البراغماتية الأردوغانية اللامتناهية…من سوريا إلى الكيان الصهيوني
رجب طيب أردوغان؛ رئيس بلدية اسطنبول ورئيس الوزراء والآن رئيس تركيا. إنه في السلطة لسنوات عديدة، ويقول منتقدوه وخصومه إن التغيير في الدستور التركي من ناحية، ونهجه الشخصي والسياسي من ناحية أخرى، يجعلان هذا الوجود في السلطة خيارًا قويًا.
ولكن كيف حدث هذا الحضور وكيف يمكن أن يستمر؟ الإجابة عن هذا السؤال تتطلب دراسة العديد من المتغيرات والدوافع في سلوك أردوغان وحلفائه، وبالطبع البيئة الداخلية والخارجية لتركيا.
لكن ما يربط كل هذا هو قوة أردوغان السياسية الخاصة؛ قوةٌ بالطبع مصحوبة بالعديد من المواقف والمزاعم، ويعتبرها بعض خصومه المحليين مغامرةً عميقةً.
البراغماتية هي ما يمكن اعتبارها الروح الحاكمة علی سياسة أردوغان. بالطبع، المثال الحاد الذي يذكره بعض المراقبين هو البراغماتية الساعية للسلطة. ومهما كانت شدة ونطاق هذه البراغماتية، فإن مجال السياسة الخارجية التركية مليء بها.
بذريعة زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى تركيا، يعيد هذا التقرير سرد أمثلة على تغيير أردوغان لسياساته ومواقفه في شكل وثائقي.
أردوغان وسوريا
قبل الأزمة السورية، قال أردوغان في حديث مع بي بي سي: “شهدت حب الشعب السوري لبشار الاسد. كان يقود سيارته وكنت أجلس بجانبه وكنا نسير في شوارع سوريا، وأحيانًا نخرج من السيارة ونذهب بين الناس (الذين جاؤوا للترحيب).
في هذا الحديث، تحدث أردوغان عن الحريات غير المسبوقة في سوريا، واعتبر سوريا نموذجًا مناسبًا للدول الأخرى.
وفي كانون الأول 2010، خاطب أردوغان بشار الأسد قائلاً: “إذا كنت تريد أن ترى مصير أولئك الذين حاربوا حتى الموت ضد شعبهم، انظر إلى ألمانيا النازية، إلى هتلر وموسوليني وتشاوشيسكو في رومانيا. وإذا لم تتعلم من هؤلاء، فانظر إلى القذافي”.
أردوغان والسعودية
أردوغان في آذار/مارس 2017: “تركيا ستواصل متابعة ملف خاشقجي. الشخص الذي أمر باغتيال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول معروف. إذا كان ولي عهد السعودية لا يعلم، فمن يعلم؟ إذا كنت متأكداً من نفسك، بدلاً من استخدام النفط والمال للتغطية على الجريمة، تعال وتحدث علناً”.
أردوغان في مايو 2022: “لقد ركزنا على الخطوات المشتركة التي يمكننا اتخاذها لتعزيز علاقتنا في المستقبل، وأكدت دعمي لأمن واستقرار السعودية”.
محمد بن سلمان، في يوليو 2022، كتب رسالةً بعد عودته من تركيا: “أعبر بهذا عن امتناني وتقديري لمعاليكم على ترحيبكم الحار في البلد الصديق والشقيق”.
أردوغان ومصر
أردوغان في مارس 2018: “منذ أن تولی السيسي السلطة في مصر، أعدم 42 شخصًا آخرهم 9 شبان أدينوا في قضية اغتيال النائب العام السابق لهذا البلد هشام بركات، وهذا غير مقبول. لن أتحدث إلى مثل هذا الشخص أبداً”.
أردوغان في مايو 2022: “أنقرة مستعدة لبدء حوار سياسي مع مصر”.
أردوغان والكيان الصهيوني
أردوغان في آب 2018 وبعد عدة هجمات لفظية على سلطات الکيان الصهيوني منذ عام 2009: “إسرائيل هي کيان صهيوني وفاشي وعنصري في العالم، حيث حلَّت روح هتلر، الذي أوصل العالم إلى الكارثة، في بعض سلطات هذا البلد”.
أردوغان في آذار 2021: “زيارة الرئيس الإسرائيلي هرتسوغ إلى تركيا تاريخية، ونقطة تحول في العلاقات بين البلدين”.
أردوغان في مايو 2022: “الحقيقة هي أن زعيمًا مثل هرتسوغ على رأس إسرائيل لعب دورًا فاعلًا في اتخاذ خطوات نحو السلام مع تركيا. نأمل في تحسين العلاقات مع رئيس وزراء إسرائيل”.
أردوغان والإمارات
أردوغان في كانون الأول 2017: “لقد وقف أجدادي للدفاع عن القدس وجميع أراضي المسلمين خلال هذه السنوات، فأين أسلافكم؟ وماذا فعلوا؟”
أردوغان في تموز (يوليو) 2017: “نعرف بالضبط أي الدول الخليجية مسرورة بالانقلاب في تركيا(في عام 2016)، ونعرف من حاول القيام بالانقلاب في هذا البلد، ونعرف حتى كم أنفقوا في هذا السبيل( في إشارة إلى الإمارات)”.
أردوغان في فبراير 2021: “هدفنا تحسين الزخم في العلاقات (مع الإمارات) التي بدأناها، ونحن نتخذ الخطوات اللازمة لإعادة علاقتنا إلى المستوى الذي تستحقه”.
ويشار إلى أنه بعد تطبيع العلاقات بين الإمارات والکيان الصهيوني، هددت تركيا الإمارات بإغلاق سفارتها في أبو ظبي، فيما نمت علاقات تركيا مع الكيان الصهيوني على نطاق واسع في الأشهر الأخيرة.
الكلمة الأخيرة
ما ورد كان جزءاً صغيراً جداً من التراجعات العديدة لأردوغان في السياسة الخارجية، ويبدو أنه عند الدراسة الدقيقة، يمكن إكمال القائمة أعلاه.
على سبيل المثال، أدى تبني تركيا لسياسة “تصفير المشاکل” في السنوات التي سبقت التطورات في العالم العربي في عام 2011، بهذا البلد إلى محاولة تهدئة التوترات حتی مع أرمينيا، وكان توجهها الإيجابي تجاه دمشق في هذا الإطار أيضًا. لكن عندما تغيرت المعادلات، تخلی أردوغان عن سياسة “تصفير المشاکل” من الأساس وبسرعة مذهلة.
إضافة إلى المجال الخارجي، فإن دراسة سلوك أردوغان في السياسة الداخلية تكشف أيضًا عن بعض تحولاته. حيث يعدّ انفصال نجم الدين أربكان والانشقاقات في حزب العدالة والتنمية بسبب سلوك أردوغان الخاص، علامات على تبني براغماتية متطرفة مليئة بالتحول والتغيير عند الحاجة.
إن معرفة السمات الشخصية للمسؤولين والقادة في مختلف البلدان، تعدّ إحدى الطرق لتحديد سلوكهم المحتمل في المستقبل. ويبدو أن هذا النهج النظري أكثر فاعليةً بالنسبة لشخص مثل أردوغان، ويمكن أن يكون هذا موضوعًا للبحوث والدراسات الجادة.
المصدر/ الوقت