الأزمة في السودان تزداد تعقيداً.. خطاب البرهان يبعثر أوراق الشارع ويربك الحسابات السياسية
أعلنت قوى الحرية والتغيير في السودان، الثلاثاء 5 يوليو/تموز 2022، رفضها لقرار قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، عدم المشاركة في مفاوضات حل الأزمة السياسية في البلاد، معتبرة القرار “مناورة مكشوفة وتراجعاً تكتيكياً”.
إذ قال قياديون في ائتلاف المعارضة الرئيسي في البلاد إنهم لن يكونوا “جزءاً من إجراء فيه قسمة للسلطة”.
وحسب بيان لائتلاف قوى الحرية والتغيير المعارض فقد أكد تحفظه على تعهد الجيش بالانسحاب من المفاوضات السياسية الجارية؛ لإتاحة الفرصة للجماعات المدنية لإجراء محادثات لتشكيل حكومة.
ائتلاف المعارضة أشار إلى أن “قرارات قائد السلطة الانقلابية هي مناورة مكشوفة وتراجع تكتيكي.. واجبنا الآن هو مواصلة التصعيد الجماهيري بكل طرقه السلمية، من اعتصامات ومواكب والإضراب السياسي، وصولاً للعصيان المدني الذي يجبر السلطة الانقلابية على التنحي”.
وكان قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، قد أعلن عدم مشاركة المؤسسة العسكرية في الحوار الذي يهدف إلى الخروج بالبلاد من الأزمة السياسية، محدِّداً موعداً لحل مجلس السيادة الذي يحكم السودان.
فيما دعا البرهان، في خطاب بثه التلفزيون الرسمي، “جميع القوى الوطنية للمشاركة في الحوار السوداني”، مشيراً إلى أن “المؤسسة العسكرية ستلتزم بتطبيق مخرجات الحوار”، موضحاً أن انسحاب الجيش من الحوار “يهدف لإفساح المجال للقوى السياسية والثورية لتشكيل حكومة كفاءات”.
وقال البرهان في خطابه، إنه بعد تشكيل حكومة مدنية سيُحَل مجلس السيادة، ويُشكَّل مجلس أعلى للقوات المسلحة يتولى القيادة العليا للقوات النظامية، ويكون مسؤولاً عن مهام الأمن والدفاع وما يتعلق بها من مسؤوليات بالاتفاق مع الحكومة.
من جانبه، قال صديق الصادق المهدي، القيادي بالائتلاف المعارض: “قوى الحرية والتغيير لن تكون جزءاً من إجراء فيه قسمة للسلطة”.
فيما وصف القيادي بالحرية والتغيير طه عثمان خطاب البرهان بأنه “أكبر خديعة، بل هو أسوأ من انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول… الأزمة ستنتهي بتنحي سلطة الانقلاب وبأن تشكل قوى الثورة السلطة المدنية”.
وخلال الفترة الماضية، مارست الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومجموعة دول شرق ووسط إفريقيا للتنمية (إيغاد)، عبر ما يعرف باسم “الآلية الثلاثية”، ضغوطاً لإجراء حوار مباشر بين العسكريين والمدنيين. إلا أن كتل المعارضة الرئيسية، مثل قوى الحرية والتغيير وحزب الأمة، رفضت خوض هذا الحوار.
ويحمل تاريخ 30 يونيو/حزيران في السودان بعداً رمزياً؛ لأنه يُصادف ذكرى انقلاب الرئيس السوداني السابق عمر البشير على الحكومة المنتخبة ديمقراطياً بمساندة الإسلاميين عام 1989، وكذلك ذكرى التجمّعات الحاشدة عام 2019 التي دفعت الجنرالات إلى إشراك المدنيين في الحكم بعدما أطاح الجيش بالبشير، لكن انقلاب البرهان أنهى هذه الشراكة.
وحذر كتّاب من أن خطاب البرهان مناورة سياسية ألقى من خلالها الكرة في ملعب القوى المدنية التي يصعب أن تتوصل إلى اتفاق، بينما ناقش معلقون استمرار دور المؤسسة العسكرية في إدارة البلاد.
وقال عبد الحميد عوض في صحيفة “العربي الجديد”: “أربك رئيس مجلس السيادة السوداني، قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، الكثير من الحسابات السياسية، بإعلانه، مساء الإثنين، انسحاب المؤسسة العسكرية من الحوار الوطني، والتزامها التخلي عن الحكم مباشرة بعد حدوث توافق بين المدنيين على تشكيل حكومة جديدة”.
وأضاف الكاتب: “حاول قائد الجيش إظهار قدر من الجدية في نيته التخلي عن السلطة والعودة إلى الثكنات وحل مجلس السيادة، لكنه اشترط لذلك حدوث توافق سياسي بين المدنيين لتشكيل حكومة كفاءات مستقلة”.
ورأى شريف عثمان في صحيفة “العرب” اللندنية أن “الجيش السوداني يقذف كرة الخلافات في ملعب القوى المدنية”.
وأضاف الكاتب: “قذف قائد الجيش بكرة الخلاف المشتعلة على السلطة في جعبة القوى المدنية بإعلانه عن انسحاب يمكن وصفه بالتكتيكي من الحوار السياسي الذي ترعاه الآلية الثلاثية وترفض تيارات عديدة المشاركة فيه، في خطوة أراد بها بعثرة أوراق الشارع الذي أصبح أكثر قناعة بأن العمل الثوري هو السبيل الأكثر تأثيرا على تصويب المسارات”.
وقال عثمان: “زادت الخطوة من ارتباك تصورات القوى السياسية المفتتة، والتي لم تستطع التوافق على موقف واحد منذ الانقلاب العسكري في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وبدا أنه يسعى لتأمين حضوره المستقبلي ليكون طرفًا مشرفًا على عملية الانتقال وصولاً إلى الانتخابات من خلال سيطرته الفاعلة على الأجهزة الأمنية التي لها الكلمة العليا في توجيه دفة السلطة”.
وقالت رباح الصادق المهدي في صحيفة “التغيير” السودانية: “بغض النظر عن كيفية الخروج العسكري عن ساحة السياسة، هناك محاذير في التعامل مع البرهان، وسيرته الانقلابية صارت العنوان الأبرز للرجل الذي نكث عن عهده على الدوام… بالتالي فإن أي حديث صادر عن البرهان ينبغي أن يخضع، وبصورة مغلظة، لاختبار مصداقية صارم، ولضمانات تنفيذ دقيقة ومراقبة شعبية ودولية وإقليمية”.
ودعت الكاتبة القوى السياسية إلى “ألا تعطيه مراده في اتخاذ موقف رافض بصورة مطلقة، بل تعيد الكرة لملعبه بوضع اشتراطات موضوعية ومبدئية للدخول في اي حوار”.
وقال عبد الخالق شايب في صحيفة “التغيير” السودانية: “خطوة البرهان ليست إلا محاولة بائسة للقفز في الظلام في أحسن حالاتها، و’حلاوة روح’ في منازعة أخيرة للموت في أشد السيناريوهات قتامة. بالتأكيد الخطوة سوف تربك المشهد المأزوم أساساً وقد تطيل أمد الانقلاب الذي يطمح عَرَّابُوه من خلالها إلى خلق موقف تفاوضي جديد. إذا ماذا يعني مجلس أعلى للقوات المسلحة السودانية من الجيش والدعم السريع؟”
وحذر الكاتب من أن “المجلس الأعلى للقوات المسلحة حال تشكيله سوف يعمَد إلى إدارة شؤون البلاد والعباد ولن ينصرف فقط إلى تولى القيادة العليا للقوات النظامية أو يكون مسؤولا عن مهام الأمن والدفاع وما يتعلق بها من مسؤوليات كما يدعي البرهان، ناهيك عن أنه لن يكون هناك أي تمثيل مدني من أي نوع لأن طبيعة تلك المجالس لا تتيح ذلك بعكس لو تم تشكيل مجلس أمن ودفاع مشترك”.
واعتبر إبراهيم الصافي في صحيفة “السوداني” أن الخطاب وما يحتويه من إعلان انسحاب الجيش من مفاوضات الثلاثية يمثل “ورطة” لـ”أصحاب (اللعلعة) والحناجر الضاجة برسائل الإعلام”.
وأضاف الكاتب: “لن يُجادل أحد الآن في (فجائية) الخطاب، وما أحدثه من بلبلة في خطط وبرامج (ناس العصيان المدني) بعد العيد، لقد أُسقط في أيديهم، وبالتالي يلزمهم حراك سريع لإيجاد بديل للخصم وعدوهم اللدود”.
وقال الصافي: “البرهان بخطابه غير المتوقع حطَّم المشجب (كسر الشماعة) التي كانوا (يُعلِّقون) عليها إخفاقاتهم… والآن أعقدوا اجتماعاتكم السرية والعلنية، وأعلنوا للشعب السوداني أنكم تراضيتم فيما بينكم، وتوافقتم على تشكيل حكومة مستنسخة من سابقتها”.
وتساءل عثمان ميرغني الحسين في “الشرق الأوسط” اللندنية: “هل تتفق المجموعات التي تدير الحراك والمقاومة ضد الجيش على تشكيل حكومة تكنوقراط لاستكمال مطلوبات الانتقال؟ …أم (سيلعلع الرصاص) في القاعات والساحات ودور الأحزاب، ويُصوَّب على نحور المتناحرين أنفسهم ؟!”
واستطرد الكاتب مرحباً بخطاب البرهان: “فعلتها يا برهان، لا نظن إلا أنها خطوة ذكية، ستفسح المجال لمتنطعي التفكير السياسي كي يتنازلوا مجبرين عن صلفهم وتعنُّتهم، ويعودوا زاحفين على الركب إلى ذات الكيان الذي ناصبوه العداء ليعيد التوازن للساحة السياسية وما يعتريها من صراعاتَ وملفات، ويحمي البلاد من (الموت السريري)”.
وتبنى إبراهيم الصديق علي في موقع عربي رأياً مشابهاً واعتبر أن الجيش “رفع يده عن السلطة، ولكنه غمس رأس الأحزاب في المياه الساخنة وطالبهم بالاتفاق على ‘تشكيل حكومة’ وليس على الحكم، ولذلك فإن غاية التوافق على شكل حكم انتقالي للوصول للانتخابات، وعلى الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والإيفاد المساهمة في تحقيق ذلك، وهذا أمر مقبول ولا خلاف عليه”.
المصدر / الوقت