التحديث الاخير بتاريخ|الأربعاء, ديسمبر 25, 2024

مخيم جنين للاجئين… مقاومة لا تنتهي أبدا 

يذكر اسم مخيم جنين مرة أخرى في احتجاجات وتوترات آذار ونيسان 2022، والتي ادت إلى استشهاد 7 فلسطينيين، لكن قصة هذا المخيم أعمق بكثير مما حدث في جولة التوترات الأخيرة. نعم، جنين قلب القومية والمقاومة الفلسطينية ويرتبط اسم جنين بواحدة من أكثر العمليات العسكرية دموية للنظام الصهيوني ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية. عملية حاصر فيها آلاف الجنود الصهاينة بدعم من مروحيات حربية وجرافات مدرعة جنين لمدة 10 أيام ثم ذبحوا أهلها. وانتهت هذه المعركة بتدمير جزء كبير من هذا المخيم واستشهاد 52 فلسطينيًا ومقتل 23 جنديًا صهيونيًا. هذه المعركة حوّلت جنين إلى نقطة تحول في المقاومة الفلسطينية، ومنذ ذلك الحين أصبحت جنين موضوع الأغاني الوطنية والملصقات والأشعار وحتى فيلم وثائقي للمخرج الفلسطيني محمد البكري بعنوان “جنين … جنين” (فيلم وثائقي صور تفاصيل هذه المعركة وفي العام الماضي تم حظرها في دور السينما التابعة للنظام الصهيوني).

جنين، تذكير بمصادرة الممتلكات من الفلسطينيين

وفقًا لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، تم إنشاء مخيم جنين رسميًا عام 1953 للعائلات النازحة من حيفا والكرمل بعد حرب الاحتلال عام 1948. ويقع هذا المخيم، مثله مثل جميع مخيمات الضفة الغربية، على أرض استأجرتها الأونروا لفترة طويلة. وهذا المخيم، الذي تبلغ مساحته أقل من نصف كيلومتر مربع، يستضيف 16000 لاجئ فلسطيني مسجل. والمنطقة التي ولد فيها مخيم جنين لها أهمية تاريخية في حد ذاتها في سياق القومية الفلسطينية.

كانت هذه المنطقة معقل أول مقاومة فلسطينية منظمة ضد الحكم البريطاني بقيادة عز الدين القسام. ولقد استشهد عز الدين القسام عام 1935 في منطقة “يعبد” على بعد 18 كيلومترا غربي جنين. وُلد العديد من كبار قادة انتفاضة 1936 في فلسطين، مثل فرحان السعدي ويوسف أبو درة، إما في جنين أو استقروا هناك. ولقد أضاف إنشاء مخيم للاجئين في مكان بهذا الإرث السياسي جانبًا رمزيًا آخر، مثل رمز النكبة (يسمي الفلسطينيون يوم احتلال فلسطين في عام 1948 يوم النكبة).

ويوضح عبد الرحيم الشيخ، أستاذ الدراسات الثقافية في جامعة بيرزيت بالضفة الغربية، في هذا الصدد أن: “مخيمات النازحين كانت دائمًا أماكن هامشية، محرومة من الخدمات وبنسبة عالية من الفقر. وقد حوّل ذلك مخيمات اللاجئين إلى تذكرة دائمة بنزع ملكية الشعب الفلسطيني إلى جانب معاقل المقاومة. جمال حويل عضو المجلس الثوري لحركة فتح وسجين سابق في النظام الصهيوني، يقول أيضا: “جنين لم تكن استثنائية من حيث الحرمان لكن كانت لها ظروف خاصة. في السبعينيات والثمانينيات كان يعني النشأة في قلب المأساة الفلسطينية. أتذكر أن المنازل كانت مصنوعة من خشب القصب والطين وألواح الألمنيوم .. كنا نقف كل يوم في طابور طويل أمام مركز الأونروا للحصول على بعض الدقيق والزيت النباتي وبعض الأسماك المعلبة .. لم يكن لدينا مياه جارية وكان منزلنا من غرفتين، وكان يتسع لستة أشخاص”.

اتخذ العدو عدة خطوات عدوانية لمواجهة ظاهرة المقاومة التي انتشرت في المخيم، الذي أصبح منطلقاً لتنفيذ العمليات الفدائية. فإلى جانب عمليات الاغتيال والاعتقال والهدم، عمد العدو لفرض حصار وعقوبات اقتصادية واجتماعية، هدفها تحريض الحاضنة الشعبية على المقاومة، وعزل الفدائيين، ومن أجل تخويف سائر المدن والقرى والمخيمات في الضفة الغربية المحتلة وردعها، حتى لا يمتد إليها العمل الفدائي المقاوم، وخصوصاً تكرار اختراق الجدار وتنفيذ عمليات داخل فلسطين المحتلة عام 1948. ويرجع نجاح ظاهرة المقاومة في مخيم جنين إلى عدة عوامل، أبرزها قدرة فصائل المقاومة على صَهر هوياتها الحزبية في الإطار الوطني، ويكاد يغيب اللون الحزبي في مخيم جنين. وتعمل خلايا المقاومة، من كل الفصائل، وفق تنسيق وتناغم مشتركين. وتُعَدّ معركة جنين عام 2002 النموذج الفريد الذي عكس الوحدة الميدانية في مسرح العمليات والمواجهة مع العدو، والتي ترسخت بدماء شهداء المخيم ورموزه، أمثال جمال أبو الهيجا ومحمود طوالبة وأبو جندل، وغيرهم من الشهداء الأبطال.

تشترك كل الفصائل في المخيم، بما فيها حركة “فتح” في العمل المقاوم، على نحو يتناقض مع رغبة السلطة الفلسطينية، التي سعت لتفكيك الخلايا المسلَّحة وفشلت في ذلك، عندما حاولت قبل عدة أشهر في شن عملية شاملة تم تخطيطها لمدة طويلة بهدف القضاء على الخلايا العسكرية لفصائل المقاومة، نظراً إلى حالة الإجماع الفصائلية والشعبية الناقمة على السلطة وسياستها ومسارها، سياسياً ووطنياً، وتبنيها التنسيق الأمني مع العدو، الأمر الذي أدّى إلى تراجع مخططات السلطة تجاه المخيم، على نحو أجبر العدو على اللجوء إلى خطة مراقبة المقاومين ورصد تحركاتهم عند خروجهم من المخيم بهدف خطفهم أو اغتيالهم، بواسطة قوات خاصة.

ولقد استفادت فصائل المقاومة في مخيم جنين من تجربة المقاومة في قطاع غزة. وعلى غرار الغرفة المشتركة، التي تضم 13 فصيلاً مقاوماً في قطاع غزة، أنشأت مكونات المقاومة في جنين غرفة مشتركة للتنسيق، ميدانياً وعملياتياً، ومن أجل تبادل المعلومات وعمليات الرصد والتدريب والدعم، عسكرياً ولوجستياً. وعكست تهديدات قيادة المقاومة في غزة للعدو، وتحذيره من أن شنّه عدواناً عسكرياً شاملاً على المخيم سيؤدي إلى رد عسكري من المقاومة في غزة، حالةَ الربط بين خطَّي جنين – غزة ، على غرار معادلة القدس – غزة، الأمر الذي زاد في الدافعية القتالية والروح المقاومة للمقاتلين في جنين.

من “الفهود السود الى كتائب الاقصى”

بعد انسحاب المقاومة الفلسطينية من لبنان عام 1982 بعد غزو النظام الصهيوني للبلاد، ظهرت مجموعات وفصائل جديدة داخل الأراضي المحتلة، تمركز الكثير منها حول جنين. ويوضح جمال هفيل أنه في جنين تشكلت مجموعة “النسور الحمر” التابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين و “الفهود السود” التابعة لحركة فتح. وخلال الانتفاضة الأولى التي استمرت من 1987 إلى 1993، ارتبط اسم “الفهود السود” على الفور بجنين. وفي بحث وملاحقة لأعضاء هذه المجموعة، هاجم الجيش الإسرائيلي هذا المخيم عدة مرات ودمر منازلهم في كثير من الأحيان واعتقل عائلاتهم.

وفي أيلول 2021، احتل مخيم جنين عناوين الأخبار مرة أخرى بعد فرار 6 أسرى فلسطينيين من سجن جلبوع بالقرب من شمال الضفة الغربية؛ وفي الأيام التي أعقبت هذا الفرار، هدد الجيش الصهيوني بالهجوم، مشتبهًا في أن بعض الفارين كانوا مختبئين في مخيم جنين. ونتيجة لذلك، بدأت فصائل المقاومة الفلسطينية في هذا المخيم بالتحضير لمواجهة هجوم الكيان الصهيوني. وفي 19 أيلول بدأت القوات الصهيونية باجتياح جزء من هذا المخيم واشتبكت مع مقاتلين فلسطينيين. لم يكن هذا الهجوم سوى بداية جولة جديدة من التوترات حول هذا المخيم ومنطقة جنين بشكل عام.

مخيم جنين: “افضل انواع المقاومة”

تقول شاذى حنيشة، وهي صحفية فلسطينية مقيمة في جنين: “هاجمت القوات الإسرائيلية القرى وحتى مدينة جنين ليلاً وأحياناً في وضح النهار، وكثيراً ما اشتبكت مع شبان لا يملكون إلا الحجارة، وأحياناً دمرت المنازل، ولكن الكل يعرف حقيقة الامر انه مخيم لاجئين. يعرف الجيش الإسرائيلي أن الهجوم على مخيم جنين معقد لأن هذا المخيم مزدحم للغاية وبالطبع السبب الأهم هو أن أهل هذا المخيم واثقون ومتلهفون للقتال”. ويعتقد جمال هافل أن “اليوم، هناك جيل كامل من الشباب ورثوا تجربتنا؛ مثلما ورثنا تجربة الفهود السود؛ ومثل الذين ورثوا تجربة اسلافهم .. ولم تتغير اوضاع فلسطين ولا ظروف المخيم ولا يزال الاحتلال حقيقة واقعة”.

المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق