مخازن لبنان تتضور جوعاً.. حاجة ماسة للخبز وأفران باردة
بسبب الحرب في أوكرانيا، تعاني معظم دول العالم من أزمة نقص الطاقة ومشاكل سلسلة التوريد الغذائية، فإن لبنان بصفته دولةً تعتمد على الواردات لاحتياجاته من الوقود والغذاء، يواجه وضعاً حرجاً في توفير الخبز لمواطنيه منذ شهور.
قبل الحرب في أوكرانيا، کان لبنان يستورد أكثر من 80٪ من قمحه من روسيا وأوكرانيا. ودعم مصرف لبنان المركزي استيراد القمح على مدى السنوات الماضية، للحفاظ على استقرار سعر الخبز.
والآن، على الرغم من أن الحكومة حاولت منع الزيادة الفلكية في سعر الخبز وزيادة النفقات العامة للمواطنين من خلال دعم قطاع الدقيق، لكن بسبب انخفاض احتياطيات الحكومة من النقد الأجنبي والانخفاض الحاد في قيمة العملة الوطنية في السنوات الأخيرة، لم تكن جهود الحكومة لإرساء الاستقرار فعالةً.
منذ عام 2019، فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90٪ من قيمتها. وحسب قناة الجزيرة القطرية، ارتفع سعر الخبز 5 مرات منذ بداية عام 2022 حتى شهر يونيو.
کما أن أزمة نقص الخبز وزيادة سعره أدت بدورها إلى مشاكل أخرى، منها تعريض مئات الوظائف المتعلقة بإنتاج الخبز وتوزيعه في لبنان للخطر، وهو ما يمكن أن يفاقم أزمة البطالة.
على سبيل المثال، من خلال تحديد سعر حكومي للخبز، يتم استبعاد الوسطاء والسماسرة الذين اعتادوا توصيل الخبز إلى المتاجر الكبرى بشكل أساسي.
أيضًا، مع نقص الخبز في محلات الأغذية الكبيرة، يتدفق الزبائن إلى المخابز المحلية، ما يؤدي إلى طوابير طويلة وإحباط السكان البعيدين عن المخابز.
وفي هذا الصدد، اتهم أمين سلام وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة نجيب ميقاتي، الأسبوع الماضي، أصحاب المخابز بتخزين القمح المدعم للخبز العربي التقليدي، وهو عنصر أساسي محلي، لبيعه لاحقًا بأسعار أعلى لتحقيق المزيد من الأرباح.
أزمة الخبز وتزايد مشاكل اللاجئين السوريين
لكن من المشاكل التي تكررت نتيجة أزمة الخبز في لبنان هذه الأيام، مسألة أوضاع اللاجئين السوريين الذين يعيشون في لبنان، والذين وصل عددهم إلى نحو 1.5 مليون شخص منذ عام 2011.
شكّل هذا العدد من اللاجئين السوريين منذ البداية تحديًا للبنان البالغ عدد سکانه 6 ملايين نسمة. والآن، مع نقص مخزون الخبز، تزايدت الشائعات على مواقع التواصل الاجتماعي، على سبيل المثال، حول إرسال اللاجئين السوريين الخبز إلى أقاربهم في سوريا، أو بيع الدقيق في السوق السوداء.
وأعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين(UNHCR)، في تقرير حديث لها، أن التمييز والعنف ضد اللاجئين السوريين في لبنان قد ازداد في الأسابيع الأخيرة.
وقالت المتحدثة باسم المفوضية، باولا باراتشينا، لوكالة أسوشيتد برس: “لقد رأينا توترات بين اللبنانيين والسوريين في المخابز في جميع أنحاء البلاد”. وأعلنت السلطات اللبنانية الأسبوع الماضي عن تشكيل لجنة أمنية لقمع المعارك والاشتباكات في المخابز.
بدورها، دعت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين السلطات اللبنانية إلى “ضمان سيادة القانون وحماية جميع أبناء البلد”، فيما دعت المجتمع الدولي إلى زيادة مساعداته لهذا البلد.
مع ذلك، وفي إشارة إلى آثار أزمة الخبز على تفاقم أوضاع اللاجئين السوريين، أعربت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن أملها بوصول وشيك لـ 45 ألف طن قمح إلى بيروت وقرض 150 مليون دولار من البنك الدولي للحكومة اللبنانية، لشراء المزيد من الحبوب وحل هذه الأزمة.
ويأتي تقرير المفوضية السامية لللاجئين حول أوضاع اللاجئين السوريين، في وقت عرقلت فيه الدول الغربية، وخاصةً الولايات المتحدة، في الأشهر الماضية عملية التعاون بين لبنان وسوريا من أجل تسهيل عودة اللاجئين إلى المناطق المحررة من الإرهابيين، والتي يمكن أن تمهد الطريق لإنهاء الأزمة السورية بشكل كامل.
الإجراءات الحكومية.. من بناء الصوامع إلى تنظيم اللاجئين السوريين
لم يشكل لبنان بعد حكومةً جديدةً بعد الانتخابات البرلمانية في 15 مايو، لكن حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي وأعضاء البرلمان، وضعوا تدابير تعويضية على جدول الأعمال للتعامل مع أزمة الخبز.
فمن جهة، قال وزير الاقتصاد اللبناني، أمين سلام، لوكالة أسوشيتيد برس الأربعاء الماضي، إن لبنان يخطط لبناء صومعتين جديدتين للحبوب للتعامل مع أزمة الأمن الغذائي المتفاقمة.
وأضاف أمين سلام: “أعربت عدة دول ومنظمات دولية عن اهتمامها بتقديم قروض وعطاءات لصوامع جديدة تبلغ تكلفتها الإجمالية 100 مليون دولار”. وقال سلام إنه يجري محادثات أيضاً مع البنك الدولي والمفوضية لتمويلها.
لقد أدى انفجار عام 2020 في مرفأ بيروت، إلى إلحاق أضرار جسيمة بأكبر صوامع القمح في البلاد. وذکر وزير الاقتصاد اللبناني، أنه تسلَّم دراسةً فنيةً تقييميةً حول بناء صومعتين حبوب شمال العاصمة في ميناء طرابلس والبقاع الشرقي، من قبل البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية.
وحسب هذا المسؤول اللبناني، تبلغ سعة الصوامع المينائية 125 ألف طن. وأوضح: “بهذه الطريقة، عندما يكون لدينا هذه الصوامع الثلاثة، سيكون لدى لبنان إمدادات آمنة لمدة تصل إلى 9 أشهر”.
ومن جهة أخرى، على المستوى التشريعي، صوّت مجلس النواب اللبناني، الثلاثاء الماضي، على الحصول على قرض بقيمة 150 مليون دولار من البنك الدولي لاستيراد القمح، والذي، حسب أمين سلام، يمكن أن يحافظ على استقرار سعر الخبز لمدة ستة أشهر على الأقل. وقال إن لبنان يجب أن يتلقى هذا التمويل خلال الشهر المقبل.
والآن، بينما يبدو أن إجراءات الحكومة لتحسين وضع الخبز، على الأقل في المستقبل القريب جدًا، لا يمكن أن تحافظ على أفران المخابز اللبنانية دافئةً للمواطنين، يأمل معظم اللبنانيين في الأنباء التي تتحدث عن بدء تنفيذ الاتفاقيات بين روسيا وأوكرانيا لإنشاء ممر آمن لتصدير الحبوب، وهو ما تحقق في الأيام الماضية بوساطة تركية.
بالنسبة للبنان، الذي تضرر بشدة من العواقب الاقتصادية للحرب في أوكرانيا لأنه يعاني من مشاكل اقتصادية، فإن استمرار هذه الأزمة يعني أن أمامه أياما صعبة طويلة.
المصدر/ الوقت