زيارة بايدن إلى السعودية… محاولة تعويض فشل أمريكا بعد مغادرة المنطقة
كتب الكثير عن أهمية زيارة بايدن للمنطقة لأشهر. وفي هذا الصدد، نشر جو بايدن يوم أمس مقالاً في صحيفة “واشنطن بوست” بعنوان “لماذا أريد السفر إلى السعودية”، أثار بعض النقاط المهمة للغاية.
بالنظر إلى الظروف الداخلية للولايات المتحدة والوضع الجديد للنظام الدولي، سوف ندرس أهمية هذه الزيارة وفرصها وتحدياتها بالنسبة لجمهورية إيران الإسلامية:
1- عودة سياسة “الواقعية” إلى البيت الأبيض تحت حكم بايدن
تأتي زيارة بايدن إلى السعودية بعد أن قال بايدن مرارًا وتكرارًا في حملته إن على السعودية “دفع ثمن ما فعلته”، وهو إشارة إلى مقتل خاشقجي بأمر من ابن سلمان، والانتهاك الجسيم لحقوق الإنسان من قبل السعودية في حرب اليمن.
في السنوات الأخيرة، كان هناك الكثير من الضغوط من جماعات حقوق الإنسان المحلية والدولية على حكومة الولايات المتحدة لتغيير سياستها تجاه السعودية، وأخيراً وعد بايدن بإعطاء الأولوية لقضايا حقوق الإنسان في شعارات حملته الانتخابية.
لذلك، منذ اليوم الذي أثيرت فيه إمكانية زيارة بايدن إلى السعودية، كانت هناك احتجاجات كثيرة ضد هذا الإجراء من جانب بايدن، ويعتقد الكثيرون أنه نظرًا لأن إدارة بايدن لديها دعم ضعيف في الكونغرس، حتى بين الديمقراطيين، فإن هذا الإجراء قد يضرّ بايدن في الانتخابات القادمة. ولذلك، يواجه بايدن قرارًا صعبًا، وكما رأينا كانت زيارة السعودية هي القرار النهائي لبايدن أخيرًا.
تحمل هذه الزيارة رسالةً واضحةً لمنظري العلاقات الدولية، ومسألة المثالية والواقعية في سياسات البيت الأبيض. لا يهم ما هي المُثل التي تمتلكها أمريكا لحماية حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية في العالم، فهي في النهاية تمد يد الصداقة إلى أشد منتهكي حقوق الإنسان، وأكثر دولة غير ديمقراطية في العالم لتأمين مصالحها الخاصة.
لذلك، يمكن اعتبار المقال الأخير في الواشنطن بوست تبريراً للرأي العام الأمريكي، بأن بايدن يبحث عن خطاب جديد وحرف الرأي العام عن قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية، لإظهار أن هناك قضايا أكثر أهميةً للمصالح الوطنية والأمن القومي لأمريكا، تسببت في زيارة بايدن هذه إلى السعودية.
2- أزمة أوكرانيا والتحول في النظام الدولي واللعبة الجديدة لحكومات المنطقة
تسببت أزمة أوكرانيا والعقوبات علی الطاقة الروسية في ارتفاع أسعار الطاقة في العالم، ولا يخفى على أحد أن أوروبا وإلى حد ما أمريكا واجهتا أزمةً جديدةً. لكن ما لم يكن متوقعاً أن السعودية كحليف لأمريكا وأكبر مصدر للنفط في العالم، لم تدعم سياسات أمريكا النفطية ضد روسيا بعد بداية هذه الأزمة!
الحقيقة هي أن قضايا مثل الانسحاب المفاجئ للولايات المتحدة من أفغانستان والانسحاب التدريجي لقواتها من المنطقة، إلى عدم كفاءة الدعم الأمريكي لأوكرانيا لمنع روسيا من مهاجمة هذا البلد، فرضت منطقًا جديدًا على دول المنطقة، بما في ذلك الحكومات التي ربطت أمنها ومصالحها بالوجود الأمريكي في المنطقة منذ عقود، بأنه يجب عليهم أن يجربوا طرقًا أخرى غير الاعتماد على أمريكا لضمان مصالحهم وأمنهم.
ولعل من أبرز علامات هذا المنطق الجديد بعد أزمة أوكرانيا، هي عدم موافقة دول المنطقة للعقوبات الأمريكية والأوروبية ضد روسيا.
وفي هذا الإطار، عقدت أمريكا وأوروبا على وجه الخصوص العديد من المشاورات مع السعودية والإمارات ودول أخرى غنية بالنفط في المنطقة لزيادة صادراتها، حتى يتمكنوا من تعويض نقص موارد الطاقة الأوروبية والتحكم في سعر سوق الطاقة العالمي، لكن السعودية رفضت هذا القرار إلى حد كبير، وفضلت الحفاظ على علاقاتها مع روسيا في أوبك بلس، وتقديم المزيد من الفوائد لنفسها من خلال زيادة سعر النفط.
أيضًا، مع انسحاب أمريكا من المنطقة، ستكون روسيا طرفًا فاعلًا للغاية تنظر السعودية في التعاون معه لتأمين مصالحها الوطنية في المستقبل، وكان حضور وزير الخارجية الروسي لافروف في الاجتماع الأخير لمجلس التعاون في هذا الاتجاه.
ولهذا السبب، تأتي زيارة بايدن إلى السعودية تماشياً مع أهمية هذا الموضوع، لمنح امتيازات للسعودية وإرضاء هذه الدولة لزيادة صادرات النفط والسيطرة على أسعار الطاقة في السوق العالمية. وربما إذا كانت السعودية لا تزال متماشيةً مع السياسات الأمريكية، لما کانت هذه الزيارة بهذه الأهمية الحالية.
3- توسع نفوذ الصين في المنطقة
فيما يتعلق بالانتقال في النظام الدولي وانسحاب القوات الأمريكية من المنطقة، فإن الصين، باعتبارها القوة الدولية العظمى الثانية والمرشحة للهيمنة على النظام العالمي المستقبلي، كان لها وجود بطيء ولكن قوي في المنطقة، وهي الآن تخطو تدريجيًا نحو ملء الفراغ الأمريكي في المنطقة.
كذلك، في مواجهة قوة اقتصادية عظمى جديدة، ترى دول المنطقة مصالحها الوطنية في التعاون معها، ولا تلتفت إلى حقيقة أن هذا البلد هو أكبر منافس لحليفهم التقليدي، أي الولايات المتحدة.
بمعنی أن الحلفاء التقليديين الرئيسيين لأمريكا في المنطقة، من السعودية والإمارات وقطر إلى تركيا، العضو في حلف الناتو، قد أقاموا تعاونًا مكثفًا(حتى أكثر من جمهورية إيران الإسلامية) مع الصين، وهذه القضية ستضرّ بمصالح الولايات المتحدة في المنطقة.
ولعل من أهم هذه التعاونات الأمنية والاقتصادية السياسية، هو التعاون الأمني بين السعودية والصين لإنتاج صواريخ باليستية، وبناء قواعد عسكرية صينية في الإمارات والخليج الفارسي، ولعل أهمها اتفاق السعودية مع الصين على بيع النفط بالدفع بالعملة الوطنية للصين اليوان، وهو ما يعتبر تهديداً خطيراً لهيمنة الدولار على نظام العملة العالمي.
لذلك، فإن الولايات المتحدة، التي يعتبر نمو الصين حاليًا أهم تهديد لها وتسعى للسيطرة على هذا البلد، لا تريد خسارة منطقة غرب آسيا لصالح الصين. وبالتالي، يمكن أيضًا دراسة أهمية زيارة بايدن إلى السعودية، من أجل تنسيق سياساته مع السعودية لمنع الصين من اكتساب المزيد من المصالح في المنطقة.
4- دوران عجلة النظام الجديد في المنطقة لصالح إيران بعد الانسحاب الأمريكي
كان للولايات المتحدة الأمريكية وجود عسكري جاد وواسع النطاق في المنطقة لمدة 20 عامًا منذ أن غزت أفغانستان والعراق بعد 11 سبتمبر، وفي معظم هذه السنوات کانت تهدف إلى احتواء إيران.
وخلال هذه السنوات، لم تدخر الولايات المتحدة أي جهد في اتخاذ أي إجراء لتغيير سلوك إيران وإلحاق الهزيمة بها، من حملة الضغط الأقصى للعقوبات إلى الوجود العسكري في الحدود الغربية والشرقية والشمالية والجنوبية لإيران، إلی الوجود في الخليج الفارسي، إلى إجراء التدريبات العسكرية على حدود إيران، والتهديدات المتکررة ببقاء “الخيار العسكري على الطاولة”، حتى اغتيال قائد فيلق القدس بجمهورية إيران الإسلامية الشهيد اللواء قاسم سليماني وغير ذلك.
ولكن الآن بعد 20 عامًا وبينما تغادر أمريكا المنطقة، ليس فقط بقيت جمهورية إيران الإسلامية ولم تغير سلوكها في سياستها الخارجية، بل انتصرت في جميع الحروب بالوكالة في منطقتها إلى جانب محور المقاومة ضد أمريكا وحلفائها الإقليميين، وفي عهد النظام أحادي القطبية، تحدَّت هيمنة أمريكا في المنطقة، وبعمقها الاستراتيجي الإقليمي طبَّقت نظامها المنشود في نصف المنطقة، من أفغانستان إلى العراق وسوريا ولبنان واليمن.
في الوقت الحالي، طورت جمهورية إيران الإسلامية قوتها الصاروخية أكثر من أي وقت مضى، وأصبحت مؤخرًا واحدة من أهم القوى في مجال الطائرات دون طيار المصنوعة داخلياً في المنطقة.
والآن، مع هذا الوضع، فإن بعض الحكومات في المنطقة التي رأت أن أمنها يعتمد على وجود الولايات المتحدة في المنطقة، شعرت بالخوف والفراغ الأمني بانسحاب الولايات المتحدة، وقد أُجبرت على تبني سياسات جديدة، بما في ذلك المساعدة الذاتية والتحالفات الجديدة.
وفي هذا الاتجاه يمكن تفسير جميع أنشطة دول المنطقة، من التواصل مع الصين وروسيا إلى تقارب العرب مع تركيا والکيان الصهيوني.
لكن الجانب الآخر من القضية هو أنه بالنظر إلی تاريخ جمهورية إيران الإسلامية وقوتها وردعها، والموقع الجيوسياسي والجيواستراتيجي المهم والحساس جدًا لإيران في المنطقة، فإن الحكومات الأخرى في المنطقة وبينما تنافس جمهورية إيران الإسلامية، تفضِّل عدم الانخراط في حرب أو صراع مع إيران، بل عدم التصعيد والتعاون مع هذا البلد.
ويمكن ملاحظة هذا الوضع من خلال التطورات الجديدة في أفغانستان، وصعود حركة طالبان التي طالما تنافست مع إيران ولکنها تفضل الآن أن تكون لها علاقة جيدة مع طهران، حتى تتمتع باكستان أيضًا بعلاقات جيدة مع طهران نتيجةً لذلك، إلی تركمانستان التي كانت علاقاتها باردةً مع طهران لسنوات، ولكن الآن مع تغيير نهج الحكومة الجديدة في طهران، تتمتع بتحسن ملحوظ في العلاقات، إلی جمهورية أذربيجان وتركيا اللتين تخوضان منافسةً شرسةً مع إيران في أزمة ناغورنو كاراباخ، لكنهما الآن تريدان وقف التصعيد والتعاون مع طهران، إلی الإمارات التي رغم تطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني، ترسل مستشار أمنها القومي إلى طهران والذي يلتقي مع الأدميرال علي شمخاني ويطالب بتوسيع العلاقات مع طهران، إلی قطر وعمان اللتين لديهما علاقات واسعة مع طهران، إلی السعودية التي تريد تهدئة التوترات مع طهران في محادثات بغداد، في ذروة المنافسة وبعد 8 سنوات من الهزيمة في حرب اليمن وخروج منظومة الباتريوت الأمريكية من الأراضي السعودية.
كل هذه التطورات، إضافة إلى فوز بشار الأسد مؤخرًا في الانتخابات السورية وتطبيع دول المنطقة العربية مع بشار بعد 10 سنوات من الحرب، تشير إلى تحسن موقع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في المنطقة.
في الوقت نفسه، فإن هذا التحول في نظام المنطقة غير مرغوب فيه على الإطلاق بالنسبة لأمريكا. فالأمريكيون الذين حاولوا تحقيق التوازن لصالح إسرائيل في المنطقة بإقرار “سلام أبراهام”، إذا أقام العرب وإيران علاقات مضبوطة الآن، فإن هذا التوازن سيتغير لصالح جمهورية إيران الإسلامية وعلى حساب الکيان الصهيوني في المنطقة، وهو ما يتناقض مع السياسة الأمريكية المعتادة في الحفاظ على سيادة وأمن هذا الکيان في المنطقة.
لذلك، فإن زيارة بايدن إلى السعودية مهمة بشكل خاص، لتطبيع العلاقات مع إسرائيل وتحويل ميزان القوة في المنطقة نحوها.
تبحث أمريكا الآن عن “الموازنة عن بعد”(Offshore Balancing) لغرب آسيا. بمعنى أن الولايات المتحدة وبعد 20 عامًا من الوجود العسكري المباشر في المنطقة والنفقات الرهيبة(حسب ترامب، أنفقت الولايات المتحدة أكثر من ثمانية آلاف مليار دولار في المنطقة)، الآن عندما تكون هناك تهديدات أكثر خطورةً في سياستها الخارجية، أي احتواء روسيا والصين، يجب أن تترك تنظيم المنطقة لحلفائها في المنطقة، وأهمهم الکيان الصهيوني.
لكن هذا الکيان بالتأكيد لن يكون قادرًا على القيام بهذه المهمة بمفرده، لذلك من خلال زيارة السعودية وتطبيع العلاقات بين هذين البلدين، يريد بايدن التأكد من أنه يمكنه الاعتماد على السعودية كحليف له مرةً أخرى.
5- ليس لدى الولايات المتحدة بديل مناسب لفشل المفاوضات مع إيران
في مسألة التحول في النظام الدولي، الأزمة الأوكرانية، نمو الصين، الانسحاب التدريجي للقوات الأمريكية من المنطقة، وزيادة قوة الردع الإيرانية ونفوذها ومكانتها في المنطقة، وزيادة القدرات النووية والتكنولوجية والمعرفية لإيران، لم يعد بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية أن تقول لإيران “إما حرب أو اتفاق”، كما كانت تفعل في الماضي. کما لم يعد بإمكان أمريكا فرض مطالبها على إيران في المفاوضات بالتهديد بالحرب(السياسة التي استخدمتها في المفاوضات النووية لعام 2015).
في مقال صحيفة واشنطن بوست بالأمس، صرح بايدن أن ترامب انسحب من الاتفاق النووي دون بديل مفضل تجاه إيران. كما ذكر بايدن أن إدارته ستواصل، ببقائها في المفاوضات، العقوبات على إيران حتى توافق إيران على الاتفاق(بالطبع يقصد بايدن موافقة إيران على الاتفاق الذي يخدم المصالح القومية الأمريكية!).
هذا التصريح الذي أدلى به بايدن، والذي حظي باهتمام إعلامي كبير، يعني أن الولايات المتحدة ليس لديها حقًا خيار بديل جيد لإيران، وتفضل إبقاء المفاوضات مع إيران مع استمرار الضغط عليها وعدم فشل المحادثات.
لذلك، ربما تكون الطريقة الوحيدة البديلة لاحتواء إيران في حال فشل مفاوضات إحياء الاتفاق النووي، هي سياسة “الموازنة عن بعد” نفسها التي تم اقتراحها سابقًا، وهي تحالف عسكري(جوي – بحري – دفاعي – راداري) بين الكيان الصهيوني وبعض الحكومات العربية في المنطقة.
ومن وجهة النظر هذه، من خلال زيارة السعودية، يسعى بايدن إلى إيجاد خيار بديل(الخطة ب) تجاه إيران، وإمكانية فشل مفاوضات إحياء الاتفاق النووي.
الحل الإيراني فيما يتعلق بآثار زيارة بايدن إلى المنطقة: النظام الشبكي
إذا بنت جمهورية إيران الإسلامية سياستها الخارجية على أساس النظام الدولي الجديد لتأمين مصالحها الوطنية، أي النظام الشبكي، وهو النظام القائم على النمط السلوكي المتمثل في “المنافسة بالتزامن مع التعاون والتعاون بالتزامن مع المنافسة(Co-opettion : compettion + cooperation)، فيمكنها إضعاف أو حتى تحييد معظم مؤامرات الولايات المتحدة والکيان الصهيوني بأقل تكلفة.
حالياً، السعودية كحكومة رئيسية بين الدول العربية الأعضاء في مجلس التعاون، تعيش وضعاً خاصاً. فمن ناحية، لم تنجح في حرب اليمن منذ ثماني سنوات، وقد وصلت قوة أنصار الله اليمنية الآن إلى مستوى يستهدف الداخل السعودي وحتى أرامكو. ومن ناحية أخرى، في مواجهة انسحاب أمريكا من أفغانستان والأزمة في أوكرانيا، لم تعد واثقةً من دعم أمريكا لها.
كما يتعين عليها، بالتعاون مع القوى الدولية الجديدة، وهي الصين وروسيا، اتخاذ موقف أكثر اعتدالًا تجاه مصالح هذه القوی في المنطقة، وخاصةً تجاه إيران. وبالنسبة للصين علی وجه الخصوص، لأن الصين، على عكس الولايات المتحدة، تريد تحسين العلاقات بين إيران والسعودية حتى تتمكن من تأمين مصالحها الوطنية في مجال الطاقة والعبور في الخليج الفارسي بشكل أكثر موثوقيةً.
وأخيراً بشأن تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، على الرغم من حقيقة أن السعودية تعتبر هذا الإجراء منسجماً مع مصالحها الوطنية، إلا أنها تعلم أيضًا أن هذه العلاقة ستضر بشكل خطير بصورة القيادة السعودية، باعتبارها الأخ الأكبر للمسلمين السنة في العالم، والقضية الفلسطينية. لذلك، على الرغم من تطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني، لا يمكن للسعودية أن تصبح حليفًا استراتيجيًا للکيان.
إذا أخذنا في الاعتبار كل هذه الظروف، يمكننا أن نرى أن جمهورية إيران الإسلامية هي الآن في وضع أفضل بكثير مما كانت عليه في السنوات العشر الماضية، لتكون قادرةً على الدخول في الحوار وخفض التصعيد مع السعودية من موقع أقوى، وهي عملية جرت بشأنها خمس جولات من المفاوضات في بغداد، ومن المحتمل أن تعقد الجولة السادسة قريباً.
والنقطة المهمة هنا هي أنه على الرغم من المنافسة التي تخوضها جمهورية إيران الإسلامية مع السعودية في مختلف المجالات الأيديولوجية والاقتصادية والنفطية والسياسية والعسكرية والإقليمية، ولكن في الوقت نفسه، وبالنسبة لحسابات التكلفة- الفائدة لتوفير المصالح الوطنية، يمكن لوقف التصعيد مع السعودية أن يمنعها من الاقتراب أكثر من الکيان الصهيوني، ويقلل أو يحيِّد معظم التهديدات الأمنية في الخليج الفارسي.
لذلك، فإن تسريع المفاوضات في بغداد وإعادة فتح السفارتين في طهران والرياض، قد يكون أحد أكثر الإجراءات الإيرانية فعاليةً ردًا على زيارة بايدن للمنطقة.
من خلال استعراض ما تم ذكره حتى الآن، يمكننا أن نستنتج أن زيارة بايدن إلى المنطقة لا تأتي من موقع قوة، بل تعويضًا عن الفشل في مختلف المجالات بعد مغادرة المنطقة، وظروف الانتقال الجديدة في النظام الدولي.
ومن هذا المنطلق، وخلافًا للهجوم الإعلامي بأن إيران محاصرة ومعزولة في المنطقة، تظهر هذه الزيارة بأن إيران لديها ظروف أفضل بكثير مقارنةً بما كانت عليه قبل 10 أو 5 سنوات، بناءً على معايير القوة وأدوات المساومة في العلاقات الدولية.
وإذا اتبعت إيران هذه السياسة بشکل أكثر نشاطًا وذكاءً، فيمكنها تأمين مصالحها الوطنية، مع زيادة الردع وتطبيق المنطق السلوكي المتمثل في النظام الشبكي في المنطقة.
المصدر/ الوقت