“الغرب أم روسيا”.. من المسؤول عن أزمة الغذاء
بعد أربعة أشهر من اندلاع حرب أوكرانيا، اتسع نطاق هذه الازمة وانتشرت عواقبها الوخيمة إلى جميع البلدان. ولقد أثرت الحرب على أسواق الغذاء في العالم أكثر من غيرها، ومع نقص الغذاء وارتفاع الأسعار، يلوم الغرب وروسيا الآن بعضهما البعض على حدوث هذه الأزمة. إن الغربيين، الذين يبرئون أنفسهم دائمًا من أي أزمة عالمية ولا يتحملون أي مسؤولية، حاولوا أيضًا إلقاء اللوم على خصمهم في أزمة أوكرانيا، وقالوا إن موسكو هي سبب كل الأزمات في العالم. واستخدم المسؤولون الغربيون والأوروبيون الإمبراطورية الاعلامية لتكثيف هجماتهم الإعلامية على روسيا، في محاولة لإلقاء اللوم على أزمات الطاقة والغذاء التي شكلت تحديًا كبيرًا للدول.
ويزعم الغربيون أن روسيا سيطرت على البحر الأسود ومنطقة آزوف، حيث يتم تصدير الحبوب الأوكرانية، ولا تسمح بتصدير هذه المنتجات حاليا. ووفقًا للغربيين، لم يتم استخدام حوالي 20 مليون طن من الحبوب في الصوامع الأوكرانية، ما أدى إلى نقص الغذاء في العالم. ويتم تصدير معظم الحبوب الأوكرانية عن طريق السفن التجارية إلى بلدان أخرى، حيث أصبح البحر الأسود الآن محجوبًا كطريق لعبور الحبوب بسبب السيطرة الروسية، وأوكرانيا ليس لديها سكك حديدية أو طرق للوصول إلى أجزاء أخرى من البلاد. ويزعم المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون أن موسكو تعمدت رفع أسعار المواد الغذائية من أجل زعزعة استقرار الوضع العالمي، وتتعمد استخدام الجوع كسلاح حرب وتأخذ العالم بأسره كرهينة.
روسيا: الغرب هو الجاني الرئيسي
على الرغم من أن الغربيين يلومون روسيا على أزمة الغذاء العالمية، يقول المسؤولون الروس إن أزمة الغذاء بدأت قبل حرب أوكرانيا وليس لها علاقة بالصراع الأخير، وإنما هي نتاج لإجراءات الاقتصاد الكلي الغربية المدمرة. ووفقًا للروس، مع تفشي فيروس كورونا على نطاق واسع في العالم منذ ثلاث سنوات، دخل الاقتصاد العالمي في أزمة كبيرة وهز العرض والطلب في العالم وزاد أسعار المواد الغذائية، لكن حرب أوكرانيا كثفت هذه الأزمة وإن الغربيين ينسبون أزمة الغذاء إلى عواقب حرب أوكرانيا، وهي حجة زائفة. أيضًا، وفقًا للإحصاءات العالمية، كان الجفاف الناجم عن تغير المناخ والاحترار العالمي في السنوات الأخيرة أحد العوامل المهمة في زيادة أسعار المواد الغذائية ونقصها.
لطالما أعلنت روسيا عن استعدادها لنقل الحبوب الأوكرانية إلى الخارج، وألقت باللوم على الغرب في حدوث هذه الأزمة. كما تلقي روسيا باللوم على العقوبات الغربية الواسعة النطاق على البلاد كأحد الأسباب الرئيسية لأزمة الغذاء، وتقليص صادراتها إلى دول أخرى. ولقد صرح الروس مرارًا وتكرارًا بأنهم لن يستخدموا صادرات الحبوب لأغراض عسكرية. وتقول موسكو إن العقوبات الغربية ضد النظام المصرفي في البلاد وصناعة الشحن تجعل من المستحيل تصدير المواد الغذائية والأسمدة الكيماوية وتمنع شركات الشحن الأجنبية من حملها. ويصر المسؤولون الروس على رفع العقوبات لجلب الحبوب إلى الأسواق العالمية، لكن القادة الأوروبيين نفوا هذه المزاعم، قائلين إن العقوبات لا علاقة لها بصادرات الغذاء.
وفي غضون ذلك، قالت روسيا إن زرع ألغام أرضية بالقرب من الموانئ الأوكرانية في بحر آزوف والبحر الأسود لا يسمح للبضائع بالخروج. وقالت روسيا إنها مستعدة لإنهاء الأزمة على سفن الحبوب، لكن على أوكرانيا أولاً إزالة الألغام الأرضية من الموانئ وخطوط الشحن لسفن الشحن. وطالب الروس أيضًا بفحص السفن التجارية التي تحمل أسلحة إلى أوكرانيا قبل دخولها الموانئ الأوكرانية حتى يتم تصدير الحبوب كالمعتاد. لكن على الرغم من استعداد الروس لتصدير الحبوب من الموانئ الأوكرانية، لم يكن هناك أي محاولة من قبل الغرب لتفكيك الألغام البحرية والتأكد من عدم نقل الأسلحة على السفن، ما أدى إلى نقص الغذاء العالمي. وهكذا، فإن الغربيين، أكثر من الروس، هم السبب الرئيسي لاستمرار هذه الأزمة العالمية، وعلى الرغم من الادعاء الظاهر، فإنهم لا يساعدون في حل هذه المشكلة التي تزداد انتشارًا يومًا بعد يوم.
ويتحدث الغربيون عن الروس بأنهم استغلوا مجال الأمن الغذائي، ولكن اولئك الغربيين هم الذين لديهم سجل حافل بالجرائم لسنوات، حيث لم تسمح الولايات المتحدة حتى بدخول الأدوية الأساسية التي يحتاجها المرضى إلى إيران بسبب العقوبات القاسية ضد طهران، ومن ناحية أخرى، قدمت نفسها كرائدة في حماية حقوق الإنسان في العالم. ويستخدم الغربيون أنفسهم العقوبات كوسيلة وحيدة للضغط على دول عدم الانحياز من أجل الاستفادة منها، وها هم يتهمون الآن الروس. ومن ناحية أخرى، يزعم الغربيون أن على روسيا أن توقف الحرب في أوكرانيا حتى تتمكن من تصدير الحبوب بسهولة، ولكن من ناحية أخرى، يرسلون الأسلحة إلى أوكرانيا، ويشعلون نيران الحرب في هذا البلد ويقضون على طريق السلام بين موسكو وكييف.
سعى الولايات المتحدة إلى تبرئة نفسها
اتخذت الولايات المتحدة موقفًا إنسانيًا لإظهار أنها لم تلعب أي دور في أزمة الغذاء وأن العقوبات ضد روسيا لم تكن فعالة. وقالت الولايات المتحدة إنها لا تسعى لمنع العالم من استيراد المواد الغذائية والأسمدة من روسيا، وإنها تستطيع شراء الحبوب دون عوائق، حيث تعطلت إمدادات الحبوب لبعض الدول العربية بسبب العقوبات الغربية المفروضة على روسيا. وبهذا العمل الديماغوجي، تريد الولايات المتحدة أن تظهر صورة إيجابية عن نفسها في العالم، وتريد أن تقول إنها ليست مسؤولة عن أزمة الغذاء في العالم، من أجل وضع كل المشاكل على أكتاف الروس. ووفقًا للأمم المتحدة، تعتمد 36 دولة على روسيا وأوكرانيا لاستيراد أكثر من نصف قمحها، بما في ذلك بعض البلدان الأكثر فقراً والأكثر ضعفاً في العالم. ويقال أيضًا إنه إذا استمرت الحرب في أوكرانيا، فسوف يفقد ملايين الأشخاص حول العالم حياتهم بسبب نقص الحبوب، وكل ذلك بسبب التنافس بين القوى العظمى التي لا ترغب في التراجع عن مواقفها.
عوامل أخرى تلعب دورًا في أزمة الغذاء
صحيح أن حرب أوكرانيا فاقمت الأزمات العالمية، لكن ربط كل المعاناة بهذه الأزمة الجديدة هو تحليل في غير محله، وهناك عوامل أخرى ساهمت في مثل هذه الأحداث. ومن أسباب انعدام الحبوب في العالم القيود التي فرضتها بعض الدول، مثل الهند وتركيا، على صادراتها الغذائية. ووفقا لهم، مع استمرار الأزمة في أوكرانيا، قد يواجهون نقصا في الموارد الغذائية في المستقبل ولهذا خفضوا جزءاً من صادراتهم لتلبية الاحتياجات المحلية. وبالتالي، نشأ جزء من أزمة الغذاء من سياسات البلدان غير المشاركة في حرب أوكرانيا.
ومن ناحية أخرى، فإن أزمة الغذاء التي يواجهها العالم ليست مسألة شهر وسنة، بل لها تاريخ يمتد إلى عقد من الزمان. وفي عام 2008، عندما بدأت الأزمة الاقتصادية العالمية، انتشر نقص الغذاء أيضًا ووصل إلى ذروته في عام 2010 واستمر إلى حد ما منذ ذلك الحين. وعلى الرغم من أنه لا يمكن إنكار تأثير الغزو الروسي لأوكرانيا على تصعيد أزمة الغذاء، إلا أنه لا ينبغي إلقاء اللوم على موسكو باعتبارها الجاني الوحيد في الأزمة العالمية من أجل تضليل الرأي العام العالمي وتحويل المسؤولية عن الغرب. ليس تحليلًا صحيحًا اعتبار تراكم الحبوب في الصوامع الأوكرانية وعرقلة روسيا لتصديرها من الموانئ السبب الرئيسي لأزمة الغذاء، ويجب دراسة جميع القضايا التي أدت إلى هذه الأزمة جنبًا إلى جنب معها، و لا ينبغي لأحد وضع كل اللوم على جانب واحد.
تزود روسيا وأوكرانيا أكثر من 40 في المئة من القمح والحبوب للعالم، وأدت الحرب بين الجانبين إلى نقص هذه السلعة في العالم وأدت إلى ارتفاع الأسعار بشكل حاد. وبالنظر إلى أن هذه أزمة عالمية وأثرت على جميع البلدان، فإن اتهام جانب واحد والتغاضي على الجناة لن يعالج آلام شعوب العالم، وإذا لم تجد موسكو والغرب مخرجًا منها، فستتكون أزمات جديدة في العالم وسيكون التعامل معها باهظا للغاية. لا يذكر الغربيون صراحة الأسباب الرئيسية لأزمة الغذاء وارتفاع أسعار الحبوب في العالم، ودون دراسة الجذور العميقة لهذه الأزمة التي استمرت عقدًا من الزمن، ألقوا باللوم على موسكو لتضخيم دور روسيا في الأزمات العالمية.
المصدر/ الوقت