ما دلالات تصريحات دقلو حول ترك الحكم الانتقالي للمدنيين في السودان
أعلن نائب رئيس مجلس السيادة في السودان، الفريق محمد حمدان دقلو، الجمعة، أنّ المجلس قرّر ترك أمر الحكم للمدنيين وتفرّغ القوات النظامية لأداء مهامّها الوطنية المنصوص عليها في الدستور والقانون.
وأكّد دقلو أنّ المؤسسة العسكرية في السودان لن تتمسك بسلطة تؤدي إلى إراقة الدماء، وأنّها قررت أن تترك أمر الحكم للمدنيين، وأن “تتفرغ القوات النظامية لأداء مهامها الوطنية السامية”.
وأشار دقلو، في بيان، إلى أنّ الفرصة ستتاح لقوى الثورة والقوى السياسية الوطنية، بالتحاور والتوافق من دون تدخّل المؤسّسة العسكرية، داعياً جميع قوى الثورة والقوى السياسية الوطنية إلى الإسراع في إيجاد حلولٍ عاجلةٍ تؤدّي إلى تشكيل مؤسّسات الحكم الانتقاليّ في البلاد.
ودعا دقلو من سمّاهم “الوطنيين الشرفاء من قوى سياسية وثورية ومجتمعية” إلى التكاتف والانتباه للمخاطر التي تواجه البلاد، والتوصل إلى “حلول سياسية عاجلة وناجعة لأزمات الوطن الحالية”. وأكد دقلو أنّه سيبذل قصارى الجهد لتذليل أيّ صعابٍ قد تواجههم.
كما أكد أنّ “الوقت قد حان لتحكيم صوت العقل، ونبذ كل أشكال الصراع غير المجدي، والذي لن يربح فيه أحد غير أعداء هذا الوطن ومن يتربصون به شراً”، وفق تعبيره.
وقال دقلو إن القرارات التي أصدرها رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في الرابع من تموز/يوليو الماضي، جرى العمل “على صياغتها سوياً وعبر تشاورٍ مستمرٍ وبروح الفريق الواحد وبنية صادقة لأن نوفر حلولاً للأزمة الوطنية”.
وأضاف إنّه يراقب ويعلم “تماماً المخططات الداخلية والخارجية التي تتربّص بالبلاد”، وأنّ السودان “يمر حالياً بأزمات هي الأخطر في تاريخه الوطني الحديث، وتهدد وحدته وسلامته وأمنه ونسيجه الاجتماعي”.
وفي الرابع من يوليو، أعلن رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، أنه سيتم حل مجلس السيادة وتشكيل مجلس أعلى للقوات المسلحة من الجيش والدعم السريع. وقال حينها، إن تشكيل المجلس الأعلى للقوات المسلحة سيتم بعد تشكيل الحكومة التنفيذية، موضحاً أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة سيتولى قيادة القوات النظامية ومسؤولية الدفاع والأمن.
كما قال إن القوات المسلحة ستبقى حارساً لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، «وتعيد تأكيدها بالوقوف مع التحول الديمقراطي والوصول للانتخابات». وتابع «قررنا إفساح المجال للقوى السياسية والثورية لتشكيل حكومة كفاءات من خلال الحوار، كما قررنا عدم مشاركة المؤسسة العسكرية في المفاوضات الجارية حالياً».
وعبر البرهان عن تمسكه بدعم التحول الديمقراطي والحفاظ على وحدة السودان واستقراره، داعياً الشباب إلى التمسك بالسلمية من أجل إنجاح الانتقال الديمقراطي. كذلك أضاف «سنقوم على تحقيق العدالة التي تفضي إلى تقديم المتورطين في العنف للعدالة»، مبيناً أن البلاد تمر بأزمة تهدد وحدتها وتماسك لحمتها الوطنية ومخاطر تعيق المسار الديمقراطي.
من جهتها قالت “قوى الحرية والتغيير – المكتب التنفيذي” في السودان، إن إعلان نائب رئيس المجلس السيادي الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي” ترك أمر الحكم للمدنيين؛ يعد “امتداداً لخطوات تراجع السلطة”، و”إقراراً ببعض المطالب الجماهيرية”، فيما أعلنت طرح مشروع إعلان دستوري لكل القوى السياسية.
وأكدت “قوى الحرية والتغيير” في بيان، عقب اجتماع طارئ للمكتب التنفيذي لمناقشة خطاب قائد وحدات “الدعم السريع” الذي نشره الجمعة، أن قرار القوات المسلحة نتج عن “بسالة شعبنا وتمسكه بقضاياه العادلة، واستكمال مسيرة ثورة ديسمبر المجيدة”.
وأضاف البيان إن الخطاب تضمن “إقراراً إيجابياً ببعض مطالب الحركة الجماهيرية، أهمها ضرورة تسليم السلطة كاملة للمدنيين، وخروج المؤسسة العسكرية كلياً من السياسة، وتفرغها لمهامها الدستورية، والالتزام بالإصلاح الأمني والعسكري الذي يشمل الوصول لجيش مهني وقومي والالتزام بالسلام واستكماله”.
وأوضح البيان أن “قوى الحرية والتغيير” بعد مناقشات مستفيضة ترى “أن الانقلاب يقود البلاد إلى وضع خطير يهدد وحدة البلاد واستقرارها”، مؤكداً أن “نجاة بلادنا من السيناريوهات السيئة التي تحيط بها لن تأتي إلا بتنحي السلطة الانقلابية وتأسيس سلطة مدنية كاملة تعبِّر عن الثورة وقضاياها”، وفق تعبير البيان.
وتابع البيان إن تلك السلطة المدنية يجب أن تقود البلاد “خلال مرحلة انتقالية يتم فيها الشروع الفوري في الإصلاح الأمني والعسكري الذي يقود إلى جيش واحد”، على أن تنتهي تلك المرحلة بـ”انتخابات حرة ونزيهة يختار فيها شعبنا من يحكمه”.
وشددت “قوى الحرية والتغيير” على أن “تأسيس السلطة المدنية الديمقراطية الكاملة يتطلب وحدة قوى الثورة وتمسكها بقضايا التغيير الديمقراطي الشامل”.
وأشارت إلى أنها “ستطرح مشروع إعلان دستوري لكل قوى الثورة والقوى المدنية والسياسية الديمقراطية يستند على كل ما أنتجته قوى الثورة من مواثيق، وعلى التقييم الأمين والشفاف لتجاربنا الانتقالية، بما يضمن وضع بلادنا على طريق التحول الديمقراطي المستدام”.
ويرى مراقبون أن البيان الصادر عن دقلو لم يتضمن تفاصيل جديدة سوى أنه أول إشارة علنية ومكتوبة من نائب رئيس المجلس السيادي عن دمج القوات والجيوش في جيش وطني موحّد، من دون توضيح ما إذا كان من ضمنها قوات الدعم السريع التي يرأسها.
وأشاروا إلى وجود نقطة جدلية ترتبط بعبارة “وفق ما ينص عليه الدستور”، إذ لم يوضح نائب رئيس مجلس السيادة عن أي دستور يتحدث خصوصًا أن الوثيقة الدستورية التي حكمت البلاد في الفترة الانتقالية تم تعليق معظم بنودها. حيث لا يوجد الآن ما يمكن تسميته دستورًا في السودان، يستند عليه الحكم بالنسبة إلى السلطة العسكرية الحالية.
ومن وجهة نظر مراقبين، فإن كلا من البرهان وحميدتي على قناعة بأن الخلافات العاصفة بين المكونات السياسية تصعب الاتفاق على حد أدنى من الثوابت، فضلا عن التوافق حول حكومة مدنية بهياكل متكاملة، بما يعني استمرار العسكر في السلطة وقتا طويلا.
ويرى الكاتب الصحفي محمد حامد جمعة أن بيان حميدتي تضمن تأكيدات بدعم المرحلة الانتقالية وحمايتها، وفيه “تجديد ولاء للبرهان”، ويقول إن حديث الرجل الثاني بالمجلس السيادي فيه إشارة “ربما لآخرين يتوقع أنهم قد ينقضون على السلطة”.
ويتابع جمعة “البيان بالجملة مقصود لإشارات تتعلق بالجيش ومغازلة لأطراف مدنية، وبعض موقعي اتفاق السلام”.
اللافت أن بيان حميدتي حظي بترحيب سريع من عدد من قادة حركات دارفور المسلحة، إضافة إلى الجبهة الثورية، وهو تنظيم يضم موقعي اتفاق السلام، أما الجبهة فكانت اعترضت بشدة على قرار انسحاب العسكريين من التفاوض، معلنة أنها “لن تشارك في أي حوار يغيب عنه المكون العسكري، لأن ذلك يعمق الأزمة السياسية في السودان”.
ويفسر جمعة تحول موقف الجبهة الثورية بأنه مؤشر على تحالف مرتقب بين حميدتي وعدد من فصائلها.
غير أن القيادي بائتلاف الحرية والتغيير أحمد حضرة ينظر إلى حديث حميدتي من اتجاه آخر مفاده بأن الرجل أكد أنه “شريك كامل في الانقلاب، وأنه سبب في الأزمة الكبيرة التي أصبحت تهدد البلاد ووحدتها ومخاطر تقسيمها واشتعال الصراعات القبلية بين أهلها”.
وأضاف “الخطاب لم يعترف بحالة اللادولة، وأن مصيرها أصبح بيد أفراد لا أجهزة أو حكومة ومؤسسات حقيقية”، كما أن حميدتي -وفقا لحضرة- لم يعلن إبطال قرارات الانقلاب وينفض يده منها ويتراجع عن الأخطاء المستمرة.
ويعتقد القيادي أن الإعلان المستمر عن الزهد في السلطة والرغبة بتسليمها للمدنيين ليس سوى “كلمات حق يراد بها باطل”، وأنه كان بإمكان حميدتي إعلان التنحي وعدم تحمل المسؤولية عن كل ما يحدث لإثبات جديته في الابتعاد عن السلطة.
ويرى الكاتب والباحث السياسي محمد المبروك أن تصريحات حميدتي “تؤكد أنه والبرهان يئسا من الرهان على المكون المدني المتشظي، ولحقا بمشروع سياسي يطبخ على نار هادئة محوره الجيش”.
وتدل قراءة الأحداث الأخيرة في السودان إلى حصول تقارب وربما اتفاقات وشيكة بين الأطراف المعارضة في الشارع السوداني. فعلى سبيل المثال رحبت قوى الحرية والتغيير بالتفاهمات مع لجان المقاومة، وبالمبادرات التي تسعى إلى توحيد قوى الثورة. كما أعلنت الحرية والتغيير عن انفتاحها تجاه ميثاق مع لجان المقاومة في منطقة بحري، تقدمت فيه في تفاهمات معها.
ودائماً ما كان المجلس السيادي يحاول بعد الانقلاب أن يضم جزءاً من المجتمع المدني معه في السلطة من أجل البقاء في الحكم لإقناع الشعب أن الحكم ليس عسكرياً، لكن الاحتجاجات الآن تظهر أن الشعب لن يرضخ لخطط العسكر، حيث نظمت اللجان السبت، مظاهرة شعبية كبيرة في العاصمة الخرطوم دعوة للعيش السلمي ورفضا للعنصرية إلى جانب تأكيدها على رفضها المستمر للانقلاب وما ينتج عنه من مشاكل قبلية ومجتمعية مثل ما يحدث في النيل الأزرق شرق البلاد.
المصدر/ الوقت