هل يعيد تدهور صحة أحد الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية ، ملف تبادل الأسرى إلى الواجهة؟
أعلنت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أن تدهورًا طرأ على صحة أحد الأسرى الإسرائيليين لديها. جاء ذلك في منشور للناطق باسم كتائب القسام (أبو عبيدة) عبر قناته بتطبيق تليغرام.
وقال أبو عبيدة “نعلن عن تدهور طرأ على صحة أحد أسرى العدو لدى كتائب القسام، وسننشر خلال الساعاتِ القادمة بإذن الله ما يؤكد ذلك”. ولم يفصح عن مزيد من التفاصيل. حيث نشرت حماس شريط فيديو عن الأسير الاسرائيلي هشام السيد و هو عربي – فلسطيني و الذي يظهر فيه الأسير بحالة صحية سيئة .
بدوره، حمّل رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت حركة حماس المسؤولية عن حالة الأسرى، وذكر بيان صادر عن مكتب بينيت أن إسرائيل ستواصل جهودها لإعادتهم عبر وساطة مصرية. في حين، قالت القناة الـ (12) التابعة للكيان الصهيوني: إن “توقيت إعلان القسام قبيل نشرات الأخبار المسائية ليس صدفة بل خطوة معدّة لمضاعفة تأثير الرسالة على المجتمع الإسرائيلي”.
و كانت صحيفة معاريف قد أفادت بأن مجموعة من النشطاء الإسرائيليين المهتمين بمساندة عائلة لأفرا منغيستو وعائلات الأسرى، طالبوا الحكومة بتزويد عائلات الأسرى الإسرائيليين، بمعلومات موثوقة وواضحة لا لبس فيها فيما يتعلق بحالة الأسرى لدى (حماس).
الأسرى الإسرائيليين لدى حماس
وتحتجز كتائب القسام 4 إسرائيليين في قطاع غزة، بينهم جنديان أسرا خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2014، وهما شاؤول آرون وهدار غولدن.
أما الأسيران الآخران -وهما أبراهام منغستو وهشام السيد، وكلاهما يحمل الجنسية الإسرائيلية- فقد دخلا غزة في ظروف غير واضحة.
شاؤول آرون: شارك في الحرب على غزة عام 2014. أسر مقاتلو كتائب القسام، آرون في عملية ضد جيش الاحتلال شرقي حي التفاح شرق غزة، وقعت بتاريخ 20 يوليو/تموز 2014، وأسفرت هذه العملية عن مقتل 14 جنديا إسرائيليا. لم تعلن إسرائيل عن أسر الجندي، إلا عقب إعلان كتائب القسام عن ذلك في شريط بثه الناطق باسمها أبو عبيدة، حيث نشر رقمه العسكري. وتزعم (إسرائيل) ان آرون قُتل، لكن عائلته ترفض قبول هذه الرواية. منذ أسره وحتى الآن، لم تقدم كتائب القسام أي معلومات خاصة به.
الجندي هدار غولدن: وهو نجل ابن خال موشي يعلون، وزير جيش الاحتلال السابق. أسرت كتائب القسام غولدن، في منطقة رفح جنوبي قطاع غزة، في 1 أغسطس/آب 2014، أثناء الحرب. لم تعلن كتائب القسام اختطاف غولدين فورا، لكنها عادت واعترفت بمسؤوليتها عن ذلك عقب انتهاء الحرب. ارتكبت (إسرائيل) مجزرة في رفح، ردا على عملية الاختطاف، حيث نفذت قصفا عشوائيا على منازل المواطنين، أسفر عن استشهاد أكثر من 100 فلسطيني، بينهم أطفال ونساء.
أفرا منغستو: اجتاز منغستو السياج الفاصل بين الداخل الفلسطيني المحتل وشمالي قطاع غزة، في 7 سبتمبر/أيلول 2014، ومنذ ذلك الحين اختفت آثاره. اتهمت عائلته حكومة الاحتلال مرات عديدة بتعمد إهمال ابنها، وعدم المطالبة بإعادته لأسباب عنصرية كونه أسود البشرة، ومن أصول إثيوبية. وقالت كتائب القسام، في تصريح صحفي، في يوليو/تموز 2019 إن (إسرائيل) لم تطالب بإعادة منغستو، من خلال الوسطاء الذين تحدثوا معها بشأن المحتجزين.
هشام السيد: تذكر مصادر أن هشام السيد جندي (إسرائيلي) كان يقطن قرية الحورة بالنقب، وكان يبلغ من العمر، حين أسره 29 عاما. وبحسب منظمة مسلك (الإسرائيلية)، فقد دخل السيد إلى قطاع غزة في 20 أبريل/نيسان 2015، عبر ثغرة في السياج الفاصل بين الداخل المحتل وشمالي القطاع، دون أن يعرف شيء عن مصيره منذ ذلك الحين. وتذكر المصادر في الداخل أن السيد أنهى دراسته الثانوية، وتطوع للخدمة بجيش الاحتلال (الإسرائيلي) في أغسطس/آب 2008.
فرص ضائعة لتبادل الأسرى مع حماس
كشف تقرير إسرائيلي صادر عن هيئة البث الإسرائيلي “كان 11” عن وثيقة “سرية للغاية” صدرت عن أجهزة الأمن الإسرائيلية في أغسطس 2018 منحت هذه الأجهزة من خلالها موافقتها على المضي قدما في إتمام صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس ضمن تسوية أوسع مع فصائل المقاومة في قطاع غزة، عقب جولة تصعيدية استمرت ليومين، الأمر الذي منعه رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، بنيامين نتنياهو.
والوثيقة عبارة عن محضر اجتماع شهد نقاشًا شارك فيه رئيس جهاز “الشاباك” في حينه، ندّاف أرغمان، ورئيس جهاز الاستخبارات العسكرية تامير هايمن، ورئيس جهاز الموساد في حينه، يوسي كوهين، منسق الأسرى والمفقودين يارون بلوم، ورئيس هيئة اركان انذاك غادي ايزنكوت.
وبحسب معد التقرير و معلق الشؤون العسكرية في قناة كان روعي شارون فقد توصل قادة المنظمومة الأمنية في الكيان الصهيوني حينها لاستنتاج مفاده أن الظروف القائمة هي الأفضل بالنسبة لـ “إسرائيل” من ناحية التوصّل لصفقة تبادل أسرى، تستعيد بثمن معقول جثامين الجنديين هدار غولدن واورون شاؤول، إضافة للإسرائيلييْن المتجزين لدى حركة حماس في قطاع غزة؛ ابراهام مانغستو وهشام السيد.
وعنونت “الوثيقة السرية” بـ”مبادرة رؤساء الأجهزة الأمنية ومنسق شؤون الأسرى والمفقودين لإعادة الأسرى والمفقودين من قطاع غزة”، واستعرض كبار المسؤولين في الأجهزة الأمنية المشاركة في الاجتماع من خلال الوثيقة “الخطة الإسرائيلية المفصلة لإتمام الصفقة، وشملت الاتفاق حول الثمن الذي ستدفعه إسرائيل”.
وتضمنت المرحلة الأولى من “الخطة الإسرائيلية” لإتمام صفقة تبادل أسرى مع حماس، بحسب التقرير، وقفا متبادلا لإطلاق النار بين الجيش الإسرائيلي وفصائل المقاومة، ورفع القيود المدنية التي يفرضها الاحتلال على القطاع المحاصر، بما في ذلك فتح حاجزي كرم أبو سالم وبيت حانون وتوسيع مساحة الصيد في غزة وإتمام خطة زيادة إمدادات الكهرباء لقطاع غزة وحل مشكلة الرواتب بتمويل قطري.
وفيما يخص المرحلة الثانية من الخطّة، فكان من المقرر أن تُطلق بموجبها “إسرائيل” أسرى حركة حماس ومن بينهم من اعتقلوا خلال عملية “الجرف الصامد” التي أطلقت عليها كتائب القسام اسم “معركة العصف المأكول”، باستثناء من شاركوا في تنفيذ عمليات أسفرت عن مقتل إسرائيليين.
وفي المقابل ستطلق حماس سراح الأسرى والمفقودين الإسرائيليين الأربعة.
وتناولت المرحلة الثالثة من الخطة تعزيز ما يصفه كيان الاحتلال بـ”الخطوات والإجراءات المدنية والاقتصادية” لإعادة إعمار قطاع غزة.
وتنص الوثيقة بشكل مباشر على أن “تأجيل صفقة تبادل الأسرى وفصلها عن عملية التسوية، قد يؤدي إلى تضاؤل فرص التوصل إلى حل خاص بإعادة الأسرى والمفقودين الإسرائيليين لسنوات طويلة مقبلة”.
على الرغم من ذلك وفي نهاية النقاش الذي جرى بحضور رئيس الحكومة الاسرائيلية آنذاك؛ بنيامين نتنياهو لم يتم اتخاذ قرار بشأن الذهاب للأمام باتجاه إجراء الصفقة، وتعهّد نتنياهو -في حينه باتخاذ قرار بشأنها لاحقًا، وفي النهاية لم يتم إجراء نقاش آخر حول القضية.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق لماذا تماطل إسرائيل في تنفيذ صفقة تبادل أسرى؟
بحسب الكاتب الفلسطيني الدكتور فايز أبو شمالة، المماطلة في تنفيذ صفقة تبادل الأسرى لا تتعلق بضعف الحكومة الحالية و لاتتعلق بالثمن و بعدد الأسرى الفلسطينيين فقد سبق وأن دفعت إسرائيل الثمن، وأُجبرت على إطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين في صفقات تبادل.
والمماطلة غير مرتبطة بعدم معرفة الإسرائيليين بأحوال أسراهم الجنود؛ وهل هم أحياء أو أموات؟ فقد سبق وأن أطلقت إسرائيل سراح سمير القنطار وآخرين، في صفقة تبادل مع حزب الله، رغم جهلها بمصير أسراها، وقد تبين ساعة التنفيذ أنهم قتلى.
وغير صحيح ما يقال عن عدم وجود ضغط شعبي على الحكومة لتنفيذ صفقة تبادل أسرى، فالضغط الاستراتيجي المتعلق بمعنويات الجنود، أكثر أهمية من الضغط الشعبي.
والمماطلة لا تتعلق بالمخابرات الإسرائيلية، التي تجهل بالمطلق أماكن وجود الجنود الأسرى واحوالهم، في الوقت الذي عجز الجيش الإسرائيلي عن إنقاذ جنوده الأسرى في زخم المعارك مع رجال غزة.
ولكن المماطلة الاسرائيلية في صفقة تبادل الأسرى تنطوي على أسباب سياسيةٌ، ذلك ما أشار إليه اللواء احيياط موشيه تال المسؤول في ملف شؤون الأسرى والمفقودين في جيش الاحتلال الاسرائيلي والذي قدم استقالته بعد أن تأكد له عدم وجود رغبة كبيرة وكافية لدى صناع القرار في إعادة الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى رجال المقاومة في غزة.
لنوجز أهم الأسباب التي تقف حائلاً بين صناع القرار في الكيان الصهيوني و بين تنفيذ صفقة لتبادل الأسرى سوف يكون الكيان مجبراً على تنفيذها في وقت لاحق:
يعود السبب الأول إلى تخوف حكومة الاحتلال الاسرائيلي من رد فعل المستوطنين و مدى الخوف و الرعب الذي يمكن أن يصيبهم جراء إطلاق سراح آلاف المقاتلين الفلسطينيين فوق أرض الضفة الغربية. بالإضافة إلى التخوف من مشاركة الأسرى المحرريم في تنظيم العمل المقاوم بجميع أشكاله.
أما السبب الثاني فيرجع إلى تخوف الحكومة الإسرائيلية من رد فعل الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، والذي سيطير فرحاً، وهو يمشي على الطريق القويم الذي سارت عليه غزة في زجر الاحتلال، وإرغامه على تحرير الأسرى من السجون الإسرائيلية.
السبب الرابع سعي الكيان الصهيوني لطمس أي معلم للنصر تحققه المقاومة في غزة، فصفقة تبادل أسرى يعتبر بمثابة إنجاز يميز تنظيمات غزة المقاومة عن غيرها؛ التي هجرت طريق النضال.
السبب الخامس يتعلق بالتخوف من التحريض على المقاومة من خلال وجود النماذج البطولية في شوارع الضفة الغربية، فالأسرى المحررون مدعاة فخر وتقليد من قبل الشباب الفلسطيني.
السبب الأخير ويتمثل باعتراض السلطة الفلسطينية بشكل رسمي على تنفيذ أي صفقة تبادل أسرى مع رجال المقاومة، ولاسيما إذا تضمنت الصفقة إطلاق سراح الأسير مروان البرغوثي وأحمد سعدات، وغيرهم من القيادات والكفاءات التي ستقلب الطاولة على رأس المسؤولين الفلسطينيين الحاليين، وستغير المعادلة لصالح الشعب الفلسطيني وضد المستوطنين.
كل ذلك يشير أن الكيان الصهيوني ليس لديه حافز كاف للقيام بصفقة تبادل أسرى على الرغم من توفر عدة فرص للافراج عن الجنود و الأسرى الاسرائيليين و لكن صناع القرار في الكيان الصهيوني لايريدون التنفيذ.
المصدر/ الوقت