اجتماع طهران الثلاثي علی وقع العمليات العسكرية التركية في سوريا
بعد اندلاع الأزمة السورية عام 2011، حاولت الدول المتورطة في هذه الأزمة إنهاءها من خلال عقد اجتماعات دولية.
في البداية، عُقدت اجتماعات في جنيف بين ممثلي فصائل المعارضة والحكومة السورية، لكن بما أن أجواء هذه اللقاءات كانت لمصلحة المعارضة في الغالب، فلم يحققوا شيئًا عمليًا ولم يتمكنوا حتى من تحقيق وقف إطلاق نار مؤقت.
لذلك، بادرت روسيا، بالتعاون مع تركيا وإيران، لعقد الاجتماعات، وبدأت اجتماعات جديدة بين الأطراف المعنية بالأزمة السورية في أستانا عاصمة كازاخستان.
وبعد 6 سنوات، وصلت هذه الاجتماعات الآن إلى محطتها التاسعة عشرة في طهران، واجتمع قادة تركيا وإيران وروسيا يوم الثلاثاء الماضي بهدف إيجاد حل لإنهاء الأزمة السورية الإقليمية.
كيف تشكلت مفاوضات أستانة
بشأن تشكيل مسار أستانا، يُذكر أن الجولة الأولى من مفاوضات أستانا لحل الأزمة السورية انطلقت في شباط 2016، بين ممثلين عن إيران وروسيا وتركيا وممثلي فصائل المعارضة والحكومة السورية.
وعلى الرغم من أن الجولة الأولى من المحادثات لم تكن ناجحةً، إلا أنها ركزت في الغالب على تثبيت وقف إطلاق النار وبدء مفاوضات ثنائية سورية سورية مباشرة.
عقدت اجتماعات أستانا ثمانية عشر مرة في السنوات الست الماضية، ستة منها على مستوى رؤساء دول تركيا وإيران وروسيا، والتي تلعب دورًا فاعلًا في التطورات في سوريا.
من أهم إنجازات اجتماعات أستانا طوال فترة انعقادها، كان قدرة هذه الآلية السياسية على جمع اللاعبين الرئيسيين المؤثرين في عملية تطورات ساحة المعركة، حيث إنه بعد 6 سنوات من بدء الأزمة، تشاور ممثلو الحكومة السورية لأول مرة بشكل مباشر مع ممثلي فصائل المعارضة المسلحة في كانون الثاني 2017.
من جهة أخرى، كان دور اجتماعات أستانا کبيراً في الاتفاق على فصل مجموعات المعارضة المسلحة والجماعات الإرهابية، لتسريع عملية مكافحة الإرهاب في سوريا.
كما أن الإسراع في إرسال المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي مزقتها الحرب، وتحديد مناطق خفض التصعيد لمنع انتشار النزاعات والسيطرة على الأزمة، كان من الإنجازات المهمة الأخرى لاجتماعات أستانا لحل الأزمة السورية.
وخاصةً أن إيران وروسيا وتركيا وقعت في اجتماع أستانا 4 مذكرات تفاهم لإنشاء أربع مناطق آمنة في سوريا، شملت مناطق في محافظة إدلب وأجزاء من حمص والغوطة الشرقية ودرعا والقنيطرة، بهدف الحد المبكر من العنف. كما أن الاتفاق على تشكيل اللجنة الدستورية السورية، كان أحد الإنجازات المهمة الأخرى لمحادثات أستانا.
وقد دفع ذلك رؤساء الدول الثلاث التي ضمنت عملية أستانا، إلى طرح هذه الآلية مرارًا وتكرارًا باعتبارها المبادرة الدولية الوحيدة الفعالة، التي ساعدت في الحد من العنف في جميع أنحاء سوريا، وساهمت في إرساء السلام والاستقرار في سوريا، وعجلت عملية جنيف من أجل إيجاد حل سياسي دائم للأزمة السورية.
کما تم التأكيد دائمًا في اجتماعات أستانا على حقيقة أن الأزمة السورية ليس لها حل عسكري، ولا يمكن إنهاؤها إلا من خلال عملية سياسية ودبلوماسية، إلى جانب المفاوضات.
في اجتماع أستانا السابع عشر الذي عقد في كانون الأول 2021 في طهران، نوقشت مختلف القضايا السورية، بما في ذلك الوضع في إدلب والجنوب، عقد الدورة السابعة من الدستور، اعتداءات الكيان الصهيوني علی سوريا، وانسحاب أمريكا من العراق وسوريا ومتابعة نتائج زيارة الوفد الروسي إلى طهران.
ومن بين الموضوعات الأخرى التي أثيرت في هذا الاجتماع، کانت قضية اللاجئين السوريين وضرورة توفير الظروف لعودتهم الطوعية، من أجل زيادة الثقة داخل سوريا والحد من مشاكل الدول المستقبلة للمهاجرين، إضافة إلى الإعراب عن القلق من تجدد عمليات تنظيم داعش الإرهابي في المنطقة وضرورة التعامل معه.
لكن في حين أن دور اجتماعات أستانا في خفض مستوى الأزمة في سوريا لا يمكن إنكاره وتجاهله، لکن مع مرور الوقت، لوحظ أن الجماعات المعارضة(السياسية والعسكرية) تقوم بعرقلة طريق تنفيذ الاتفاقات، أو التوصل إلى اتفاق في المفاوضات.
في الواقع، بما أن اجتماعات أستانا عقدت بالتزامن مع اجتماعات جنيف بين فصائل المعارضة السورية، فقد واجه تقدم العملية السياسية في هذه اللقاءات صعوبات، لأن اتفاقيات أستانا كانت مخالفةً لما تقرر في جنيف من قبل معارضي دمشق، وبالتالي أصرت فصائل المعارضة على مواقفها ولم تهتم باتفاقيات أستانا التي كانت مبادرتها بيد إيران وروسيا، باعتبارهما الداعمين الرئيسيين لدمشق.
حاولت فصائل المعارضة السورية التشكيك في شرعية مفاوضات أستانا بذرائع مختلفة، منها وجود ممثلين عن إيران ودمشق فيها، وعرقلت دائمًا المفاوضات. ولهذا، تم تقليص اجتماعات أستانا، التي عُقدت في البداية بحضور العديد من الدول، إلى مستوى ثلاثي بسبب عرقلة المعارضة والولايات المتحدة.
حالياً، صيغة أستانا تشمل إيران وروسيا وتركيا، وهذه الدول الثلاث تعقد محادثات أستانا منذ حوالي ثلاث سنوات، من أجل التسوية الكاملة للقضايا السورية دون تدخل خارجي في الشؤون الداخلية لهذا البلد، والتأكيد على مشاركة الأطراف السورية بما في ذلك حكومة هذا البلد والجماعات المعارضة.
الاتفاقات الثنائية بين روسيا وتركيا بشأن إدلب
بالنظر إلى أنه بعد انتصارات الجيش السوري على الإرهابيين وتحرير العديد من المناطق المحتلة، ظلت محافظة إدلب المقر الوحيد للجماعات الإرهابية في سوريا منذ عدة سنوات، لذلك فإن معظم الخطط والاتفاقيات التي تم التوصل إليها في السنوات الثلاث الماضية كانت في الغالب حول تطورات هذه المحافظة، وسبق أن أبرمت تركيا وروسيا اتفاقات بهذا الشأن.
في مارس 2018، اتفقت روسيا وتركيا على وقف إطلاق النار في إدلب، وتقرر أيضًا إطلاق دوريات مشتركة وإنشاء طريق آمن على إحدی الطرق الرئيسية في إدلب.
وجاء هذا الاتفاق بعد تصاعد الخلافات بين الجيش السوري والإرهابيين، ونتيجةً لذلك، حاول البلدان ترسيخ بعض الاستقرار في إدلب من خلال اتفاقات وقف إطلاق النار.
كما قتل في ذلك الوقت 34 جنديًا تركيًا في هجوم شنته مقاتلات سورية على رتل عسكري لترکيا في إدلب، وبعد ذلك بدأت تركيا عملية “درع الفرات” في إدلب، ما أدى إلى اشتباكات عنيفة مع الجيش السوري.
تركيا، الداعم الرئيسي للإرهابيين في سوريا، لا تريد أن تخضع إدلب لسيطرة الحكومة المركزية باعتبارها المقر الوحيد لهذه الجماعات، لأنه في هذه الحالة، ستضيع أداة أنقرة للتأثير على عملية التطورات السياسية والميدانية في سوريا.
ولهذا السبب، حاولت تركيا في السنوات الأخيرة إبقاء هذه الجماعات في الميدان بالمساعدة العسکرية، حتى تتمكن إذا لزم الأمر، من استغلال وجودها لتعزيز خططها في شمال سوريا.
وفي الآونة الأخيرة، عقدت اجتماعات بين السلطات التركية وقادة الإرهابيين في إدلب لتنسيق مواقفهم لمواجهة القوات السورية، عندما تبدأ العملية التركية. هذا بينما أعلنت الحكومة السورية دائمًا أنها ستحرر إدلب من أيدي الإرهابيين في الوقت المحدد.
أهداف الاجتماع الثلاثي في طهران
من المفترض أن يبحث الاجتماع الثلاثي في طهران، الذي يعتبر استمراراً للاجتماعات السابقة في أستانا، التطورات الجارية في سوريا.
عقدت روسيا وتركيا وإيران، بصفتهم ضامنين لوقف إطلاق النار في سوريا، محادثات أستانا 18 مرة حتى الآن، بهدف دراسة القضايا الإنسانية وتعزيز الثقة والتنسيق لاتخاذ إجراءات تتماشى مع تطور عملية السلام وحل الأزمة السورية.
وقال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، عن جدول أعمال الاجتماع الثلاثي في طهران، إن هذا الاجتماع سيعقد في وضع يمكن للدول الثلاث أن تضع فيه هدفًا مهمًا من صيغة أستانا، وهو تخفيف التوتر في مناطق الصراع في سوريا.
كما أن عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم ومدنهم، ودعم السلام والاستقرار والأمن في سوريا، من بين القضايا المطروحة على جدول أعمال هذا الاجتماع الثلاثي.
على الرغم من تراجع الأزمة الداخلية في سوريا إلى حد كبير مقارنةً بسنواتها الأولى، يعتقد الخبراء أن القرار المشترك من قبل هذه الدول سيكون مفيدًا للغاية في إرساء الاستقرار الكامل في سوريا.
ووفقًا لفيودور لوكيانوف، مدير المجلس الاستشاري للسياسة الخارجية والدفاعية في الكرملين، ستؤكد موسكو في هذا الاجتماع أنه على الرغم من مشاركتها في الحرب في أوكرانيا، فإنها ستظل لاعباً رئيسياً في سوريا.
هذا بينما ذكرت وسائل الإعلام الغربية والإقليمية مرارًا وتكرارًا في الأشهر الأخيرة، أن روسيا قلصت حجم أنشطتها في سوريا بسبب الحرب في أوكرانيا. لذلك، تحاول روسيا تعزيز مواقفها مع إيران في سوريا، وعدم السماح للجولات لجهات فاعلة أخرى.
ومنذ توتر العلاقات بين روسيا والکيان الصهيوني في الأشهر الأخيرة بسبب موقف الصهاينة من الأزمة الأوكرانية، يحاول الروس مواجهة تحركات هذا الکيان في سوريا.
والتنسيق بين طهران وموسكو يدفع الصهاينة إلى توخي الحذر من أي هجوم على الأراضي السورية. لأن الروس عارضوا بشدة هذه الهجمات، وقدموا مؤخرًا مشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي يدين إجراءات تل أبيب في سوريا، وهي خطوة تظهر أن الروس يريدون الوقوف في وجه الصهاينة، كما أن مواجهة المنظومة الصاروخية S-300 للهجمات الصاروخية الصهيونية في سوريا، تُظهر هذه القضية بشكل جيد.
من ناحية أخرى، من المحتمل أن يتم بحث تطور العلاقات بين تركيا والکيان الصهيوني في الأشهر الأخيرة، من قبل الجانب الإيراني في اجتماع طهران.
بما أن الصهاينة حاولوا مؤخرًا توتير العلاقات بين طهران وأنقرة، من خلال خلق الأجواء المعادية لإيران واتهامها بارتكاب أعمال إرهابية ضد مواطنين إسرائيليين على الأراضي التركية، لذلك، يحاول المسؤولون الإيرانيون في هذا الاجتماع إطلاع تركيا على الهدف الرئيسي لهذه الإجراءات الإسرائيلية ضد طهران في المنطقة، وحل سوء التفاهم الذي نشأ خلال هذه الفترة.
من ناحية أخرى، بسبب جهود بعض دول المنطقة لتطبيع علاقاتها مع حكومة بشار الأسد، نشأ نوع من المنافسة بين الدول العربية للمشاركة في إعادة إعمار سوريا والاستيلاء على السوق السورية، وهذا لم يغب عن دول أستانة، وكل واحدة بدورها تحاول أن يكون لها نصيب في هذا السوق.
رغم أن السلطات السورية قالت مرارًا وتكرارًا أنه في إعادة إعمار هذا البلد، تعطى الأولوية للدول التي كانت بجانب دمشق خلال الحرب الأهلية، وقاتلت إلى جانب قوات الجيش السوري ضد الجماعات الإرهابية. ولهذا الغرض، ستمنح الأولوية في هذا المجال لروسيا وإيران، وهما الداعمان الرئيسيان لدمشق، لإعادة إعمار المدن السورية.
عادةً ما تؤکد البيانات الختامية لاجتماعات أستانا على ضرورة الحفاظ على سيادة سوريا واستقلالها وسلامة أراضيها، ومواصلة عملية وقف إطلاق النار، وصياغة دستور سوري جديد، ومواصلة نشاط اللجان في هذا المجال، ووضع الأساس لعودة لاجئي هذا البلد. ومن المتوقع أن يتم التأكيد على هذه القضايا مرةً أخرى، في البيان الختامي للاجتماع السابع لقادة تركيا وروسيا وإيران.
ينعقد اجتماع طهران فيما تخطط تركيا لتنفيذ عملية جديدة في شمال سوريا هذه الأيام، وأثارت هذه المسألة قلق إيران وروسيا، وبالتالي ستكون هذه المسألة أحد الأهداف التي يتم بحثها في اجتماع طهران.
نظرًا لوجودها في أوكرانيا، ستحاول روسيا ثني تركيا عن هذه العمليات. لأن عملية تركيا الجديدة تتسبب في تصعيد التوترات في سوريا بشكل أكبر، وفي الوقت الذي ينخرط فيه الروس في جبهة أخرى، يمكن أن تخلق تحديات جديدة للمنطقة والمجتمع الدولي.
من أجل بدء جولة جديدة من العمليات في سوريا، تلقت تركيا أيضًا الضوء الأخضر من الولايات المتحدة لتنفيذ مثل هذه العملية. في الأسابيع الأخيرة، استفادت تركيا من الأزمة الأوكرانية إلى أقصى حد، ومن خلال استغلال هذه القضية، ربطت موافقتها علی عضوية فنلندا والسويد في الناتو بقضايا في سوريا، وجرت اتفاقيات بين أنقرة وواشنطن بهذا الشأن.
تريد تركيا احتلال شمال سوريا وحتى ضمه إلى أراضيها، بذريعة مواجهة إرهابيي حزب العمال الكردستاني. لكن سلطات دمشق وروسيا عارضت هذه القضية بشدة، ووصفت هذا الإجراء بأنه لعب بالنار سيكون مكلفًا لتركيا.
وفي هذا الصدد، رفع الجيش السوري، في الأسابيع الأخيرة، مستوى استعداده في شمال سوريا حتى لا يسمح لتركيا بالخوض في مغامرة. كما أعلنت بعض وسائل الإعلام أن وحدات الجيش السوري عززت نقاط تركيزها في الأيام الماضية، بجلب المزيد من القوات والأسلحة على طول خط المواجهة مع مرتزقة الجيش التركي، في مناطق رأس العين وخاصةً قرى ريف “تل تمر” شمال غرب الحسكة.
كما أكدت مصادر ميدانية في ريف حلب، أن وحدات من الجيش السوري عززت مواقعها في محيط بلدة “العريمة” على خط “الساجور” بريف منبج شرقي حلب، بدعم من الأسلحة الثقيلة بما في ذلك 3 دبابات و 3 راجمات صواريخ للقوات العسكرية المساعدة التي تم إرسالها إلى قرى ومناطق غرب منبج.
هذه هي المناطق التي من المحتمل أن تنفذ فيها تركيا عملياتها، وبالتالي فإن القوات السورية جاهزة لأي عملية من تركيا. هذا فيما يقال إن تركيا بعثت مؤخرًا برسالة إلى دمشق عبر إيران، مفادها بأن الجيش السوري يجب ألا يتدخل في العمليات المستقبلية من أجل منع التوترات وتقليل الخسائر البشرية.
ومع التحركات الجديدة للقوات السورية، يبدو أن سلطات هذا البلد لم تستجب لرسائل أنقرة هذه. لأن الحكومة السورية تعتبر أي وجود للقوات الأجنبية احتلالًا، وقد أعلنت مرارًا أن عليها مغادرة البلاد.
هدف تركيا من حضور الاجتماع الثلاثي في طهران
بما أن أردوغان زاد من تحركاته في المنطقة والعالم في الأشهر الأخيرة، فإنه يبحث أيضًا عن أهداف في الاجتماع الثلاثي حتى يتمكن من تحقيقها.
يحاول أردوغان إقناع طهران وموسكو بعملياته في شمال سوريا، لكن بالنظر إلى المواقف المتشددة لإيران وروسيا، فإنه لن ينجح في هذا الشأن، وإذا قام بعملية دون موافقة طهران وموسكو، فسيواجه معارضة هاتين الدولتين كما في السابق.
يمثِّل اجتماع الثلاثاء أيضاً أول لقاء مباشر بين أردوغان ورئيس روسي منذ أن بدأت موسكو هجومها في أوكرانيا. طلب رئيس تركيا في وقت سابق عقد اجتماع مع بوتين للمساعدة في حل التوترات العالمية منذ بداية الحرب في أوكرانيا، وقد أعلن مكتب الرئيس التركي أن أردوغان يعتزم عقد اجتماع ثنائي مع فلاديمير بوتين خلال زيارته التي تستغرق يومين إلى طهران.
کما يأتي لقاء بوتين مع أردوغان أيضًا في وضع حاولت فيه تركيا الظهور بمظهر محايد في التطورات الأوكرانية، ولعب دور الوسيط بين الطرفين.
كانت تركيا، بصفتها عضوًا في الناتو، في نزاع مع واشنطن قبل بدء حرب أوكرانيا بشأن تعزيز العلاقات مع موسكو، وبعد بدء الحرب ورغم إدانتها وبيع طائرات مسيرة لأوكرانيا، إلا أنها لم تلتزم بالعقوبات المفروضة على موسكو.
كما يقال إن إحدى المناقشات المهمة في الاجتماع بين بوتين وأردوغان، يمكن أن تكون خطة الأمم المتحدة المقترحة لاستئناف صادرات الحبوب عبر البحر الأسود.
لقد توصل المفاوضون من روسيا وأوكرانيا وتركيا مؤخرًا إلى اتفاق بشأن تصدير الحبوب عبر السفن في البحر الأسود، ما أثار الآمال في إحياء 20 مليون طن من الحبوب والمنتجات الزراعية الأوكرانية. ونظرًا لوجود حدود مشتركة بين تركيا وروسيا في البحر الأسود، سيناقش أردوغان أيضًا مسألة الأمن في تلك المنطقة مع بوتين.
بسبب العديد من التحديات والمشاكل، ولا سيما في مجال المعيشة والتضخم الذي وصل إلی 80٪، وبسبب إجراء الانتخابات الرئاسية العام المقبل، يحتاج أردوغان إلى أداة جادة للخروج من هذا الوضع.
لذلك، فإن الهجوم على سوريا واحتلال حلب يمكن أن يكون ورقةً رابحةً لأردوغان بهدف الفوز في الانتخابات، ومن ناحية أخرى يمكن أن يكون بمثابة أداة لصرف الرأي العام التركي عن المشاكل الاقتصادية.
لهذا السبب، فهو جاد في تنفيذ العمليات العسكرية في شمال سوريا، وربما كان السبب الوحيد لتأخير هذه العملية هو الاجتماع الثلاثي لطهران، حيث حاول إثارة مخاوفه من التهديدات المزعومة من الإرهابيين، والحصول على موافقة طهران وموسكو في هذا الصدد.
مصالح وجدول أعمال روسيا وإيران للجولة الجديدة من المفاوضات في طهران
بما أن تحركات تركيا الجديدة في سوريا شكلت تحديًا للوضع الأمني في هذا البلد، تحاول طهران وموسكو الحصول على ضمان من تركيا بأن تصرفاتها لن تؤدي إلى تصعيد التوترات.
ورغم أنه تم التوصل إلى اتفاقات في الاجتماعات السابقة حول إرساء الاستقرار في مناطق خفض التصعيد، إلا أن العملية التركية يمكن أن تخلق في هذه المناطق مخاوف أمنية مرةً أخرى، وهو ما يتعارض مع سياسات روسيا وإيران اللتين تسعيان إلى تحقيق الاستقرار وإرساء الأمن في سوريا.
وبالنظر إلى أنه من الممكن أن تريد تركيا ضم أجزاء من حلب وإدلب إلى أراضيها، لذلك تحاول روسيا وإيران تحييد هذه الإجراءات المسببة للتوتر، وتحذير سلطات أنقرة بآثارها السلبية.
وبما أن العقبة الرئيسية أمام تحرير إدلب في السنوات الأخيرة كانت دعم تركيا المكثف لهذه الجماعات الإرهابية، لذا تحاول السلطات الروسية والإيرانية إقناع تركيا بعدم دعم الإرهابيين، من أجل تمهيد الطريق لتحرير إدلب من قبل القوات السورية. لأنه من دون المساعدات الخارجية لن يعيش الإرهابيون سوی بضعة أيام أخرى، ومع تحرير إدلب ستغلق قضية الإرهاب في سوريا إلى الأبد.
على الرغم من أن تركيا كانت تجلس على طاولة واحدة مع روسيا وإيران في السنوات الماضية، وأظهرت على ما يبدو أنها متحالفة مع هذين البلدين، إلا أنها لعبت دائمًا لعبةً مزدوجةً، وتواصل دعم الجماعات الإرهابية ومحاولة إنشاء منطقة عازلة في شمال سوريا.
والمسألة الأخرى التي يمكن ذكرها، هي أن تركيا استغلت ضعف الحكومة المركزية لتنفيذ خططها الطموحة في بداية الأزمة السورية بسبب حجم الحرب الأهلية، لكن الآن الحكومة السورية ليست في موقع ضعيف، وبسبب هزيمة الجماعات الإرهابية وتحرير العديد من المناطق المحتلة، فهي في موقع قوة ويمكنها الرد على النزعة التوسعية لتركيا حتى من دون مساعدة حلفائها.
على الرغم من عقد الاجتماع الثلاثي في طهران بهدف مراجعة التطورات في سوريا، فإن إيران وروسيا تسعيان لتحقيق أهداف أخرى من خلال عقد مثل هذا الاجتماع في الوضع الراهن.
فبالنظر إلى أن روسيا متورطة في الحرب في أوكرانيا، وهناك احتمال لتقليص بعض أنشطتها في سوريا، لذلك يحاول الروس تقوية مواقف إيران في سوريا، حتى لا تتعطل تطورات هذا البلد بسبب تقليص وجود القوات الروسية.
من ناحية أخرى، بالنظر إلى أنه بعد بدء الحرب في أوكرانيا، تحاول أمريكا ضرب روسيا على جميع الجبهات، وسوريا هي أيضًا جزء من هذه الخطط، لذلك يعدّ الاجتماع في طهران فرصةً لبوتين ليقول للغربيين لا تجعلوا الوضع الأمني في سوريا أكثر توتراً، لأنه بالطريقة نفسها التي استجاب بها للتوتر الذي أحدثه الغرب ضد روسيا في أوكرانيا، يمكنه أيضًا الرد على أمريكا وحلفائها في سوريا.
أيضًا، بسبب الحرب في أوكرانيا، فإن روسيا على خلاف مع الغربيين وتتطلع إلى تعزيز علاقاتها مع حلفائها. لذلك، من خلال وجوده في طهران، يريد بوتين إرسال هذه الرسالة إلى العالم بأن إيران هي أحد حلفاء موسكو، وقد أظهر مؤخرًا أنه ينوي تعزيز علاقاته مع إيران.
ويُظهر توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوراسي وإيران في الأيام الأخيرة، وإطلاق الممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب بعد عقدين من الزمان، أن طهران وموسكو حسَّنتا علاقاتهما بعد الأزمة الأوكرانية.
وبما أن البلدين يخضعان لعقوبات شديدة من الغرب، فإنهما يحاولان العمل معًا لتجاوز هذه العقوبات، وتحييد تأثيرها على الاقتصاد المحلي.
وبالنظر إلی أن زيارة بوتين لطهران تأتي بعد أيام قليلة فقط من زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمنطقة، فإنها تشير إلى أن موسكو تعتزم أيضًا تقوية حلفائها في الشرق الأوسط ومواجهة التحركات التخريبية للغرب. كما حذر وزير الخارجية الروسي بشدة خلال زيارته الأخيرة لطهران، من محاولة أمريكا بناء تحالف عربي – عبري ضد إيران.
بشكل عام، يمكن القول إن الاجتماع الثلاثي في طهران يعتبر نوعًا من إعادة تحديد السياسات الكلية للدول المعنية بالأزمة في سوريا، بعد زيارة جو بايدن الفاشلة إلى المنطقة.
وبما أن بايدن فشل في تشكيل تحالف عبري-عربي ضد إيران ومحور المقاومة، فقد أظهر ذلك بوضوح أن حلفاء أمريكا في المنطقة فقدوا ثقتهم في قدرات أمريكا واعتمادهم على هذا البلد، وخاصةً بعد الأزمة الأوكرانية.
لذلك، يمكن أن يكون اجتماع طهران رداً مناسباً على مواقف بايدن ضد إيران وروسيا، ويمكن أن تؤدي نتائجه بالتأكيد إلى تعزيز موقع إيران ومحور المقاومة في المنطقة. ومن ناحية أخرى، سيشكل هذا الاجتماع فصلاً جديدًا في العلاقات الاستراتيجية والعسكرية بين طهران وموسكو في المستقبل.
المصدر/ الوقت