التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

البرلمان الفرنسيّ يهاجم حرب أردوغان على الكرد.. هل يمكن الوثوق بباريس 

في ظل التهديدات التي يطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشنّ هجوم عسكريّ ضد المسلحين الأكراد في شمال سوريا، بهدف إنشاء “منطقة آمنة”، بعد عملية نُفذت في 2019، استنكر ما يقارب مئة برلمانيّ فرنسي “سياسة الحرب” التي ينتهجها أردوغان ضد الأكراد في شمال سوريا، وتأتي تلك المواقف الفرنسية في ظل الوجود غير الشرعيّ لقوات الاحتلال الأمريكيّ في المنطقة الشرقيّة السوريّة لدعم ما تُطلق على نفسها “قوات سوريا الديمقراطية” التي يهيمن عليها بعض القياديين الأكراد الحالمين بدولة قوميّة ضمن سوريا لإتمام المشروع الذي يتحدث عنه السياسيون الكرد في إنشاء دولة من مجموعة كتل أبرزها في سوريا والعراق وتركيا وإيران، وبالتزامن مع حوار جاد وتعاون تثبته الوقائع مع الحكومة السورية بدلاً عن التعويل على دعم واشنطن والتي تسرق نفط الشعب السوريّ وتدعم مشاريع التقسيم والإرهاب والتجويع، وتتخلى عن حلفائها بغمضة عين.

ودٌ مشكوك

يشير النواب الفرنسيون في مقال نُشر على موقع صحيفة “لو جورنال دو ديمانش” إلى أنّه بينما تضاعف روسيا بقيادة فلاديمير بوتين جرائم الحرب في أوكرانيا منذ مدّة، يخطط الرئيس التركيّ في ظل الانفعال العالميّ، لشن هجوم دامٍ آخر على الأكراد في شمال سوريا، فيما تُصر سوريا على أنّها في المستقبل القريب ستمارس سيطرتها الطبيعية والدستوريّة على المناطق الشمالية من البلاد، وتأكد أنه لن يكون لتركيا ولا للمجموعات الانفصالية المدعومة أمريكيّاً سوى الفشل في مشاريعهما الهدامة في المنطقة، وهذا يعني هزيمةً جديدة للأحلام التركيّة ومساعي السياسيين الأكراد الذين خنعوا لواشنطن التي أعطت الضوء الأخضر من خلال الرئيس الأمريكيّ السابق، دونالد ترامب، لغزو تركيّ للأراضي السوريّة الشماليّة للقضاء على الأكراد وتدمير منازلهم، وإنّ تلك التجربة دفعت السياسيين الأكراد للتوجه أكثر نحو دمشق، حيث إنّ الإدارة الأمريكيّة تجيد السياسة لا أكثر وقد وجهت لهذه الجماعة العرقية الطيبة عبر قراراتها سلسلة طعنات وجهها رؤساء أمريكيون عبر سنوات طويلة.

“الرئيس التركيّ يستغل مكانته المحوريّة بالنسبة لحلف شمال الأطلسيّ في سياق الصراع في أوكرانيا، للحصول على موافقة الحلف الأطلسي على تكثيف هجماته في شمال سوريا”، هي خلاصة وجهة نظر النواب وأعضاء مجلس الشيوخ من الشيوعيين، ومن حزب “لا فرانس انسوميز” (يسار راديكالي)، ومن الاشتراكيين، والبيئيين، ومن الجمهوريين (يمين)، ومن حزب الرئيس إيمانويل ماكرون، فيما يؤكّدون على أنّه على الدول الغربيّة ألا تدير ظهرها لما يحدث، داعين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبيّ إلى ضمان حماية النشطاء والجمعيات الكرديّة الموجودة في الأراضي الأوروبيّة.

وفي الوقت الذي يعتقد البعض أنّ الفرنسين –وهنا أقصد السياسيين منهم- باتوا بليلة وضحاها أصحاب ود وحريّة بعد أن نكّلوا بالكثير من الدول وشعوبها لسنوات طويلة، يهدف البرلمانيون الفرنسيون من هذه الشعارات الواهية لتعقيد المشهد السوريّ أكثر فأكثر والدليل ما ذكره البيان حول دعوة الحكومة إلى حث مجلس الأمن الدولي على فرض منطقة حظر طيران في شمال سوريا، ووضع أكراد سوريا تحت حماية دولية، وطالبوا بأن تتمكن الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا من الاستفادة من اعتراف دوليّ، أيّ انفصال بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، الشيء الذي يعيدنا بالذاكرة إلى العام 1916 حين وقّعت اتفاقية “سايكس بيكو” بين فرنسا وبريطانيا بالتعاون مع الامبراطوريّة الروسيّة لاقتسام الدول العربيّة الواقعة شرقيّ المتوسط في إطار تقسيم أراضي الإمبراطورية العثمانيّة.

اقتراحٌ قذر

يجمع السوريون على خبث السياسة التركيّة في سوريا وضد كل مكونات هذا الشعب العظيم الذي صدّر الحضارة والموسيقا والفن إلى العالم، لكن في الوقت عينه إنّ ما ترغب به فرنسا هو “التقسيم” وبالتالي الحصول على حصة كبيرة من هذه الكعكة كما علمنا التاريخ، حيث إن الأقلية العرقية التي لا يبلغ عدد سكانها في سوريا مليوني نسمة وحوالي 30 مليون نسمة في كامل الشرق الأوسط، استغلت الحرب على تنظيم “داعش” الإرهابيّ ككيانٍ جغرافي في آذار/مارس 2019، لقوات سورية الديمقراطية المعروفة بـ (قسد)، التي تُشكّل مظلة للمقاتلين الأكراد وأقلية من العرب، للسيطرة على نحو ثلث الأراضي السورية الغنية بالنفط، حيث يُقيم ملايين السوريين ومعظمهم من العرب وغير الأكراد، وإن إنشاء ما تسمى “الإدارة الذاتية” لشمال وشرق سوريا التي تحكم المناطق الواقعة في شمال شرق البلاد وشرقها، التطوُّر الأحدث عهداً في المشروع السياسي لحزب “الاتحاد الديمقراطي الكردي”.

وإن الدعم الفرنسي الواضح للإدارة الذاتيّة الكرديّة يدعم بشكل صريح خطاب الحكم الذاتيّ كخطورة للمشروع الأكبر وامتداداته،بعد أن عملت القيادات السياسية الكردية لسنوات على محاربة التعايش والاعتراف المتبادل بين مختلف أبناء المنطقة، رافضة التخلّي عن أيّ هدف تخريبيّ أو سلطة فعلية في المناطق التي تسيطر عليها وتشكل الأكثرية العربيّة الخاضعة لسيطرة “قسد” فيها 80%، في تهميش لأكبر قوميّة في الشرق الأوسط، وإن الوثوق بالفرنسيين يمكن تسميته “الغباء السياسيّ” أولاً و “نفاق المشروع” ثانيّاً، لأن آلية الحكم العنصرية في مناطق العرب تولّد مشاعر استياء وحقد لديهم، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تطبيق هذا المشروع المحارب من الجميع في المنطقة.

والمؤسف في الأمر أنّ التصريحات الفرنسيّة تأتي في ظل التقارب بين دمشق والقياديين الكرد لزعزعة أيّ تفاهم على ما يبدو، بعد أن بات حلم السياسيين الكرد مكشوفاً للقاصي والداني، حيث إن رابع أكبر مجموعة عرقية في المنطقة، ترغب بدولتها القومية الخاصة منذ أواخر القرن الـ19 لكن الظروف المتعاقبة حالت دون تحقيق هذا الحلم، وأكبر مشكلة في هذا الملف هو استناد الأكراد بشكل دائم على أي داعم وتمسكهم بقيام دولتهم القوميّة التي ستفرز عن تقسيم دول كثيرة وهذا بالطبع يعني حرباً مفتوحة ضد هذا المشروع.

في النهاية، هل يُعقل أن تحدد باريس وسياسييها مصير سوريا، هذا البلد الذي استقبل الأكراد الذين فروا من بطش الحكومة التركيّة عام 1925 بعد ثورة “سعيد بيران” ضد سياسة التتريك والتعسف التي انتهجتها حكومات مصطفى كمال أتاتورك، وصولا إلى إكرامهم والوقوف معهم واستقبالهم، والدليل استقبال زعيم الأكراد الأتراك الشهير عبد الله أوجلان الذي يُجل سوريا ويعترف بفضلها في التسعينات من قبل الرئيس السوريّ السابق، حافظ الأسد المعروف بشخصيّته السياسيّة الفريدة، ورغم الضغوط التي مورست على دمشق آنذاك من قبل تركيا والناتو والتهديد باجتياح عسكريّ لتسليمه إلا أنّ سوريا رفضت تسليمه فقرر تركها بنفسه.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق