التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, ديسمبر 22, 2024

لقاء قادة الجزائر وايطاليا.. الأسباب والأهداف 

زار رئيس الوزراء الإيطالي الجزائر في زيارة هي الثانية له في ظرف 3 أشهر في سياق الزخم الذي يشهده محور الجزائر – روما.

وترأس رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراغي، في الجزائر مع الرئيس، عبد المجيد تبون، القمة الجزائرية-الإيطالية الرابعة التي وقع خلالها البلدان عدداً من الاتفاقيات، ولا سيما لزيادة إمدادات الغاز الجزائري إلى روما.

وتهدف القمة التي شارك فيها أيضا ستة وزراء إيطاليين “إلى تأكيد الشراكة المتميزة في قطاع الطاقة” بين البلدين، حسب بيان لمكتب دراغي.

ووقع تبون ودراغي 15 مذكرة تفاهم واتفاقا تتعلق بمسائل القضاء والمؤسسات الصغيرة والشركات الناشئة والتعاون في مجالات الصناعة والطاقة والتنمية المستدامة.

والجزائر التي تجمعها علاقات مميزة بايطاليا أصبحت “مزودها الأساسي بالغاز في الأشهر الأخيرة”، بعد أن تفوقت عليها روسيا لفترة طويلة إذ كانت 45 في المئة من واردات الغاز الايطالية تأتي من روسيا، وفق ما أكد دراغي للصحفيين.

وقال دراغي خلال منتدى اقتصادي بعد لقائه مع تبون إن “الاتفاقية الموقعة بشأن التعاون في مجال الطاقة تشهد تصميمنا على عمل المزيد في هذا المجال”.

و من جهته أعلن تبون أنّه سيتم التوقيع “اليوم (الثلاثاء) على اتفاقية مهمة بين (شركة) أوكسيدنتال (الأميركية) و(المجموعة الإيطالية) إيني و(الفرنسية) توتال ستمكن من إمداد إيطاليا بكميات كبيرة (إضافية) من الغاز”.

وجاءت زيارة رئيس الوزراء الإيطالي بعدما أعلنت الجزائر زيادة إمداداتها الغازية نحو إيطاليا اعتبارا من هذا الأسبوع، وقررت رفع صادراتها الغازية إلى روما بمقدار 4 مليارات متر مكعب” لتصل بالمجمل إلى 25 مليار متر مكعب”.

وستتكفل شركة سوناطراك النفطية الحكومية في الجزائر “بتسليم هذه الشحنة الإضافية من الغاز إلى شركة إيني وكذا شركائها الإيطاليين الآخرين”.

ويأتي قرار الجزائر رفع إمداداتها الغازية إلى إيطاليا بالتزامن مع تداعيات الحرب في أوكرانيا على أسواق النفط العالمية، ومخاوف أوروبا من توقف إمدادات الغاز الروسية، وعقب الزيارة التي قام بها في نيسان الماضي، رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، حيث وقع اتفاقاً غازياً وصف بـ”التاريخي والنموذجي” يقضي بزيادة إمدادات الجزائر الغازية نحو روما.

وفي تونس ممر استراتيجي لثالث أنبوب غازي جزائري نحو أوروبا وتحديدا إلى إيطاليا وهو أنبوب “ترانسماد”، ويصل طوله إلى نحو 2485 كيلومتراُ، فيما تقدر قدرة نقله للغاز الطبيعي نحو 33.7 مليار متر مكعب، ويضمن تزويد 3 دول بالغاز الطبيعي وهي تونس وإيطاليا وسلوفينيا.

ووفق أرقام رسمية من البلدين، فقد تسملت إيطاليا منذ بداية العام الحالي 13.9 مليار متر مكعب من الغاز الجزائري، وذلك بارتفاع تاريخي قدره 113 % عن 2021.

وعقب زيارته الرسمية إلى روما، نهاية أيار الماضي، أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بشكل مفاجئ عن “تغيير الجزائر بوصلتها الغازية” الخاصة بأوروبا نحو إيطاليا، والتي باتت “الموزع الحصري للغاز الجزائري في أوروبا”، بعد أن كانت شريكة في ذلك مع إسبانيا.

وفي مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الإيطالي سيرجيو ماتاريلا بروما، أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بأن “إيطاليا ستكون الموزع للغاز الجزائري إلى أوروبا بعد زيادة الإمدادات إليها”.

وأكد الرئيس عبد المجيد تبون على التزام الجزائر بـ”صون الصداقة مع إيطاليا في جميع المجالات على غرار الطاقة”، وأكد بأن “الجزائر ملزمة دولياً ومعنوياً وأخلاقياً بصون الاتفاقيات التي توقعها مع الآخرين، فما بالك بإيطاليا الصديقة”.

وأعلن بأن عملاق النفط الجزائري “سوناطراك” سيعمل مع شركة “إيني” الإيطالية “على التنقيب عن موارد إضافية من الغاز”، ما يعني أن الشركة الإيطالية ستحصل على المزيد من المشاريع في الجزائر.

وأردف قائلا: “ملتزمون بتلبية حاجيات إيطاليا وهناك ارتباط عضوي بين البلدين في مجال الطاقة”.

وقبل ذلك، وفي لقائه مع الجالية الجزائرية بإيطاليا، كشف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بأن بلاده “هي ثاني مموّل بالغاز للسوق الإيطالية، ونسعى لتعزيز الشراكة مع إيطاليا للقيام باكتشافات أخرى، لكي ترتفع الكميات الموجهة لها، وتصبح الموزّع لهذه المادة في أوروبا”.

لم تكن الزيارة التي قادت رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراغي، مهمة للرفع في مليارات المترات المكعبة من الغاز، أو لتعزيز العلاقات الاقتصادية فحسب، وإنما كانت زيارة بأهداف أبعد من ذلك، فيها الكثير من الرسائل العابرة للعلاقات الثنائية.

الاصطفاف الجزائري الإيطالي كان واضحا أكثر من أي وقت مضى، وهو اصطفاف على جميع الأصعدة، جعل من الجزائر المورد الأول للغاز، متقدمة على الشريك التقليدي، روسيا التي تراجعت إلى الوراء، بفعل العقوبات الأوروبية التي جاءت ردا على العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، منذرة بشتاء قارس في القارة العجوز.

البعد السياسي في هذه الزيارة وإن طغى عليها البعد الاقتصادي، إلا أن ذلك لم يمنع من أن يبرز الأول كمهيمن، جسده التصريح المشترك للرئيس عبد المجيد تبون ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، والذي أكد على “رغبة بلدينا في تعزيز روابط الصداقة وتكثيف مجالات التعاون.. وبناء علاقات استراتيجية”.

يبرز المحور الجزائري الإيطالي في “التطابق الكلي” في كل الملفات الكبرى ومنها القضية الليبية التي تم التوافق بشأنها على “ضرورة تحقيق الليبيين هدف بناء المؤسسات بأنفسهم، من خلال انتخاب نزيه لممثليهم الذين يختارهم الشعب الليبي بنفسه، بعيدا عن التدخلات والتجاذبات الخارجية”، وكذا العمل على “تطبيق اتفاق السلم والمصالحة المنبثق عن مسار الجزائر وتعزيز دور البعثة الأممية (مينوسما) من أجل الوصول إلى التسوية النهائية للتوتر الحاصل في المنطقة”.

ويبقى التميز في الموقف الإيطالي مقارنة بنظيره الإسباني، مسجلا بشأن القضية الصحراوية، بعدم تبني روما لمشروع الحكم الذاتي الذي يحاول نظام المخزن فرضه على الصحراويين، وتأكيده على دعم جهود الأمم المتحدة عبر ممثلها الخاص، ستافاون ديميستورا، من أجل تنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية، وفق ما جاء في التصريح المشترك، الذي قرأه الرئيس تبون: “نتفق مع الأصدقاء في إيطاليا على دعم المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة والبعثة الأممية للاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو) لدورها المهم في تسوية هذا النزاع الذي طال أمده”.

هذه العبارات لخصت الكثير من الرهانات التي تقف خلف هذه الزيارة، التي لم تكن سوى حلقة في مسلسل بدأت تفاصيله ترتسم منذ الربيع المنصرم، مدفوعة بتطورات طارئة، مثل الحرب في شرق أوروبا، وانقلاب الموقف الإسباني من القضية الصحراوية، وما خلفه من تداعيات على العلاقات الجزائرية الإسبانية.

قيمة التقارب الجزائري الإيطالي لا يمكن الوقوف على أهميته، إلا بالاضطلاع على ما يكتبه إعلام الطرف الآخر، ممثلا في إسبانيا، التي خسرت الكثير من مصالحها في الجزائر منذ الربيع المنصرم، ولا تزال.

وهنا يمكن التوقف عند ما علقت به صحيفة “إل موندو” الإسبانية على الزيارة، التي كتبت “استفاد رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراجي، استفادة كاملة من الأزمة المفتوحة بين الجزائر وإسبانيا نتيجة التحول الذي طرأ على موقف الحكومة الإسبانية بشأن قضية الصحراء الغربية. لم تعد الجزائر المورد الرئيسي للغاز لإسبانيا، التي تعتمد الآن على الولايات المتحدة كقناة إمداد رئيسية لها”.

وتكتب “إل موندو” بشيء من الحسرة على ما خسرته مدريد بسبب مواقف وسياسات حكومة بيدرو سانشيز غير المحسوبة العواقب: “جعلت الأزمة الإسبانية مع الجزائر من إيطاليا الحليف الأوروبي الرئيسي لهذا البلد الشمال إفريقي. حضرت الحكومة بقيادة دراغي إلى القمة الإيطالية الجزائرية بستة وزراء، وكان هدفها الأول هو ضمان إمدادات الغاز مقابل عرض علاقة أوسع”.

وتضيف الصحيفة الإسبانية وكأنها تعدد خسائر مدريد التي تأبى التوقف: “اختار الرئيس الجزائري أن يجدد مع صديقه الرئيس دراغي الاقتراح، بأن تكون إيطاليا واحدة من موردي الطاقة الشمسية والكهرباء التقليدية في أوروبا، وهو الدور الذي كان موكولا لإسبانيا إلى غاية عشية اندلاع الأزمة بين الجزائر ومدريد بسبب القضية الصحراوية”.

الشعور بالذنب لدى الطرف الإسباني، كما جاء في الإعلام الذي يوصف بأنه “ضمير المجتمع”، كان واضحا فيما كتبته “إل موندو”، وهي تشير إلى الاتفاقية التي وقعتها شركة سوناطراك، على هامش هذه الزيارة، مع الشركات الأمريكية والإيطالية والفرنسية، “أوكسيدنتال” و”إيني” و”توتال” على التوالي، بغلاف مالي لا يقل عن أربعة مليارات دولار، من أجل توفير كميات أكبر من الغاز لضخها باتجاه روما.

إنها قائمة الشركاء التي غابت عنها الشركات الإسبانية، التي اعتادت الحضور بقوة في المشهد الطاقوي الجزائري، وهذا المعطي يعتبر أشد إيلاما من الناحية السياسية والاقتصادية لحكومة سانشيز، لأن العقاب لم يقتصر على الحرمان من الصفقات، بل تعداه إلى إعادة فتح ملفات النزاع المطوية، كما حصل مؤخرا مع شركة “تكنيكاس رونيداس”، التي باتت مطالبة بتسديد ما لا يقل عن 80 مليون أورو، بعد رفض سوناطراك أي حل توافقي بشأن مشروعها الغازي بتوات (أدرار).
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق