
وبالنظر إلى أن مياه هلمند هي أحد مصادر المياه المهمة في المناطق الشرقية من إيران، فهي حيوية للزراعة ورفاهية شعب سيستان وبلوشستان. وبسبب الحرارة غير المسبوقة في الصيف وكذلك لمنع عواقب الجفاف في سيستان وبلوشستان، فإن مسألة المياه وتنفيذ معاهدة هلمند مهمة للغاية.
تدعو إيران إلى تنفيذ جميع البنود المتعلقة بمعاهدة هلمند من أجل منع المشاكل التي قد تنشأ في سيستان وبلوشستان بسبب تقليص حقوقها المائية، لكن مسؤولي طالبان أظهروا من الناحية العملية أنهم لا يهتمون بمخاوف إيران، وأنهم يسعون فقط لتحقيق مصالحهم الخاصة.
ويظهر نقل الحقوق المائية الإيرانية إلى الأهوار المالحة في أفغانستان، والتي لا فائدة منها للزراعة، العرقلة التي يقوم بها الأفغان في هذا الصدد.
سيؤدي تدفق المياه من أفغانستان إلى إيران إلى ازدهار الزراعة في منطقة سيستان وبلوشستان وسيتم حل العديد من مشاكل المزارعين، لكن انتهاك حكومة طالبان لمعاهدة هلمند سيتسبب في أضرار لا يمكن إصلاحها لبيئة سياستان وبلوشستان، وفقدان الزراعة في هذه المنطقة، سيؤدي إلى هجرة واسعة النطاق من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية.
الحقوق المائية مقابل الاعتراف بحكومة طالبان
أشارت طالبان مرارًا إلى المشاكل الفنية كسبب لنقص المياه التي تصل إلى حدود إيران، لكن بالنظر إلى أن هذه المشكلات الفنية قد ظهرت فور وصول طالبان إلى السلطة، فإن ذلك يدل على أن طالبان تقدم الأعذار في هذا الصدد، حتى لا تحصل إيران على حقوقها المائية من هلمند.
وبما أنه لم توافق أي دولة حتى الآن على الاعتراف بحكومة طالبان، وتحاول الجماعة إقناع المجتمع الدولي بالاعتراف بحكومتها المؤقتة، يرى بعض الخبراء أن على إيران أن تجعل الاعتراف بطالبان مشروطاً بحل قضية الحقوق المائية في هلمند.
على مر السنين الماضية، قامت أفغانستان، بمساعدة بعض البلدان، ببناء العديد من السدود عند منبع نهر هلمند لتلبية احتياجاتها المحلية في أوقات الجفاف ونقص الأمطار السنوية، وقد تسببت هذه المسألة في انخفاض جزء من حقوق إيران المائية بمرور الوقت.
ويعتقد الأفغان أن الماء الذي يأتي من هذا البلد هو حقهم الطبيعي، ولا يلتفتون إلى المعاهدات والقوانين الدولية الموجودة حول الأنهار الحدودية.
يعتقد بعض المراقبين أن أفغانستان تحاول تحويل حصة إيران من المياه إلى مناطق زراعة الخشخاش من خلال بناء السدود وتخزين المياه، ولن يتم حل هذا الخلاف بين إيران وأفغانستان حتى تقرر طالبان زراعةً بديلةً للخشخاش.
تستغل أفغانستان هذا النهر لوقوعه في الروافد العليا لنهر هلمند ووفقًا لمبدأ السيادة الإقليمية، وکان حكام هذا البلد يعتقدون دوماً أن حق استخدام الموارد المائية هو احتكارهم الكامل، كما أن عدم احترام حقوق إيران المائية يرجع إلى السياسة نفسها التي كانت سائدةً بين الأفغان في السنوات الأخيرة.
والآن أيضًا، إذا لم تسمح طالبان لإيران بالتمتع بحقوقها المائية، فستظهر مشاكل كثيرة في العلاقات بين البلدين الجارين، وسيدفع ذلك الحكومة الإيرانية إلى ممارسة حقوقها عبر السلطات الدولية.
المصدر/ الوقت