أمير عبد اللهيان في دمشق حاملاً رسالتين مهمتين
زادت العلاقات السياسية والاقتصادية بين إيران وسوريا أكثر من أي وقت مضى في العقد الماضي، وعلى الرغم من أن بعض الدول اعتبرت هذا المستوى من العلاقات بمثابة محاولة مؤقتة لتدمير الإرهابيين، حيث تم تدمير النواة الأساسية للتكفيريين، إلا أن البلدين يعززان تعاونهما يومًا بعد يوم في مختلف المجالات السياسية، وخاصةً المجال الاقتصادي.
وفي هذا الصدد، وصل وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، إلى دمشق، السبت الماضي، على رأس وفد للقاء السلطات السورية.
وحسب المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، فإن الهدف من هذه الزيارة هو مراجعة العلاقات الثنائية، وتبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية.
بالنظر إلى أن التوترات بين إيران والکيان الصهيوني قد تصاعدت بشكل حاد في الأشهر الأخيرة، ومن ناحية أخرى زادت الهجمات الإسرائيلية على سوريا، لذلك تحاول طهران ودمشق تقوية علاقاتهما أكثر من ذي قبل واتخاذ موقف مشترك ضد التهديدات الخارجية.
من جهة أخرى، تتضمن زيارة أمير عبد اللهيان لدمشق في ظل الوضع الراهن، رسائل مهمة لجهات فاعلة إقليمية أخرى استخدمت كل أدواتها في السنوات الأخيرة لتعطيل العلاقات بين البلدين.
وبما أن وسائل الإعلام الغربية والعربية، من خلال خلق الأجواء وإثارة موجة من الدعاية حول بدء عملية إعادة بناء العلاقات بين دمشق والدول العربية، ادعت أن العلاقات بين طهران ودمشق ستتراجع بعد القضاء علی الإرهابيين وانتهاء أزمة الـ 11 عاماً، ولكن على عكس هذه المزاعم، أظهرت سلطات دمشق في السنوات الأخيرة أن العلاقات مع إيران غير قابلة للتراجع، وأن الجانبين يتجهان بسرعة نحو تعزيز التعاون.
وفي هذا الإطار، قال الرئيس السوري بشار الأسد مرارًا وتكرارًا إنه في عملية إعادة بناء هذا البلد، تعطى الأولوية للدول التي وقفت إلی جانب سوريا حكومةً وشعباً خلال احتلال الإرهابيين لأجزاء من البلاد، وهذه إشارة صريحة إلى روسيا وإيران اللتين وقفتا إلى جانب السوريين بكل قوتهما، ولم تسمحا للإرهابيين المدعومين من الغرب والصهاينة تنفيذ مخططاتهم لتقسيم سوريا وإضعاف محور المقاومة.
كذلك، بالنظر إلى أن الکيان الصهيوني يبرر اعتداءاته على الأراضي السورية بادعائه مواجهة النفوذ الإيراني، حتى أن بعض العرب زعموا أن بشار الأسد سيضطر لإعادة النظر في الوجود العسكري الإيراني في سوريا، وتبني سياسة تخفيف العداء تجاه الصهاينة، من أجل الحد من موجة الهجمات الصهيونية على هذا البلد.
لكن اتضح أن هذا السيناريو وهم أيضًا، حيث تقوم طهران ودمشق بتنسيق مواقفهما الأمنية يومًا بعد يوم لضرب إسرائيل والتصدي لهجماتها.
الآن بعد أن وصلت سوريا إلى استقرار سياسي نسبي وقضت علی المتمردين التكفيريين إلی حد کبير، أصبحت محط أنظار الدول العربية، حيث تحاول الإمارات والسعودية دخول سوريا عبر البوابة الاقتصادية واستئناف العلاقات معها.
وعلى الرغم من أن هذه السياسات تهدف إلى خلق فجوة بين إيران وسوريا، إلا أن هذه المحاولات ستفشل كما في الماضي. والزيارات المتكررة للوفود الإيرانية إلى سوريا في الأسابيع الأخيرة بهدف تعزيز العلاقات الاقتصادية، تظهر أن العلاقات بين الجانبين في أعلى مستوياتها.
لقد أصبح تطوير التعاون الاقتصادي والأمني بين إيران وسوريا، بعد زيارة بشار الأسد الأخيرة لطهران، على جدول الأعمال أكثر فأكثر، وبعثت هذه الزيارة رسالةً لحكام المشيخات العربية بأنه لا شيء يمكن أن يفصل بين طهران ودمشق.
والنقطة المهمة الأخرى التي يمكن ذكرها فيما يتعلق بزيارة أمير عبد اللهيان، هي العملية العسكرية التركية، والتي من المحتمل أن تتم في الأسابيع المقبلة.
بالنظر إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن أن العملية في شمال سوريا مؤكدة وستنفذ في وقت معين، يبدو أن أمير عبد اللهيان هو أيضًا حامل رسالة أنقرة إلى دمشق. كما ذكر أمير عبد اللهيان هذه المسألة لدى وصوله إلى دمشق، وقال “نحن نتفهم مخاوف تركيا ونعارض بشدة أي عمل عسكري بأي مبرر”.
خلال زيارة أمير عبد اللهيان إلى تركيا، والتي كانت تهدف في الغالب إلى مناقشة التحركات الصهيونية ضد إيران، ناقش الجانبان أيضًا التطورات في سوريا.
لذلك، فإن زيارة أمير عبد اللهيان غير المتوقعة إلى سوريا، والتي تمت فور عودته من تركيا، تظهر أن السلطات التركية ربما ترغب في توجيه رسالة إلى الحكومة السورية عبر الوساطة الإيرانية والقنوات الدبلوماسية، مفادها بأنه في حال دخول القوات التركية إلى سوريا، على الجيش السوري عدم التدخل لتفادي زيادة الخسائر في الأرواح.
بالنظر إلى أن سلطات دمشق قالت إن العملية العسكرية التركية هي لعب بالنار وستقوم برد حاسم عليها، يبدو من غير المرجح أن يوافق حكام دمشق على هذا الطلب غير المعقول من أردوغان. لكن تركيا تريد خفض مستوى التوتر عبر إيران ومواصلة احتلالها لسوريا، حسب زعمها.
من ناحية أخرى، يأتي هذا الطلب المثير للجدل، والذي لم تُنشر تفاصيله، في وقت تشعر فيه روسيا، كداعمة لسوريا، بقلق بالغ إزاء عمليات تركيا، وحذرت من سياسات أردوغان العدائية.
لذلك، فإن الحكومة السورية ستحظى بدعم الروس إذا دخل الجيش التركي أراضي هذا البلد، ومؤخراً جرت تدريبات مشتركة بين البلدين بهدف مواجهة العمليات التركية.
رغم المساعي العبرية العربية لإحداث فجوة بين إيران وسوريا بهدف إضعاف محور المقاومة، فإن هذه المؤامرات لن تنجح، والعلاقات بين الجانبين في جميع المجالات مرتبطة ببعضها البعض حيث يستحيل إحداث الشرخ فيها.
المصدر / الوقت