الحلقة الأخيرة من شرعنة التطبيع… خطبة وصلاة عرفة بإمامة شيخ التطبيع
بعد إجماع و رفض إسلامي واسع لصعوده على المنبر وذلك لاتهامات تتعلّق بظُهوره في صلوات يهوديّة، وأخرى هندوسيّة و بعد أن ترددت أخبار عن إعفائه من خطبة يوم عرفات إلا أن محمد العيسى صعد على المنبر و خطب بضيوف الرحمن في يوم عرفات.
حيث أعلنت الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، التابعة للنظام السعودي، بتكليف عضو هيئة كبار العلماء، والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، التابعتين للنظام السعودي، محمد بن عبدالكريم العيسى، بالخطبة والصلاة في يوم عرفة بمسجد نمرة في موسم حج هذا العام 1443. بطبيعة الحال، احتفلت وسائل الإعلام التابعة للنظام، وتلك المموّلة منه، بالتكليف الصادر بعد «الموافقة السامية الكريمة» من الملك سلمان.
إلا أن أكثر مَن يحق لهم الاحتفال هم الصهاينة، إذ إن العيسى يُعد من أكثر أتباع النظام السعودي العاملين في المجال الديني والدعوي، تناغماً مع مصالح دولة الاحتلال الإسرائيلي، ومساعيها في مجال التطبيع من بوابته الدينية والعقائدية.فالرجل الموظّف من قبل نظام آل سعود في هيئة كبار العلماء السعوديين، إضافة إلى إيلائه الأمانة العامة لما تسمى رابطة العالم الإسلامي التي تتخذ من مكة مقراً لها، وكان قد أثار الجدل في كانون الثاني 2020، حين أدى صلاة الجنازة على ضحايا “الهولوكوست”، خلال زيارة إلى معسكر الإبادة الجماعية لليهود في بولندا إبان الحرب العالمية الثانية المعروف بـ”أوشفيتز”، وذلك لمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين لتحرير المعسكر على يد القوات السوفيتية، حيث التقى حاخامات يهود، وانتقد “معاداة السامية”. وقال وقفت دائماً إلى جانب إخوتي اليهود، وقلت لن يحدث هذا مرة أخري مطلقاً”. وأضاف: “هناك من يحاولون تزييف التاريخ عبر ادّعاء أن المحرقة، وهي الجريمة الأكثر فظاعة في تاريخنا البشري، نسج خيال.. إننا نقف ضد هؤلاء الكاذبين”.
حاول العيسى أن يقدّم نفسه شيخاً وسطيّاً، ولكن يبدو أن هذا الطّرح لا يُقنع المُسلمين حول العالم، بدلالة العدد المهول من التغريدات في وسم مُتصدّر “هاشتاق” حمل عنوان “أنزلوا العيسى من على المنبر”، والذي تعدّت فيه التغريدات أكثر من 100 ألف تغريدة.
فيما وصفت صحيفة “الرياض المحلية” الشيخ العيسى بأنه “الخطيب المفوه والعنوان الأبرز للوسطية”، على عكس ما يراه جمهور الحجاج “ليس حجاج بيت الله الحرام فحسب بل عموم شعوب العالم الاسلامي أيضاً”،لما لخطبة وصلاة يوم عرفة من اهمية خاصة تعد من المحاور الاساسية للحج. قد تكون هذه الخطوة تتويجاً له على صعوده الصاروخي على سلّم التمهيد للتطبيع مع الصهاينة.
و في هذا السياق رصدت وسائل الاعلام وجود عدد كبير من رجال الأمن خلف العيسى (ظهروا في خلفيّة المنبر)، وزاد عددهم على خمسة. وأطلق نشطاء اسم “إمام المُطبّعين” على محمد العيسى”.
نشطاء و شخصيات بارزة تحتج على اختبار العيسى لخطبة يوم عرفات
صدحت أقلام المغردين العرب وخصوصا في مصر والاردن محتجة حول تنصيب هذا الشيخ ذي الميول التطبيعية مع الكيان الصهيوني والذي مجده المهرج الصهيوني افيخاي ادرعي (الناطق باسم جيش الاحتلال الاسرائيلي) بقوله (هذا هو الاسلام الحقيقي رجل الدين السعودي محمد العيسى وبعثته يصلون لذكرى ضحايا الهولوكوست اليهود في معسكر اوشفيتز.
من جهته أصدر الدكتور وصفي فتوى ضد الصلاة خلف محمد العيسي يوم عرفات، ويناشد السلطات تغيير هذا القرار، وإلا على المسلمين التوقف عن الصلاة في مسجد النمرة والصلاة في خيامهم.
من جانبة مُفتي ليبيا الشيخ صادق الغرياني فأفتى بعدم جواز الصّلاة خلف العيسى قائلاً: “لا تجوز الصلاة خلف خطيب عرفة ويجب على الحجاج الصلاة في مخيماتهم”.
و في تغريدة للكاتب و الصحفي السعودي تركي الشلهوب قال: الوضيع محمد العيسى لا يرقى لأكثر من الوقوف على منابر الصهـاينة والترويج للتطبيع معهم، لأن الأعمال الوضيعة تليق به.. أما منبر عرفة فهو مرتقى صعبٌ عليه. مطالباُ بإنزال العيسى من على المنبر. و في تغريدة أخرى قال الشلهوب: محمد العيسى رمز التصهين و الخيانة و الانبطاح، مكانه في مزبلة التاريخ و ليس على منبر عرفة. من جهته تساءل الناشط السعودي في تغريدة له عن سبب اختبار العيسى ليكون خطيباً ليوم عرفة قائلاً: لماذا اختير محمد العيسى خطيبا ليوم عرفات؟ هذا ليس صحيحاً محمد العيسى يدعم إسرائيل؟
وقال حافظ اهتيشام، ناشط من باكستان “نحن المسلمون نحتج بشدة على ترشيح الحكومة السعودية لمثل هذا الشخص لخطبة الحج ونطالب باستبداله على الفور”.
وتساءل الأمين العام المساعد لرابطة علماء المغرب العربي، في تغريدة نشرها على صفحته الخاصة على تويتر : “أمثل هذا يؤتمن على شعيرة الحج؟! اللهم إنا نبرأ إليك مما صنع هؤلاء”.
وقالت الناشطة الحقوقية حصة الماضي، إنه في ظل استمرار احتلال بلاد الحرمين من قبل آل سعود لا نستبعد وجود الحاخام الصهيوني الذي دنس أرضنا الطاهرة على منبر عرفة لذلك الشعب يريد اسقاط النظام السعودي.
من جانبها حذرت عضو حزب التجمع الوطني السعودي المعارض نيبال علي، من الصمت على اعتلاء أمثال العيسى الذي وصفته بالصهيوني منبرا من أهم منابر المسلمين، قائلة ستحرمون من زيارة الحرمين، لأن ابن سلمان سيسلم الصهاينة الحكم الفعلي للدولة، كما ضحى بالأقصى فلا تأمنوه على الحرمين.
دور تل أبيب
وأكد ناشطون أن قرار اختيار العيسى صدر بناء على توصية من الاحتلال الإسرائيلي، ومن هؤلاء الكاتب والباحث وسام العامري.
وقال العامري: “ما كان لهذا المتصهين المراهق محمد العيسى أن يكون خطيباً على ضيوف الرحمن في أقدس البقاع وأعظم يوم في السنة للمسلمين”.
وأكد أن هذا القرار المستفز للأمة الإسلامية لم يصدر إلا من أعلى الدوائر في تل أبيب وليس من الرياض لترى الأمة أن قبلتها محتلة وليست حرة.
حقيقة يجب إقرارها
ثمة حقيقة يجب إقرارها، أولاً، أن فتاوى “التطبيع”، والمهادنة للعدو، كانت خروجاً على ما أصَّله فقهاء الأمة، من آراء فقهية، أوجبت الجهاد ضدّ العصابات الصهيونية، وكيانها الغاصب، وألزمت آحاد الأمة بالعزل التام للكيان، على كل الأصعدة، من خلال المقاطعة؛ إدراكاً من العلماء بطبيعة الصراع مع العصابات الصهيونية؛ فهو “عدوٌ محاربٌ”، قد “أغار على وطنٍ من دار الإسلام، فاستولوا عليه بالقوة، واستبدوا بأمر المُلك فيه”، وأن أهداف العدو البعيدة، هي “السيطرة على دول الإسلام كافة، والقضاء على عروبتها، وحضارتها”، ولتحقيق هذا الهدف، سعت هذه العصابات، أولاً، إلى “إقامة دولة يهودية بقُطر من أعز أقطار الأمة العربية والإسلامية، وهو فلسطين”، و”تهويد هذه البلاد الإسلامية المقدسة، وإخراجها من أيدي أهلها، وإجلائهم عنها”، وذلك من خلال “امتلاك أراضي فلسطين”، التي تعدُّ “القضية الأساسية”، وهذا كله يتم، بدعم من الدول الغربية، وبتأييد من المؤسسات الدولية، ومساعدة بعض أبناء الوطن؛ وانطلاقاً من هذا الفهم لطبيعة الصراع. منذ الأيام الأولى للصراع العربي – الصهيوني، خرجت الفتاوى، تحثُّ المسلمين، في كل بقاع الأرض، على وجوب الجهاد لتحرير فلسطين، بالنفس والمال، وحرَّمت التقاعس عن هذا الواجب، وعدم جواز الصلح مع العصابات الصهيونية؛ “لما له من إقرار الغاصب [العصابات الصهيونية] على الاستمرار في غصبه، والاعتراف بأحقية يده على ما اغتصبه، وتمكين المعتدي من البقاء على عدوانه”؛ وعارضت فتاوى العلماء، في أثناء الحرب مع العصابات الصهيونية، عقد الهدنة مع العدو الصهيوني، لما سيعود بالمصلحة عليه، دون تحقيق فائدة للمجاهدين. لكن مانراه اليوم مخالف تماماً لهذه المبادىء التاريخية حيث جاء حين من الدهر، سيطرت فيه أنظمة شمولية على الحكم في الدول العربية، حرصت على توظيف الدين لخدمة سياستها الرامية، في الأساس، إلى الاحتفاظ بكرسي الحكم، وضمان استقرار الأوضاع الداخلية، من خلال تحييد القوى الخارجية، حتى وإن كانت تلك السياسات في غير صالح الشعوب؛ ما استلزم تهيئة العقول العربية لما ترمي إليه تلك الأنظمة؛ ولأن الدين، أصل نافذ في وعي الشعوب، وأكبر المؤثِّرات على أبناء الأمة؛ فلزم استقطاب بعض أصحاب العمائم، لتبرير تلك السياسات.
ختام القول؛ يبدو ان النظام السعودي بقيادة راعي التطبيع محمد بن سلمان رحب مبكرا وعلى طريقته الخاصة بالرئيس الامريكي جو بايدن، الذي من المقرر ان يزور المملكة بعد ايام قليلة معلناٌ الجهوزية التامة للتطبيع مع الكيان الصهيوني.
المصدر/ الوقت