ثلاثة محاور لمحادثات الكاظمي في الرياض وطهران
الرحلتان المتتاليتان والقصيرتان اللتان قام بهما رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى إيران والمملكة العربية السعودية أعادتا إلى الأذهان شيئاً واحدًا، وهو استمرار وساطة بغداد لعدة أشهر لتهدئة العلاقات بين طهران والرياض.
وقبل انتهاء الرحلة، أعلنت بعض المصادر أن هذين اللقاءين يأتيان في إطار المشاورات التي عقدتها السعودية وإيران مؤخرًا في بغداد. تكهنات أكدتها بالطبع طهران والمتحدث باسم وزارة الخارجية سعيد خطيب زاده، اليوم الأحد، أن رئيس الوزراء العراقي كان يحمل رسائل من السعودية، وأن المفاوضات بين البلدين ستصل إلى مستوى دبلوماسي. وكان رئيس الوزراء العراقي قد أكد في وقت سابق إعلان إحراز تقدم في المفاوضات بين إيران والسعودية. وأعلن الكاظمي، في 8 حزيران / يونيو، عقب عقد الجولة الخامسة من المفاوضات في بغداد، أن “المفاوضات بين إيران والسعودية التي جرت في بغداد وصلت إلى مرحلة متقدمة”. إن تأكيد التقدم في المفاوضات يزيد بطبيعة الحال من التوقعات بشأن نهاية فترة السبع سنوات من القطيعة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في المستقبل القريب؛ التوقعات التي نشأت في وقت سابق بعد كلام محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة العربية السعودية، حول علاقات الجوار بين البلدين. في مارس من العام الماضي، شدد ابن سلمان على ضرورة إيجاد سبل لتمكين التعايش لكلا الجانبين، وقال: “أتمنى أن نصل إلى موقف جيد لكلا البلدين ويخلق مستقبلًا مشرقًا للسعودية وإيران”. في الوقت نفسه، كان إعلان اتفاق الرياض مع وصول ثلاثة دبلوماسيين إيرانيين لحضور المكتب التمثيلي لمنظمة التعاون الإسلامي في جدة حدثًا مهمًا آخر في عملية خفض التصعيد الجارية بين الجانبين.
الجولة السادسة من المفاوضات في بغداد أم انتهاء الوساطة العراقية؟
لا شك أن للعراق مكانة رئيسية في عملية خفض التصعيد بين إيران والسعودية، حيث للعراق، كعضو في محور المقاومة في المنطقة، علاقات استراتيجية وتعاون واسع النطاق مع إيران، وبسبب طبيعته العربية، تحاول أن تلعب دور جسر الاتصال، فهو يقع بين جانبي الخليج الفارسي. وقال الكاظمي في ختام الجولة الخامسة للمفاوضات: العراق أصبح نقطة التقاء وخفض للتوتر في المنطقة، وهذا يؤثر على الوضع الاقتصادي للعراق واستقرار الوضع الامني. ومع ذلك، من خلال تسريع عملية التفاوض ورفع مستواها إلى المفاوضات الدبلوماسية، يجب أن نرى إلى متى ستلعب بغداد الدور الرئيسي في خفض التصعيد وكونها أهم مكان للمفاوضات. ونقلت بعض وسائل الإعلام المحلية الإيرانية عن مصادرها قولها إن الوفد العراقي حمل رسالة من الجانب السعودي قيل فيها إن الوساطة العراقية انتهت. لكن صحيفة الكويت، نقلاً عن مسؤولين حكوميين لم تسمهم، كتبت أن رحلة الكاظمي إلى جدة وطهران كانت لتنظيم لقاء الحوار السادس بين السعودية وإيران بوساطة من العراق. كما أن هناك، على حد تعبير المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إشارة ضمنية إلى استمرار محادثات بغداد. وقال خطيب زاده: بناءً على ما سمعناه، فإن الجانب السعودي مستعد للارتقاء بالمفاوضات على المستوى الدبلوماسي ومواصلة هذه المفاوضات في بغداد، وسيحدد الموعد قريبًا.
لقاء جدة وتحضير الكاظمي للوجود العراقي المثير للجدل
لكن إلى جانب موضوع محادثات خفض التصعيد بين إيران والسعودية، هناك موضوع مهم آخر في رحلة الكاظمي إلى طهران والرياض وهو الاجتماع المثير للجدل في المملكة العربية السعودية، والذي من المقرر عقده نهاية شهر تموز / يوليو بحضور رئيس الولايات المتحدة جو بايدن وكبار المسؤولين السياسيين في الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى قادة مصر والأردن والعراق. في الوقت نفسه، يُنظر أيضًا إلى اسم العراق على أنه أحد المشاركين في الاجتماع، حيث ذكر مسؤولو البيت الأبيض سابقًا أن الغرض من الاجتماع هو إنشاء تحالف إقليمي ودفع عملية التطبيع بين الدول العربية والنظام الصهيوني.
وبناء على ذلك يتضح أن حضور اجتماع صممته الولايات المتحدة لإحداث فوضى في العلاقات بين طهران والدول العربية المجاورة لها يمكن أن يسبب مشاكل لحكومة الكاظمي على الساحة الداخلية. وسعى بعض أعضاء مجلس النواب العراقي، في الأيام الماضية، إلى الموافقة على خطة لمنع احتمال الموافقة على بيان الاجتماع المرتقب من قبل المسؤولين الحكوميين. وحسب صحيفة القدس العربي، أعلن ممثل فصيل الصادقون في مجلس النواب العراقي، محمد البلداوي، في بيان: وقع أكثر من 50 نائبا في مجلس النواب العراقي من مختلف المجموعات السياسية على خطاب موجه إلى رئيس مجلس النواب العراقي يطلب من مصطفي الكاظمي رئيس وزراء العراق عدم توقيع اي عقود او اتفاقيات خلال حضور المؤتمر القادم في الرياض. لذلك، يمكن القول إن رحلة الكاظمي إلى السعودية ثم إيران هي بهدف خفض التصعيد قبيل حضور اجتماع جدة وتقليل حساسية إيران وحلفائها في العراق. وفي هذا الصدد، كتبت جريدة الكويت: في رحلة الكاظمي إلى السعودية وإيران، أجندة الاجتماع العربي الأمريكي المرتقب في جدة منتصف تموز / يوليو، وتأكيد العراق لإيران والسعودية أنه لن يعارض أي محور ضد محور آخر.
كل شيء يعتمد على الحرب في اليمن
لا شك أن أهم عامل مؤثر في مسار المحادثات الإيرانية السعودية، بل حتى حجر الزاوية في هذه المحادثات، هو قضية الحرب في اليمن، والتي أعيد تسميتها بالطبع إلى وقف إطلاق النار في اليمن. تم تمديد وقف إطلاق النار في اليمن، الذي تم التوصل إليه بين الرياض وصنعاء في 13 أبريل / نيسان لمدة شهرين بوساطة من الأمم المتحدة، لمدة شهرين آخرين. إلا أنه في الأسابيع الماضية، مع تزايد عدد انتهاكات وقف إطلاق النار واحتجاج حكومة الإنقاذ الوطني اليمنية على استمرار القيود البحرية والجوية الواسعة التي فرضها التحالف السعودي على وصول المساعدات الإنسانية، والتي تعارض وصول المساعدات الإنسانية. تم خرق وقف إطلاق النار، وهددت سلطات أنصار الله بعدم قبول وقف إطلاق النار من جانب واحد. لذلك فإن محاولة الحفاظ على وقف إطلاق النار هي جزء من الحديث عن استمرار المفاوضات الإيرانية السعودية، حيث أكد آية الله رئيسي والكاظمي على ضرورة استمرار وقف إطلاق النار اليمني في الاجتماع الإعلامي المشترك. تؤكد رؤية الرياض الواقعية، خلافًا لدعايتها ومواقفها السياسية، أهمية دور إيران لتسهيل الخروج من مستنقع الحرب في اليمن وقدرتها الأقل تكلفة على التكيف مع الواقع المتغير في اليمن مع وجود أنصار الله على رأس السلطة في صنعاء، قضية يمكن أن تؤدي إلى الاستقرار في شبه الجزيرة للسعودية وعودة السلام إلى المنطقة.
المصدر/ الوقت