التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, ديسمبر 26, 2024

أهداف المملكة العربية السعودية من الاستثمار بكثافة في قطاع السينما 

أعلنت هيئة الافلام السعودية مؤخرًا أنها من أجل تعزيز مكانة الدولة العالمية في صناعة السينما وجعل المملكة العربية السعودية وجهة عالمية لإنتاج الأفلام، فإنها على استعداد لتحمل 40٪ من تكلفة انتاج الأفلام الأجنبية التي يتم تصويرها في المملكة. ونقل البيان عن عبد الله العياف، الرئيس التنفيذي لهيئة الأفلام، قوله: “يسعدنا [الإعلان] عن استعدادنا لدعم شركات إنتاج [الأفلام] المحلية والإقليمية والدولية للحصول على حوافز إنتاج [أفلام] داخل المملكة””. وأضاف العياف: “قطاع السينما السعودي ينمو بوتيرة سريعة”.

وحسب هذا المسؤول السعودي، فإن “برنامج الحوافز يساعد في تمكين المواهب المحلية، وجذب الخبرات العالمية، وتنمية قطاع السينما، وإظهار الأماكن الجميلة، ونقل ثقافة المملكة إلى العالم”. والآن، بينما يقوم السعوديون بإدخال صناعة السينما في المملكة العربية السعودية باعتبارها الصناعة الأسرع نموًا في الشرق الأوسط، يمكن دراسة أهداف الاستثمار في هذا المجال من أبعاد مختلفة. لقد دعت الهيئة شركات الإنتاج السعودية والعالمية التي تخطط للتصوير الجزئي أو الكلي في المملكة للتقدم لبرنامج الحوافز للاستفادة من المبالغ المالية المستردة التي تصل إلى 40% من المصاريف. وأوضحت أن شروط استرداد الأموال تشمل التعاون مع الكوادر والمواهب المحلية، وإبراز المعالم الجغرافية والثقافية في السعودية.

أغراض تجارية وإعلانات لجذب الاستثمار الأجنبي

عندما أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في عام 2017 عن التفاصيل الأولى لخريطة طريق المملكة العربية السعودية للإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية لكسر اعتماد البلاد على عائدات النفط، والتي تسمى رؤية 2030، كان أحد العناصر الرئيسية لهذه الخطة هو توسيع قطاع الترفية. ويتضمن هذا البرنامج تغييرات في السياسات الحكومية تجاه قطاع الترفيه والسياحة وتقليص القوانين المحافظة للطائفة الوهابية في الساحة الاجتماعية، والتي تضمنت زيادة الاستثمار في صناعة السينما والسينما من خلال إنشاء البنية التحتية وإنتاج المحتوى المحلي وأكثر من 30 ألف وظيفة. ولتحقيق هذا الهدف أنشأت الحكومة الهيئة العامة للترفيه وصندوق الاستثمارات العامة والمجلس السعودي للأفلام والهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع.

إن قرار الهيئة السعودية للأفلام لقي اهتماماً من وسائل إعلام عالمية؛ حيث رأت مجلة “فارايتي” الأمريكية أن السعودية منذ عام 2017 تشهد طفرة في جميع جوانب نشاط صناعة السينما، لتصبح المنطقة الأكثر ربحاً في غرب آسيا من حيث عائدات شباك التذاكر. ووفق المجلة، فإن “جذب الإنتاج السينمائي والتلفزيوني الدولي هو جزء أساسي من هذا الجهد الذي تقوده الحكومة” السعودية. وتوصف صناعة السينما في المملكة بأنها الأسرع نمواً في الشرق الأوسط. وتمتلك السعودية مقومات جاذبة لشركات الإنتاج الدولية، كما تعمل منصات البث الرقمي على تعزيز وجودها في المنطقة عبر الاستثمار في تطوير المحتوى والعمل مع المواهب المحلية الصاعدة استجابة للطلب المتزايد على المحتوى المحلي والعربي.

وعلى مدى الأشهر الـ18 الماضية، سهلت هيئة الأفلام إنتاج ثلاثة أفلام هوليوودية كبرى؛ هي فيلم “قندهار” للمخرج ريك رومان ووه، والذي صور في المناظر الطبيعية الاستثنائية لمحافظة العلا ومدينة جدة. كما أنتج الفيلم الملحمي التاريخي “محارب الصحراء” لروبيرت وايت، والذي صُوِّر في مدينة نيوم الجديدة وتبوك، وفيلم الدراما والجريمة “الكرز” من إخراج الأخوين روسو، والذي صور في العُلا والرياض. المخرج ياسر موسى، يقول إن السينما السعودية على الرغم من كونها فتية مقارنةً ببقية الدول العربية والمجاورة، لكنها تسعى جاهدة للوصول إلى صناعة إنتاج سينمائي يُشار إليه بالبنان. وأضاف: “نلاحظ ذلك جلياً من خلال دعم مؤسسات فنية معنية بصناعة السينما في الآونة الأخيرة”.

موسى يشير إلى أن “السينما السعودية بشكل خاص، والإعلام والدراما وكل ما ينضوي تحت المادة الصورية الموجهة للمتلقي بشكل عام، باتت اليوم متحررة من قيود صارمة، وتجاوزت العديد من التابوهات المفروضة”. ويعيد موسى “الفضل الكبير” لما تناله المؤسسات الفنية والإعلامية في المملكة “إلى قادة الجيل الجديد ومعرفتهم بتوجهات الأجيال الجديدة وتنوع أيديولوجياتها وثقافاتها”. ويشير إلى “المؤسسات الفنية المنشأة حديثاً؛ مثل صندوق الدعم الثقافي الذي أقيم سنة 2022، الذي يُعنى بدعم الثقافة بشكل عام ودعم المادة الصورية المرئية”.

يضاف إلى كل هذا تأسيس المجلس السعودي لدعم الأفلام الذي يهتم بصناعة السينما وتطوير الإنتاج السينمائي ودعم المواهب الفنية الواعدة. ومن خلالها يطوَّر جانب مهم من جوانب القطاع الاقتصادي للمملكة وفق رؤية معدة ومرسومة بشكل دقيق، حسب موسى. السينما اليوم تعتبر مصدراً مهماً من مصادر الدخل، كما اعتمدتها قطاعات السينما والاستوديوهات في هوليوود، حسب موسى، مضيفاً: “السينما السعودية وصالات السينما في المملكة باتت مكاناً مهماً وجاذباً للعديد من مرتاديها ومحبي السينما، وتدر مبالغ طائلة”. وأشار إلى ما تدره أسعار تذاكر حضور الأفلام السينمائية، مبيناً أن سعر التذكرة الواحدة في السعودية “يصل إلى ما يقارب 19 دولاراً، وهي ثاني أغلى تذكرة سينما في العالم بعد مدينة زيوريخ في سويسرا، وهذا يدل على أن السينما مصدر مهم للدخل، فضلاً عن كونها وسيلة ترفيهية وصناعة تتطلب الكثير من الأموال”.

من جذب الشباب إلى تغيير النظرة الدولية تجاه الحكومة السعودية

إضافة إلى الأهداف الاقتصادية، فإن رؤساء الحكومة السعودية، إذ يأخذون في الاعتبار الأهمية المتزايدة لدور صناعة السينما في توجيه الرأي العام، وتعزيز السياسات وإضفاء الطابع المؤسسي على القيم، ولا سيما من خلال مراقبة العلاقة بين سياسات الحكومة الأمريكية وهوليوود، تعتبر السينما ساحة لتغيير الموقف الدولي تجاه المجتمع السعودي من مجتمع قبلي إلى مجتمع نامٍ، وغسل وجه الحكومة السعودية من مؤيدي الأفكار التكفيرية منذ فترة طويلة وتجار النفط الذين يجلسون على الذهب إلى حكام معاصرين يملكون أفكار تقدمية مهمة.

ومن ناحية أخرى، كان انتشار موجة تطورات الربيع العربي في جزء كبير من الدول العربية بمثابة صدمة وتحذير خطير لقادة دول الخليج الفارسي، وخاصة السعودية، من استمرار السياسات السابقة في بلدانهم ولهذا هرعت الرياض إلى تطوير المجتمع السعودي وشبابه وقامت بإدخالهم إلى عصر التغييرات الواسعة في مجال الإعلام والسينما، وفي وضع تستمر فيه الحكومة في قمعها بشدة لأصغر مطالب المشاركة السياسية والديمقراطية، فإن الأسرة الحاكمة تسعى إلى جذب الشباب ومنع نمو الاستياء عن طريق إزالة بعض القيود الاجتماعية التي كانت سائدة في الماضي. وفي هذا الصدد، أعلنت وزارة الثقافة والإعلام في المملكة العربية السعودية في عام 2018، نهاية الحظر المفروض على السينما بعد 35 عامًا.

الترويج لسياسات الحكومة في العالم العربي

يجب اعتبار المسابقات الإقليمية وتعزيز السياسات الحكومية كجزء آخر من أهداف المملكة العربية السعودية التنموية في مجال السينما وصناعة الأفلام. وفي العقد الماضي، تحت قيادة الإخوان المسلمين، أصبحت تركيا منافسًا شرسًا للمملكة العربية السعودية في مجال الدول العربية، وفي غضون ذلك، لعبت صناعة السينما التركية دورًا مهمًا في زيادة القوة الناعمة لهذا البلد في العالم العربي.

كما استخدمت الحكومة السعودية في السنوات الماضية صناعة السينما تمهيدا لتطبيع العلاقات مع النظام الصهيوني، فمثلا يمكن أن نذكر إنتاج وبث مسلسل “مخرج 7” و “ام هارون” من شبكة تلفزيون MBC، التي تتناول القضايا الاجتماعية، فقد صورت هذه المسلسلات الوضع السياسي والاقتصادي المتعلق بإسرائيل وشوهت التاريخ اليهودي في المنطقة والخليج الفارسي. إن الترويج لسياسات الحكومة في تمويل الأفلام واضح تمامًا. وعلى الرغم من التشجيع على الإنتاج، إلا أن الحكومة تفرض سياسة رقابة صارمة حيث تتلقى صناعة السينما دعمًا ماليًا وفنيًا من ثلاث مؤسسات حكومية – مركز الملك عبد العزيز للثقافات العالمية، وهيئة الأفلام تحت إشراف وزارة الثقافة السعودية، و مهرجان البحر الأحمر السينمائي.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق